مجلة إيطالية: هذه مخاوف الصين من تزامن أزمتي "تيغراي" وسد النهضة

12

طباعة

مشاركة

بين مطرقة أزمة إثيوبيا مع جبهة "تيغراي" وسندان سد النهضة، تبحث الصين عن "حلول قيصرية هادئة" للخروج من هذا المأزق السياسي حفاظا على مصالحها الاقتصادية في القارة الإفريقية.

وتطرقت مجلة ''فورميكي'' الإيطالية إلى تداعيات الأزمة المتصاعدة بين الحكومة الإثيوبية وسلطات إقليم "تيغراي" بالإضافة إلى أزمة سد النهضة بين إثيوبيا ومصر على الاستثمارات والثقل الجيوسياسي للصين في القارة الإفريقية "مما يضعها تحت الاختبار". 

وقالت: إن "الصين تفقد جاذبيتها في إفريقيا، رغم الاستثمارات الضخمة في السنوات الأخيرة، لأنها لا تزال تشكو من آثار المواجهة مع الولايات المتحدة، والآن تواجه اختبارا للحفاظ على مصالحها ونفوذها نتج عن الأزمة الإثيوبية".

النموذج الأفضل

وذكرت المجلة الإيطالية أن "شبكة الأبحاث الإفريقية (أفروباروماتر) نشرت مؤخرا نتائج دراسة حول التأثير الصيني في إفريقيا خلال فترة عامي 2019-2020".

وأكدت نتائج الدراسة أن "بكين فقدت بعضا من جاذبيتها مقارنة ببيانات خمس سنوات مضت". 

وذكرت المجلة بحسب الشبكة أن "15 من البلدان الثمانية عشر التي شملها الاستطلاع، يعتبر نموذج التنمية الذي قدمته الولايات المتحدة أفضل من النموذج الذي تنشره الصين".

وأضافت: أن "60 بالمئة من السكان لا زالوا ينظرون إلى التأثير الصيني على أنه إيجابي، لكنه خسر خمس نقاط".

وأوضحت أن "2 بالمئة فقط من الأفارقة يعتبرون أنه من المفيد تعلم لغة الماندرين (المتداولة في الصين) كلغة المستقبل، فيما 71 بالمئة يؤيدون تعلم اللغة الإنجليزية".

وترى المجلة أن "الرقم يصبح أكثر إثارة للاهتمام إذا ما أخذنا في الاعتبار أنه يأتي في نهاية سلسلة من السنوات التي نمت فيها الاستثمارات الصينية في إفريقيا بشكل كبير".

وشددت على أن "من الأهمية بمكان أيضا، ملاحظة أن الفجوة بين من يفضل النموذج الأميركي على النموذج الذي يقدمه الحزب الشيوعي الصيني، قد اتسعت في بعض البلدان التي كانت فيها هذه الاستثمارات عميقة". 

واعتبرت أنه "من المستحيل بين هذه البلدان، في مقدمتهم سيراليون أن تتقدم الولايات المتحدة بـ42 نقطة مئوية، وعدم ذكر إثيوبيا التي يُنظر فيها إلى الولايات المتحدة على أنها نموذج مثالي يتقدم بنسبة 16 في المئة". 

وتوضح مجلة "فورميكي'' أن "السياق الإثيوبي يُعد مهما لكونه الشريك المميز للصين في إفريقيا، وأيضا بالنسبة للسياق المعقد الذي تعيشه البلاد، وإمكانية توسع الأزمة الحالية لتصبح إقليمية". 

علاقات استثنائية

وأشارت إلى أن "الأكاديمي آرون تسفاي، من جامعة ويليام باترسون الأميركية، كتب في تقرير لمعهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالي العام الماضي، أن العلاقات الصينية الإثيوبية استثنائية من نواح كثيرة". 

وتجمع بين بكين وأديس أبابا روابط ذات قيمة سياسية-إستراتيجية بالإضافة إلى المجال الاقتصادي والتجاري.

ويتجسد هذا البُعد في العلاقات الثنائية من خلال تعيين الصين، للإثيوبي ''تيدروس أدهانوم غيبريسوس'' على رأس منظمة الصحة العالمية، وفق المجلة الإيطالية.

ولفتت إلى أن "المدير الإثيوبي للمنظمة تعرض في الأشهر الأخيرة إلى انتقادات أميركية لعدم كشفه المبكر عن بداية انتشار وباء كورونا بطلب من بكين، لترك المجال لها لاحتواء خطر تأثر صورتها الدولية".

ووصفت المجلة الإيطالية أن إثيوبيا باتت ''بؤرة سياسية لا بؤرة وباء'، ويُنذر اتجاه الوضع فيها نحو عدم الاستقرار، بسبب المواجهة العسكرية بين الحكومة وقوات تيغراي".

وأوضحت أن "هذه المواجهة جاءت بعد سنوات حاول فيها رئيس الوزراء آبي أحمد الحفاظ على التوازن بفضل النمو الاقتصادي (بفضل الدعم الصيني أيضا)". 

وشددت على أن "الصين في مواجهة معضلة كبيرة، وهي الاختيار بين اتخاذ موقف أو البقاء مكتوفة الأيدي أمام أزمة لها تداعيات هائلة وتخاطر بالتطور إلى أزمة إقليمية".

وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بدأت مواجهات مسلحة بين الجيش الإثيوبي و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في الإقليم.

وهيمنت الجبهة على الحياة السياسية في إثيوبيا لنحو 3 عقود، قبل أن يصل آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، ليصبح أول رئيس وزراء من عرقية "أورومو".

و"أورومو" أكبر عرقية في إثيوبيا بنسبة 34.9 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 108 ملايين نسمة، فيما تعد "تيجراي" ثالث أكبر عرقية بـ7.3 بالمئة.

وانفصلت الجبهة، التي تشكو من تهميش السلطات الفيدرالية، عن الائتلاف الحاكم، وتحدت آبي أحمد بإجراء انتخابات إقليمية في سبتمبر/ أيلول الماضي، اعتبرتها الحكومة "غير قانونية"، في ظل قرار فيدرالي بتأجيل الانتخابات بسبب جائحة كورونا.

سد النهضة

على جانب آخر، قالت المجلة: إن "بكين حاولت التحرك في محاولة لتركيز الثقل السياسي على ملف متداخل محتمل يتعلق بخطر توسع الأزمة الإثيوبية إلى مسألة سد النهضة الذي تعتبره مصر تهديدا قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية".

وتحذر القاهرة من أن ملء خزان السد، الذي سيوفر الطاقة الكهرومائية لأديس أبابا، سيتسبب في تراجع منسوب المياه المتدفق إلى مصر. 

واعتبرت المجلة الإيطالية أن "ما يحدث في أزمة المياه، هي ذات بُعد مستقبلي ستشهد من جرائها الأماكن -المعرضة أكثر لتغير المناخ- سيناريوهات مماثلة، ويُعد القرن الإفريقي أحد هذه المناطق مما تسبب في تدخل السودان أيضا في أزمة سد النهضة".  

وأشارت إلى أن "سد النهضة، مثال ربما حاولت فيه الصين استرجاع التأثير المفقود وفقا لشبكة (أفروباروماتر)، فبينما أيدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الموقف المصري، معتبرة هجوما عسكريا محتملا ضد إثيوبيا شرعا، اتخذت بكين (مع موسكو) موقفا مخالفا، وطالبت المصريين والإثيوبيين بأقصى قدر من ضبط النفس لتجنب التصعيد".

وفي نفس الصدد، يشرح الباحث بجامعة أكسفورد البريطانية، صامويل راماني، للمجلة الإيطالية أنه يعتقد أن "روسيا والصين لا تريدان حقا أن ترى مصر في تصريحات ترامب المناهضة لإثيوبيا سببا للحرب وتكثيف التوترات بشأن سد النهضة (الصين شريك فيه)".

وأكد أن "روسيا والصين تدركان أن مصر قد تشعر بعدم الأمان أكثر بشأن مكانتها في السياسة الخارجية الأميركية بسبب انتصار بايدن، وهذا قد يلهم القاهرة لاتخاذ إجراءات لا يمكن التنبؤ بها".

وخلصت المجلة إلى أن "هناك احتمالا أن الصين حاولت استخدام هذا الجانب من الوضع لبدء لعب ثقلها الدبلوماسي في القرن الإفريقي دون أن يخلو ذلك من المصالح المباشرة".

وأكدت أن  "الصين، على غرار روسيا، تعتبر مصر وإثيوبيا شريكين حيويين ولا تريد الاختيار بينهما".

وأوضحت المجلة أن ''روسيا تبيع الأسلحة لكل من مصر وإثيوبيا وتقوم بتدريب البحرية الإثيوبية، من جانبها، تُعتبر إثيوبيا حليفا مخلصا بالنسبة للصين رغم أن الدول الإفريقية أعربت عن قلقها بشأن نهج بكين في تخفيض الديون".