فوربس: لهذه الأسباب يعجز لبنان عن تنفيذ "إصلاحات" صندوق النقد

12

طباعة

مشاركة

أكدت مجلة فوربس الأميركية أن لبنان الغارق في الأزمات منذ شهور، يواجه تحديات سياسية ومالية كبيرة تعرقل جهود تسوية ديونه المتراكمة.

وبعد مرور عام على أول تخلف عن سداد الديون السيادية للبنان، تدهور الوضع في البلاد بشكل حاد. ودفع الشلل السياسي والانخفاض الكبير في مستويات المعيشة وتداعيات جائحة كورونا المتظاهرين إلى الشوارع مرة أخرى.

ولم يتمكن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري من تشكيل حكومة جديدة، بعد سبعة أشهر من استقالة الحكومة السابقة في أعقاب انفجار ميناء بيروت في أغسطس/آب 2020. 

وبدون حكومة جديدة، لا يمكن للبنان تأمين برنامج من صندوق النقد الدولي أو دعم المانحين الدوليين، ولا يمكنه إعادة هيكلة ديونه السيادية البالغة 90 مليار دولار. 

وقوبلت الدعوات الأخيرة التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي (في 7 مارس/آذار)، لإدارة جديدة محايدة في النزاعات الإقليمية بتأييد في الشارع، لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الدعوات ستؤدي إلى أي شيء. 

وقالت الدكتورة فلورنس عيد أوكدن، الرئيس التنفيذي وكبير الاقتصاديين في أرابيا مونيتور (مؤسسة بحثية اقتصادية مقرها لندن): "إن الاستجابة المؤثرة لنداء البطريرك بطرس الراعي بالحياد توضح بوضوح كيف أن اللبنانيين على استعداد للاستجابة لجعل البلاد على المسار الصحيح"، لكن مفتاح الجهاز السياسي في لبنان ليس في أيدي المتظاهرين.

وقال وسيطان لموقع "ديبت واير" المختص بالمجال الاقتصادي، إن تداول السندات الحكومية اللبنانية راكد مثل المشهد السياسي، إذ لا يمكن للمستثمرين المرهقين الراغبين في الخروج من الائتمان القيام بذلك إلا بخسارة فادحة. 

وتقدر وكالة "موديز" الاقتصادية، أن الخسائر التي يتكبدها حاملو السندات (بالعملة المحلية والأجنبية) من خلال التخلف عن السداد في لبنان من المرجح أن تتجاوز 65 بالمئة. 

ويشعر حامل السندات الحكومية بالإحباط لأنه لا توجد حتى الآن حكومة للتفاوض على أي صفقة، ما جعل من الصعب تقييم قيمة الاسترداد. 

خطط الإصلاح المتنافسة 

وبعد أن تخلف لبنان عن سداد سندات دولية في مارس/ آذار 2020، نشرت الحكومة خطة إنعاش مالي في مايو/أيار لتقديم طلب للحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي. 

وبالإضافة إلى خطط خفض الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 175 بالمئة في 2019 إلى 89 بالمئة في 2027، تضمنت الخطة إعادة هيكلة القطاع المالي من خلال إنقاذ المساهمين والمودعين. 

وقوبلت الخطة بانتقادات شديدة من قبل جمعية مصارف لبنان المؤلفة من دائني البنوك المحلية للحكومة، والتي قدمت خطة استرداد بديلة توقعت استخدام 40 مليار دولار من الأصول العامة لتسوية ديون الحكومة لمصرف لبنان، وتجنب عمليات الإنقاذ والتخلف عن سداد الديون السيادية الداخلية.

وأيد صندوق النقد الدولي خطة الحكومة الإصلاحية لكن المفاوضات لم تتقدم وسط حالة الاقتتال السياسي. ويجد لبنان نفسه مرة أخرى بدون مسؤول تنفيذي، حيث توقفت مناقشات إعادة هيكلة الديون والقطاع المالي منذ أغسطس/آب 2020.

وقال مصدر مقرب من الوضع: "كل من مصرف لبنان المركزي ومستشاري إعادة الهيكلة التابعين للحكومة يقومون ببساطة بتحديث الخطط بأحدث البيانات، على أمل أن تكون هناك بداية للمفاوضات في مرحلة ما".

ويعد مستقبل التدقيق الجنائي على مصرف لبنان المركزي، الذي يحظى بدعم صندوق النقد الدولي والعديد من المانحين الدوليين، غير واضح أيضا في هذه المرحلة وفق التقرير.

وكان مصرف لبنان قال في فبراير/شباط 2021 إنه سيتعاون مع شركة ألفاريز آند مارسال، التي استقالت من منصب مدقق الحسابات في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بعد أن رفض مصرف لبنان مشاركة المستندات، مستشهدا بقانون السرية المصرفية في البلاد.  

لكن البرلمان اللبناني رفع مؤقتا السرية المصرفية عن الحسابات العامة، مما يعني أن خطة التدقيق ممكنة الآن.

ويواجه محافظ مصرف لبنان رياض سلامة، المشرف على السياسة النقدية غير التقليدية التي أطلق عليها اسم "الهندسة المالية"، منذ فترة طويلة عقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من شأنها أن تمنعه ​​من ممارسة الأعمال التجارية في الخارج، وفقا لتقارير نشرت خلال مارس/آذار 2021.

 ونفت واشنطن التقارير، وقال محافظ مصرف لبنان إنه سيقاضي المنفذ الإخباري المسؤول عن هذه نشرها. 

ويواجه سلامة أيضا تحقيقا قضائيا في بيروت بشأن مخالفات مزعومة في مخطط صرف العملات الأجنبية لاحتواء التضخم في البلاد. كما يحارب اتهامات في سويسرا بشأن مزاعم غسل الأموال والاختلاس، وهو ما ينفيه أيضا.

الانهيار الاقتصادي

في غضون ذلك، يشارف الاقتصاد اللبناني على الانهيار، حيث أن هناك ثلاثة أسعار صرف رئيسة مستخدمة في البلاد، تتراوح بين 1507.5 ليرة لبنانية رسمية لكل دولار يستخدمه مصرف لبنان لدعم الواردات الهامة، إلى سعر السوق السوداء الذي يقارب 10 آلاف ليرة للدولار، وفقا للبنك الدولي. 

كما تسبب نقص الدولار الأميركي في ضغوط كبيرة على البلاد ومواطنيها.

وباستثناء الاحتياطيات المصرفية الإلزامية (15 بالمئة من ودائع العملات الأجنبية للبنوك التجارية) من احتياطيات العملات الأجنبية بقي فقط ملياري دولار من تلك الاحتياطيات القابلة للاستخدام، وهو ما يكفي لتغطية ستة أشهر أخرى من الواردات الهامة المدعومة بالسعر الرسمي وفقا لوكالة موديز.

وفي ظل الوضع الحالي، تتوقع وكالة موديز أن يستمر الاقتصاد في الانكماش هذا العام بنسبة 6.6 بالمئة بعد انكماش يقدر بنحو 25 بالمئة في عام 2020. 

وتتوقع وكالة التصنيف أن يصل التضخم إلى 100 بالمئة في عام 2021، قبل أن ينخفض ​​إلى 50 بالمئة في عام 2022.

ووفقا لنائبة رئيس وكالة موديز إليسا باريسي كابوني، فإن الحاجة الملحة للإصلاحات اللازمة لإطلاق التمويل الدولي تشمل جعل المالية العامة والنظام المصرفي قادرا على السداد مرة أخرى من خلال إعادة هيكلة الديون الشاملة، وتشريع لإضفاء الطابع الرسمي على ضوابط رأس المال وإلغاء نظام سعر الصرف المتعدد الحالي. 

بالإضافة إلى بدء عمليات تدقيق حسابات البنك المركزي والمؤسسات المملوكة للدولة مثل شركة كهرباء لبنان. لكن احتمالات تنفيذ كل هذه الإجراءات لا تزال غير مؤكدة.

وقال مصرفي لبناني مغترب: "أرى هذا كسيناريو فنزويلي، حيث تتخلف الحكومة عن سداد الديون ولا تسددها أبدا. لا أحد في لبنان قادر على القيام بالإصلاحات التي يريدها صندوق النقد الدولي، والفجوة أكبر من أن نخرج منها".

وأشار مستثمر مقيم في لندن إلى أن لبنان يواجه مشكلة  جوهرية، حتى لو حسم المأزق المالي والسياسي الحالي.

وأوضح قائلا "الحكومة الجديدة هي البداية، لكنها بحاجة إلى نموذج اقتصادي في هذه المرحلة".