دون رصاص.. خبراء إسبان: هذه خطط المغرب لاسترجاع سبتة ومليلية

12

طباعة

مشاركة

تحليل يلقي الضوء على العلاقات "الإسبانية المغربية"، في ظل التطورات والمعطيات الجديدة التي تشهدها الساحة السياسية الدولية، وأبرزها اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، الذي ألقى بظلاله على ملف مدينتي "سبتة ومليلية" الخاضعتين للسيادة الإسبانية.

وفي حوار أجرته صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية مع سفيرة الرباط لدى مدريد، "كريمة بنيعيش"، أرسلت الدبلوماسية رسالة لتأكيد "حالة الانسجام والتوافق بين المغرب وإسبانيا ونافية أي نظرية مؤامرة".

ومن بين الرسائل التي أطلقتها، يبرز قولها: إن "العلاقات بين إسبانيا والمغرب عرفت نضجا كبيرا، فهي جديرة بالثقة تماما، باعتبارهما جارين وصديقين، وكانت هناك دائما علاقات صداقة وتضامن ممتازة بين البيتين الملكيين في كلا البلدين".

وأوضحت الصحيفة أن "إسبانيا تُعتبر أكبر مستثمر في المغرب، حيث يوجد أكثر من ألف شركة مقرها في أراضي المغرب، ولديها تعاملات تجارية مع ما لا يقل عن 7 آلاف شركة مغربية أخرى".

وبشكل عام، توجد روابط اقتصادية مكثفة أيضا في الاتجاه المعاكس؛ وهو ما يؤكد كلام السفير، رغم أنه "لا يعكس الواقع" الكامل للعلاقات بين البلدين.

وعلى وجه الخصوص، أصبحت العلاقات بين البلدين أكثر توترا إلى حد ما من المعتاد في الآونة الأخيرة، بسبب بعض التحركات المغربية، في إشارة إلى ملف إقليم الصحراء.

صراع بلا سلاح

وأفادت الصحيفة بأن "العلاقات بين البلدين أصبحت اليوم مشروطة بسلسلة من العوامل الجيوسياسية والأمنية، التي تضفي عليها تعقيدا لا يخلو من الغموض".

ومع ذلك، يرى الجنرال الإسباني المتقاعد، "خيسوس أرغوموسا"، أن "أيا من هذه المؤشرات، تنبئ بإمكانية نشوب نزاع مسلح بين المغرب وإسبانيا".

ونقلت الصحيفة أنه "في القرن الـ21، تجاوزت العديد من الدول فكرة أن الصراعات تبدأ وتنتهي باستخدام السلاح".

وبحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بابلو دي أولافيد"، غييم كولوم، فإن "استخدام القوة المسلحة المفتوحة ينطوي على تعقيد كبير ومشكلة على المستوى الدولي".

في الآن ذاته، هناك طرق أخرى لممارسة الضغط يسهل نفض الغبار عنها؛ وهي بالأساس، اقتصادية أو تكنولوجية أو إعلامية أو تتمثل حتى في مسألة الهجرة، وفق "كولوم".

من جهته، يتوقع المحلل الإسباني في مجال الدفاع، "خيسوس إم بيريز"، إجابة أكثر منطقية من الجانب الآخر للمضيق.

ونوه المحلل بأنه "من الصعب تخيل الظروف التي تقود المغرب إلى صراع مع إسبانيا عندما يتضح أنه يمكن أن يحقق أهدافه دون إطلاق رصاصة واحدة".

وأبعد من ذلك، تعتبر "إسبانيا" أداة متداخلة بين المغرب وأهدافه، وليست هدفا في حد ذاتها بالنسبة للمغرب.

سبتة ومليلية

أشارت الصحيفة إلى أن جميع الخبراء الذين استشارتهم، يتفقون حول أن نزاعا مسلحا افتراضيا "أمر بعيد الاحتمال"، لكنهم يشيرون بطريقة أو بأخرى إلى المصالح، وطريقة فهم العلاقات الخارجية للمملكة المجاورة.

وأضافت الصحيفة: أن "الأزمة الصحية العالمية (كورونا) كانت بمثابة العذر المثالي لإغلاق حدود سبتة ومليلية (من جانب الرباط)".

وتابعت: "بالإضافة إلى ذلك، لقد ادعى المغرب، وإن لم يكن ذلك علنا، السيادة المشتركة على كل من المدينتين الإسبانيتين المتمتعتين بالحكم الذاتي لسنوات".

ومنذ عام 2018، بدأ المغرب من جانب واحد عملية إغلاق الحدود، قبل فترة طويلة من أزمة "كورونا"، مما أدى إلى خنق المدينتين والسكان المغاربة على الجانب الآخر من الحدود، اقتصاديا.

وخلال الأزمة الصحية، انتهز المغرب الفرصة لإغلاق المعابر البرية، وخنق الخطوط البحرية.

وتبعا لذلك، فقدت الجزيرة الخضراء وزنها، وتراجعت فيها حركة المرور والأعمال التجارية، في حين أن الخطوط البحرية مع فرنسا وإيطاليا لا تزال نشطة.

وعموما، يبدو أن الرباط مصممة على تفعيل روابط إضافية مع المملكة المتحدة عبر جبل طارق، في الآن ذاته، أصبح ميناءا "طنجة وأكادير" يتحملان عبء عملية عبور المضيق على حساب الموانئ الإسبانية، كما يواصلان احتكار حركة عبور السفن.

وتخضع مدينتا "سبتة" و"مليلية" للنفوذ الإسباني، رغم وجودهما أقصى الشمال المغربي، ويبلغ عدد سكان مليلية حوالي 70 ألف نسمة، وتخضع لسيطرة إسبانيا منذ عام 1497.

وترفض المملكة المغربية الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على المدينتين، وتعتبرهما جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، وتطالب الرباطُ مدريد بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاعهما.

حرب هجينة

نقلت الصحيفة عن المحلل "بيريز" أن "هذه الإجراءات أو أساليب الضغط التي يعتمدها المغرب يمكن أن تفسر من منظور الحرب الهجينة".

ووفقا لهذا المنظور، "تستند اللعبة المغربية، وفقا لتعريف الاتحاد الأوروبي للمفهوم، على إجراءات منسقة، تهاجم عمدا نقاط ضعف الدولة، في هذه الحالة إسبانيا، من خلال وسائل مختلفة (من الاقتصادية إلى توظيف مسألة الهجرة) والتي تستغل عتبات إسناد المسؤوليات والحدود القانونية بين الحرب والسلام".

وأفادت الصحيفة بأن "احتمال نشوب نزاع مسلح بين إسبانيا والمغرب أمر لا يمكن تصوره".

لكن هذا لا يعني، في رأي الخبراء، أن برنامج الاستحواذ على العتاد العسكري، للقوات البرية والبحرية والجوية في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، يزيد من التوتر ويثير القلق في شبه الجزيرة الإسبانية.

وفي السياق، يوضح أستاذ العلاقات الدولية ومدير مرصد سبتة ومليلية، "كارلوس إتشيفريا"، أن "المغرب عزز ذراعه الدفاعي، ولا يمكننا اعتبار هذه التحركات هامشية، أو من الدرجة الثانية، كما أن له انتشار عسكري قوي، وهو بصدد تدعيم إستراتيجيته في الانتشار".

وعموما، يتفق المحلل مع الخبراء الآخرين في الإشارة إلى أن "هذه الإستراتيجية جزء من سباق تسلح؛ ليس مع إسبانيا، ولكن مع الجزائر".

وأضافت الصحيفة: أن "أحد الأهداف الرئيسة للمملكة المغربية في الوقت الحاضر، يتمثل في إعادة التسلح بهدف ثابت، يتمثل في أن تصبح القوة العسكرية في المنطقة، وأن تتحول إلى "دولة عازلة في وسط إفريقيا".

وبحسب المحلل الاستخباراتي، "فرناندو كوتشو"، فإن "للمغرب إستراتيجيته الجيوسياسية الخاصة به، كما يسعى إلى أن يتحول للقوة الأولى في المنطقة، متفوقا حتى على تركيا".

وحذر الخبير من أن "هذه الدوائر الجيوسياسية، غالبا ما تمر دون أن يلاحظها أحد في الغرب، وتتسبب في تشويه الواقع".

وبحسب تقرير نشره معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" في 2019، فإن الجزائر هي الدولة "الـ6" في العالم في قائمة الدول الأكثر شراء للسلاح ويحتل المغرب المرتبة "الـ31."

ونقلت الصحيفة عن المحلل كولوم أن "مشكلتي المغرب الكبيرتين، تتمثلان أساسا في جبهة البوليساريو والجزائر. أما قضايا مثل مطالبة إسبانيا بإقليم سبتة ومليلية هي عنصر تقليدي، لكنها ليست على نفس مستوى المشاكل الأخرى بأي حال من الأحوال".

وحذر كولوم، مع ذلك، من أن إعادة التسلح، يمكن أن تشكل معضلة أمنية لإسبانيا، قائلا: "لكي لا يتحول ذلك إلى تهديد، من الضروري الحفاظ على التوازن، مما قد يؤدي إلى سباقات تسلح أخرى".

الصحراء الغربية

أوضحت الصحيفة أنه "إذا كان هناك شيء يمكن أن يخل بالوفاق الودي الحالي بين البلدين، فهو المستعمرة السابقة؛ الصحراء الغربية".

وبحسب مصادر مطلعة على المفاوضات، التي استشارتها "الإسبانيول"، فإنه عندما "اتفق" المغرب وإسبانيا على تأجيل الاجتماع رفيع المستوى الذي كان سيعقد بالرباط في 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إلى فبراير/شباط 2021، أصر الجانب المغربي على إبلاغ الجهات الإسبانية رسميا مساء؛ وهو ما اعتبر حركة غريبة في الأوساط الإسبانية.

لكن، تم إماطة اللثام عن هذا اللغز بعد فترة وجيزة، تحديدا على الساعة السادسة مساء يوم 10 ديسمبر/كانون الأول، عندما اعترف الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية من خلال تغريدة.

وتعليقا على ذلك، أورد كوتشو قائلا: "كان لدى المغرب دائما قدرة جيدة جدا على لعب ورقتين رابحتين أو حتى ثلاث أوراق والنجاح في ذلك".

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، استدعت إسبانيا، سفيرة المغرب لدى مدريد، "كريمة بنيعيش"، على خلفية تصريحات حكومية تتعلق بقضية مدينتي "سبتة ومليلية" التابعتين للإدارة الإسبانية، واللتين تطالب الرباط باسترجاعهما.

وقبل الاستدعاء بـ4 أيام، تحدث رئيس الحكومة المغربية "سعد الدين العثماني"، في مقابلة مع قناة "الشرق"، عن إمكانية أن "يفتح الملف (سبتة ومليلية) في يوم ما".

ووفق ما أوردته وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية، فإن "كاتبة الدولة المكلفة بالشؤون الخارجية في إسبانيا كريستينا غالاش، استدعت سفيرة المغرب، وأخبرتها أن الحكومة تتوقع من جميع شركائها احترام سيادة ووحدة أراضي إسبانيا".

وطالبت "غالاش"، سفيرة المغرب بتقديم توضيحات بخصوص تصريحات العثماني، فيما لم يصدر موقف رسمي من الرباط بشأن استدعاء سفيرته.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، تم توقيع اتفاق في مدريد، ينهي استعمار إسبانيا لإقليم الصحراء، على أن يسترجع المغرب شمال ووسط المنطقة، بينما يعود جنوبها لموريتانيا.

وفي 12 يناير/كانون الثاني 1976، سحبت إسبانيا آخر جندي لها من الصحراء الغربية.