اتفاقية الأمن السيبراني.. ما علاقتها بالاحتجاجات في روسيا وإيران؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 26 يناير/ كانون الثاني 2021، وقع وزيرا خارجية إيران وروسيا بالعاصمة موسكو، اتفاقية للتعاون الواسع بشأن الأمن السيبراني والمعلومات، في خطوة فسرت على أنها تندرج ضمن التضييق على حرية الرأي والتعبير في البلدين وتكميم الأصوات المعارضة.

توقيع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، على اتفاقية التعاون في أمن المعلومات، يأتي بالتزامن مع ردود فعل غاضبة على حجب تطبيق "سيجنال" للتراسل، في إيران، وكثافة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في مدن روسية عدة.

وأثار تزامن إبرام الاتفاقية بين موسكو وطهران جملة من التساؤلات، عن الهدف الحقيقي وراء إعلان التعاون في أمن المعلومات بين البلدين، وبنود الاتفاق بين الجانبين، كونها لم يكشف عنها بشكل تفصيلي خلال المؤتمر الصحفي للوزيرين الروسي والإيراني.

نقطة تحوّل

الوزير الروسي لافروف، اكتفى خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع ظريف، بالقول: "هذه الوثيقة (الاتفاقية) تتيح لنا الفرصة لتوسيع أنشطتنا، بالنظر إلى الأهمية المتزايدة للقضايا السيبرانية وتأثيرها المتزايد على العلاقات الدولية، فضلا عن التنسيق فيما يتعلق بالوضع في مختلف البلدان".

تنص الاتفاقية على أن روسيا وإيران توليان أهمية كبيرة لتحقيق التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان في استخدام تقنيات الاتصال عبر الإنترنت، وأن الغرض من هذه الاتفاقيات هو منع ومكافحة التهديدات التي يتعرض لها أمن المعلومات من أجل خلق ظروف آمنة في الفضاء السيبراني.

وعن المجالات التي يشملها الاتفاق، أفادت تقارير بأنها شملت "مكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والمساعدة التقنية والتكنولوجية، وكذلك التنسيق والتعاون في المنظمات الإقليمية والدولية لضمان الأمن الوطني والدولي".

وتحدد الوثيقة أن الطرفين يعلقان أهمية كبيرة على التوازن بين ضمان الأمن واحترام حقوق الإنسان في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ويهدفان إلى منع ومكافحة التهديدات لأمن المعلومات من أجل خلق بيئة معلومات دولية سلمية وآمنة.

ووفقا للاتفاقية الموقعة، فإن إيران وروسيا سيتعاونان في مجالات تعزيز أمن المعلومات، ومكافحة الجرائم المرتكبة باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها، والتصدي لحوادث الكمبيوتر، وكذلك في المساعدات مجال الفنية والتقنية.

ووصفت طهران توقيع الاتفاقية بأنه "نقطة تحول" في التعاون السيبراني بين البلدين، حسبما أفادت وكالة "فارس" الإيرانية في 26 يناير/ كانون الثاني 2021.

تطبيقات المراسلة

لكن أندريه كروتسكيخ، مدير إدارة أمن المعلومات الدولية بوزارة الخارجية الروسية، قال لصحيفة "كراسنايا زفيزدا" المحلية في 26 يناير/ كانون الثاني 2021: "الاتفاقية بين روسيا وإيران بشأن أمن المعلومات تتضمن تنسيق الإجراءات وتبادل التقنيات وتدريب المتخصصين".

وأشار المسؤول الروسي إلى أن الاتفاقية تتناول تعاونا واسعا بين البلدين في مجال الأمن السيبراني، بما في ذلك تنسيق الإجراءات وتبادل التقنيات وتدريب المتخصصين.

وأفاد بأن التنسيق بين البلدين لا يشمل أمن المعلومات فحسب، وإنما يكون بشكل كامل للأعمال حتى في الأمم المتحدة وعلى المنصات الدولية الأخرى.

ونقلت وكالة "تاس" في 26 يناير/ كانون الثاني 2021، عن مسؤول روسي قوله: "كان التركيز على المنصات وتطبيقات المراسلة الرقمية لجذب الروس للمشاركة في أحداث غير قانونية".

وبالتزامن مع احتجاجات المعارضين في مدن مختلفة من روسيا، اتهم النائب أندري كليموف خلال تصريحات صحفية في يناير/ كانون الثاني 2021، الحكومات الأجنبية بالمشاركة في تنظيمها من خلال الفضاء الإلكتروني.

وجاءت هذه الاحتجاجات عقب عودة أليكسي نافالني، الشخصية البارزة المعارضة لحكومة بوتين، إلى البلاد، واعتقاله في 17 يناير/ كانون الثاني 2021، إضافة إلى اعتقال ما لا يقل عن 3 آلاف من أنصاره، بينهم صحفيون وناشطون من المجتمع المدني.

أما على الصعيد الإيراني، فإن النظام واجه احتجاجات واسعة النطاق على الظروف المعيشية وتدهور الاقتصاد والقمع السياسي في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وأغسطس/ آب 2018، ونوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

تلك الاحتجاجات، دفعت مسؤولين إيرانيين للتشديد مرارا وتكرارا على أن الاحتجاجات على مستوى البلاد يجري تنظيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وينبغي التصدي لها.

وسبق أن حجبت السلطات الإيرانية والروسية، بعض منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة الأكثر شعبية، بما في ذلك "تليغرام"، الذي تم حجبه في البلدين بشكل مشابه وبحكم قضائي عام 2018.

اتهامات لأميركا

الاتفاقية بين موسكو وطهران التي جاءت عقب احتجاجات اجتاحت عددا من مدن روسيا، تبعتها تصريحات شديدة اللهجة من الخارجية الروسية، طالبت فيها المتحدثة باسمها، ماريا زاخاروفا، بضرورة اتخاذ إجراءات فعلية في سبيل تنظيم أنشطة شركات الإنترنت العالمية ومواقع التواصل الأميركية.

وذكّرت زاخاروفا خلال حوار تلفزيوني مع قناة "روسيا-1" في 31 يناير/ كانون الثاني 2021، أن سفارة الولايات المتحدة في موسكو وزعت عبر مواقع التواصل بيانات مؤيدة للمظاهرات غير المرخص بها التي شهدتها مدن روسية مختلفة.

وأكدت الدبلوماسية أن الجانب الروسي يرى في هذه التصرفات "تدخلا سافرا في شؤون روسيا الداخلية"، مضيفة: "لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، ومورست أنشطة واسعة النطاق في هذا الصدد مما يسمى "عمالقة الإنترنت"، أي الشركات التي تتيح منصات لمواقع التواصل التابعة للجانب الأميركي".

وتابعت: "تجري الآن دراسة خيارات الرد المحتمل على ما فعلته منصات الإنترنت الأميركية، ولن يكون هذا الرد بشكل بيانات فقط، بل يجب اتخاذ إجراءات فعلية محددة".

وسبق أن أعلنت ماريا زاخاروفا أن روسيا ستوزع على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بيانا ينص على ضرورة وضع قواعد عامة لتنظيم أنشطة شركات الإنترنت العالمية.

وفي المقابل، تتهم الولايات المتحدة حكومتي إيران وروسيا بالضلوع في جرائم الإنترنت، مثل القرصنة على الإنترنت ومحاولة التسلل إلى الشبكات الحكومية خارج البلدين، وفق تقرير موقع "بي بي سي فارسي" في 26 يناير/ كانون الثاني 2021.

"غوغل روسيا"

ومنذ مدة طويلة تسعى روسيا إلى الاستقلال عن محركات البحث الأميركية، فهي تمتلك محركا للبحث يدعى "ياندكس" لا ينقصه سوى نظام تشغيل للهواتف الذكية لكي يُنافس "غوغل" في مُعظم مجالاته، وهو الذي يمتاز أيضا بالأقدمية مع ظهوره الذي سبق مُحرّك بحث "غوغل" بسنوات قليلة.

 بدايات محرك البحث الروسي تعود إلى عام 1990 تقريبا، حيث عمل مؤسسا الشركة "إيليا سيغالوفيتش" و"آركادي فولوز" على تطوير تقنيات بحث مُختلفة باستخدام الحاسب منذ بداية تسعينيات القرن الماضي نتج عنها برامج للبحث في الإنجيل، وأُخرى في قاعدة بيانات براءات الاختراع العالمية.

واستمرت جهود المؤسّسين في تطوير برمجيات مختصة في هذا المجال إلى أن نجحوا في الوصول إلى خوارزميات جديدة قرروا إطلاق اسم فريد لها، ومن هنا جاءت كلمة "ياندكس"، وهي اختصار لـ (Yet Another Indexer) أي نظام آخر للأرشفة.

ومع حلول عام 1997، أصبح محرك البحث جاهزا بعد أرشفة أكثر من 5 آلاف موقع إلكتروني، وجرى استعراضه في أحد معارض موسكو، لتبدأ رحلة محرك البحث الحقيقية مع مجموعة أُخرى من الخدمات.

ومنذ البداية، حرصت الشركة الروسية على توفير مجموعة كبيرة جدا من الخدمات لمُستخدميها، وفي عام 2003، أطلقت نظامها الخاص بالخرائط مع تطويره فيما بعد لتقديم بيانات حيّة عن حالة الطُرقات والازدحام فيها.

كما توسّعت شبكتها الإعلانية أيضا مع توفير خيارات مُختلفة مثل الدفع لقاء النقرات فقط، عوضا عن الدفع لقاء الظهور.

وتتشابه خدمات "ياندكس" مع "غوغل" في كل شيء، باستثناء تطوير نظام تشغيل للهواتف الذكية، الأمر الذي لم تتركه "ياندكس" يمر دون الحراك فيه، حيث طوّرت متجرا خاصا للتطبيقات، ليكون بديلا لمتجر "غوغل بلاي".

ومع حلول عام 2005، وصل عدد زوّار "ياندكس" اليومي إلى 3 ملايين مُستخدم تقريبا، إلا أن تلك الأرقام لم ترق لطموح القائمين على الشركة ما دفعهم إلى الانتشار في الدول المُجاورة.

بدأت الشركة في التوسّع بداية من أوكرانيا، ثم كازخستان، ومنها إلى بيلاروسيا، وتركيا عام 2011، كما افتتحت أيضا مكاتبها الرسمية في مجموعة من دول القارّة الأوروبية، والولايات المتحدة، وفق تقرير نشرته "الجزيرة" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2018.