لم يهنئه بعد بالفوز.. ما شكل العلاقات المغربية الأميركية بعهد بايدن؟

12

طباعة

مشاركة

تحت عنوان "التقدم والفرص الضائعة: المغرب يدخل عقده الثالث تحت حكم الملك محمد السادس"، أصدر معهد "بروكينجز" الأميركي تقريرا في يوليو/تموز 2020، جاء بتوصيتين.

أولاهما: تعزيز التغيير السياسي الحقيقي، معتبرا أنه "ينبغي على النظام المغربي تحقيق انفتاح سياسي ملموس، عبر الحد من تدخله في شؤون الحكومة، وعبر توزيع فعال للمهام بين النظام الملكي والحكومة".

أما التوصية الثانية: فتعلقت بالجانب الاقتصادي، والحد من التفاوت الاجتماعي للفئات الضعيفة، وقال التقرير: "ينبغي على النظام جمع الأموال (عبر إصلاح النظام الضريبي) لتحسين الظروف المعيشية لسكان المناطق الريفية (القرى)، ولتحسين التعليم والرفاهية للمجموعات الهشة".

البعض ربط بين التقرير وعدم تهنئة المغرب لبايدن بالفوز حتى الآن، إلا أن المتخصصين يعتبرون أن علاقات الدول الدبلوماسية لا تتأثر بهذا النوع من التقارير، فيما تعمق فريق ثالث في شكل العلاقة بين المغرب وأميركا في عهد بايدن، الذي سيدخل إلى البيت الأبيض بحلول 20 يناير/كانون الثاني 2021.

دبلوماسية التقارير

تقرير "بروكينجز" وقف على احتجاجات 2011، قائلا: النظام واجه خلالها مخاوف أمنية كبيرة؛ بسبب نشأة "تنظيم الدولة" في الدول المجاورة، والحراك الشعبي في منطقة الريف المتمردة تاريخيا، وبعد مرور عقدين.

وخلص التقرير إلى أن "عملية الإصلاح تبدو قد انهارت كُلِّيا، وبشكل عام سيزيد استمرار المصاعب الاقتصادية والقيود السياسية من الإحباط الشعبي، وسيؤجج المزيد من الاحتجاجات، بيد أنه ما زال باستطاعة الملك -الذي يبقى الفاعل السياسي الأقوى في البلاد- تهدئة هذا الوضع المتقلب، بحيث إن النظام لم يلجأ إلى العنف الوحشي بعد".

ويعتمد الاقتصاد، وفق التقرير على واردات النفط وقطاعَي السياحة والزراعة المتأرجحين، و"في العقد الماضي، واجهت الاحتجاجات -التي سببتها الأوضاع الاقتصادية الصعبة- قمعا مضطردا لجأ إليه النظام الذي يخشى تزايد عدم الاستقرار".

صحيفة "الأسبوع الصحفي" المقربة من دوائر القرار في المغرب، وصفت تقرير "بروكينجز" بـ"الأسود"، والذي يمكن أن يؤثر في علاقة المغرب بالرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.

وتساءلت الصحيفة، كيف ستكون علاقة جو بايدن بالمملكة المغربية؟ معتبرة أنها ستكون مرتبطة بالتقارير الممهدة التي تصنعها خلايا التفكير والمعاهد الأميركية الخاصة.

الصحيفة أشارت إلى أن تقرير "بروكينجز" يوجه عدة مؤاخذات للدولة المغربية، ورأت أن "أخطر" ما جاء به هو القول: إنه "رغم الإنجازات، بقي المغرب يواجه تحديات اجتماعية اقتصادية، فالبلاد تعاني معدلات بطالة مرتفعة، وفقرا وتفاوتا اجتماعيا، ورعاية صحية وتعليما رديئين، وفجوة مستمرة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية، ودَينا عاما ضخما".

اعتبرت الصحيفة في تقريرها أن علاقة بايدن بالمغرب يمكنها أن تتأثر بسبب هذا النوع من التقارير، وربطت بين الأمر وبين عدم تهنئة المغرب للآن الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن بالمنصب.

الإعلان النهائي

لكن كريم عايش، الباحث في العلوم السياسية قال: إن المغرب لم يهنئ جو بايدن بفوزه في الانتخابات؛ لأنه فضَّل -على غرار دول عديدة- "انتظار الإعلان النهائي وفق القواعد الدبلوماسية والقانونية المنظمة للعلاقات الدولية".

وقال الباحث، في تصريحات صحفية: "فوز بايدن لن يكون رسميا إلا بعد انتهاء مرحلة الطعون كما هو معمول به في كل الانتخابات الديمقراطية؛ إذ سيكون من السابق لأوانه التقدم رسميا بتهنئة، بينما الأجهزة التقريرية وأجهزة مراقبة الانتخابات لم تضع تقاريرها بعد، ولم تحسم المحكمة العليا الأميركية النتائج الرسمية".

وأضاف عايش: "الدبلوماسية المغربية حريصة على احترام الأعراف والقوانين، رغم كون ذلك لا يمنع المجاملات واللباقة في التصرف والمعاملة كما حدث من تكريم خاص لجو بايدن بالمغرب، والاحتفاء الذي لقيه كضيف كبير على المملكة يحظى بتقدير واحترام، وهي أمور تدخل في صميم المهنية الدبلوماسية وفي صميم البروتوكول المغربي، والذي يتعامل مع الأحداث وفق منهجية محددة ودقيقة تنبني على أساس الشرعية والمصداقية وحسن المعاملة".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014 زار بايدن -برفقة وفد رفيع المستوى- المغرب من أجل المشاركة في القمة العالمية الخامسة للمقاولات في مراكش، وكان حينها نائبا للرئيس السابق باراك أوباما.

حينها استقبَل بايدن في مطار مراكش المنارة الدولي، رئيسُ الحكومة السابق عبد الإله بن كيران. وبالنظر لكون القمة اقتصادية عالمية بامتياز، ركز نائب الرئيس آنذاك في كلمته على العلاقات الاقتصادية التي تربط بين المغرب وأميركا، كاتفاقية التبادل الحر، والاستثمارات الأميركية في المغرب وبرامج التنمية.

واعتبر جو بايدن الرئيس الأميركي المنتخب، المغرب شريكا اقتصاديا مهما للولايات المتحدة وأنه بمثابة البوابة نحو القارة الإفريقية مشيدا بريادته في عدد من القطاعات الاقتصادية والطاقية.

صديق قديم

وبمناسبة حضوره للقمة العالمية لريادة الأعمال بمراكش أجرى نائب أوباما -آنذاك- حوارا مع صحيفة "ليكونوميست" الناطقة بالفرنسية، ذكر فيه أن: المغرب "صديق قديم للولايات المتحدة، وأن بلاده ركزت على نجاحاته بكونه يسعى ليصبح نموذجا للإصلاح السياسي المتدرج".

وأشار بايدن إلى التزايد المتسارع للمبادلات التجارية بين البلدين بفضل اتفاق التبادل الحر الذي جرى توقيعه في 2006، مؤكدا أن "المغرب يعتبر فاعلا مهما في القطاع الفلاحي، ويتوفر لديه يد عاملة مهمة".

وأكد في ذات الحوار، أن بلاده عازمة على "تعزيز الشراكة مع المغرب الذي يعتبر أول بلد اعترف باستقلال الولايات المتحدة سنة 1777"، وحينها أيضا أعلن بايدن استثمار بلاده نحو 50 مليون دولار إضافية في إطار برنامج تحدي الألفية؛ لدعم إستراتيجية المغرب في مجال التكوين (التدريب) المهني.

تقارير صحفية في المغرب أجرت مقارنات بين العلاقة مع أميركا في عهد ترامب وكيف يمكن أن تكون في عهد بايدن، ورأى مراقبون أن أول عامين من حقبة ترامب لم تشهد علاقات المغرب بالولايات المتحدة الدينامية الكافية، خاصة على مستوى العلاقات السياسية، وأرجع البعض الأمر إلى الدعم الذي قدمه المغرب لهيلاري كلينتون منافسة ترامب في انتخابات 2016.

لكن، وفق مراقبين، وخلال آخر عامين من حكم ترامب عرفت العلاقات بين البلدين دينامية متسارعة وتبادل زيارات، وتفاهما قويا على مستوى عدد من الملفات التي تركز عليها واشنطن في إفريقيا، خاصة بالنسبة للساحل الإفريقي، والحرب على الإرهاب، والأزمة الليبية، وعلى مستوى التحركات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وكذا في التعاون العسكري.

صحيفة "بوابة إفريقيا الإخبارية"، خلصت -نقلا عن عدد من الخبراء- إلى أن هناك ثابتا في السياسات الخارجية للولايات المتحدة، لا يتغير بتغير الجالس في البيض الأبيض، ومن ذلك الثابت ربما: مثل هذه الملفات الحساسة.

تقاسم الرؤى

كيف ستكون العلاقة مع المغرب في عهد بايدن؟، هذا السؤال شغل بال الأوساط المغربية فور الإعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

رئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية محمد بنحمو، قال: "العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الشريكين اللذَين تجمعهما الكثير من المصالح المشتركة، ستتواصل في إطار من الاستمرارية بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض".

وأضاف بنحمو، في تصريحات صحفية: أن "المغرب والولايات المتحدة حليفان يتقاسمان رؤى حول قضايا كبرى، وملفات مرتبطة بالأمن الإقليمي والدولي. وعلاقاتهما ستندرج في إطار من الاستمرارية في عهد الرئيس بايدن".

وأوضح من جهة أخرى: أن الرئيس الأميركي الجديد سيكون عليه تكريس جهد هام للقضايا الداخلية التي ستشكل أولويته؛ حيث سيتعين عليه رفع العديد من التحديات، لا سيما السوسيو- اقتصادية والصحية.

وعلى الصعيد الدولي، أشار بنحمو إلى "عودة مجموعة من الملفات إلى الواجهة"، أبرزها القضايا المرتبطة بعلاقات الولايات المتحدة مع كل من روسيا والصين وإيران.

وقال رئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية: لن نشهد تغيرا كبيرا وجوهريا في هذا الصدد، لكن السيد بايدن سيقدم لمسته الخاصة التي ستكون مختلفة قليلا عن لمسة ترامب، كما سيقوم ببعض التعديلات"، مبرزا أن الرئيس الجديد سيسعى إلى نهج طريق الحكمة والاستمرارية.

استخلاص الدروس

فيما رأى الباحث السياسي المغربي، إدريس لكريني: أن فوز ترامب أو منافسه بايدن لن يحدث تحولا كبيرا في السياسة الخارجية لواشنطن تجاه العالم العربي في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة العربية.

وقال لكريني في حديث لصحيفة "سبوتنيك" الإلكترونية: "لا أتوقع أن السياسة الأميركية ستتغير تجاه المنطقة". وأضاف: "أعتقد أنه من المبالغ فيه أن نراهن على هذا الرئيس أو ذاك، على اعتبار أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا تصاغ في جزء كبير منها من قبل الرئيس، بل هناك مؤسسات أخرى تساهم بشكل واضح في بلورتها".

وأوضح أن أي رئيس أميركي سيأتي في ظل الظروف الراهنة لن تكون سياسته إلا مضرة بالمنطقة العربية، ما لم يكن هناك تحول على مستوى استخلاص الدروس من قبل الأنظمة العربية، وتفعيل جامعة الدول، وتجاوز الخلافات الموجودة.

وأضاف لكريني: أن "هناك مجموعة من القضايا العربية والإقليمية والدولية تحتاج إلى تقارب في وجهات النظر والمواقف؛ مثل: الملف الإيراني، والموقف من القضية الفلسطينية ومستقبلها، وغيرها من القضايا التي تستدعي أن يكون هناك تنسيق وتعاون".

أما بالنسبة للعلاقات المغربية الأميركية، يرى ليكريني أن هذه العلاقات "بحاجة إلى تطوير أكثر لدعم المصالح الاقتصادية والإستراتيجية للمغرب".

ولفت في هذا الصدد إلى أن "واشنطن تراهن على تطوير علاقاتها مع المغرب بالنظر لموقعه الإستراتيجي كبوابة نحو إفريقيا، ودوره في تعزيز علاقات أميركا بالبلدان الإفريقية في قضايا التعاون الدولي فيما يتعلق بمواجهة التهديدات والمخاطر في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، وخصوصا ما يتعلق منها بإشكالات الهجرة السرية والإرهاب والتهريب وغيرها".

بدوره، شدد الباحث في المركز العربي بواشنطن، جو معكرون، في حواره مع موقع "بناصا" المغربي على أن العلاقات الثنائية الأميركية - المغربية ستبقى قوية، ولن تتأثر كثيرا؛ لأن المغرب نجح بالبقاء بعيدا عن الخلافات الحزبية الداخلية الأميركية، لكن قد يكون هناك مقاربة جديدة مع بايدن حيال ملف التطبيع العربي - الإسرائيلي مقارنة مع ترامب.

وتابع معكرون: "الرباط أثبتت أنها قادرة على التأقلم مع تغيرات السياسة الأميركية التي لا تعطي اهتماما كبيرا لشمال إفريقيا، بالإضافة إلى تباين إداراتها المختلفة، وترددها في التعامل مع قضية الصحراء، وهذة الفوارق قد لا تكون كبيرة في عهد بايدن".