رغم الخلاف الأيديولوجي والعداء الدفين.. لماذا تقاربت إيران مع طالبان؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في مسعى لتقويض سيطرة باكستان على أفغانستان باعتبارها من أشد حلفاء واشنطن في المنطقة، ورغم التباعد المنهجي، والخلاف الأيديولوجي، والعداء الدفين، تعمل إيران جاهدة على تعزيز نفوذها داخل الفرع الأكثر تشددا في حركة طالبان الأفغانية.

فعلى مدار سنوات في قراءة المشهد الأفغاني المركب، يظل السؤال الذي يفرض نفسه متعلقا بأهداف إيران في تحسين علاقتها مع حركة طالبان وفق ما أكدته تقارير إعلامية مؤخرا بأن الحرس الثوري الإيراني تغول في أفغانستان عبر طالبان.

كسب النفوذ

في عددها الصادر بتاريخ 27 يناير/ كانون الثاني 2021، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، أن الحرس الثوري الإيراني "الباسدران" يتدخل في أفغانستان لكسب النفوذ ومواجهة سيطرة باكستان على البلاد.

وأضافت أن "طهران تعمل انطلاقا من مدينة مشهد الواقعة على الحدود الأفغانية، والتي تعد قاعدة فرقة (رمضان) المسؤولة عن أفغانستان، التابعة لفيلق القدس تحت قيادة إسماعيل قآني، الذي يقود الفيلق منذ اغتيال قاسم سليماني".

وذكرت أن "طهران تستفيد من حشد مجلس شورى طالبان في مشهد، الذي يترأسه هيبة الله أخوند زاده، زعيم طالبان الذي تمت تصفية سلفه أختر محمد منصور في غارة أميركية بطائرة مسيرة عام 2016، بناء على معلومات استخباراتية سربتها إسلام أباد.

كما يشرف مجلس الشورى في مشهد أيضا على مجلس شورى طالبان بمدينة كويتا الباكستانية، والذي كان يضم مؤسس طالبان الراحل الملا عمر، وأعضاء شبكة حقاني، التي كانت تدار تقليديا من قبل الاستخبارات الباكستانية، وفق المجلة الفرنسية.

وكانت إيران من أشد المناهضين للتحركات الأميركية في أفغانستان، وانتقدت الاتفاق الذي أبرم في العاصمة القطرية الدوحة، بين الولايات المتحدة وطالبان، في فبراير/ شباط 2020.

الاختلاف المذهبي والعداء التاريخي بين طالبان وطهران، لا يمكن إغفاله، ولا ينسى ما حدث في ديسمبر/ كانون الأول 2001، في منطقة دشتي ليلي بإقليم مزار شمال أفغانستان.

وقتها قامت مجموعة مسلحة من قبائل الهزارة الأفغانية الشيعية المدعومة من إيران، بإغلاق طريق مؤدي لشمال البلاد أمام الآلاف من جنود طالبان، لتتم تصفيتهم في واحدة من أكبر الكوارث التي حلت بالحركة منذ تأسيسها.

طويت الحادثة ومرت السنوات، وبدأ عصر جديد بتحالفات مختلفة بين أعداء الأمس، بل وجد فرع شيعي داخل الحركة السنية، وجرت مفاوضات بين طهران وطالبان، ووقع تنافر جزئي بين الحركة وباكستان.

لم يكن ذلك بمعزل عن دور واشنطن، التي دخلت حقبة جديدة من عهد إدارة الديمقراطي جو بايدن، الذي يحمل فريقه رؤية وفلسفة محددة تجاه أفغانستان وحركة طالبان، ربما تختلف عن سياسة سابقه الجمهوري دونالد ترامب.

دور الشيعة

العامل المشترك بين إيران وطالبان داخل أفغانستان هم الشيعة أنفسهم، وكلاهما يعملان على وتر الطائفية، فالشيعة الأفغان وإن كانوا على نفس مذهب إيران، لكن يقع بعضهم ضمن مناطق سيطرة طالبان، والبعض الآخر في زمام المشهد المعقد في سائر عموم البلاد. 

وحسب تقديرات مركز الدراسات الإسلامية الشيعية في 6 يونيو/ حزيران 2017، تبلغ نسبة المواطنين الشيعة 22 بالمئة من إجمالي تعداد الشعب الأفغاني، ويتمركزون في المناطق الأفغانية المتاخمة للحدود الإيرانية، ومن أبرز قبائلهم فيروزكوهي وجمشيدي، كذلك يوجدون في منطقة هرات ذات الغالبية الشيعية، وكذلك مدينتي غزنة، ومزار شريف. 

ورغم العداء التاريخي المستحكم بين طالبان والشيعة، لكن تقلبات المسرح السياسي دفعتهم إلى التقارب خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، عندما تم الإعلان عن تأسيس فرع لـ"طالبان" في قلب إقليم هزارة بمنطقة باميان،  وينتمي عناصر هذا الفرع إلى المذهب الشيعي، في سابقة تاريخية.

وفي مايو/ آيار 2020، نشرت قنوات إعلامية قريبة من حركة طالبان، لقاء مصورا مع "مولوي مهدي" أحد الحكام الإداريين الشيعة بالحركة، وهو حاكم منطقة بلخاب شمال مقاطعة سربل، ضمن سياق حرصها على إظهار اختلافها عن "تنظيم الدولة"، والتأكيد على نفي نزوعها إلى التصنيف الطائفي.

تغير الولاءات وإعادة ترتيب العلاقات، كان سببه الرئيس ظهور "تنظيم الدولة" في أفغانستان، وهو الذي شكل الدافع الأهم لطهران وموسكو في احتضان طالبان والتقرب منها. 

وفي ذات الوقت، كانت تحتاج طالبان بشدة إلى مصادر تمويل ودعم لوجستي بعدما فقدت مصادرها في عدد من الدول العربية، جراء المعارك الجارية هناك.

 تلك المصالح المشتركة، ساهمت في التقارب بين أعداء الأمس، إيران وطالبان، ولم تكن بمعزل عن عين الولايات المتحدة وحليفتها باكستان.

القيادات العسكرية الأميركية ترى أن وجودها في أفغانستان وقواعدها الدائمة هناك سببا للتقارب بين روسيا وإيران وحركة طالبان، وفق ما صرح به الجنرال جون نيكلسون القائد العام للقوات الأميركية السابق في أفغانستان.

ففي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2016، قال نيكلسون: "ذكر روسيا لتنظيم الدولة في سياق دعم طالبان، ليس إلا عمودا من الدخان لتبرير سياسات موسكو العدائية تجاه أميركا. يبدو من هذه التبريرات كأن طالبان يحاربون تنظيم الدولة ولا يحاربون الحكومة الأفغانية (المدعومة أميركيا)".

خفض القوات

في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أعلن البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)  عن خفض عدد القوات في أفغانستان إلى 2500 جندي، وهو أدنى مستوى لها منذ الغزو الأميركي عام 2001.

ولم تغب التقاربات الإيرانية مع طالبان، عن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة بايدن، وفي 29 يناير/ كانون الثاني 2021، ، أعلن البنتاغون على لسان المتحدث باسم الوزارة، جون كيبري أن "حركة طالبان لم تف بالتزاماتها تجاه عملية السلام" وفق ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست".

أفغانستان وتطورات الوضع فيها جاءت في صلب أول محادثة هاتفية بين وزير الدفاع الأميركي الجديد لويد أوستن والأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو" ينس ستولتنبرغ.

وكان مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، قد أكد خلال اتصال مع نظيره الأفغاني حمدالله محب "نية الولايات المتحدة مراجعة الاتفاقية الموقعة بينها وبين حركة طالبان".

وأوضح سوليفان أن "المراجعة تشمل تقييم ما إذا كانت طالبان تفي بالتزاماتها بقطع العلاقات مع ما وصفها بالجماعات الإرهابية، وخفض العنف في أفغانستان، والانخراط في مفاوضات هادفة مع الحكومة الأفغانية وأصحاب المصلحة الآخرين".

 

رؤية باكستان

في 2 فبراير/ شباط 2017، قدم مركز الجزيرة للدراسات، ورقة بحثية بعنوان "روسيا وإيران تتقاربان مع طالبان: الخلفيات والتداعيات"، حيث ذكرت أنه "لا شك أن حركة طالبان تُدرك أن علاقتها بإيران وروسيا أو بأية دولة أخرى لا يمكن أن تكون بديلة لعلاقتها بباكستان". 

وأضافت: "لكنها تُدرك كذلك أن تلك العلاقات تستطيع أن توفر متنفسا لحركة طالبان أمام الضغوط التي تتعرض لها من قبل باكستان. حيث حاولت باكستان باستمرار خلال الأعوام الماضية أن تجعل الحركة خاضعة لقرارها، وأن تقدم قياداتها وأفرادها هدية لأميركا كلما تعرضت للضغوط من قبلها".

وتابعت: "طالبان خسرت داخل مجتمعها كثيرا جراء ربطها بالاستخبارات الباكستانية العسكرية، واتهامها بالعمالة لها في وسائل الإعلام، فحاولت عن طريق إيجاد هذه العلاقات بـ (إيران وروسيا) أن تخرج عن دائرة هذه الاتهامات".

وفي إطار العلاقات المعقدة بين باكستان وحركة طالبان، كانت إسلام أباد قد فرضت عقوبات على أفراد من الحركة، يمتلكون شركات وممتلكات في إسلام آباد، ويمارسون أعمالا تجارية هناك منذ ثمانينيات القرن الماضي.

ولا شك أن ضعف قبضة باكستان على طالبان، يقلق الأولى ويشعرها بأن هناك خطة لعزلها عن دورها البارز والأهم في المنطقة والصراع الدائر في بلد الجوار. 

ومع ذلك لا يمكن إغفال أن باكستان لازالت حاضرة بقوة في تحديد سياسة الحركة، وهو ما ظهر في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2020، عندما قام وفد برئاسة رئيس الشؤون السياسية في طالبان، الملا عبد الغني بردار، بزيارة رسمية إلى باكستان، لبحث الاستعداد للمرحلة الثانية من مفاوضات السلام بين الحركة والولايات المتحدة، كنتيجة للمرحلة الأولى التي أتمت في الدوحة. 

وفد طالبان التقى خلال الزيارة بشخصيات باكستانية بارزة، على رأسها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، ووزير الخارجية شاه محمود قريشي، مما يعني أن إسلام أباد حاضرة بقوة، وإن ظهر بعد الجمود والتوترات.