قبيل مغادرته.. هكذا أثقل ترامب بقراراته الأخيرة كاهل بايدن في العراق

12

طباعة

مشاركة

ترك الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حملا ثقيلا لخلفه جو بايدن في العراق، من خلال الدخول في مواجهة مع وكلاء إيران من المليشيات وآخرها "الحشد الشعبي".

وفرضت الولايات المتحدة في 8 يناير/كانون الثاني 2021، عقوبات على قائد الحشد الشعبي العراقي ومستشار الأمن الوطني السابق فالح الفياض وربطت بينه وبين انتهاكات لحقوق الإنسان خلال المظاهرات المناوئة للحكومة في 2019.

كما أدرجت الخزانة الأميركية رئيس أركان الحشد الشعبي عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) على قائمة الإرهاب بعد خمسة أيام فقط من إعلان هذا القرار.

وبررت وزارة الخارجية الأميركية القراران بأن المسئولين على علاقة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وأنهما ارتكبا عمليات قتل وخطف وانتهاكات حقوقية ضد المدنيين في العراق الذين احتجوا على سوء الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

ويرى مركز "أورسام" التركي لدراسات الشرق الأوسط، في تقرير له، أن "القرارات الأخيرة لواشنطن تأتي بهدف الضغط على بغداد للسيطرة على الحشد الشعبي، واتخاذ موقف أكثر وضوحا تجاه المجموعات المدعومة من إيران".

دفع للاختيار

ويرى المركز أنه "وعلى الرغم أن الولايات المتحدة سبق وأن أدرجت قادة ميليشيات على قائمة العقوبات والإرهاب مثل عصائب أهل الحق، إلا أن هذه القرارات مهمة من حيث كونها أكبر القرارات المتخذة بشأن العراق حتى الآن".

وأوضح ذلك بالقول: "كان فياض رئيس هيئة الحشد الشعبي التابعة قانونيا للجهاز الأمني في العراق، أول من تم إدراجه على قائمة عقوبات ماغنيتسكي الأميركية على المستوى الحكومي".

وصدر قانون "ماغنيتسكي الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان" بموافقة الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة. 

وفي عام 2016 اعتمد الكونغرس النسخة الدولية من القانون الذي يمنح الرئيس الأميركي صلاحية فرض عقوبات على أي أجنبي متهم بانتهاك حقوق الإنسان مثل القتل والتعذيب وغيرها من الانتهاكات المنصوص عليها في لائحة حقوق الإنسان الدولية.

من ناحية أخرى، فإن العقوبات التي تستهدف أشخاصا في المناصب العليا في الحشد الشعبي، خلافا للعقوبات السابقة التي استهدفت المجموعات المرتبطة بإيران بشكل مباشر، تحمل رسائل واضحة بما يتعلق بالموقف الأميركي من العراق.

فمع هذه القرارات، أكدت الولايات المتحدة أن الأشخاص المقربين من إيران، الذين يستخدمون هويتهم السياسية أو الدبلوماسية، مثل الفياض وأبو فدك، يجب إخراجهم من الهيكل الرسمي للدولة في أسرع وقت ممكن. 

واستدرك تقرير المركز: بعبارة أخرى، تشير الولايات المتحدة بإصبعها إلى الأشخاص المتورطين من خلال هذه القرارات، في رسالة موجهة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي وعد في برنامج الحكومة بإحالة عناصر الأمن المتورطين في أعمال العنف ضد المتظاهرين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، إلى القضاء.

لذلك، من الملاحظ أن الولايات المتحدة، دفعت الحكومة العراقية إلى اتخاذ قرار سريع بشأن الدور الذي يلعبه الأشخاص المرتبطون بإيران في الهيكل الرسمي مع تحركاتها الأخيرة.

ويلفت التقرير إلى أن عدم مبالاة حكومة بغداد التي تسعى إلى تحقيق توازن بين واشنطن وطهران على الصعيدين الداخلي والخارجي، بقرارات العقوبات الأميركية ستثير الجدل حول صدق وعود الكاظمي الإصلاحية في واشنطن.

لهذا، فإن إبقاء الأشخاص المقربين من إيران التي فرضت عليها العقوبات في جهاز الدولة العراقية سيعمق من أزمة عدم الثقة في العلاقات على المدى الطويل وقد يجعل الحكومة العراقية في مواجهة مع العزلة الدولية، يقول المركز.

ورأى أن اتخاذ هذه القرارات بشأن العراق قبل تسليم المقعد الرئاسي الأميركي (جرى بالفعل في 20 يناير/كانون الثاني)، يحمل رسالة مفادها أن البيروقراطية الأميركية ستستمر في مراقبة الأوضاع في بغداد والتحركات في إيران حتى في أيام اضطراب السياسية الداخلية.

لكن مركز أورسام نوه إلى أن القرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة دون التشاور مع الحكومة العراقية تمثل فرصة أيضا، حيث توفر أرضية مشروعة للحكومة العراقية لاستبعاد الأشخاص المرتبطين بإيران الذين يعملون في الدولة. 

ويحاول الكاظمي المعروف بقربه من الولايات المتحدة تفتيت قوة الأشخاص والجماعات الموالية لإيران في البيروقراطية والجهاز الأمني منذ توليه منصبه في مايو/أيار 2020.

فقد عيّن اللواء عبد الغني الأسدي رئيسا لجهاز الأمن الوطني، الذي شغله فياض لفترة طويلة. كما عين وزير الداخلية الأسبق قاسم الأعرجي كمستشار للأمن القومي. 

وهكذا يبدو من المرجح أن يعمل الكاظمي على إقالة الفياض عبر إشهار قرار العقوبات الأميركي الأخير بحقه. 

إمكانية التحول

ويتوقع التقرير أن يزيد الكاظمي، الذي تعهد بهيكلة الحشد الشعبي منذ توليه منصبه، من الضغط على الميليشيا على الرغم من أنه يبدو من الصعب إقالة أبو فدك مباشرة على المدى القصير بسبب النفوذ الإيراني في الداخل.

ويمكن أن يتمكن الكاظمي من إعادة هيكلة الحشد الشعبي بالاحتجاج بقرار العقوبات خاصة في وقت يحتمل فيه أن تزداد التصدعات والاختلافات داخل الميليشيا.

ويأتي هذا في ظل رغبة الميليشيات المقربة من المرجع الديني الشيعي في العراق علي السيستاني، الانفصال عن الحشد الشعبي، بحسب تقدير المركز.

لكنه أشار إلى أن اتخاذ الكاظمي، الذي يقف في موقف ضعيف للغاية من الناحية السياسية، لمثل هذه الخطوة الجذرية سينعكس على نتائج الانتخابات. 

ولذلك يبدو من الصعب جدا على الكاظمي تحقيق نتائج بشأن تحويل الميليشيا دون دعم من السيستاني وشخصيات مثل مقتدى الصدر، المؤثرين أيضا في التنظيم والسياسة.

ويمكن القول إن قرار العقوبات ضد الفياض تم اتخاذه بهدف إحداث تغيير سياسي وليس إطلاق عملية قانونية في العراق. 

إلا أن إضافة أبو فدك إلى قائمة الإرهاب العالمي يهدد بجعل الأخير، مثل سلفه أبو مهدي المهندس، هدفا محتملا لعمليات مكافحة الإرهاب الأميركية.

ويعتبر المركز أن عدم تنفيذ إيران أي عملية في الذكرى الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني يناير/كانون الثاني 2020، على عكس المتوقع، يدل على رغبتها في أن تحظى ببداية جيدة مع إدارة جو بايدن، في وقت ترك ضغط ترامب المتزايد على طهران أعباء كبيرة على مستقبل العلاقات بين البلدين.

وشرح ذلك بالقول: "حاول ترامب، الذي تبنى إستراتيجية ممارسة أقصى ضغط على إيران، تأخير خطوات بايدن عن تطبيع محتمل مع طهران من خلال القيام بالخطوات التي ذكرناها في العراق، تماما مثلما فعل بإعلان الحوثيين المدعومين من الجمهورية الإسلامية منظمة إرهابية في اليمن". 

وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن يعود بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه ترامب، فإن هذا لا يعني أن الرئيس الجديد سيكون أكثر تساهلا مع الميليشيات الموالية لطهران في العراق، أو أنه سينظر بشكل إيجابي إلى انسحاب القوات الأميركية من هناك.

لكن يبدو أنه من الحتمي أن ترد إدارة بايدن على مضايقات الميليشيات ضد القواعد الأميركية التي استمرت في العامين الماضيين بقوة. 

وبالفعل، حذر ترامب من أن التهديدات القادمة من الميليشيات المدعومة من إيران ستأتي من المناصب الرسمية على المستوى الوزاري، كما في حالة الفياض.

وأضاف التقرير: "لهذا قد تكون قضية الحشد الشعبي والميليشيات المدعومة من إيران، إحدى أولى أجندات بايدن. وبينما وصفت وزارة الخارجية العراقية العقوبات على الفياض بأنها مفاجأة غير مقبولة، فإن عدم ظهور تصريحات من مكتب رئيس الوزراء يظهر أن الكاظمي لا يريد هدم جسور العلاقات مع أي من البلدين".

وختم بالقول إنه "تم تفسير زيارة الكاظمي لمقر الحشد الشعبي ولقائه بالفياض وأبو فدك في 14 يناير/كانون الثاني، على أنها دعم ضمني لكل منهما".

 ومع ذلك، لا ينبغي التغاضي عن أن الحشد الشعبي مسئول أمام رئيس الوزراء الذي يحمل لقب القائد العام وفقا للمادة 76 من الدستور العراقي.

وأكد التقرير أنه وعلى الرغم من عدم ارتياحه للجماعات الموالية لإيران، فإن الكاظمي الذي يدرك أيضا نفوذ طهران في العراق، يحاول البقاء كعامل مؤثر في المعادلة الحالية. 

لذلك من المتوقع أن يحافظ الكاظمي على موقفه الحذر من هذه القضية دون أن يضر بسياسة التوازن بين الولايات المتحدة وإيران بخطوة "مفاجئة وراديكالية".