السيناريوهات المتشابكة.. هل تغامر أمريكا بغرس أقدامها في فنزويلا؟

محمد العربي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يخف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، رغبة بلاده في تشكيل تحالف دولي ضد حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لإجباره على الرحيل عن السلطة، وهي الرغبة التي اعتبرها البعض تكرارا للسيناريو الأمريكي مع نظام بشار الأسد في سوريا، ولكنهم توقفوا أمام المعطيات والأسباب، والنتائج النهائية لكل حالة.

وحسب تصريحات بومبيو، التي نقلتها وكالة "إنترفاكس" الروسية، فإن "لدى بلاده شركاء دوليين في جميع أنحاء العالم مستعدون للعمل المشترك فيما يتعلق بفنزويلا أيضا"، مبررا رأيه بأن "الرئيس الفنزويلي باقٍ في منصبه ولن يغادره، ما يجعلهم يواصلون استخدام كل ما هو متاح لإزاحته، بما في ذلك تشكيل تحالف دولي كبير ضد مادورو".

روسيا والصين لم تقفا أمام تصريحات بومبيو مكتوفتي الأيدي، بل جاء ردهما عمليا، بعد التصريحات بساعات، حيث وجهت كل من موسكو وبكين قواتهما العسكرية المدعومة بالمُعدّات الثّقيلة إلى فنزويلا، كما انتشرت صواريخ "أس 300" لحماية المطارات الرئيسيّة، وهو ما اعتبره المراقبون رسالة تهديد للرئيس الأمريكي بأن اللعب في كراكاس سيكون على المكشوف.

تصعيد مضاد

وحسب تحليلات تناولت التصعيد الأخير، فإن محاولة تكرار التجربة الأمريكية مع سوريا في فنزويلا سيكون محله الفشل، حيث سبق أن أعلنت أمريكا في عام 2011، حشد القوات الدولية تحت شعار التحالف الدولي للإطاحة برئيس النظام السوري بشار الاسد، ولكن في النهاية وبعد تسع سنوات خرجت أمريكا من سوريا، ومعها قوات التحالف، واستمر وجود بشار في مكانه.

وتشير أخبار نقلتها وسائل إعلام مختلفة عن موقع "24in"، أن اليوم الأخير من مارس/ آذار الماضي، شهد وصول الدّفعة الأُولى من القوّات الصينيّة لمطار كاركاس، مصحوبة بطائرة شحن ثانية مُحمّلة بأطنانٍ من العتاد العسكري، وقد سبقت الطائرتان الصينيتان، وصول طائراتين روسيتين تحمِلان 99 جنديا روسيا من ضمنهم العقيد فاسيلي تونكو شكوروف، النائب الأوّل للقائد الأعلى للقوّات البريّة الروسيّة، وعتادا عسكريا مُتطورا.

كما أرسلت القيادة الروسيّة، طائرات حربيّة إلى كراكاس قادرة على حمل صواريخ نوويّة، وزوّدت الجيش الفنزويليّ بصواريخ "أس 300" لحماية المواقع الحسّاسة مِثل المطارات والتصدّي إلى أيّ هجمات أمريكيّة تستهدفها.

وبحسب تصريحات ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، فإنهم "قدموا إلى فنزويلا طبقا لاتفاقية التعاون العسكري التقني التي وقعتها روسيا وفنزويلا في مايو/أيار 2001،  مؤكدة أن الخبراء العسكريين الروس في فنزويلا، سيبقون هناك طالما كانت الحكومة الفنزويلية بحاجة إلى ذلك، كما وصف الكرملين إرسال قوات عسكرية لكراكاس بأنه إجراء قانوني وفقا للاتفاقيات الموقعة بين البلدين.

ماذا يجري؟

التطورات التي تشهدها فنزويلا دفعت صحيفة "رأي اليوم" الصادرة من لندن، لطرح العديد من التساؤلات في افتتاحيتها قبل أيام، عن مصير التصعيد الأمريكي، مؤكدة أن ترامب عيّن الصّهيوني المُتطرّف إليوت أبرامز، مبعوثا خاصا له في فنزويلا، بهدف إغراق البِلاد في حرب أهليّة طاحنة، والبِداية ستكون بتدخّل عسكريّ لقوّات مُعارضة فنزويليّة مُوالية لبلاده، ومُموّلة من خزينتها، تغزو البِلاد وتُغرقها في الفوضى انطلاقا من كولومبيا، على أمل تنصيب خوان غوايدو، رئيس الجمعيّة الوطنيّة (البرلمان) المفصول بتُهم الفساد رئيسا للبِلاد.

ووفقا لتحليل الصحيفة، فإن "مُشكلة ترامب أنّه لا يفهم إلا في العقار والصّفقات الماليّة، أمّا عندما يتعلّق الأمر بالشّؤون الدوليّة والمُتغيّرات الكُبرى في موازين القِوى في سقف العالم، فإنّ خبرته تقترب من الصّفر إن لم يكُن دونه"، خاصة وأنه لم يتبادر لذهن ترامب أنّ مُحاولاته التدخّل، وتغيير النظام في فنزويلا، لن تكون طريقا في اتّجاه واحد، وأن الرّد سيأتي ساحِقا من القوّتين العالميّتين الأخريتين، أيّ روسيا والصين، وأسرع مما يتصوّر مُستشاره للأمن القوميّ جون بولتون.

وتشير الصحيفة لاعتقادها بأن هؤلاء الجنود، صينيين كانوا أو روسا، لم يذهبوا إلى فنزويلا من أجل الاستمتاع بمناظِرها الطبيعيّة الخلّابة، وجوّها المُشمس، وإنّما لتوجيه رسالة قويّة إلى الرئيس ترامب بأنّ هُناك من سيتصدّى لمُؤامرته في فنزويلا، تماما مِثل الرسائل نفسها التي منعت سُقوط النظام السوري.

وترى أن مشروع ترامب في تغيير النّظام في فنزويلا يُواجه فشلا ذريعا حتّى الآن، وهذا ما يُفسّر خُطّته الجديدة في إغلاق الحدود مع المكسيك للتّغطية على هذا الفشَل، ممّا يُؤكّد النظريّة التي يتبعها وتتلخّص في فتح جبهة جديدة لحرف الأنظار عن الهزيمة في الجبهة القديمة. وانتهت الصحيفة إلى أن "ترامب سيُهزم في فنزويلا مثلَما انهزم مشروعه في سوريا".

هل أمريكا جادة؟

السؤال السابق كان مجال نقاش بين المختصين في وسائل الإعلام، منذ بدأت الأزمة السياسية في فنزويلا، حيث يري البعض أن أمريكا فشلت في إحداث انشقاق داخل الجيش الفنزويلي، وبالتالي يمكن أن تلجأ إلى غطاء دولي مثل الذي لجأت إليه في سوريا، أ والذي لجأت إليه قبل ذلك في العراق.

ويرى هذا الفريق أن غوايدو رئيس البرلمان الذي نصب نفسه رئيسا للبلاد، منح أمريكا جواز المرور لمبتغاها عندما أعلن في فبراير / شباط الماضي، عن ترحيبه بالتدخل الدولي العسكري لتمكينه من رئاسة البلاد.

ونقلت مواقع صحفية، عن "جو مكرون" الخبير في الشؤون الأمريكية، قوله، إنّ تدخل واشنطن في النزاع الدائر في فنزويلا هو دبلوماسي يتمركز حول تشديد العقوبات، وممارسة ضغوطات سياسية واقتصادية، على كاركاس، إضافة إلى محاولة استمالة الجيش الفنزويلي وتوجيهه نحو دعم غوايدو حليف أمريكا، معتبرا أن هناك خطوط حمراء مازالت تتحكم في القرار الأمريكي تجاه فنزويلا.

ورغم ذلك، لم يستبعد مكرون أن يحدث تدخل عسكري في مرحلة ما، مشيرا إلى أن أبرز سيناريوهاته المحتملة تتمثل في إرسال جنود أمريكيين إلى فنزويلا عبر الحدود مع كولمبيا، أو قصف أمريكي جوي على مفاصل أساسية ومهمة لنظام مادورو، أو عبر إرسال مساعدات ومعدات عسكرية ولوجستية لمنشقين في الجيش، إذا استطاعت أمريكا ايجادهم.

إلا أن الكاتب الروسي إيغور بشينيتشنيكوف، كان له رأي آخر حول التدخل العسكري الأمريكي في فنزويلا، حيث أشار في مقال بصحيفة "إزفستيا"، إلى أن ترامب يخشى معركة فنزويلا، وهو ما يبرر دعوته لضم البرازيل لحلف الناتو، ووصفها بالحليف الاضطراري بسبب الأزمة في فنزويلا.

وأضاف الخبير الروسي قائلا: " لا يمكن استبعاد أن الولايات المتحدة تلعب لعبة بعيدة المدى وتضع في حسبانها، تطبيق المادة 5 من ميثاق الناتو، بعد أن تصبح البرازيل عضوا فيه، والتي تفترض ردا عسكريا من جميع دول الحلف، إذا تعرض أي منها للعدوان. وهكذا، فأي استفزاز ترتبه الولايات المتحدة على حدود فنزويلا والبرازيل يمكن أن يعتبره الأمريكيون عدوانا على عضو في الناتو من قبل كاراكاس، الأمر الذي سيجبر الحلف بأكمله على استخدام قوته العسكرية ضد المعتدي. ولكن، ثمة سؤال كبير عن عدد الدول التي قد ترغب في التورط بمغامرة مجهولة العواقب في نصف الكرة الجنوبي.

وبحسب رأي بشينيتشنيكوف، فإن السيناريو الأكثر احتمالا هو استخدام البرازيل وكولومبيا كقاعدة للمرتزقة، الذين سوف يشنون حرب عصابات ضد السلطات الفنزويلية. وهو ما سبق لأمريكا أن قامت به في ثمانينات القرن الماضي ضد نيكاراغوا.

كوبا تفضح ترامب

ورغم أن الولايات المتحدة، تؤكد أن قضية التدخل العسكري في فنزويلا مجرد طرح ضمن عدد من الأطروحات الأخرى لإنهاء الأزمة لصالح رئيس البرلمان المنشق والمتحالف مع واشنطن، إلا أن كوبا الملاصقة لفنزويلا كشفت عن تحركات تقوم بها قوات خاصة سرا لمناطق أقرب إلى فنزويلا في إطار خطة للتدخل في البلد الواقع فى أمريكا الجنوبية تحت ذريعة وجود أزمة إنسانية.

وطبقا لبيان أشار إليه ”إعلان الحكومة الثورية“، فإن الفترة ما بين 6 و10 فبراير/ شباط الماضي، شهدت إقلاع طائرات نقل عسكرية إلى مطار رافاييل ميراندا في بورتوريكو وقاعدة سان إيزيدرو الجوية في جمهورية الدومينيكان، وجزر أخرى ذات موقع إستراتيجي في البحر الكاريبي، وربما دون علم حكومات هذه الدول، حيث انطلقت هذه الرحلات من منشآت عسكرية أمريكية تعمل بها وحدات العمليات الخاصة ومشاة البحرية التي تستخدم لعمليات سرية.

تشابك المصالح

وتشير دراسة موسعة أعدها مركز البحوث بقناة الجزيرة القطرية، إلي أن سبب الدعم الروسي والصيني والكوبي للرئيس الفنزويلي، مقابل الدعم الأمريكي لغوايدو، يعود لتشابك المصالح بين جميع الأطراف حيث تعتبر أمريكا أن إسقاط نظام مادورو، فرصة لزعزعة جارتها كوبا العدو اللدود لأمريكا، كما أنها تأتي في إطار المصالح الأمريكية بفرض سيطرتها على واحدة من أهم دول الممانعة ضد التوجهات الأمريكية والغنية أيضا بالنفط الذي يتوجه بكثافة لموسكو وهافانا وبكين.

ولذلك فإن أمريكا استعدت لهذه المعركة منذ عام 2005، عندما قامت بتدريب غوايدو على أعمال الانتفاضات الشعبية وحروب اللاعنف في مركز العمل والإستراتيجيات اللاعنفية في بلغراد، بصربيا، وهو المركز الذي تدرب فيه معظم قادة الثورات الملونة في أوروبا الشرقية، بما في ذلك المجموعات التي أطاحت بحكم سلوبودان ميلوسوفيتش في يوغوسلافيا، حيث يتلقى المركز دعما ماديا من عدة مؤسسات أمريكية يعتقد أن بعضها تعمل كواجهات للاستخبارات الأمريكية.

وترى الدراسة أنه في مقابل مصالح واشنطن فإن لكل من كوبا وروسيا والصين أسبابا لدعم بقاء مادورو في السلطة، حيث تخشي كوبا من أن انتقال فنزويلا بعيدا عن الحكم الشيوعي سوف يأتي مصحوبا بفقدانها للشحنات الضخمة والمجانية من الوقود الفنزويلي، حيث تستهلك كوبا حاليا نحو 50 ألف برميل يوميا من النفط الفنزويلي وهو ما يُمثّل ثلث استهلاك الجزيرة، ومن المرجح أن توقف أي حكومة جديدة في كاراكاس هذه الشحنات بشكل كامل.

بخلاف ذلك، فإن لدى الحكومة الكوبية أصولا عسكرية واستخباراتية كبيرة في فنزويلا في الوقت الراهن، وعلى مدار العقدين الماضيين، ساعدت كوبا الدولة الفنزويلية في التدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية، كما تعاون البلدان معا في مراقبة المعارضين السياسيين، وفي السياق نفسه، فإن سقوط الحكومة الصديقة لهافانا في فنزويلا سوف يترك كوبا تقريبا كآخر المعاقل المناوئة للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية بصحبة غواتيمالا، ما يعني أن الدور سيأتي عليهما حتما.

روسيا والصين

وفيما يتعلق بروسيا فإنها تراهن على نظام مادورو، لأسباب اقتصادية وجيوسياسية، حيث تدين الحكومة الفنزويلية بمبالغ طائلة من الديون للشركات الروسية وعلى رأسها عملاق الطاقة "روسنفت"، ومن الناحية النظرية فإن كاراكاس مطالبة بتسديد 380 ألف برميل يوميا من النفط الخام لصالح موسكو، ومن المرجح أن أي حكومة جديدة في فنزويلا سوف تتخلف بشكل كامل عن سداد القروض الروسية إضافة إلى الأموال المستحقة لموسكو نظير توريد الأسلحة إلى كاراكاس، أما الجانب الجيوسياسي فإن فنزويلا تتناسب بشكل واضح مع الإستراتيجية العالمية لروسيا في استخدام صراعات صغيرة وغير مكلفة للحفاظ على الضغط الإستراتيجي على واشنطن.

إلا أن الصين تعد الأكثر تضررا، وفقا لدراسة مركز بحوث "الجزيرة"، من انهيار حكومة مادورو، حيث لا تزال كاراكاس مدينة لبكين بأكثر من 23 مليار دولار تسددها بصادرات النفط الخام، كما أن سقوط النظام الفنزويلي الحالي سيحول دفة المبيعات العسكرية الفنزويلية بشكل تقليدي من بكين إلى واشنطن، وهو ما يبرر دعم الصين للنظام الحالي في مواجهة حكومة المعارضة المدعومة من إدارة ترامب.