اكتفت بـ"قلق بالغ".. لماذا أخذت موريتانيا مسافة من أزمة الكركرات؟

12

طباعة

مشاركة

قبل نحو 3 أسابيع، تصاعدت وتيرة النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو، إثر عرقلة عناصر من الجبهة عبور شاحنات مغربية إلى موريتانيا، عبر معبر "الكركرات" الذي يعد بوابة اقتصادية تربط الرباط بعدة عواصم إفريقية، والوحيد بين المملكة وموريتانيا.

عقب اشتعال الأزمة، أعلنت موريتانيا متابعة التوتر المتزايد بين المغرب وجبهة البوليساريو، على حدودها الشمالية في منطقة الكركرات، "بقلق بالغ".

وبعد أيام من تحرك الجيش المغربي وجه رئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني، برقية لملك المغرب محمد السادس في 17 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عبّر فيها عن حرصه على تعزيز علاقات بلاده مع المغرب وتطوير التعاون بينهما.

موقف نواكشوط وصفته تقارير صحفية موريتانية بـ"الضعيف" باعتبارها طرفا متضررا من الأزمة. فهل ترى الجارة الجنوبية أن أزمة الكركرات تعني المغرب وحده، وأنه فقط المعني بحلها؟ أم أنها تعتبر التدخل العسكري من جانبها أمرا مرهقا لا تستطيع تحمل تبعاته؟.

معبر نابض

قرية الكركرات هي منطقة جغرافية صغيرة في منطقة الصحراء المتنازع عليها، تقع على بعد 11 كم من الحدود مع موريتانيا وعلى بعد 5 كم من المحيط الأطلسي.

في 6 سبتمبر/أيلول 1991، اتفق المغرب وجبهة البوليساريو على وقف إطلاق النار بينهما، إثر التنازع على معبر الكركرات، حيث نشرت الأمم المتحدة قوات (مينورسو) لمراقبة تنفيذ الاتفاق.

وبموجب الاتفاق، اعتبرت الكركرات منطقة منزوعة السلاح، حيث تنتشر القوات الأممية (مينورسو) لمراقبة تنفيذه، لكن جبهة البوليساريو تصف تلك المناطق بأنها "مناطق محررة خارج الحزام".

واتسمت المنطقة الفاصلة بين الحدود الشمالية لموريتانيا والحدود الجنوبية للمغرب، بغياب حكم القانون فيها، فهي أرض قفار مترامية الأطراف يتم استغلالها من طرف شبكات الجريمة المنظمة.

ويعتبر "الكركرات"، المعبر الحدودي البري الوحيد بين المغرب ودول إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ذو أهمية اقتصادية حاسمة، إذ تمر عشرات الشاحنات التي تنقل البضائع المغربية إلى بلدان الساحل عبر هذه المدينة الحدودية.

80 بالمائة من المنتجات التي تستوردها موريتانيا من البلدان الإفريقية تأتي من المغرب، وفي 2018 فاقت المبادلات التجارية بين الدولتين 200 مليون دولار، مقابل 3 ملايين دولار صادرات موريتانية للمملكة، ويعد المغرب أيضا المستثمر الإفريقي الرائد في موريتانيا.

المبادلات التجارية بين البلدين حققت تحسنا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هناك إمكانيات كبيرة للرفع أكثر من حجم هذه المبادلات وتحقيق الاندماج، خاصة على مستوى قطاعات الصلب والحديد وصناعة السيارات والفلاحة والصناعة التقليدية والصيد البحري، وإن كانت هناك مجموعة من العوائق تحول دون التدفق الكافي للسلع والبضائع.

يلعب المعبر دورا مهما في رواج التبادل التجاري بين المغرب والقارة الإفريقية، لا سيما على مستوى تصدير السلع المغربية نحو دول جنوب الصحراء.

وتمر نحو 30 شاحنة محملة بالبضائع من عدة أصناف، عبر معبر الكركرات يوميا، فيما تتوزع هذه السلع ما بين الخضر والفواكه والمواد الغذائية، والبيض ومنتجات البلاستيك والأنابيب والأجهزة الكهربائية والتبغ إلى جانب منتجات أخرى.

وفضلا عن موريتانيا، فإن المنتجات الفلاحية والمواد المصنعة بالمغرب، تصدر عبر معبر "الكركرات" إلى السنغال ومالي وغامبيا وكوت ديفوار والنيجر وعدد من الدول الإفريقية الأخرى.

الشريك الأول

تعبر من "الكركرات" واردات موريتانيا الغذائية القادمة من المغرب، وتعبر منه صادراتها السمكية الموجهة نحو أوروبا عبر المغرب، حيث يعد المغرب الشريك التجاري الأول لموريتانيا بإفريقيا، ويشكل حوالي 30 بالمائة من المبادلات التجارية بين موريتانيا وباقي بلدان القارة.

كشف المكتب الوطني للإحصاء في موريتانيا، في أغسطس/ آب 2020، أن قيمة المبادلات الخارجية للبلاد، بلغت خلال الربع الأول من العام الجاري، أزيد من 49 مليار أوقية (عملة موريتانيا) جديدة، مسجلا انخفاضا بنسبة 8.1 في المائة، بالمقارنة مع الربع الأخير من 2019.

وقال تقرير صادر عن المكتب: إن صادرات موريتانيا بلغت 24.1 مليار أوقية جديدة (دولار واحد يساوي 37 أوقية موريتانية)، مقابل واردات ب 25.3 مليارا، مسجلة انخفاضا، على التوالي، بنسبتي 11.9، و3.7 في المائة عن الربع الأخير من العام السابق.

وحسب المصدر ذاته، فقد تصدرت دول الاتحاد الأوروبي قائمة الشركاء التجاريين لموريتانيا بنسبة تزيد على النصف، فيما مثل الحديد والسمك النسبة الأكبر من صادراتها، بـ 33.7 و31.7 في المائة، على التوالي، بينما تصدرت المشتقات البترولية الواردات بنسبة 30.6 في المائة.

وبخصوص الدول الإفريقية، قال التقرير: إن الواردات الموريتانية فاقت صادراتها، بنسبتي 7.3 و5.7 على التوالي، خلال الربع الأول من العام الحالي.

الحلقة الأضعف

خلال لقائه ممثلي عدد من الأحزاب الموريتانية التي حضرت مؤتمر جبهة البوليساريو الأخير قال رئيس ما يسمى بـ"الجمهورية العربية الصحراوية"، إبراهيم غالي: "على موريتانيا التدخل لتحريك الملف الصحراوي الذي يواجه الإهمال".

وهدد غالي بأن الصحراويين "لن يبقوا مكتوفي الأيدي طول الزمن، وبأن موريتانيا هي المتضرر الأول إذا عاد الملف لوضع ما قبل وقف إطلاق النار لعام 1991". 

وفي مقاله بعنوان "هل الكركرات في كوكب آخر؟!"، قال الإعلامي محمد محفوظ أحمد: "كان المفروض أن تستغل القيادة الموريتانية علاقاتها الحسنة بالطرفين: المغرب والبوليساريو، لتقول لهما: نرفض أي ضرر بنا مهما كان، ولا نقبل أن نظل الحلقة الضعيفة التي يتلاعب بها هذا الطرف ليزعج الطرف الآخر".

فيما قال المدون الموريتاني، سيدي محمد: "إذا لم تقم العلاقات بين الجيرة الأخوة على الاحترام والتقدير والخوف على المصالح، فإن الطرف المستكين سيكون الأضعف والخاسر، وعلى حكامنا أن يعوا ذلك، فالضعيف لا وزن له في عالم اليوم".

ورفض العقيد الركن المتقاعد بالجيش الموريتاني، والخبير العسكري والإستراتيجي، البخاري محمد مؤمل، القول بأن تقارير صحفية وإعلامية موريتانية وصفت موقف نواكشوط بـ"السلبي".

واستطرد في حديثه مع "الاستقلال": "أتحفظ على هذا التعميم، وإذا كانت تقارير ذكرت ذلك، فأغلب التقارير تصفه بالإيجابي، أنا لا أتكلم بلسان الدولة أو الحكومة، وإنما باسمي شخصيا كمراقب وباحث في الشؤون الإستراتيجية، وبالتالي لدي بُعد من المواقف وأدلجتها". 

لاحظ الخبير الإستراتيجي أن أغلب الموريتانيين وكذلك الموقف الموريتاني الرسمي، لا ينظرون للموقف على أنه سلبي، "إذ لا تعتبر السلطة أنها طرف في الصراع بين المغرب من جهة، والبوليساريو مدعومة من الجزائر من جهة أخرى، بل إنها تبحث عن حل توافقي بين الأطراف"، وفق المصدر.

وأكد العقيد السابق أن "موريتانيا تحاول التعاون مع الأمم المتحدة، وأمينها العام شهد لها بذلك، لتقريب المواقف بين طرفي الصراع". 

أما على المستوى العسكري، يقول مؤمل: "فما يجري في الكركرات هو خارج التراب الموريتاني، ونواكشوط لم ولن تتدخل فيه، حسب عقيدتها بأن الأمر خارج حوزتها الترابية، وأن واجبها هو الحفاظ وتأمين ترابها فقط".

وتابع: "لذلك أعادت انتشار قواتها في المنطقة وعززتها تأهبا لأي تدهور في الوضع قد يؤثر مباشرة على أمنها".

أما من حيث التضرر، يضيف المتحدث لـ"الاستقلال": "موريتانيا ليست المتضرر الوحيد في حالة الحرب، المتضررون هم القوات المشاركة مباشرة، وقوات البوليساريو مدعومة من طرف الجزائر، ومن جهة أخرى القوات المغربية".

وعلى مستوى التداعيات الاقتصادية، فصحيح أن موريتانيا متضررة، وكذلك المغرب والصحراويون ومناطق غرب إفريقيا التي تستفيد من التبادل التجاري عبر المنطقة، يقول البخاري.

وخلص الباحث الإستراتيجي إلى أن "موريتانيا متضررة كما غيرها، لكن لا يمكن وصف موقفها بالسلبي لأنها ليست طرفا في الصراع العسكري، بل تحاول دبلوماسيا أن تبعد المنطقة عن الحرب وهي مدعومة في ذلك من الأمم المتحدة".

حياد سلبي

رئيس "المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية"، في نواكشوط، ديدي ولد السالك، كان له رأي مخالف، قائلا: "بعد ما عرف وقتها باتفاق طرابلس الغرب، بين الجبهة الوطنية للخلاص الوطني وجبهة البوليساريو، منذ 1979 أخذت موريتانيا موقف حياد، وتعزز ذلك مع الوقت".

واستطرد في حديثه مع "الاستقلال"، "لكن في الأزمة الأخيرة لم يكن موقفها بالحجم المطلوب، خصوصا وأنها تضررت كثيرا من إغلاق معبر الكركرات لأنها تتزود من السوق المغربية بكثير من الاحتياجات الغذائية والأساسية، وبالتالي كان من المفروض ألا تسمح للبوليساريو بإغلاق المعبر، خصوصا وأن الكركرات تقع في المنطقة العازلة".

بإغلاقها للمعبر، تكون البوليساريو قد أضرت بموريتانيا كثيرا، بحسب ولد السالك، وكان على الأخيرة التحرك بشكل آخر أقوى لكنها لم تتصرف كما هو مطلوب.

وقال ولد السالك: "أعتقد أن موريتانيا في السنوات المقبلة عليها أن تتخذ موقفا وإن كان حيادا، أن يكون حيادا إيجابيا وفعالا لتسوية القضية لأنها أكثر المتضررين من هذا الصراع الذي طال كثيرا في منطقة الصحراء الغربية".

وأضاف: "موريتانيا على الحدود مع المغرب، وهو يشكل لها عمقا إستراتيجيا، ومن المفروض أن تكون هذه الحدود بين البلدين منطقة ازدهار اقتصادي لا توتر".

أشار ولد السالك إلى أن "النزاع يؤثر أيضا على علاقاتها وحدودها مع المغرب. وأكثر طرف من مصلحته تسوية هذه الأزمة هي موريتانيا، وعليها العمل بجدية من أجل ذلك".

واعتبر أن "أزمة الصحراء الغربية تعطل مشروع الاتحاد المغاربي، وموريتانيا طرف، ومن مصلحتها تحقيق هذا الاندماج كعمق إستراتيجي لها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا".

الحرب الباردة

رئيس "المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية" نفى أن تكون الأزمة أزمة المغرب وحده وهو من عليه تسويتها، قائلا: "القضية طالت لأزيد من 40 سنة، وهي من ملفات الحرب الباردة، ومن المفروض أن نجد لها حلا دبلوماسيا، ولا أحد يرغب في غير ذلك، لأن الأطراف لن تستطيع حلها عسكريا، وبقاء هذا الجمود لا يخدم أيا من الأطراف".

لفت الخبير إلى معاناة الصحراويين في المخيمات لأزيد من 40 سنة، وقال: إن التسوية من مصلحة كل الأطراف، "سواء المغرب الذي يريد سيادة مع حكم ذاتي للصحراويين، وموريتانيا التي تسعى إلى اندماج ورواج اقتصادي في المنطقة المغاربية، والصحراويون الذين يعانون أوضاعا مزرية لأطول مدة بهذا الشكل في العالم".

وعن العلاقات الموريتانية مع جبهة البوليساريو، قال رئيس "المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية": "البوليساريو ما كان يجب أن تغلق الكركرات، سواء كانت صديقة للشعب والحكومة الموريتانية، وهذا ليس موقف صديق، أو أنها عدو ينبغي على موريتانيا التعامل معها بمنطق العدو".

رأى الخبير أن "المغرب تصرف بما يخدم مصالح الطرفين، فلم يسمح بإغلاق المعبر باعتباره منطقة اقتصادية حيوية، يجعله منفتحا على الاقتصاد الموريتاني المليء بالثروات، وكذلك منطقة عبور نحو اقتصاديات غرب إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، خصوصا وأن المغرب يتجه إستراتيجيا لإفريقيا لما تمتلك من ثروات".

مصلحة المغرب وموريتانيا في معبر الكركرات "متداخلة ومتوازنة"، بحسب المتحدث، وبالتالي من المفروض على الطرفين أن يحرصا على "بقاء المعبر مفتوحا وأن يطورا علاقاتهما لما يخدم الاندماج الاقتصادي بينهما وفتح الآفاق على اقتصاديات أخرى".