أوروبا تدين إبادة الصين للإيجور.. فلماذا تدعمها دول عربية وإسلامية؟

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي ترتكب فيه الصين جرائم ضد الإنسانية بحق ملايين المسلمين من أقلية الإيجور، ينقسم العالم بين رافض للانتهاكات ومطالب بوقفها، وبين مؤيد لتلك الجرائم أو متأرجح بين الموقفين.

وينطلق المؤيدون من أنه "من حق سلطات بكين اتخاذ إجراءات مكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف في شينجيانغ"، وهي الذريعة التي تتخذها الصين لإبادة المسلمين.

وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت حوالي 40 دولة في الأمم المتحدة بمبادرة من ألمانيا، بيانا مشتركا دعت فيه الصين إلى "احترام حقوق" الإيجور والأقليات في إقليمي شينجيانغ والتيبت، مبدية أيضا قلقها بشأن تطورات الوضع في هونغ كونغ.

في المقابل، تلا السفير الباكستاني لدى الأمم المتحدة بيانا موقعا من 55 دولة، من بينها الصين، يدين استخدام الوضع في هونغ كونغ للتدخل في الشؤون الداخلية الصينية، وقال موقع "أكسيوس" الأميركي: إن من بين هذه الدول 13 دولة عربية وإسلامية.

القائمة المؤيدة للصين من الدول العربية والإسلامية جاءت صادمة حيث شملت إيران، وباكستان، مصر، والسعودية، والإمارات، والعراق، والمغرب، وسوريا، والسودان، والبحرين، واليمن، وفلسطين، وجزر القمر؛ وعلى الرغم من الخلافات السياسية واختلافات المصالح بينها، اتفقت جميعا على التصويت لصالح الصين ضد الإيجور المسلمين.

وهناك 5 دول عربية وإسلامية، رغم تصويتها لصالح دعم موقف الصين في العام 2019، لم يظهر اسمها في قائمة الدول المؤيدة أو الرافضة للموقف الصيني خلال تصويت 2020، وهي: "الجزائر، والكويت، وعمان، وجيبوتي، والصومال".

وفي الوقت الذي غلب على الموقف الرافض لجرائم الصين بحق مسلمي الإيجور، دول القارة الأوروبية؛ أيدت دول إفريقيا بشكل لافت الموقف الصيني. 

مؤشرات التصويت داخل الأمم المتحدة بهذا الملف في 2020، تشير إلى تزايد التوجه الدولي الرافض لجرائم الصين، حيث شهد أكتوبر/ تشرين الأول 2019، توقيع 16 دولة على بيان مماثل يدين الاعتقالات الجماعية، بينما أبدت 6 دول أخرى استعدادها للدفاع عن بكين حينها.

خيانة وتواطؤ

لم تكتف أنظمة عربية بتأييد ملف الصين الحقوقي في المحافل الدولية كل عام، بل إن بعضها كالسعودية ومصر والإمارات اعتقلت نحو ألف من مسلمي الإيجور لديها ورحلتهم لبكين لتسلمهم للسلطات الصينية التي قادتهم لمعسكرات الجيش، وفق ما نشرت شبكة "بي بي سي" البريطانية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

ومنذ أعوام، تواصل الصين جرائمها بحق مسلمي الإيجور البالغ عددهم أكثر من 8 ملايين نسمة؛ ويقبع أكثر من مليون إيجوري في معتقلات الجيش الصيني ويُجبرون على ترك شعائر الإسلام وعلى تغيير دينهم، إلى جانب هدم منازلهم وتهجيرهم منها، وتحويل مساجدهم إلى مخازن لتخزين العلف أو مراقص أو زرائب، وذلك في ظل صمت دولي وعربي وإسلامي.


وبينما يتحدث الإعلام العربي عن جرائم الصين بحق مسلمي الإيجور على مضض، كان الإعلام الغربي، هو الباب الأوسع لنقل معاناة المسلمين هناك.

مجلة "ذا أتلانتك" الأميركية، نقلت يوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، مقالا للصحفية ياسمين سرحان، يتحدث مع عدد من المسلمين الفارين من الجحيم الصيني، مؤكدة أن الإجراءات القمعية ضد الأقلية الإثنية ساءت بشكل متدرج، حيث احتجزت الحكومة الصينية أكثر من مليون منهم في معسكرات اعتقال يتم تعريضهم  للتلقين السياسي والتعقيم القسري للنساء والتعذيب.

وأوضحت أنه لم يقتصر استهداف الإيجور على المعسكرات، فمنذ 2016، تم تدمير عشرات المقابر والمواقع الدينية، وحظر لغتهم من مدارس شينجيانغ وتعليم لغة (المندرين) الصينية بدلا منها، وتم اعتبار ممارستهم للعبادات الإسلامية أنه "مؤشر على التطرف".

وفي 25 سبتمبر/ أيلول 2020، نشرت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"ديلي ميل" تقريرا أعده باحثون أستراليون عن تدمير الصين آلاف المساجد بمنطقة تشنجيانغ، وفق بيانات المعهد الأسترالي للسياسة الإستراتيجية وتحليل صور الأقمار الصناعية التي كشفت عن هدم 9 آلاف مسجد للمسلمين، من  بين 24 ألف مسجد، مع تضرر الباقين.

وقبل 3 أشهر، نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية مقالا بعنوان "لماذا تلتزم الدول الإسلامية بالصمت إزاء انتهاكات الصين للإيجور؟"، فيما تعجب كاتب التقرير من قيام دول مثل باكستان والسعودية ومصر والإمارات والجزائر وغيرها من الدول ذات الأغلبية المسلمة في يوليو/ تموز 2019، بمنع تحرك غربي في الأمم المتحدة يدعو الصين إلى السماح لـ "مراقبين دوليين مستقلين" في منطقة شينجيانغ.

وفي تموز/يوليو 2017، نفذت سلطات الحكم العسكري في مصر حملة اعتقالات بحق  500 من طلاب الأزهر من التركستانيين، فيما قدمت الصين الشكر للإمارات، في يوليو/ تموز 2019، لما قدمته من دعم للحملة الأمنية التي نفذتها السلطات، في إقليم شينجيانغ.

دوافع الخذلان

حالة الخذلان المستمر من كبرى الدول العربية والإسلامية، دفعت الناشط الحقوقي بهي الدين حسن، للتساؤل عبر "تويتر": "لماذا تحتقر الدول الإسلامية المسلمين الإيجور؟".

وتعجب قائلا: "ليس بين هؤلاء الـ 39 دولة الذين أدانوا القمع السياسي والروحي والديني لملايين المسلمين في الصين حكومة واحدة عربية، ولا من العالم الإسلامي (باستثناء البوسنة)".

الكاتب المصري هاني مصطفى، تحدث عن "قائمة الخزي المؤيدة للصين"، لافتا إلى أنها تشمل "مصر والإمارات والسعودية والبحرين وفلسطين واليمن والعراق".

وعبر هاشتاغ "#الجامعة_العربية_لاتمثلنا"، قال الباحث في التاريخ حسين صالح السبعاوي: "٣٩ دولة تطالب الصين بغلق معسكرات المسلمين الإيجور وإيقاف هدم المساجد ولا يوجد دولة عربية واحدة من بين هذه الدول"، متسائلا: "أي نوع من البشر يحكمنا؟، وأي ذل وهوان وصلنا إليه؟".

الباحث محمد جمال اليوسف، لفت إلى ما هو أسوأ من ذلك. مؤكدا أن "دول الخليج وقعت على بيان في لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة يشيد بجهود الحكومة الصينية في تعاملها مع الإيجور، ويثني على احترامها لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ حيث يعذب المسلمون ليلا ونهارا في معسكرات التعذيب".

وحول إصرار 13 دولة عربية وإسلامية على دعم الصين في حملتها ضد مسلمي الإيجور، قال عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ محمد الصغير: إن "الدول التي تصر على دعم الصين لا تلقي بأخوة الدين وروابط العقيدة، وتقدم مصالحها وعلاقتها على نصرة المظلومين ولا تمانع من مساندة الظالم".

وفي تقديره للدوافع الأساسية لاتخاذ تلك الدول هذا الموقف، أكد مستشار وزير الأوقاف المصري الأسبق، بحديثه لـ"الاستقلال"، أن "المصالح الاقتصادية هي السبب الرئيسي لدعم الصين ضد الإيجور المسلمين"، مضيفا: أن "مجاملة قوى عظمى أنفع لهم من مناصرة أقلية مضطهدة".

وبرر وكيل اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري السابق، انحياز الدول العربية لموقف الغرب من الصين بهذا الملف على الرغم من توافقها مع الغرب بقضايا أخرى عديدة، بقوله: "ما جعل بعض الدول تخالف التوجه الغربي هو الحرص على مناكفة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعتبر الإيجور من الجنس التركي ويحاول المساعدة برفع الظلم عنهم".

ويرى الصغير، أن تراجع دول الجزائر والكويت وعمان وجيبوتي والصومال، عن تأييد موقف الصين ضد مسلمي الإيجور، يكشف أن "هذه الدول فيها بقية خير، ومساحة الحرية فيها أكثر من غيرها، ومازالت الشعوب تملك هامشا من التعبير والضغط على القرار الحكومي بدرجات متفاوتة".

عوامل ثلاثة

الباحث والمحلل السياسي المهتم بشئون الأقليات المسلمة، عبد الله النجار، قال لـ"الاستقلال": إن "هناك ثلاثة عوامل مؤثرة على قرارات الدول بإدانة أو عدم إدانة الصين"، مشيرا إلى أن بينها العامل السياسي والاقتصادي والأيديولوجي".

وأشار إلى أن أولها "نوع النظام السياسي في الدول الغربية التي تتبع الليبرالية السياسية والديمقراطية غالبا تدين الصين القائمة على نظام الحزب الواحد الاستبدادي من وجهة النظر الغربية، والذي يعد منافسا سياسيا لها، ولهذا غالب الدول الديمقراطية التي تراعي حقوق الإنسان تدين الصين وربما تتبعها بعض التوابع من البلدان النامية".

النجار، أكد أن العامل الثاني هو اقتصادي بالأساس، واصفا إياه بـ"المهم للصين القوة الاقتصادية الثانية بعد الولايات المتحدة، وصاحبة العلاقات الواسعة والمتشعبة مع كل دول العالم تقريبا، والتي تقدم مساعدات اقتصادية وتكنولوجيا رخيصة وبلا شروط سياسية كالتي تفرضها واشنطن مثلا".

وجزم الباحث المصري بأن "الدول التي رفضت إدانة الصين تخشى على علاقاتها الاقتصادية مع الصين".

وثالثا: يعتقد النجار، أن "هناك بعض الدول الإسلامية التي رفضت إدانة الصين لأن لها موقفا أيديولوجيا مناهضا لما يسمونه بالإسلام السياسي، وهذه الدول لا تؤيد الصين في المحافل الدولية فحسب بل تقبض أحيانا على المسلمين الإيجور وتقوم بترحيلهم للصين حين يتم احتجازهم وتعذيبهم".