دور إيجابي.. هل تنجح ألمانيا بإنهاء مؤامرة "روسية أوروبية" ضد تركيا؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "آسيا تايمز" الصينية، تقريرا تناولت فيه التحالفات الإقليمية، التي تتشكل ضد تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، مشيرة إلى أن ذلك يقابله دعم وتعاطف ملحوظ من ألمانيا، التي تحاول لعب دور إيجابي في توجيه العلاقة بين أوروبا وتركيا.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بعد عودتها إلى برلين من اجتماع قمة استمر يومين لدول الاتحاد الأوروبي في بروكسل: إن "الاتحاد الأوروبي يسعى إلى حوار بناء وجدول أعمال إيجابي مع تركيا".

ولعبت ألمانيا دورا رئيسيا في القمة في توجيه العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بعيدا عن مسار المواجهة الذي كانت تنجرف إليه مؤخرا. إذ أكدت ميركل "لقد أجرينا مناقشة مطولة ومفصلة حول علاقاتنا مع تركيا. توصلنا إلى استنتاج مفاده أننا نود الدخول في حوار بناء مع أنقرة، ونريد أن يكون لدينا أجندة إيجابية"، مضيفة: أن "قمة بروكسل فتحت فرصة لتعاون أوثق مع أنقرة".

وكشفت ميركل أن المحادثات من أجل توثيق التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في الأشهر المقبلة ستركز على قضايا الهجرة والتجارة وتحديث الاتحاد الجمركي ونظام التأشيرات.

هدية ميركل

وأشار تقرير الصحيفة إلى أن "ميركل قدمت هدية كبيرة لأردوغان في منعطف حساس بشكل خاص بالنسبة للرئيس التركي الذي يواجه انتقادات متزايدة في أوروبا بشأن سياساته الإقليمية، خاصة في ظل توتر العلاقات الفرنسية التركية واقتراب البلدين من مواجهة عسكرية في المتوسط في تطور غير مسبوق، لعضوين في حلف الناتو".

من جانبها، عززت الولايات المتحدة مؤخرا قواعدها العسكرية في اليونان ودعت مرارا وتكرارا إلى ضبط النفس من جانب تركيا بشأن نزاعاتها البحرية مع اليونان وتعهدت بالتدخل سياسيا وعسكريا في التوترات في شرق البحر المتوسط.

إلى ذلك تدعم تركيا وفرنسا طرفي النزاع في ليبيا، بينما تدعم الولايات المتحدة الجماعات الكردية المسلحة في سوريا التي تعتبرها أنقرة تنظيمات إرهابية. وبعد اندلاع الصراع في ناغورنو كاراباخ، لاحظت تركيا تقاربا سريعا بين الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا لصد دعم أردوغان القوي لأذربيجان، بما في ذلك تعهدات المساعدة العسكرية، بحسب الصحيفة.

وفي غضون ذلك، حافظت ألمانيا على دعمها لتركيا "فرغم إشارة ميركل إلى شكاوى ضد سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان"، بحسب الصحيفة، إلا أنها استمرت في الإشادة بأداء أنقرة "المذهل والرائع" في استضافة نحو 4 ملايين لاجئ، وأدانت في الآن ذاته تعامل اليونان مع اللاجئين.

وقالت ألمانيا: "علينا أن نزن بعناية شديدة كيفية حل التوترات وكيفية تعزيز تعاوننا بشأن اللاجئين والمعاملة الإنسانية للاجئين". كما أشارت ميركل بسخرية لاذعة إلى اليونان قائلة: "في الأيام الأخيرة رأينا صورا مروعة فيما يتعلق بمعاملة اللاجئين ليس من تركيا، ولكن من دولة عضو في الاتحاد الأوروبي".

وفي السياق ذاته، يؤكد التقرير بأنه "لا شك في أن ألمانيا صمدت لتكون صديقة لتركيا في وقت تواجه فيه الأخيرة عزلة متزايدة داخل منظمة حلف شمال الأطلسي وفي الاتحاد الأوروبي".

وتعليقا على ذلك، كتب الأميركي ستيفن والت الأستاذ الأميركي الشهير في كلية "جون إف كينيدي" الحكومية بجامعة هارفارد، مقالا بعنوان "القوى العظمى تحددها حروبها"، أشار فيه إلى أن الحروب هي أحداث أساسية يتبعها السلوك اللاحق لقوة عظمى، بغض النظر عن قوتها النسبية أو نوع النظام أو قيادتها.

سياقات تاريخية

أشار التقرير إلى أن "الدعم الألماني لتركيا له سياقات تاريخية بما أن برلين تعلم جيدا أن العثمانيين كانوا حلفاء ألمانيا في حربين عالميتين عندما كانت معزولة بشكل ميؤوس منه من قبل القوى الغربية".

ومن ناحية أخرى، تبرر السياقات التاريخية الصراع الروسي التركي، حيث خاضت روسيا سلسلة من 12 حربا مع الإمبراطورية العثمانية بين القرنين السابع عشر والعشرين - وهي واحدة من أطول سلسلة من النزاعات العسكرية في التاريخ الأوروبي- والتي انتهت في نهاية المطاف بشكل كارثي للعثمانيين وأدت إلى تفككهم في نهاية المطاف.

وحاربت روسيا العثمانيين في أوقات مختلفة، غالبا بالتحالف مع القوى الأوروبية الأخرى. والأهم من ذلك، أن هذه الحروب ساعدت في إظهار صعود روسيا كقوة أوروبية بعد جهود التحديث التي قام بها بطرس الأكبر في أوائل القرن الثامن عشر.

لكن وفي المقابل، تنوه الصحيفة إلى أن "صورة روسيا حفرت في نفسية المسلمين الأتراك، كبلد لعب دورا تاريخيا في إضعاف الإمبراطورية العثمانية في أوروبا الوسطى والبلقان وما وراء القوقاز".

وكان الغزو الروسي للقوقاز قد برز بشكل رئيسي بين عامي 1800 و 1864، حيث توسعت في تلك الحقبة، الإمبراطورية الروسية لتسيطر على المنطقة الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزوين، وهي المنطقة الحالية التي تضم أرمينيا وأذربيجان وجورجيا (وأجزاء من اليوم إيران وتركيا) وكذلك منطقة شمال القوقاز في روسيا الحديثة.

وخاض الاتحاد السوفيتي حروبا متعددة ضد الحكام المحليين للمناطق وكذلك ضد الإمبراطورية العثمانية حتى أصبحت المناطق الأخيرة تحت السيطرة الروسية بحلول عام 1864 مع طرد مئات الآلاف من الشركس إلى تركيا.

وتبع ذلك الحرب الروسية التركية (1877-1878) عندما استولت روسيا على مقاطعة قارص وميناء باتومي على البحر الأسود. وفي الحرب العالمية الأولى، وبالتحالف مع ألمانيا، حارب العثمانيون روسيا في أقصى الشرق حيث باكو، عاصمة أذربيجان حاليا، لكنهم انسحبوا بعد ذلك، حيث افتقروا إلى القوة للتقدم أكثر.

وذكرت الصحيفة: "يكفي القول إنه في عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما أصبحت منطقة القوقاز مستقلة كدول جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، برزت الكثير من فصول التاريخ الملطخة بالدماء بين روسيا وتركيا".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن عائلة أردوغان تنحدر في الأصل من مقاطعة ريزا في الجزء الشرقي من منطقة البحر الأسود التركية (حيث نشأ عندما كان طفلا)، والتي كانت موقعا للمعارك بين الجيوش العثمانية والروسية خلال حملة القوقاز في الحرب العالمية الأولى. واحتلت القوات الروسية المقاطعة في 1916-1918 ، ليتم إعادتها أخيرا إلى العثمانيين بموجب معاهدة "بريست ليتوفسك" في عام 1918، قبل أن يعيد الاتحاد السوفيتي "ريزا" إلى تركيا في عام 1921.

"الماضي لا يموت"

ووسط كل هذه الفصول الدامية والصراعات، يضيف التقرير: أن "السمة المثيرة للاهتمام لتدفق التاريخ هي أنه منذ أيام الإمبراطورية الرومانية، كانت القوقاز عادة منطقة حدودية بين القسطنطينية (إسطنبول) وبلاد فارس، حيث انتقلت المنطقة من إمبراطورية إلى أخرى، وكان حكامها يتمتعون بدرجات متفاوتة من الاستقلال وكانوا في الغالب تابعين لإمبراطورية أو أخرى، اعتمادا على حجم وقرب جيش الحاكم".

واستشهد الأميركي والت في مقالته باقتباس شهير من الروائي الأميركي ويليام فولكنر، حيث قال: "الماضي لم يمت أبدا". و في الواقع بالنسبة لروسيا أو تركيا أو إيران، فإن التطورات الحالية في منطقة القوقاز تشكل جزءا من حدث جماعي واسع يصوغ تصورات هذه البلدان عن الخطر وتعريفها لقيم البطولة والتضحية وحتى هويتها.

وعلى أرض الواقع يشير تشكيل التحالفات الحالية في الوضع النامي حول تركيا إلى تعاطف ودعم ألمانيا لأنقرة وسعيها لإقامة شراكة فاعلة معها؛ في الوقت الذي تنتقد فيه فرنسا تركيا وتسعى لفرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي عليها. وتزعم فرنسا إرسال أنقرة مقاتلين سوريين إلى ناغورنو كاراباخ؛ بينما تقدر ألمانيا الدور الكبير لتركيا في معالجة أزمة اللاجئين التي تعصف بأوروبا، وفقا للصحيفة.

ونوه التقرير إلى تنسيق فرنسا مع روسيا على أعلى مستويات القيادة للضغط على تركيا بشأن ناغورنو كاراباخ؛ بينما انضم حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة إلى دعوة روسيا وفرنسا لوقف القتال في القوقاز، فيما حافظت إيران على الحياد واقترحت جهدا مشتركا مع تركيا وروسيا لحل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان.

وفي هذه الأثناء، تخلت موسكو عن تناقضها الأولي وأعلنت دعمها لأرمينيا، معربة عن "القلق الشديد فيما يتعلق بالمعلومات الواردة حول تورط مسلحين من وحدات مسلحة غير شرعية من الشرق الأوسط في الأعمال العدائية"، موجهة اللوم صراحة لتركيا.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يعبر عن موقف مشترك إلى جانب "رؤساء الدول التي تشارك في رئاسة مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا" (روسيا وفرنسا والولايات المتحدة).

ومن المثير للاهتمام، أن أردوغان لفت الانتباه بشكل علني إلى السياق الإقليمي والجيوسياسي الأوسع الذي تتنافس فيه قوى مختلفة غير مسماة وتنسق سرا لتطويق تركيا. وقال خلال تصريحات في 2 أكتوبر / تشرين الأول: إنه "إذا ربطنا الأزمات في القوقاز وسوريا والبحر المتوسط،​​ فسترى أن هذه محاولة لمحاصرة تركيا".

وخلص تقرير الصحيفة إلى أن الأمر لا يحتاج إلى الكثير من البراعة لمعرفة هوية القوى الأجنبية التي كان يقصدها أردوغان، والتي تحاول "تطويق" تركيا - ألا وهي فرنسا والولايات المتحدة واليونان (جميع قوى الناتو) وروسيا.