أزمة دستورية تؤجل الانتخابات في الصومال.. ما طبيعتها وطرق حلها؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رسميا، انتهت فترة ولاية رئيس الصومال محمد عبد الله فرماجو التي استمرت 4 سنوات في 8 فبراير/شباط 2021، لكنه رفض ترك منصبه، تجنبا لـ"أي فراغ سياسي في السلطة"، بعد فشل المفاوضات مع المعارضة لوضع خارطة للانتخابات، لتدخل البلاد في أزمة يترقب العالم حلها سريعا.

وبموجب المادة 95 من الدستور الصومالي يتولى رئيس البرلمان منصب رئاسة الجمهورية في حال خلو منصب الرئيس إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد في مدة أقصاها 30 يوما.

ومع شغور هذا المنصب دستوريا مطلع الأسبوع الثاني من فبراير/شباط 2021، فإن رئيس البرلمان محمد مرسل شيخ عبد الرحمن يفترض أن يتولى إدارة البلاد، لكن خلافات شديدة بين الرئيس المنتهية ولايته والمعارضة تحول بين ذلك.

واستمرت جهود التوصل إلى حل للأزمة بين فرماجو من جهة وبين زعماء الأقاليم الخمسة والمعارضة من جهة أخرى، حتى 6 فبراير/شباط 2021، إلا أن هذه الجهود فشلت في كسر الجمود والعبور إلى انتخابات تفضي إلى اختيار رئيس جديد.

تطورات سريعة

في نفس اليوم الذي انتهت فيه ولاية فرماجو الرئاسية دستوريا، أعلن قادة المعارضة الصومالية عدم اعترافهم به، وأنهم لن يقبلوا بأي شكل من أشكال تمديد الولاية عبر الضغط. 

واتهم مجلس مرشحي المعارضة للانتخابات الرئاسية عبر بيان في 8 فبراير/شباط الجاري، فرماجو، ب،"الفشل في إيصال البلاد إلى انتخابات توافقية"، ودعوا إلى تشكيل مجلس وطني انتقالي يضم مجلسي الشعب والشيوخ ورؤساء الولايات ومنظمات المجتمع المدني لإعداد جدول زمني للانتخابات والتوافق على طريقة إجرائها. 

لكن الأزمة دخلت فصلا جديدا في الساعات الأولى من صباح 19 فبراير/شباط، بعد هجوم قوات حكومية على فندق كان يقيم فيه مرشحو المعارضة للانتخابات الرئاسية في العاصمة مقديشو، مما أدى إلى مقتل 4 جنود من القوات الحكومية وحرس مجلس اتحاد المرشحين للرئاسة.

كما أن اعتداء قوات الأمن على المظاهرات التي خرجت في نفس اليوم وتحولت إلى اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين واستمرت لنحو 24 ساعة، تسبب في موجة غضب واسعة على مواقع التواصل ضد الحكومة.

وعلى صفحته في "فيسبوك"، قال رئيس الوزراء السابق حسن علي خير وهو أحد المرشحين للرئاسة إنه والعديد من المرشحين الرئاسيين ومشرعين ومسؤولين ومدنيين آخرين "نجوا من محاولة اغتيال أثناء وجودهم في أحد فنادق العاصمة". 

واتهم خيري، الحكومة بـ"خرق الدستور والتجرؤ على محاولة اغتيال الرؤساء السابقين والنواب ومنع المواطنين من التعبير عن آرائهم". 

وفي حوار مع موقع "ذي كونفرسيشن" البريطاني في 19 فبراير/شباط الجاري، يرى المحاضر في إدارة المخاطر الأمنية بجامعة بورتسموث البريطانية، محمد إبراهيم شعير، أن "الأزمة الحالية تنبع من فشل الحكومة الفيدرالية وقادة الولايات الفيدرالية الخمس في الاتفاق على تنفيذ نموذج الانتخابات المعدل في 17 سبتمبر/أيلول 2020".

وفي فبراير/شباط 2020، وقع فرماجو على قانون انتخابي جديد لإنشاء حق الاقتراع العام، وهو القانون الذي أثار احتجاجات واسعة من المعارضة، التي "جادلت بأنه لن يكون من الممكن إجراء اقتراع من شخص واحد بصوت واحد (اقتراع شعبي) دون إدخال تمديد فترة فرماجو". 

وهو الرأي الذي أيدته رئيسة المفوضية الوطنية المستقلة للانتخابات، حليمة إسماعيل، وقامت بإبلاغ البرلمان خلال يونيو/حزيران 2020 بأن إجراء انتخابات وطنية وفق النموذج الجديد سيتطلب تأجيلا حتى أغسطس/آب 2021.

وبعد مشاورات واسعة تم التوصل إلى اتفاق غير رسمي في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، أدى إلى التخلي عن نموذج الشخص الواحد والصوت الواحد واعتماد نظام معقد غير مباشر تم استخدامه في الماضي. 

ويمر الطريق إلى انتخاب رئيس جديد عبر انتخابات معقدة، حيث يستخدم الصومال نسخة محلية من نظام الهيئة الانتخابية الأميركية بحسب ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في 19 نوفمبر/شباط الجاري. 

وفي هذا النظام يختار شيوخ العشائر المندوبين عن الهيئات الانتخابية المكونة من 51 عضوا، والتي بدورها تصوت لـ275 عضوا في مجلس الشعب، وفقا لصيغة تقاسم السلطة، بينما يتم انتخاب 54 عضوا لمجلس الشيوخ وفقا لتمثيل الولايات الفيدرالية، ثم يصوت كلا المجلسين للرئيس من بين قائمة من عدة مرشحين يتنافسون على هذا المنصب.

وفي النهاية، توصل الفرقاء إلى حل للأزمة ووقعت جميع الأحزاب على الإطار الانتخابي ووافق البرلمان الصومالي على النموذج المنقح للانتخابات وإضفاء الشرعية عليه.

أسباب الفشل 

لكن عندما شرعت الحكومات الفيدرالية وقادة الولايات في تنفيذ هذا النموذج ظهرت 3 قضايا خلافية أدت إلى "توقف كل شيء".

وقال شعير: إن "أول هذه الخلافات هو تشكيل الفريق الاتحادي لتنفيذ الانتخابات، وأنه عندما عينت الحكومة الصومالية الفريق، رفضه أعضاء فيدراليون مثل ولايتي بونتلاند وجوبالاند، واتهموا الحكومة بملئها بأعضاء حكوميين من ديوان الرئيس والأجهزة الأمنية والسلك الدبلوماسي".

ويتمحور الخلاف الثاني حول من سيتولى إدارة المقاعد البرلمانية في أرض الصومال، بحسب شعير، الذي يشير إلى أن العقبة الثالثة "كانت تتمحور حول كيفية التعامل مع المقاعد البرلمانية الـ16 المخصصة لمحافظة جيدو (ينتمي إليها فرماجو) بولاية جوبالاند".

وأضاف شعير: "لا تزال إدارة جوبالاند في كيسمايو لا تحظى بشعبية كبيرة في جيدو وأجزاء من مناطق جوبالاند، يجادل السكان بأن إدارة جوبالاند مدعومة من قبل كينيا المجاورة ولا تمثل شعب جوبالاند".

وتشير تقارير صحفية إلى أن "فرماجو يصر على إخراج منطقة جيدو التي ينتمي إليها من تحت ولاية جوبالاند من أجل التلاعب بأعضاء البرلمان الـ16 الذين سيتم انتخابهم لصالحه".

على الجانب الآخر، يرى الكاتب الصومالي محمد شيخ نور في مقال لموقع "ذي أفريكا ريبورت" أن المأزق الحالي بدأ بسبب ولاية جوبالاند الفيدرالية وولاية بونتلاند شبه المستقلة بعد أن رفض كلاهما التوقيع على اتفاق يقدم نموذجا انتخابيا جديدا.

وأشار شيخ نور في مقاله المنشور في 4 فبراير/شباط، إلى انتهاء المناقشات حول النموذج الجديد في 17 سبتمبر /كانون الأول 2020 برفض كل من جوبالاند وبونتلاند التوقيع.

لكن الضغوط التي مارسها مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال جيمس سوان لحل الأزمة نجحت في إنهاء حالة الجمود من جهة الولايات مع تنازل جوبالاند وبونتلاند، وأصدرت الولايتان بيانا مشتركا في 28 يناير /كانون الثاني الماضي أعلنتا فيه أنهما ستوافقان على المشاركة في العملية الانتخابية بعد ضغوط المجتمع الدولي. 

وفي ختام 3 أيام من المفاوضات في مدينة طوسمريب وسط الصومال، تبادلت الحكومة والمعارضة الاتهامات بإفشال المفاوضات وعدم التوصل لحل الخلافات المتعلقة بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

ويرى مدير برنامج إفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ثيودور ميرفي، أن الرئيس فرماجو المنتهية ولايته "يبرر بقاءه في السلطة بتجنب حدوث فراغ سياسي"، معتبرا أن "هذا الموقف مخادع". 

وفي مقال له بموقع المجلس (غير حكومي) في 16 فبراير/شباط، حمّل ميرفي، فرماجو، المسؤولية عن هذا الوضع "من خلال إحباط المفاوضات حول الإطار الانتخابي".

وأوضح ميرفي أنه "مع اقتراب موعد الانتخابات كثف فرماجو جهود التلاعب في الدوائر الانتخابية إلى درجة رفضت فيها الولايات والمناطق الفيدرالية الهامة ومرشحو المعارضة إجراء المزيد من المفاوضات بشأن الإطار الانتخابي وهو قرار في جوهره الانسحاب من السباق الانتخابي حتى انسحاب فرماجو"، وفق قوله.

فشل دولي

يلعب المجتمع الدولي دورا محوريا في مجالات كثيرة داخل الصومال، ورغم خروجه من المرحلة الانتقالية عام 2012، إلا أنه ما زال يعتمد على الأمم المتحدة والاتحادين الإفريقي والأوروبي وغيرهم من الشركاء الدوليين في مختلف شؤونها وخاصة الأمنية حيث تقوم بعثة الاتحاد الإفريقي "أميصوم" بحراسة المؤسسات الحكومية والمرافق الهامة في البلاد.

ورغم الأدوار الواسعة التي يلعبها المجتمع الدولي في الصومال إلا أنه فشل فشلا ذريعا في البلاد وظهر ذلك بعد نشوب الخلافات حول الانتخابات الفيدرالية العالقة وانحصار دول تلك الجهات في الدعوة إلى تنفيذ اتفاقية سبتمبر / أيلول الماضي وإجراء انتخابات شاملة بحسب، تقرير لموقع "الصومال الجديد".

ويقول التقرير المنشور في 19 فبراير / شباط الجاري إنه من بين مظاهر فشل الجهات الدولية الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن الدولي بشأن الصومال قبل أيام ودعوته الصوماليين للتوصل إلى اتفاق سريع وإجراء الانتخابات دون أن يقدم جديدا، وذلك رغم أن الأطراف الصومالية فشلت في تحقيق هذا الطرح خلال الأشهر الثمانية الماضية. 

واعتبر أن الأمم المتحدة والجهات الغربية التي كانت تتحدث دائما عن الديمقراطية والحرية، لم تقف موقفا واضحا وصريحا من الأزمة الحالية والمظاهرات الأخيرة التي خرجت للتعبير عن رفض بقاء فرماجو الذي انتهت ولايته في السلطة.

ويرى التقرير أن "الولايات المتحدة والدول الغربية دخلت إلى الصومال تحت مسميات مختلفة من أجل الحفاظ على مصالحها، وأن سياسات الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة في مقديشو فاشلة بكل المقاييس". 

وشدد على أن "نقل الصومال من دولة فاشلة إلى دولة لها مؤسسات فاعلة تمكن الشعب من اختيار قادته يبقى آخر ما تفكر به الجهات الموجودة في الساحة الصومالية".

وتحتاج الأزمة الحالية في الصومال بين الفرقاء السياسين إلى اتخاذ كل فصيل خطوة إلى الوراء لدفع الخارطة السياسية إلى الأمام والوصول إلى حل، وهو ما عبر عنه أحد زعماء القبائل في مقديشو، عبد الله موسى، حيث طالب بأن يلعب فرماجو دورا محوريا في إنهاء الأزمة حتى وإن اقتضى الأمر التنازل عن الرئاسة من أجل الوطن. 

وأشار موسى في تصريحات لـموقع "العربي الجديد" في 28 يناير / كانون الثاني الماضي إلى أن العقبة الرئيسة التي تواجه عملية تنظيم الانتخابات هي غياب عنصر التنازل بين الأطراف الصومالية الفاعلة، وأنه لو كان هناك تنازل من أجل مصلحة الوطن لما وصلت الأوضاع السياسية إلى هذا المنحدر الخطير. 

ويرى الدكتور شعير أن الحل الوحيد الممكن هو ضمان تنفيذ صفقة 17 سبتمبر/ أيلول خاصة وأنه من الناحية النظرية اتفقت جميع الأطراف على هذا النموذج الانتخابي المنقح.

وعن الدور الدولي في حل الأزمة، يرى ثيودور ميرفي أن الجانب الأوروبي يجب عليه أن يتوقف عن الإشارة إلى الأزمة الحالية باعتبارها "مأزقا انتخابيا"، أما محليا، استبعاد فرماجو من إيجاد الحل، مع "انتهاء فترة ولايته، وافتقاره إلى الدعم الشعبي الصومالي الواسع". 

وطالب ميرفي في ختام تصريحه بـ"وجود حاجة ماسة لخارطة طريق للانتخابات يجب أن تتضمن التزاما بمشروع بناء الدولة الذي خرج عن مساره بشكل كبير، بسبب محاولة استمرت 4 سنوات لمركزية السلطة بقيادة فرماجو نفسه".