مخابرات دولية تلاحق البغدادي في 4 مناطق.. أين اختفى؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شغل مصير زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي، حديث وسائل إعلام أمريكية، وأخرى عراقية محلية، بعد إعلان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب عبر تغريدة على "تويتر" في فبراير/ شباط الماضي، تحقيق النصر على التنظيم بنسبة مئة في المئة.

آخر الجيوب

لم يكتف ترامب بهذا الإعلان، فقد تحدث للصحفيين بالبيت الأبيض في 21 مارس/آذار الماضي، وهو يحمل خريطتين، قائلا: "الخريطة التي يوجد فيها اللون الأحمر كانت ليلة الانتخابات عام 2016.. كل شيء بالأحمر يمثل داعش (تنظيم الدولة).. عندما توليت الأمر كانت هناك فوضى.. الآن في الأسفل هي الخريطة نفسها ولكن ليس هناك لون أحمر.. باستثناء بقعة صغيرة ستزول الليلة".

وبعد استعراض ترامب لهذا الإنجاز الذي نسبه لنفسه، أعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" -المكونة أساسا من وحدات حماية الشعب الكردية والمدعومة من واشنطن- أنها سيطرت على بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، آخر معاقل تنظيم الدولة، وصرح قادتها العسكريون بأنهم يقومون بعملية التمشيط تمهيدا لإعلان النصر وانتهاء التنظيم.كما ذكرت وكالة "هاوار" الكردية، أن "قوات سوريا الديمقراطية حررت كامل الباغوز"، معتبرة أن "معركة دحر الإرهاب انتهت"، التي بدأت آخر مراحلها في 18 أيلول/سبتمبر الماضي تحت اسم "عاصفة الجزيرة".

لكن قادة في "قوات سوريا الديمقراطية" نفوا أنباء النصر، مؤكدين أن المعارك ما زالت مستمرة، ودون إشارة إلى أعداد الضحايا والنازحين.

وفي 13 مارس/ آذار الماضي، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، "استسلام" 3 آلاف مقاتل من تنظيم الدولة في بلدة الباغوز في شرق سوريا في غضون 24 ساعة.

وأفاد مصطفى البالي مدير المركز الإعلامي في صفوف هذه القوات عبر تغريدة على "تويتر"، بأنه: "خلال 24 ساعة، استسلم ثلاثة آلاف إرهابي لقواتنا في الباغوز"، مؤكدا أن "المعركة مستمرة، وساعة الحسم أصبحت أقرب من أي وقت مضى".

وكان وجود التنظيم يقتصر في الباغوز على مخيم عشوائي على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، محاط بأراض زراعية تمتد حتى الحدود العراقية.

وفي الأسابيع الأخيرة، علّقت هذه القوات مرارا هجومها ضد جيب التنظيم، ما أتاح خروج عشرات الآلاف من الأشخاص، غالبيتهم نساء وأطفال من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم.

وعرضت وسائل إعلام قوات سوريا الديمقراطية، المئات من مقاتلي وعائلات تنظيم الدولة، أثناء خروجهم من الباغوز، وخضع الرجال والنساء والأطفال وغالبيتهم من عائلات مقاتلي التنظيم لعمليات تفتيش وتدقيق في هوياتهم بعد خروجهم.

وتمّ نقل الرجال المشتبه بأنهم ينتمون للتنظيم إلى مراكز اعتقال، فيما أرسل الأطفال والنساء إلى مخيمات في شمال شرقي البلاد، أبرزها مخيم الهول الذي بات يأوي أكثر من 66 ألفا.

مُطارد ثمين

رصدت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، مبلغ 25 مليون دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تقود لاعتقال زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي.

ألقى الطيران العراقي، في 3 أبريل/ نيسان الجاري، منشورات في محافظة الأنبار غربي البلاد تضمنت الإعلان عن مكافأة مالية قدرها 25 مليون دولار لمن يدلي بأي معلومات تقود لوكر زعيم التنظيم.

وقال إبراهيم العوسج قائم مقام الرمادي، مركز محافظة الأنبار لوكالة أنباء "شينخوا": إن "طيران الجيش ألقى المنشورات في عموم محافظة الأنبار وخاصة الرمادي، تضمنت تخصيص مكافأة مالية قدرها 25 مليون دولار لكل من يدلي بمعلومات تقود لاعتقال البغدادي".

ويحمل المنشور في جانبه الأيسر صورة البغدادي وفوقها كتب باللون الأصفر "قائد داعش في العراق والشام أبو بكر البغدادي" وتحت الصورة كتب أيضا باللون الأصفر "25 مليون دولار مكافأة مادية للمعلومات التي ترشدنا للقبض عليه".

وفي مقابل صورة البغدادي، كتب في الجهة اليمنى من المنشور "قائد داعش ومقاتلوه سرقوا أرضكم وقتلوا أهلكم، وهو الآن مختبئ بأمان بعيدا عن الموت والدمار الذي زرعه، بمعلوماتك تستطيع أن تنتقم منه ومن دماره، اتصل بنا أو ارسل لنا رسالة عبر الواتساب"، ووضعت أرقام هواتف وتحتها عبارة "جميع الاتصالات آمنة".


وكانت وكالة "الأسوشيتدبرس" الأمريكية، قد قالت في 26 مارس/آذار الماضي، إنه ورغم اندحار داعش في العراق وسوريا، ما زال زعيمه ابو بكر البغدادي المطلوب الأول في العالم.

واوضحت الوكالة في تقريرها أن تنظيم الدولة فقد كل معاقله التي كان يسيطر عليها خلال فترة من الزمن في العراق وسوريا، ولكن "زعيمه الظلي" ما يزال طليقا.

ومع عرض مكافأة قدرها 25 مليون دولار مقابل رأسه، ما يزال البغدادي وفقا للوكالة يعتبر أكثر شخص مطلوبا للعدالة في العالم، كونه مسؤولا عن قيادته لـ"تنظيم متطرف وحشي في تنفيذ مجازر جماعية لمعارضيه والدعوة والتحريض لتنفيذ هجمات إرهابية عبر قارات العالم وفي قلب أوروبا".

ورغم الادعاءات الكثيرة بمقتله خلال السنوات القليلة الماضية، فان مكان تواجد البغدادي ما يزال لغزا. فقد ظهر للعلن مرة واحدة فقط في العام 2014. ومنذ ذلك الحين قُتل الكثير من كبار مساعديه أغلبهم خلال ضربات جوية للتحالف، تقول "الأسوشيتدبرس".

وأضافت، أنّ من بين الأعداد القليلة الباقية من كبار قياديي تنظيم الدولة الذين ما يزالون طلقاء بعد سنتين من هزائم متواصلة في أراضي المعارك؛ التي شهدت انتهاء أرض الخلافة المزعومة بعدما كانت مساحتها توازي مساحة بريطانيا.

وفي الأيام الأخيرة لتنظيم الدولة عندما ضيّقت "قوات الديمقراطية السورية"، الخناق على الجيب الأخير للمسلحين شرقي سوريا في قرية الباغوز قرب الحدود العراقية، فإن الاحتمالية كانت ما تزال باقية بأن البغدادي قد يظهر هناك.

وتواصل الوكالة، أن عدة مئات من قياديي تنظيم الدولة ومسلحيهم المتشددين، أغلبهم من العراقيين، كانوا في تلك القرية التي مثلت معقلهم الأخير قبل استسلامهم.

أنفاق للتنقل

من جهته، قال المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل شون رايان في حديث لـ"الأسوشييتدبرس": "لم يتمكن التحالف من احتوائه ولا حتى يعرف مكان تواجده".

ونقلت الوكالة عن محمد خضر، مساعد مؤسس مجموعة صوت وصورة، التي توثق لتنظيم الدولة، قوله: إن "آخر مرة شوهد فيها البغدادي في المنطقة كان قبل نحو 15 شهرا، مستشهدا بأقوال مصادر على الأرض وإفادات الاشخاص الذين غادروا المنطقة ".

من جانب آخر، يعتقد مسؤولون استخباريون عراقيون بأن البغدادي يختبئ في مكان ما في الصحراء الممتدة عبر الحدود العراقية السورية، مستخدما أنفاقا للتحرك في المنطقة وبين البلدين.

ونقلت "الأسوشيتدبرس" عن مسؤول استخباري رفيع قوله: "إنه لا يستخدم أية وسيلة اتصال أو إنترنت لتفادي تعقبه من قبل طائرات التحالف. وعندما يريد اأن يلتقي بشخص معين من التنظيم، فإنهم يقومون بجلبه إليه بشكل انفرادي في سيارات تقف على بعد ساعتين تقريبا من مكان تواجد البغدادي، ومن ثم يجلبونه إليه بشكل انفرادي على دراجات نارية".

مسؤول آخر، برتبة عقيد، قال: إن "الأمريكان استهدفوا مؤخرا بعضا من الأشخاص المقربين من البغدادي ضمنهم حارسه الشخصي خالد السعودي المعروف بكنية خلاد، الذي قتل قرب منطقة البعاج على الحدود العراقية السورية". وأضافت الوكالة ناقلة عنه قوله إنه "تم إلقاء القبض على زوجة خالد".

وقال العقيد، إن مساعدا آخر مقربا من البغدادي قتل مؤخرا أيضا وألقي القبض على زوجته"، مشيرا الى أن "الأمريكان يعتقدون بأن مثل هكذا أهداف ستقودهم إلى البغدادي".

ما مصيره؟

في عام 2017، قال مسؤولون روسيون، إن "هناك احتمالية عالية أن يكون البغدادي قد قتل بغارة روسية على ضواحي مدينة الرقة، ولكنّ مسؤولين أمريكان ذكروا فيما بعد بأنهم يعتقدون أنه ما يزال على قيد الحياة ".

لكن البغدادي عاد للظهور مرة أخرى عبر رسالة صوتية بثت في أواخر سبتمبر/أيلول عام 2017، دعا فيها أتباعه إلى أن يحرقوا أعداءهم أينما كانوا. شريط صوتي آخر بث في أغسطس/ آب الماضي، حث فيه البغدادي أتباعه على المواظبة على محاربة أعداء التنظيم.

من جهته، قال الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي لـ"الاستقلال" إن "المؤكد أن البغدادي لا زال حيا ولم يلق القبض عليه، وأن كل الاحتمالات الاستخبارية حول أماكن تواجده حصرت في أربع مناطق في سوريا اثنتين والعراق أيضا منطقتين".

وأضاف: "أظن أن هذه الاحتمالات هي ذكرت حتى لا تحرج هذه الأجهزة المخابراتية، وهي صحراء تدمر وبادية حمص وجزيرة راوة وصحراء الأنبار، هي أكبر بكثير من محافظات في العراق وسوريا، بالتالي كالذي يبحث عن إبرة في الصحراء".

وأشار الهاشمي إلى أن "وجود متابعة وملاحقة للدائرة الضيقة للبغدادي وليس رصدا، لأنه لا يمكن لجهاز أمني أن يرصد أو يشتبه بقيادات داعش من دون أن ينفذ عليه عملية عسكرية مباشرة، بالتالي هناك ملاحقة وليست في شيء، في الغالب الملاحقات تنتهي بالفشل".

ورأى الخبير العراقي أن "الصدفة وحدها سوف تخدم في قتل أو إلقاء القبض على البغدادي، عدا ذلك لا أظن أن هناك جهازا يمتلك معلومات ثم لا يتوجه إلى العمل باتجاهها".

ورجحت صحيفة "واشنطن اكزامنر" الأمريكية، اختباء زعيم تنظيم  الدولة أبو بكر البغدادي بين مجموعة من المنازل الآمنة في محافظة الأنبار، مشيرة إلى أن البغدادي يقتفي أثر زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في التخفي.

وقالت في تقرير لها نشرته في 2 أبريل/ نيسان إنه "استنادا الى كيفية اختباء قادة داعش في الماضي؛ فإنه يمكن القول بأن البغدادي يتنقل في الاختباء بين منزل واحد أو عدة منازل آمنة في محافظة الأنبار".

وأشارت إلى أن "نموذج اختباء البغدادي مشابه لنموذج اختباء أسامة بن لادن في منطقة آبوت آباد في باكستان، حيث كان بن لادن قادرا على العيش بطريقة مريحة نسبيا في ظل افتراض سلامته".

وأضافت الصحيفة أنه "من المؤكد أن المنازل الآمنة العراقية آمنة لداعش أكثر من المنازل الموجودة في سوريا، فضلا عن  البيئات الحضرية الكبيرة المترامية الأطراف في الأنبار ومدن أخرى كالرمادي والفلوجة التي تعتبر موطنا لمقاتلي التنظيم ذوي الرتب الدنيا".

ولفتت الصحيفة إلى أن "البغدادي محصن بكثير من الدولارات وواحد أو اثنين من الحراس الشخصيين الموثوق بهم في مكان ما في تلك المنطقة"، مرجحة أن "يسقط البغدادي في النهاية بقبضة الأجهزة الاستخبارية التي تبحث عنه".

ما أهميته؟

وعلى الرغم من تخصيص مكافأة ضخمة مقابل الوصول إليه، فقد قال المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل جيمس رولنسون: إن "زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي لم يعد مهما".

وأوضح رولنسون خلال مقابلة تلفزيونية في 5 أبريل/ نيسان الجاري، أن "دور البغدادي لم يعد مهما أو فاعلا في قيادة التنظيم، إضافة إلى أن قيادة البغدادي في داعش لم تعد ذات أهمية هذه الأيام، على الرغم من أن ملاحقته مستمرة لتتبع أي أثر له".

وتعليقا على الموضوع، قال الخبير العراقي في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي: إن "هذا الكلام ليس صحيحا، داعش بدون البغدادي لا قيمة لها، فهي لديها ثلاثة مقومات الأولى إعلان الخلافة والثانية كسر الحدود والثالثة شخص الخليفة، خسروا الأولى والثانية، والأخيرة أهم قضية مركزية تجتمع عليها هذه الجماعات المتناثرة في ثماني ولايات لهذا التنظيم".

وفي المقابل، رأى الإعلامي العراقي عدي السامر في حديث لـ"الاستقلال" أن "تنظيم الدولة صنيعة ولا يملك الإرادة الكاملة في التحرك، فقد يكون البغدادي اعتقل في منطقة الباغوز بعدما انحسر التنظيم على يد قوات سوريا الديمقراطية التي تشرف عليها الولايات المتحدة".

ولم يستبعد أن "تكون الولايات المتحدة الأمريكية، بصدد ترتيب سيناريو لإعلان القبض على البغدادي، لتحقيق نصر في توقيت معين تسعى واشنطن لتحقيق هدف ما من ورائه"، متسائلا: "فكيف نفسر اختفاء البغدادي بعد انحسار التنظيم في مساحة لا تتجاوز بضع كليومترات في الباغوز السورية على الحدود مع العراق، واعتقال ما تبقى من عناصر التنظيم مع عائلاتهم؟".

وأيّد السامر ما ذهب إليه الجنرال الأمريكي، بالقول أن "البغدادي لم يعد بالفعل يشكل أهمية، لأن الخلافة المزعومة قد انتهت باستعادة جميع الأراضي في العراق وسوريا، واعتقال ما تبقى من أفراد التنظيم وفيهم عدد من القيادات القريبة من البغدادي في آخر معاقله، وهذا يدل على انهيار جسد التنظيم بشكل كامل".