إعادة محاكمة رموز الفساد بالجزائر.. إجراء انتقائي أم طعنة للحراك؟

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أمرت المحكمة العليا في الجزائر، بإعادة محاكمة "السعيد" شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والمديرين السابقين للاستخبارات محمد مدين الملقب بـ"توفيق" وعثمان طرطاق، أمام محكمة الاستئناف العسكرية في مدينة البليدة (غربي العاصمة). 

وأوقف المدانون الثلاثة إلى جانب الأمينة العامة لـ "حزب العمال"، لويزة حنون، في أيار/ مايو 2019، وحُكم عليهم  بالسجن 15 عاما بتهمة "المساس بسلطة الجيش التآمر على سلطة الجيش والدولة"، حسب المادة 284 من قانون القضاء العسكري والمادتين 77 و78 من قانون العقوبات.

القضية ستحال مجددا إلى المحكمة العسكرية لإعادة المحاكمة، مع تغيير هيئة المحكمة، ومن المتوقع أن تختلف ظروف المحاكمة، وقد تصدر في حق المتهمين أحكام مخففة هذه المرة.

قائد الجيش الراحل قايد صالح، وقف وراء محاكمة السعيد ورئيسي الاستخبارات، وأوضح مراقبون أن هذه المحاكمات لم تكن لتبدأ لولا موافقة من قائد الجيش، لكن المشهد تغير اليوم بعد رحيل صالح في ديسمبر/كانون الأول 2019.

خليفة صالح، الفريق سعيد شنقريحة، أبدى تسامحا كبيرا مع من سماهم الحراك "رموز الفساد"، فهل تتراجع الجزائر عن محاكمتهم بعد أن منعت جائحة كورونا المحتجين من مواصلة النزول إلى الشوارع؟.

مكتسبات الحراك

في مايو/أيار 2019 ألقي القبض على السعيد ومدين وطرطاق وحنون، على خلفية قضية تتعلق باجتماع حضروه في 27 آذار/ مارس 2019، لوضع خطة لعزل رئيس الأركان الراحل قايد صالح غداة مطالبته علنا باستقالة بوتفليقة.

وحسب النيابة، فإن "سعيد طلب مساعدة الرئيسين السابقين للاستخبارات من أجل إقالة صالح من منصبه الذي شغله منذ 2004، وظل وفيا لبوتفليقة، طيلة 15 سنة، ما جعل رئيس الأركان يدعو لاجتماع ضم كل قادة الجيش وبثه التلفزيون الحكومي طالب فيه صالح علنا بضرورة رحيل بوتفليقة فورا، وهو ما حدث في 2 نيسان/ أبريل 2019".

مجلس الاستئناف العسكري بالبليدة وقع في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حكمه حضوريا، عقوبة 15 سنة نافذة بحق كل من السعيد بوتفليقة، محمد مدين، عثمان طرطاق، فيما خففت العقوبة بالنسبة لويزة حنون من 15 سنة إلى 3 سنوات حبسا منها 9 أشهر نافذة عن تهمة جديدة هي عدم التبليغ عن جناية "التآمر على سلطتي الدولة والجيش".

في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فصلت الغرفة الجنائية الثانية لدى المحكمة العليا، بقبول الطعن بالنقض الذي تقدم به كل من السعيد بوتفليقة، والجنرالان محمد مدين وعثمان طرطاق، والأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون.

وفي شباط/ فبراير 2020 أيدت محكمة الاستئناف أحكام الإدانة الصادرة بحق بوتفليقة والجنرالين، وأفرجت عن الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون.

صُلح مع الفساد

اعتُبر المتهمون الأربعة الطرف الخاسر في صراع طويل شهدته سنوات حكم بوتفليقة، بين جهاز الاستخبارات من ناحية ورئاسة أركان الجيش من ناحية أخرى.

واعترفت حنون القريبة من رئيس الاستخبارات الأسبق ومن السعيد بوتفليقة، بأنها شاركت في اجتماع مع السعيد والجنرال توفيق في 27 آذار/ مارس 2019، غداة مطالبة رئيس أركان الجيش علنا باستقالة بوتفليقة، لكنها "رفضت اعتبار ذلك مؤامرة ضد الدولة"، بحسب محاميها.

ظهر الراحل قايد صالح في جبة الرجل الأقوى المحارب للفساد، خلال الحراك، عبر خطب وعد فيها بالاستقرار وأطرى فيها بالمحتجين.

ضم قايد صالح المديريات التي كان يديرها الجنرال طرطاق إلى وزارة الدفاع مباشرة بعد إقالة الأخير، ما أوحى بأن قائد الجيش يرغب بسيطرة تامة على جهاز الاستخبارات. 

وفي 5 يوليو/ تموز 2020، ظهر الجنرال المتقاعد، حسين بن حديد في حفل الاستقبال الذي نظمه الجيش بمناسبة ذكرى الاستقلال الوطني، وحرص الفريق سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش، على أن يكون بجانبه، ما استقرأت منه الصحافة المحلية، محاولة لرد الاعتبار للجنرال الذي كان داخل السجن.

عداء رئيس أركان الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح، للجنرال ابن حديد، لم يكن خفيا فقبل دخوله السجن مع عدد من رموز السلطة في مايو/ أيار 2019، دخل ابن حديد السجن في 2015 بسبب خلافه مع صالح.

سجن ابن حديد في 2019 عقب رسالة وجهها لصالح، نشرها على جريدة "الوطن" الناطقة بالفرنسية، قال فيها: "الجيش مدعو إلى اتخاذ مواقف سياسية خارج الحل الدستوري وتسليم السلطة إلى الشعب". 

تمت ملاحقة ابن حديد، إثر ذلك، بتهمتي "المساس بهيئة نظامية ومحاولة إحباط معنويات الجيش"، قبل أن يتم إعادة تكييف تهمته إلى جنحة "إهانة هيئة نظامية".

وفي يناير/ كانون الثاني 2020، وبعد شهر من تقلده الحكم، أطلق الرئيس عبد المجيد تبون حملة إعفاءات، سميت "موجة إفراج عن سجناء الرأي والحراك"، وكان بينهم الجنرال بان حديد بدعوى "تدهور وضعه الصحي".

الإفراج عن ابن حديد كان مؤشرا صارخا عن مصالحة بين القيادة العسكرية الجديدة، والتي تعتبر السلطة الثانية في البلاد، مع تيار الدولة العميقة في الجيش.

ورغم أن الحراك رفع أسماءهم وطالب بمحاكمتهم، إلا أن عددا من المراقبين رأوا في هذه المحاكمات "تصفية للحسابات".

ورطة النظام

المحل السياسي الجزائري الدكتور حمزة حسام، "لم يعتبر ما حصل تراجعا عن الحكم، وإنما هو قبول النقض في الحكم وإعادة محاكمتهم في الاستئناف أمام نفس المحكمة التي حكمت عليهم سابقا، لكن بهيئة جديدة".

بمعطيات الحراك وليس بالمعطيات الحاضرة، لم تكن، بحسب المحلل السياسي، "المحاكمات إسكاتا للشارع بل كانت محاكمات فعلية"، واستطرد قائلا: "لا أعتقد أن توفيق أو طرطاق، أو حتى السعيد يقبلوا بأن يهانوا بتلك الطريقة فقط لإسكات الشارع".

لفت حسام في حديثه مع "الاستقلال"، إلى أن "العداوة الكبيرة جدا والتاريخية بين قايد صالح وتوفيق، لا يمكن أبدا أن تجعلهما يتفقان على مثل هذا السيناريو، بل ما حصل هو أن توفيق أراد أن يطيح بقايد صالح، لكن الأخير سبقه وأطاح به، مع الإشارة إلى أن توفيق في ذلك الوقت لم يكن له أي منصب رسمي".

الناطق الرسمي باسم حركة "عزم" -التي تأسست لتأطير الحراك الشعبي بالجزائر- أرجع السبب في استئناف الحكم إلى تغيّر النخبة الحاكمة.

وأوضح حمزة أن النخبة خلال الحراك كانت قريبة من القايد صالح أو معينة من طرف قيادة الجيش التي كانت تحت سيطرته، لكن النخبة الحالية -بعد وفاة القايد صالح وتحييد كل القيادات العسكرية التي كانت تعمل معه بما فيها قيادة القضاء العسكري- يبدو أنها أقرب إلى جناح توفيق، أي القيادات القريبة من  جهاز الاستعلامات أو ما يسمى أيضا بالبوليس السياسي.

وعن إمكانية التراجع عن محاسبة رموز الفساد، يعتقد حسام أن النظام الحالي يواجه ورطة، فالحسم الذي تعاملت به السلطة الجزائرية والجيش خاصة في مرحلة الحراك، ورط النظام الحالي. 

ورأى المحلل السياسي، أنه لم يعد هناك مجال للتراجع عن محاسبة أو محاكمة الفاسدين، لكن يمكن أن نشهد نوعا من الانتقاء في التعامل مع ملفات الفساد ومع الفاسدين.

لا يعتقد المتحدث أن توفيق وطرطاق والسعيد، حوكموا على كل ما قاموا به، مبرزا أن لديهم جرائم مرتبطة بفترة التسعينيات، وقضايا فساد لو فتحت من المؤكد أنهم لن يفلتوا من العقاب.

وأشار إلى أن النظام الحالي يريد التركيز فقط على تهمة التآمر على الجيش في تلك المرحلة، رغم أن هذه التهمة ثابتة، لأن شهادة الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال، تفيد بوجود نية حقيقية بالتآمر على قيادة الجيش.

وخلص حمزة، إلى أن "التراجع عن محاكمة رؤوس الفساد أمر مستبعد، إلا أن التعامل مع هذه الملفات ستكون فيه كثير من الانتقائية، لأن فتحها كما يجب سيجر الكثير من المسؤولين الموجودين إلى غاية الآن في السلطة إلى أروقة المحاكم".