صحيفة إسبانية: "الربيع العربي" ما زال حيا رغم 10 سنوات من القمع

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة إسبانية أن "نبض الربيع العربي لا يزال حيا بعد 10 سنوات من اندلاع الشرارة الأولى لهذه الثورات، رغم القمع والحروب المستشرية في المنطقة". 

وقالت "لافانغوارديا": إن "ثورات الربيع العربي كانت في الواقع نتيجة حالة الإحباط والاستياء، التي غيرت مسار المنطقة بالكامل، وحياة الملايين من الناس".

شخصية أسطورية

وفي 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، أحرق شاب تونسي يدعى "محمد البوعزيزي" نفسه في ولاية سيدي بوزيد الصغيرة، دون أن يتصور أن النيران التي ستلتهم جسده ستتسرب نحو العالم العربي بأسره. 

وأضافت الصحيفة: أن "البوعزيزي توفي غير مدرك أن موته أطلق العنان، لغضب لم يسبق له مثيل في تونس ضد تعفن نظام زين العابدين بن علي (1987-2011)، والذي بدا وكأنه لا يمكن المساس به بعد 23 عاما في السلطة".

وبعد 10 أيام من وفاة البائع المتجول، أصبح "ابن علي" أول ديكتاتور عربي أطيح به عبر الاحتجاجات في الشارع، بينما انطلقت الاحتجاجات، واحدة تلو الأخرى، في مصر والبحرين وليبيا واليمن وسوريا. 

ونقلت الصحيفة عن الناشط اليساري، صادق بن مهني، أن "البوعزيزي كان محظوظا، أو سيئ الحظ لدخول التاريخ، لأن الثورة مرتبطة دائما باسمه، رغم أنني أشك في أنه كان يفكر في أي من ذلك".

وأشار ابن مهني إلى أن "المدونين هم الذين أعطوا بعدا أسطوريا لشخصيته، والذين نشروا قصته عبر الإنترنت وصنعوا منه رمزا للثورة".

وأوضحت الصحيفة أن "قصة البوعزيزي، سواء كانت كامل تفاصيلها حقيقية ودقيقة أم لا، إلا أنها طرقت وترا حساسا لدى العرب؛ حيث رأوا فيها مرآة للفساد والظلم والقمع الذي تعرضوا له بشكل يومي". 

كما نقلت الصحيفة عن الباحث المصري بمعهد الجامعة الأوروبية بفلورنسا، جورج فهمي، أن "ثورات الربيع العربي أظهرت أن العقد الاجتماعي بين الأنظمة العربية ومجتمعاتها تعاني من بعض الشروخ". 

وأوضح أن "هذا العقد يتضمن بندين، أولا: طالما أنك لا تدخل في السياسة، فأنت آمن، ثانيا: في مقابل التنازل عن حقوقك السياسية، ستضمن حقوقك الاجتماعية والاقتصادية، لكن البوعزيزي، الذي كان بالكاد يستطيع البقاء على قيد الحياة، لم يكن ناشطا؛ ومع ذلك فقد تعرض لسوء المعاملة من قبل الشرطة".

وتابع فهمي: "من هنا، أظهرت قضيته أن المواطن لم يعد في مأمن من القمع، حتى عند عدم المشاركة في الحياة السياسية، وأن الدولة تخلت عن واجباتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه السكان". 

ولفتت الصحيفة إلى أن "عشر سنوات مرت على اندلاع الشرارة الأولى من هذه الثورات، ومن الربيع الذي أعلنه البوعزيزي، لم تتبق سوى زهرة واحدة فقط: الديمقراطية في تونس".

أكثر قمعا

وفي مصر، دفن الانقلاب العسكري لعبد الفتاح السيسي المرحلة الانتقالية (عام 2013)؛ حيث استغل الفجوة بين الإسلاميين والعلمانيين، لتأسيس نظام أكثر قمعا من نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وعدّل الدستور ليحكم حتى عام 2034.

في غضون ذلك، تعاني كل من سوريا وليبيا واليمن من الحروب إلى الآن. 

وأكدت الصحيفة أنه "على الصعيد الاقتصادي، لم يسجل أي ازدهار يذكر، كما لم تتحسن الظروف المعيشية في أي بلد، ولا حتى في تونس".

وأوردت أن ابن مهني علق قائلا: "النظام لا يزال قائما، نحن فقط أطحنا برأسه، لم نتمكن من منع سرقة الثورة منا".

وواصل: "لكننا لم نستسلم، ما زلنا نتمرد، بدأت الثورة قبل 10 سنوات، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، لا يوجد يوم دون احتجاجات، ومن الواضح الآن أنه من الصعب للغاية على أي حكومة أن تفرض كل رغباتها دون أي معارضة".

وذكرت الصحيفة أنه من وجهة نظر "ابن مهني"، يتمثل "الإنجاز الأعظم في تغيير العلاقة بين المواطن والحكام؛ وهو ما يعود بالنفع أيضا على الفئات ذات الدخل المحدود".

واعتبر ابن مهني أنه "رغم أن الأرضية تبدو محترقة، إلا أنه تحتها تحديدا، ما زال الربيع كامنا"، مشيرا إلى موجة الاحتجاجات في السودان والجزائر ولبنان والعراق التي بدأت نهاية 2019. 

وتابع: "لقد تبين أنه في المنطقة، لا تزال هناك مطالب قوية بالحرية والعدالة، ولا يزال الناس على استعداد للمخاطرة بحياتهم من أجل التغيير السياسي".

موجات الربيع

وقالت الصحيفة الإسبانية: "عموما، لا ينبغي أن يُنظر إلى الربيع العربي على أنه حدث منفرد، بل على شكل موجات، وبشكل أكثر دقة، كانت الموجة الأولى عام 2011، وتحدث الثانية الآن، وما تزال مستمرة ما دامت المشاكل الهيكلية موجودة". 

وأشارت إلى أن "الأوضاع في مصر سارت في الاتجاه المعاكس لتونس، إلا أن أحمد سعيد، الجراح والشاعر المصري المنفي في برلين، يرى أيضا تحولا جماعيا في بلاده، لا رجعة فيه". 

وأورد سعيد في هذا السياق: "لقد هُزمت الثورة، لكن الشعب لم ينسها، حيث ما زالت حية في قلوبهم، وحتى في قلوب الذين عاشوا الثورة وهم أطفال".

وشدد على أن "البيئة الآن تعد أكثر ملاءمة مما كانت عليه عام 2010. لحدوث ثورة، وتحديدا، يدرك النظام ذلك؛ لهذا يرسل آلاف السياسيين إلى السجن، ومن المفارقات أن نظام السيسي يريد محو الثورة من ذاكرة الشعب، إلا أنه يحييها كل يوم مع كل سجين جديد".

وتجدر الإشارة إلى أن سعيدا أمضى عاما في سجن "العقرب" شديد الحراسة قبل أن يتمتع بعفو؛ بسبب الضغوط الدولية. 

من ناحية أخرى، تتذكر "رهام حواش"، فلسطينية سورية (33 عاما)، أنه "قبل البوعزيزي، لم يخطر ببالها أبدا أن تنتقد نظام بشار الأسد، حيث كنت مجرد فلسطينية تعيش في سوريا، ولم تشارك في السياسة".

واستدركت حواش قائلة: "لكن عندما رأيت كل هؤلاء الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع (عام 2011)، وتفاؤلهم، أدركت أنه لا يتعين على الجميع قبول الاستبداد".

وأضافت: "ما أدهشني هو أنهم لم يكونوا سياسيين أو مفكرين عظماء، لقد كانوا أناسا عاديين، من جميع الأعمار والفئات، وهذا ما جعلني أرى مدى ضعف أنظمتنا حقا".

وتابعت: "مع ذلك، انهارت اللحمة بين المحتجين في الأيام الأولى، وسقطت سوريا في حرب أهلية، لقد وقعنا في فخ النظام الذي رسخ في مخيلتنا الانقسامات المذهبية والدينية والسياسية، ونسينا ما يوحدنا؛ الأحلام المشتركة في الحرية والعدالة". 

ورغم التعذيب على يد النظام السوري، تصر "حواش"، من منفاها في ألمانيا، على أن "الثورة والتمرد ضد النظام كان أمرا ضروريا".

وختمت "حواش" تصريحها بالقول: "الثورة لا تتحمل مسؤولية الوضع الحالي لسوريا المدمرة، بل المسؤولية تقع على عاتق الطاغية، بشار الأسد، لا غير".