السيسي ومنظمات المجتمع المدني.. إلى أي مدى سيصمد أمام ضغوط الغرب؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حملة التنكيل بمنظمات المجتمع المدني في مصر، اشتدت مع صعود قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي لسدة الحكم في يونيو/حزيران 2014، سعيا منه لفرض هيمنة السلطة، ومنع المؤسسات من ممارسة دورها في كشف انتهاكات حقوق الإنسان، والتعذيب، والأوضاع الإنسانية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن.

هذه السياسة التي انتهجها السيسي ومن قبله المجلس العسكري جعلت النظام المصري عرضة للانتقادات، والضغوط الدولية، لدرجة فرض الإدارة الأميركية فترة الرئيس السابق باراك أوباما، عقوبات بتعليق المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر.

هذا الوضع تغير مع صعود الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي كان يرى في السيسي "ديكتاتوره المفضل" في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، فهل يغير نظام السيسي سياسته مع مجيء الرئيس الجديد الديمقراطي جو بايدن؟.

"المبادرة المصرية"

في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تم توجيه ضربة مباغتة لمنظمات المجتمع المدني، عندما اعتقلت أجهزة الأمن 3 من موظفي "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" بشكل تعسفي، وأعقب التوقيف موجة استنكار وتنديد من قبل حكومات ومنظمات مجتمع مدني.

التوقيف جاء عقب لقاء بمقر "المبادرة" في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، حضره سفراء ألمانيا والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا وفرنسا وفنلندا وهولندا والقائمين بأعمال سفراء: كندا والسويد والنرويج، ونائب سفير المملكة المتحدة، وممثلين عن المفوضية الأوروبية في القاهرة.

وحسب بيان المبادرة حينها، كان اللقاء لمناقشة سبل دعم أوضاع حقوق الإنسان في مصر وحول العالم، ما أقلق الحكومة المصرية وتسبب في موجة الاعتقالات بحق أعضائها، ليبدأ سيل من الانتقادات والرسائل شديدة اللهجة الموجهة إلى رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.

البداية كانت من أعلى هيئة أممية عالمية، ففي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أدانت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان احتجاز مسؤولين يعملون في منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في مصر.

وقالت المفوضية في بيان لها إن "استهداف الناشطين ترك آثارا عميقة على مجتمع مدني يعاني ضعفا بالأساس".

ومن أهم الإدانات في تلك القضية، إدانة "أنتوني بلينكن" مستشار الرئيس الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن للسياسة الخارجية، الذي أبدى قلقه تجاه اعتقال الحقوقيين المصريين وأعاد نشر تعليق لمكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان بالخارجية الأميركية، عبر "تويتر" جاء فيه أن "الاجتماع مع الدبلوماسيين الأجانب ليس جريمة".

كما أعرب نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، كيل براون، في تغريدة على "تويتر"، عن قلقه البالغ تجاه اعتقال مسؤولي المبادرة، وحث براون الحكومة المصرية، على إطلاق سراح المعتقلين، واحترام الحريات الأساسية للتعبير وتكوين الجمعيات.

الإدانات الموجهة لنظام السيسي، شملت واحدة من حلفائها الإستراتيجيين، وهي فرنسا، إذ أعربت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان، عن "القلق العميق إثر اعتقال المدير الإداري للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية محمد بشير".

وأعلنت: "تجري فرنسا حوارا صريحا وحازما مع السُلطات المصرية في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك بعض الحالات الفردية، وتعتزم فرنسا مواصلة هذا الحوار، وكذلك التزامها بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان".

وذكرت وزارة الخارجية البريطانية أن وزير الخارجية دومينيك راب أثار قضية "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" مع نظيره المصري سامح  شكري، حيث طالبه بالإفراج عن المعتقلين.

وهو ما أكدته وكالة أنباء "أدنكرونوس" الإيطالية أن "السفير الإيطالي وسفراء آخرين بعثوا برسالة إلى وزير الخارجية سامح شكري تطالب بالإفراج عن أعضاء المبادرة".

كما دافع سفير ايرلندا لدى مصر شون أو ريغان، عن حق "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "في لقاء الدبلوماسيين، وكتب في تغريدة على "تويتر": "الاجتماع مع مجموعة واسعة من المحاورين، وبينهم أعضاء في المجتمع المدني، هو جزء لا يتجزأ من الممارسة الدبلوماسية العادية في كل بلد".

وفي ذات السياق طالبت منظمة العفو الدولية "أمنستي" من نظام السيسي، بإنهاء حملته الانتقامية الشرسة ضد المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والإفراج الفوري وغير المشروط عن العاملين بالمبادرة الذين تم اعتقالهم بشكل تعسفي.

تلك الانتقادات من دول غربية، والتي تزامنت مع فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية والحديث عن "عالم ما بعد ترامب"، ووجود سياسة جديدة في الولايات المتحدة بشكل خاص أكثر دعما للديمقراطيات وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، وهو الأمر الذي يضع أنظمة مثل النظام المصري تحت ضغط مستمر.

فلسفة جديدة

الإستراتيجية الجديدة التي ظهرت في السياسة الأميركية القادمة نحو النظام المصري، فيما يتعلق بحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، لم تظهر في إدانة "أنتوني بلينكن" مستشار بايدن للسياسة الخارجية فقط، بل في شخصيات بارزة أخرى، مثل المرشحة الرئاسية السابقة السيناتور إليزابيث وارن.

وارن كتبت على "تويتر"، أن "الحملة على (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية)، واعتقال قادتها وموظفيها من قبل قوات الأمن المصرية أمر مرفوض.. يجب إطلاق سراحهم على الفور والسماح لهم بمواصلة عملهم المهم في الدفاع عن حقوق الإنسان دون تدخل".

كما غرد رئيس اللجنة الفرعية التابعة لمجلس النواب الأميركي والمعنية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي، النائب الديمقراطي تيد دويتش، قائلا: "لا يمكن أن يستمر اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان والأقليات والمجتمع المدني في مصر.. يعد اعتقال ومضايقة موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، اتجاه متزايد من الإجراءات المقلقة ذات الدوافع السياسية من قبل الحكومة المصرية".

أما السيناتور والمرشح الرئاسي السابق للانتخابات الأميركية برني ساندرز، فدون عن الاعتقالات قائلا: "الموجة الأخيرة من الاعتقالات في مصر للمدافعين الشجعان عن حقوق الإنسان، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، هي جريمة بشعة، يجب على الإدارة القادمة أن توضح لمصر، وجميع الدول أن الولايات المتحدة، مرة أخرى تدعم الديمقراطية وليس الديكتاتورية".

حديث ساندرز جاء متوافقا مع ما تم طرحه في كتاب: "إعادة الانخراط في الشرق الاوسط: رؤية جديدة لسياسة الولايات المتحدة"، الذي صدر في سبتمبر/ أيلول 2020، عن معهد بروكنجز في واشنطن.

الكتاب دون عنه الصحفي المصري هشام جعفر، عبر حسابه بفيسبوك، قائلا: "أهمية الكتاب تنبع من اعتبارات عدة أهمها: أنه صدر عشية الانتخابات الأميركية، فهو موجه للإدارة القادمة في إطار إستراتيجي يراعي الفروق والحالات المختلفة في المنطقة".

وأضاف: "الكتاب تأثرا بحقبة الربيع العربي، وأدرك أهمية تطلع شعوب المنطقة للحكم الرشيد وحاول أن يعكس هذا التطلع في السياسات المقترحة للولايات المتحدة في المنطقة".

وعن ضرورة توجه الإدارة الجديدة لدعم منظمات المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط، ذكر الكتاب: أن "الإستراتيجية التي تقلل التكاليف وتحتوي المخاطر، مع تعزيز المصالح الأميركية الأساسية في الشرق الأوسط، ممكنة.. حيث المزج بين القيم والمصالح".

مضيفا: "ففي حين أن تخفيف حدة التوترات الإقليمية، والتركيز على منع الصراع، وإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان وإصلاحات الحوكمة هي مناهج سليمة أخلاقيا وتعكس القيم العالمية التي تحرك السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإنها غالبًا ما تكون أيضا أكثر الطرق المباشرة لتحقيق مصالح الولايات المتحدة".

التكهنات الواردة بطبيعة المرحلة القادمة بين واشنطن والقاهرة في إدارة منظمات المجتمع المدني، من حيث الضغط على الحكومة المصرية، يبعث بوضع احتمالات لمدى استجابة السيسي ومنظومته لتلك الضغوط وإلى أي درجة يمكن أن يتفاعل معها، وهو ما يستحضر التاريخ القريب للنزاع بين الدولة في مصر ومنظمات المجتمع المدني.

خط أحمر

الباحث السياسي المصري عمار فايد، قال لـ"الاستقلال": "الهجوم الأخير الذي تعرضت له المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومنظمات المجتمع المدني، كان في الأساس ردا على لقائهم بالسفراء الأجانب، أكبر منه توجيه رسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، خاصة وأن تلك المنظمات تمثل محور قلق بالغ لدى النظام لصلاتهم القوية بالاتحاد الأوروبي، ومنظمات المجتمع المدني الكبرى في الغرب". 

وأضاف فايد: "نشاط تلك المنظمات داخل مصر، في الوقت الحالي، يذكر السلطة بما حدث آخر سنوات مبارك، حيث يرى السيسي وإدارته أن مصر كانت تدار بفوضوية شديدة من وجهة نظرهم، أدت في النهاية إلى قيام الثورة وإسقاط النظام، وهو ما لن يسمح به تحت أي ظرف من الظروف، وهو أمر بمثابة خط أحمر". 

وعن الانتقادات الغربية التي وجهت للسيسي، ومدى تحمله لضغوطات قادمة خاصة بملفات الحقوق والحريات، أجاب فايد: "حتى الآن لا يوجد ضغط معين، هي مجرد تنديدات وتصعيد إعلامي، ولكن لم يتخذ موقف مثل تقليل مساعدات أو تهديد بقطع علاقات أو فرض عقوبات".

مضيفا: "وحتى رغم تلك الإشارات، فإن علاقة السيسي إستراتيجية مع حكومة ماكرون في فرنسا، ويلتقون في مجموعة من الملفات مثل ليبيا وشرق المتوسط، يصعب معها التضحية بالعلاقات بين البلدين، وكذلك إيطاليا وبعض دول الاتحاد الأوروبي".

وأكد فايد: أنه "حتى وإن تعرض السيسي لأقصى درجات الضغط الدولي بسبب ملف الحقوق والحريات ومنظمات المجتمع المدني، فلن يتنازل عن المضي فيه ولن يصبر عليهم، باعتباره من المؤشرات الخطيرة التي تهدد استقرار حكمه، وهو قرار سيادي من المجلس العسكري بمواجهة تلك المنظمات منذ البداية، مع اندلاع ثورة 25 يناير مباشرة، حيث كانت قضية التمويلات ومنظمات المجتمع المدني، صاحبة الأولوية التي قرر المجلس العسكري مواجهتها في ذلك الوقت المبكر". 

واختتم الباحث المصري حديثه قائلا: "بلا شك سوف يكون هناك تغير في لهجة خطاب البيت الأبيض تجاه النظام المصري فيما يخص الحقوق والحريات، أما طبيعة الضغوطات ونتائجها، ومدى تقبل وتعاطي النظام المصري فمن المبكر التكهن بها حتى استلام الإدارة الجديدة زمام الأمور".

عقيدة العسكر

بدأ الصدام المبكر بين المجلس العسكري، ومنظمات المجتمع المدني في فبراير/ شباط 2011، بـ"قضية التمويل الأجنبي" لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية، واتهام المجلس العسكري الحاكم في مصر وقتها، لجماعات حقوق الإنسان بممارسة نشاط سياسي غير قانوني.

المجلس العسكري في ذلك الوقت بقيادة المشير حسين طنطاوي، وجه اتهامات ضد 43 ناشطا أجنبيا ومصريا، من بينهم حوالى 19 أميركيا، في أعقاب تحقيق مع عدد من منظمات المجتمع المدني، ومنع المتهمين من مغادرة البلاد، ما تسبب حينئذ في توتر شديد في العلاقات مع واشنطن. 

وفي 12 فبراير/ شباط 2011، التقى الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، مع أعضاء المجلس العسكري في مصر، وناقش معهم قضية النشطاء الأميركيين المؤيدين للديمقراطية المتهمين في تحقيقات منظمات المجتمع المدني. 

حينها، أعلن حينها الكونغرس والبيت الأبيض أن القضية تهدد المساعدات، وحذر 3 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي مصر من أن العلاقات بين البلدين تمر بأسوأ فتراتها بعد أن قرر القضاء المصري إحالة 19 ناشطا أميركيا إلى المحاكمة.

الضغوط الدولية والتحذير الأميركي للمجلس العسكري، أتى بثماره في 1 مارس/ آذار 2011، عندما غادر الناشطون الأميركيون، بالإضافة إلى 8 من جنسيات آخرى من المتهمين في القضية مصر على متن طائرة أميركية خاصة.

وتساءل وقتها الكاتب المصري فهمي هويدي، في 15 أغسطس/ آب 2011، قائلا: "لا أفهم لماذا لا نتعامل مع ملف منظمات المجتمع المدني بما يستحقه من شفافية وشجاعة، كي نخلصه مما يلاحقه من لغط وشبهات، ونمحو من صفحاته آثار الغموض ومفردات "العبط" و"الاستعباط"؟.

المجلس العسكري (السيسي ضمن أعضائه)، كان يرى أن منظمات المجتمع المدني ساهمت في اشتعال ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2001 ضد الرئيس الراحل حسني مبارك، وأنه لابد من إجراءات مشددة بحقها.

ضربة مباغتة

ومنذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، ووصول السيسي إلى السلطة في يونيو/ حزيران 2014، لم تتوقف حملات أجهزة الأمن ضد منظمات المجتمع المدني، فأغلق وحظر العديد من الجمعيات والمنظمات.

الحملة الممنهجة على منظمات المجتمع المدني التي بدأت عقب الانقلاب، أدت إلى تضييق الخناق على نحو 47 ألف جمعية محلية، بالإضافة إلى 100 جمعية أجنبية وفقا للتقديرات الحكومية.

خلال لقائه مع الإعلاميين في 2014، قال مجيبا عن سؤال بخصوص الشباب المنخرطين ضمن مؤسسات المجتمع المدني: "أنا لما كنت بقعد مع المسؤولين الأوروبيين والأميركان، ويتكلموا في منظمات المجتمع المدني وعملية التمويل الأجنبي، كنت بقولهم أنا لم أشكل وعي لا يمثل المجتمع المصري، يبقى أنا بأذى هذا الوعي، وفهموهم إن الدولة لو وقعت لن يكون هناك إصلاح ولا تغيير، وهما مكنوش بيعرفوا يردوا علي، ولو عايزين يساعدونا بجد عندنا مليون وحدة سكنية محتاجة دعم".

وخلال حوار السيسي مع شبكة "PBS" الأميركية في 23 سبتمبر/ أيلول 2016، وجه له المحاور انتقادات بشأن قمعه لمنظمات العمل المدني، ليجيب السيسي قائلا: "لم نمارس قمعا مطلقا ضد منظمات المجتمع المدني أو الصحفيين ولو حدث، ذلك قبل أن أتولى المنصب".

وصل الوضع إلى ذروته حينما صدق السيسي على قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي في مايو/ أيار 2017، وسط انتقادات منظمات محلية ودولية أبرزها، منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش.

وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2019، عقد السيسي مؤتمرا صحفيا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتحدث السيسي عن منظمات المجتمع المدني في مصر، ووصف روداها بـ"المدونين".

وشن السيسي هجوما عليهم قائلا: "مصر لن تقوم بالمدونين، وانا بقولهالكم بمنتهى الصراحة، مصر ستقوم بالعمل والجهد والمثابرة".