تحدد مصير اليمن لسنوات مقبلة.. لمن تكون الغلبة في معركة مأرب؟
.jpg)
تشهد مدينة مأرب اليمنية منذ 7 فبراير/شباط 2021، معارك طاحنة بين قوات الجيش الوطني وجماعة "الحوثي" الانقلابية، تعد هي الأعنف منذ انقلاب الجماعة على الدولة في سبتمبر/أيلول 2014.
ومع أن الأطراف المتقاتلة خاضت معارك شرسة خلال السنوات الماضية، إلا أن هذه المعركة مصيرية وانتصار أحد الأطراف فيها سوف يحدد مصير اليمن لسنوات قادمة بحسب تقرير لمؤسسة "جيمس تاون" الأميركية المختصة بتحليل السياسات الإستراتيجية للدول.
المعقل الأخير
يستميت الحوثيون في السيطرة على هذه المدينة النفطية، لعدة أسباب، منها أنهم بحاجة لتمويل حربهم، في ظل تراجع الدعم المالي الإيراني مؤخرا بسبب تردي اقتصاد طهران، وفق مراقبين.
وبحسب متابعين، فإن مأرب هي آخر معقل للشرعية التي تقاتل الحوثيين، وبالسيطرة عليها تكون الحرب قد حُسمت في جغرافيا الشمال اليمني لصالح الحوثيين، وتم تصفية الشرعية بشكل كامل.
علاوة على ذلك، فإن سيطرة الحوثيين على مأرب سوف يشكل تهديدا إستراتيجيا للسعودية، لأنه سيقود إلى السقوط الحتمي لكامل محافظة الجوف المجاورة لها والحدودية مع السعودية، وهو الأمر الذي يريده الحوثيون لتحسين شروط المفاوضات مع الرياض، وتدفع به إيران في مفاوضاتها على الملف النووي.
الفرضية السابقة أكدها تصريح لأمين جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بقوله: إن هجمات الحوثيين على مأرب "تستهدف تحسين الوضع التفاوضي للحوثيين بطلب من إيران".
خبراء يؤكدون أن التحضير لمعركة مأرب قد تم منذ تعيين ضابط الحرس الثوري حسن إيرلو في أكتوبر/تشرين الأول 2020، سفيرا لطهران لدى جماعة الحوثي، حيث بدأ الحوثيون حملات مكثفة لتجنيد المقاتلين من أبناء القبائل وتدريبهم في معسكرات خاصة، في عدد من المناطق اليمنية.
سبق لوزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو الإشارة في أحد تصريحاته إلى أن تعيين حسن إيرلو سفيرا لإيران باليمن يؤكد نية طهران زيادة الدعم للحوثيين وهو ما يعقد جهود تسوية الصراع اليمني.
كتلة صلبة
في مقابل ذلك، فإن قوات الجيش الوطني تقاتل بشراسة في محيط المدينة، وما يدفعها للاستماتة في هذه المعركة أنها المعقل الأخير لها، بعد أن سيطر الحوثيون على معظم محافظات جغرافيا الشمال اليمني.
تحولت مأرب إلى قاعدة انطلاق لقوات الجيش الوطني مدعومة بالمقاومة الشعبية التي تنتمي لعدة مناطق في اليمن.
من ناحية أخرى، فإن الكتلة الصلبة للمقاومة الشعبية في مأرب تتشكل من أبناء محافظة مأرب أنفسهم، ما يمنح المقاتلين حافزا للدفاع عن أرضهم، فضلا عن قتالهم بعقيدة دينية ووطنية ترى أن الحوثيين أداة للغزو الإيراني لليمن، واحتلاله على غرار ما هو حاصل في لبنان والعراق وسوريا، وهو الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على بقية المقاتلين، وفق خبراء.
علاوة على ذلك، فإن مأرب قد غدت ملجأ لأكثر من مليوني نازح، فروا من الحرب التي اندلعت في عدة محافظات السنوات الماضية، وسقوط مأرب بيد الحوثيين سوف يتسبب باستمرار رحلة التشرد التي تهدد النازحين.
وفي 26 فبراير/شباط 2021، استهدفت الجماعة بعدة صواريخ بالستية مخيمات ومنازل للنازحين، ما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا المدنيين، في ظل صمت وتجاهل دولي وعدم تحرك من قبل المنظمات الأممية.
بعد الحرب تحولت محافظة مأرب من مدينة صغيرة قبل الحرب، إلى سوق مزدحمة ومدينة مليئة بالحياة، وارتفع عدد سكانها بسبب حركة النزوح من نحو 300 ألفا هم عدد سكان أبنائها، إلى نحو مليوني شخص ما ينذر بخسائر بشرية هائلة في حال اندلع الصراع في مأرب على غرار ما حصل في تعز (جنوب).
صراع وجودي
الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي عدد أسباب شراسة المعركة في مأرب، بالمكانة الرمزية لها، ولكونها في الأساس مكتظة بملايين السكان الذين قرروا مواجهة مليشيا الحوثي وخوض صراع وجودي معها، ولأنها بالإضافة إلى ذلك مفتاح للسيطرة على الثروات النفطية والغازية التي يريدها الحوثيون لاستكمال بنيان دولتهم الانفصالية في الشمال.
التميمي قال لـ"الاستقلال": "ثمة أسباب أخرى تتعلق بالمشاريع الإقليمية التي تدخر معركة مأرب لتحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه لجهة تطويع الشرعية للقبول بالنتائج الجيوسياسية الجديدة في سقطرى والمهرة وباب المندب، وأعني بها الوجود الإقليمي والنفوذ العسكري ومحاولة تقسيم البلاد".
وتابع الكاتب اليمني: "سكان مأرب والجيش الوطني والمقاومة يستميتون في الدفاع عن مأرب، لأنها معقل يتعلق بوجودهم الكريم على أرضهم، وبدونه سيبدؤون رحلة تشرد جديدة لن يرحب أثناءها بهم أحد".
مضيفا: "أهالي مأرب مصنفون بشكل مبالغ فيه بأنهم إخوان مسلمين خصوصا في المحيط الإقليمي وحتى من قبل المجتمع الدولي الذي بات يدرك حجم المأساة الإنسانية التي قد تنجم عن معركة مأرب".
أما عن مآلات المعركة وفق المعطيات الحالية فيقول التيمي: "في تصوري فإن المعركة ستظل على ما هي عليه في محيط مأرب موجهة نحو استنزاف الطرفين المتقاتلين، لأن حسم المعركة لصالح الحوثيين لن يؤذي الشرعية فقط بل سيشكل نهاية طبيعية للتدخل العسكري للتحالف".
موازين القوى
وفق خبراء، يمتلك الحوثيون نقاط قوة في معركة مأرب، وهو الأمر الذي مكنهم من الهجوم، في حين بقيت الشرعية في موقف الدفاع عن المدينة، فالحوثيون يسيرّون أفواجا هائلة من المقاتلين الذين جندوهم من أبناء القبائل.
ويضيف الخبراء أن الحوثيين يمتلكون أسلحة نوعية حصلوا عليها من المعسكرات الذين سيطروا عليها أثناء انقلابهم على الدولة، بالإضافة إلى الدعم العسكري الذي يتلقونه من إيران والذي يصل عبر شحنات بحرية إلى ميناء ميدي، وهو ما كشف عنه مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن إلى اليمن تيموثي ليندر كينغ.
يسعى الحوثيون للحصول على موقف إقليمي يتماهى معهم، خصوصا من قبل الأطراف التي ترى أن الشرعية في مأرب تشكل تهديدا على الأنظمة العربية بصفتها تحمل تشكيلات من حزب الإصلاح المحسوب على تنظيم الإخوان المسلمين والذي كان أحد أهم فصائل الثورة اليمنية التي طالبت برحيل النظام، حسب مراقبين.
وبينما يحظى الحوثيون بدعم مادي ومعنوي من قبل طهران، فإن قوات الجيش الوطني تعاني من شح في الدعم المادي والعسكري، فالسعودية بصفتها قائدا للتحالف لا تدعم الشرعية بما يمكنها من الانتصار، وتقطع عنها الدعم بالسلاح العسكري الذي يمكنها من حسم المعركة لصالحها.
ما سبق كشف عنه الرئيس السابق لدائرة التوجيه المعنوي في الجيش اللواء محسن خصروف في وقت سابق، قائلا: "لا يوجد دعم حقيقي، سوى من غارات جوية أخيرة استهدفت فيها الطائرات السعودية كتائب للحوثيين في معركة مأرب".
أما الإمارات شريك التحالف التي تدخلت في اليمن بحجة إنهاء الانقلاب الحوثي، فتدعم سيطرة الحوثيين على مأرب، لأنها ترى في قوات الجيش الوطني، فصائل ثورية سعت منذ اليوم الأول لمقاتلتها وإفشال مشروعها الثوري، حسب متابعين.
الإمارات تعتقد أن سيطرة الحوثيين على الشمال، سيسهل مهمتها في فصل الجنوب عن الشمال ويمنحها السيطرة الكاملة على الجنوب، وهو ما كشفت عنه تصريحات عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، في مقابلته مع صحيفة الغارديان البريطانية مطلع مارس/آذار 2021.
الزبيدي قال إن هجوم الحوثيين على مأرب قد يقود إلى موقف يكون فيه المجلس الانتقالي مسيطرا على الجزء الجنوبي من اليمن، و"الحوثي" مسيطرة على الجزء الشمالي وسيكون من المنطقي حينها إجراء محادثات مباشرة بين كافة الأطراف المسيطرة.
المصادر
- مأرب: مدينة خلف خطوط الحرب
- بومبيو: تعيين حسن إيرلو سفيرا لإيران باليمن يشير إلى نية طهران زيادة الدعم للحوثيين ويعقد جهود تسوية الصراع اليمني
- اليمن يدعو لحماية نازحي مأرب... والحوثيون يكثفون إطلاق الصواريخ
- Marib: Local Changes and the Impact on the Future of Yemeni Politic
- War and famine could wipe out the next generation of Yemenis