ملايين الزائرين.. لماذا يفرّط العراق بثروة "السياحة الدينية"؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يتوافد على العراق ملايين الزائرين من مختلف دول العالم سنويا، لزيارة المراقد الدينية الشيعية، الأمر الذي يحتم على الدولة مسؤولية حمايتهم، وتوفير مساكن وأسواق تستوعب هذه الأعداد، ما يفتح باب التساؤل واسعا حول حجم الاستفادة الاقتصادية للبلد من هذه الأعداد.

وعلى الرغم من فتح العراق عقب الغزو الأمريكي في 2033، ما يعرف بـ"السياحة الدينية" أمام دول العالم ، إلا أن هذه السياحة تجلب العبء على البلد ولا تعود عليه بالنفع، وفقا لمسؤولين عراقيين.

قرارات أضرّت بالقطاع

ومع مناسبة "وفاة الإمام موسى الكاظم"، الاثنين الماضي، قررت الحكومة العراقية إلغاء سمات تأشيرة الدخول عن الإيرانيين، ما جعل البلد يخسر نحو 20 مليون دولار سنويا.

وقالت الحكومة على "فيسبوك" إن "مجلس الوزراء وافق على تصفير رسوم سمات الدخول لمواطني جمهورية إيران، مع مراعاة مبدأ المقابلة بالمثل، بدءا من الأول من أبريل/ نيسان الجاري".

ولم يقتصر قرار إلغاء رسوم التأشيرة على الزائرين أو السائحين، بل امتد إلى تصفير الأجور المأخوذة لهيئة السياحة عن المجاميع السياحية القادمة من إيران.

وقبل قرار الحكومة العراقية، رفع التأشيرة عن  الزائرين الإيرانيين، شهدت مدينة النجف جنوب بغداد، أزمة اقتصادية حادة بعد فرض العقوبات الأمريكية على طهران؛ ما أدى إلى تراجع أعداد الزوار الإيرانيين وتحول فنادقها إلى مبان خاوية وركود محالها التجارية، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.

وأكد صائب أبو غنيم، رئيس هيئة اتحاد فنادق النجف، للوكالة الفرنسية، أن "أكثر من 85 في المائة من الزوار يصلون من إيران". لكن أعداد الزوار مرشحة للانخفاض إلى حد كبير هذا العام؛ لأن سعر صرف الريال الإيراني سجل هبوطا حادا.

تفريط حكومي

واجه القرار الحكومي، انتقادات واسعة من نواب في البرلمان العراقي، فقد حذرت لجنة تقييم البرنامج الحكومي والتخطيط الإستراتيجي النيابية، من عدم الحفاظ على ايرادات الدولة غير النفطية.

وقالت عضو اللجنة إنعام الخزاعي في بيان تلقت "الاستقلال" نسخة منه، إن "هنالك قلقا من عدم الحفاظ على إيرادات الدولة غير النفطية وأبرز مثال على ذلك يتمثل بالإيرادات الجمركية، إذ بلغت قيمة الاستيرادات السلعية السنوية للعراق  قرابة 50 مليار دولار".

وأضافت: "أما الإيرادات الجمركية لعام 2018 فتقدر بـ680 مليون دولار بحسب أرقام الحكومة الرسمية، أي أن معدل الرسوم الجمركية على السلع المستوردة هو 0.013 بالمئة".

واستغربت الخزاعي من "تفريط الحكومة باتفاقياتها الجديدة بمبالغ إضافية تقدر تقريبا بـ20 مليون دولار رسوم تأشيرات الدخول بالنسبة للإيرانيين، فضلا عن دخول الزوار الإيرانيين يكون بدون إنفاق فعلي؛ لأنهم يجلبون كل احتياجاتهم معهم و لا ينفقون في أسواقنا المحلية، لاسيما بعد انهيار التومان (العملة المحلية الإيرانية)".

وتساءلت الخزاعي: "أين رؤية الحكومة في تعظيم الإيرادات والمحافظة على المال العام ألم يكن الأجدر بالحكومة أن توظف الأموال التي تنازلت عنها لخدمة  فئات الشعب العراقي التي تعاني من نقص الخدمات الحقيقية اللازمة للعيش الكريم أو لسد المديونية الخارجية".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال أبو علي (مواطن عراقي): إن "العراقيين يستقبلون الزائرين في مدينتي كربلاء والنجف وغيرها من المدن التي تشهد زيارات دينية، بتقديم وجبات طعام مجانية".

 وأضاف: "ننصب المواكب (خيم) على طول الطريق الذي يسير فيه الزوار إلى هذه المراقد، ونقدم لهم كل أصناف الطعام، وعند وصولهم إلى مكان الزيارة يستقبلهم أهالي المدن بنفس الضيافة".

ولفت أبو علي إلى أن "الخدمات التي يقدمها المواطن العراقي كلها مجانا؛ لأنها تندرج ضمن الثواب لصاحب المرقد في ذكرى وفاته".

وليست الخدمة المجانية للزائرين يقدمها أهالي المدن، وإنما توفر الوزارات الحكومية كل إمكانياتها لنقل الزائرين من أماكن سكناهم إلى المراقد الدينية مجانا، بسيارات المؤسسات الحكومية.

بموجب قرار العراق الذي اتخذ عقب زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني في مارس/آذار الماضي، فإنه سيتم تصفير الرسوم الخاصة بتأشيرة الدخول لقرابة 7 مليون زائر ايراني سنويا، في مقابل 100 ألف عراقي فقط هم من يزور إيران سنويا.

ويتقاضى العراق على كل زائر 40 دولارا، ما يعني نحو 250 مليار دينار سنويا (250 مليون دولار) وهو رقم يمثل دفعة كبيرة للموازنة المالية.

عدد الزوار سنويا

شارك نحو 13 مليون زائر شيعي من دول عدة ومن العراق في إحياء مراسم أربعينية الإمام الحسين التي جرت في كربلاء جنوب بغداد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويتوافد الزوار قبل أسابيع إلى كربلاء، حيث مرقد الإمام الحسين (ثالث الأئمة المعصومين لدى الشيعة) وحفيد النبي محمد، لإحياء هذه الذكرى.

وقال بيان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، صدر عن اللجنة العليا لإدارة الزيارات بكربلاء، إن "عدد الزوار الذين دخلوا محافظة كربلاء لأداء مراسم زيارة الأربعين بلغ 13 مليون زائر تقريبا، بينهم مليونا زائر عربي وأجنبي".

وتتصدر إيران ودول الخليج قائمة أعلى الوافدين للعراق، كما جاء الزوار الآخرون غير العراقيين من لبنان وباكستان وأفغانستان ومن بعض دول الخليج ومن أوروبا وأمريكا.

ونفذت قوات الأمن العراقية بينها قوات من الجيش والشرطة والحشد الشعبي إجراءات مشددة شارك فيها أكثر من خمسين ألف من عناصر الأمن لحماية الزوار.

وتعد زيارة الأربعين من أكبر المناسبات الدينية في العالم، وتحيي ذكرى مرور أربعين يوما بعد العاشر من محرم، تاريخ واقعة الطف التي استمرت ثلاثة أيام في العام 61 للهجرة (680 ميلادية)، وقتل فيها الإمام الحسين، حفيد النبي محمد.

"عبء على الدولة"

وعلى عكس مما تشهده البلدان من عائدات ضخمة نتيجة لتنشيط السياحة، فإن العراق البلد الذي يزخر بمعالم سياحية ودينية، ربما يكاد يكون الوحيد، الذي يتحمل أعباء استقبال الملايين من دون فائدة حقيقة.

وفي تصريحات صحفية سابقة لعضو لجنة الاقتصاد في البرلمان العراقي، نورة البجاري، قالت إن  العراق "يعاني مشكلة حقيقية منذ عام 2003 وحتى الآن، تتمثل باعتماده على الموارد الريعية للنفط، ولا وجود لاستثمار حقيقي للزيارات الدينية، في ظل الإستراتيجية الحكومية الخاطئة".

وقارنت البجاري بين العائدات الضخمة التي تتلقاها المملكة العربية السعودية وتعود بالنفع عليها، وبين قلة العائدات التي يجنيها العراق من الزيارات الدينية في مواسم عدة بمدن عراقية.

وعزت أسباب ذلك إلى قلة الرسوم المالية التي يفرضها العراق على الزائرين الأجانب، على عكس ما هو معمول به في باقي الدول، حيث تقدم الخدمات بالمجان، فضلا عن عدم فتح باب استثمار الفنادق والاهتمام بها لاستيعاب تلك الحشود.

ولفتت البجاري إلى أن "استثمار الزيارات الدينية بالشكل الصحيح، سيعود بالضرورة بالنفع على البلد وذلك من خلال استقطاب العملة الصعبة وجلب الاستثمار؛ لأن الزائر يستمر مدة تصل إلى 15 يوميا داخل العراق".

وأشارت إلى أن "استقبال العراق لملايين الزوار وتقديم الخدمات بالمجان لهم، وغياب إستراتيجية تنشيط السياحة الدينية، قد يشكل عبئا على الدولة مقابل المردود المالي الضعيف".

وحمّلت البجاري أسباب عدم تنشيط قطاع السياحة إلى وجود الفاسدين في مفاصل مهمة في الدولة، وعدم محاسبتهم، إضافة إلى عدم وجود خبراء اقتصاديين يضعون إستراتيجية لتنشيط هذا القطاع المهم، مشيرة إلى أن الزيارة تمارس فيها الشعائر الدينية دون وجود للاستثمار.

وتقتصر السياحة في العراق على المجال الديني، وتتمركز بصورة رئيسية في النجف وكربلاء، إضافة إلى مدن أخرى تضم مراقد شيعية مثل سامراء، شمال بغداد. ويشكل مبلغ 5 مليارات دولار من عائدات السياحة الدينية نسبة 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وفقا للمجلس العالمي للسياحة والسفر.