بروكنجز: عزل "بن سلمان" ضرورة لاستقرار المنطقة

12

طباعة

مشاركة

كتب رئيس مشروع الاستخبارات المتقاعد بعد خدمة 30 عاما في وكالة الاستخبارات الأمريكية، بروس ريدل، مقالا على موقع معهد بروكنجز الأمريكي للدراسات والأبحاث، أشار فيه إلى "فرصة الإطاحة بمحمد بن سلمان، واستبداله برجل آخر من الأسرة الحاكمة، كما حصل ذلك لأول مرة بتنحية الأسرة المالكة للملك سعود وتعيين أخيه فيصل بن عبد العزيز إثر محاولة سعود الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر والقيام بانقلاب على الجمهورية العربية المتحدة عام 1958".

وناقش الكاتب في مقاله كيف أن "محاولة سعود للتخلص من عبدالناصر بعملية متهورة، وإنهاء التهديد الناصري الثوري على ملكيات المنطقة أنتج عزل سعود". ورغم الاختلاف بين الرئيس المصري والصحفي السعودي، ذهب ريدل إلى حد المقارنة بين عملية عبدالناصر واغتيال جمال خاشقجي التي رتّب لها بن سلمان، معتبرا أن الأخيرة  "لا تقل خطورة على مستقبل المملكة".

ورأى رجل الاستخبارات الأمريكية أن "تنحية هذا الشاب المتهور قد أصبحت ضرورة لتوطيد حكم آل سعود ولتحقيق الاستقرار في المنطقة". واستشهد الكاتب في مقاله ببحثه المنشور أواخر 2018 على مجلة الدراسات الاستخباراتية، وقد اعتمد فيه على معلومات الاستخبارات الأمريكية لتفاصيل عزل سعود بن عبدالعزيز، وتعيين فيصل.

خطة سعود غير المحكمة

وأشار ريدل إلى "جاذبية العلميات السرية التي يقوم بها الرؤساء لإيجاد حلول سريعة وقليلة التكلفة لمعالجة بعض القضايا المعقدة"، مستطردا، "غالبًا ما يلتمس الرؤساء من أجهزة الاستخبارت لديهم أن يقوموا بتنفيذ عملية ترجّح كفة مصالحهم.

وأفاد موضحا، "هذا مافعله مثلًا، الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور عندما طلب من مكتب المخابرات المركزية CIA تخليصه من الحكومة القومية في إيران عام 1953، فقام الجاسوس الشهير كيرمت روزفلت بالتخطيط لعملية  "أجاكس Ajax" التي أطاحت بحكومة مصدق القومية وأعادت الشاه للحكم".

وتابع رجل الاستخبارات، "بعد خمسة أعوام حاولت الحكومة السعودية، وهي أقدم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، استنساخ عملية روزفلت للتخلص من خطر القومية والثورية عبر تنفيذ انقلاب في سوريا".

واستطرد ريدل، "كانت هذه المحاولة برعاية سعود بن عبدالعزيز الذي استلم عرش المملكة بعد وفاة أبيه عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1953. كان سعود حليفًا لأمريكا، اصطف معها ضد الروس في الحرب الباردة وكان رجُل أيزنهاور ضد جمال عبدالناصر، وكانت واشنطن على معرفة بأمر الانقلاب، فقد أخطرها السعوديون بأمر العملية".

وبحسب الكاتب، "لم تكن خطة الانقلاب محكمة، فقد علم السوريون والمصريون بها وكشفوها للعالم في الخامس من مارس/ آذار 1958. وأضحى سعود أكبر ضحايا الانقلاب الذي خطط له".

وواصل ريدل سرد الأحداث التاريخية قائلا، "يوم 24 مارس/ آذار اجتمعت الأسرة الملكية في الرياض وقررت نقل جُلّ صلاحيات سعود إلى أخيه ولي العهد الأمير فيصل. وبقي سعود هو خيار أيزنهاور لمواجهة عبدالناصر، ولكنه كان ملكًا من دون سلطة".

علاقة سعود بأيزنهاور

ذكر مقال بروكنجز أنه "في الأول من فبراير/ شباط عام 1958 أعلن المصريون والسوريون عن قيام الوحدة بين مصر وسوريا، لتصبح البلدان الجمهورية العربية المتحدة، فانتشر الرعب بين ملكيات المنطقة، بعد أن بدا عبدالناصر وكأنه شبح يمتد ليطيح بالملكيات، فبعد إسقاطه للملكية في مصر، هاهو يضم سوريا إليه".

وتابع المقال، "كانت أسرع ردات الفعل على هذا القرار ما قامت به بغداد وعمان، حيث أعلنوا في الرابع عشر من فبراير/ شباط عن اتحاد العراق مع الأردن تحت قيادة الملك فيصل الثاني، وتكوّنت الوحدة الهاشمية غير الاندماجية، فانقسمت المنطقة إلى فسطاطين، فسطاط الجمهورية العربية وفسطاط المملكة الهاشمية".

وأفاد رئيس الاستخبارات الأسبق أن "الأسرة السعودية بدأت تقلق بسبب هذه التحولات بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الرديء الذي سببته سياسة سعود بإهداره الثروة النفطية على ملذاته الخاصة؛ كان سعود مقامرًا ذا سمعة سيئة".

وتابع ريدل، "أصابت رجال الأسرة خيبة أمل، وتحولت هذه الخيبة إلى حملة لتغيير الأوضاع داخل البيت السعودي، للحد من صلاحيات الملك والتخلص منه إذا لزم الأمر، كانت هذه سابقة في تاريخ الدولة السعودية. بيد أن تاريخ النزاع بين الأسرة الحاكمة ليس مطمئنًا، فحين انقسمت الأسرة في أواخر 1800 قامت حرب أهلية، لم يكن أحد يرغب في الانقسام ولكن الضغوط لإزاحة سعود بدأت في التراكم".

قال الكاتب "كان أيزنهاور يميل لسعود ويراه القائد العربي المناسب لاستبدال عبدالناصر في المنطقة، لا سيما وهو يتبنى نهج الانفتاح على الغرب بعكس الرئيس المصري، أضف إلى ذلك كون المملكة أقدم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وشركات النفط الأمريكية هي التي تسيطر على صناعة النفط في المملكة، كما اتخذ الأمريكان قاعدة حربية للطيران في الظهران منذ الحرب العالمية الثانية. وكان أيزنهاور يشير إلى سعود بـ "حامي الحرمين" القادر على تمثيل قيادة روحية للعرب".

وبحسب المقال، "زار الملك سعود واشنطن في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني من عام 1957 كأول ملك للسعودية يزور الولايات المتحدة، كان الوفد الملكي يتكون من 80 شخصا، منهم زوجات سعود وأبناءه. ولم يتسع لهم نزل الضيافة في البيت الأبيض، فاتخذ بعض حرس سعود خيامًا نصبوها في فناء البيت الأبيض. وامتدت الزيارة التي كان مقررًا لها أن تدوم ثلاثة أيام إلى تسعة".

وأفاد الكاتب، أن  "الملك وقتها التقى بالرئيس الأمريكي ونائبه ريتشارد نيكسون وأعضاء في الحكومة والبرلمان وسط العديد من مآدب الغداء والعشاء. وقد عقد سعود مأدبة على شرف أيزنهاور كانت في غاية الترف والإسراف، كما وصفها بعض الدبلوماسيين". "كان كل هذا يدور على إظهار سعود كثقل وازن أمام عبدالناصر، ولكن حسابات البيت الأبيض لم تكن دقيقة"، بحسب المصدر ذاته.

المحاولة الفاشلة

في مقاله على موقع بروكنجز قال ريدل، "في الثالث من شهر مارس/ آذار عام 1958 اجتمع الملك سعود بالسفير الأمريكي،  وفي نهاية اللقاء اقترب أحد مساعدي الملك من السفير الأمريكي وأخذه على جانب قائلًا له، [الملك يريدك أن تخبر أيزنهاور بسريّة تامة أن هناك ثورة عسكرية ناجحة ستقع في سوريا، خلال أيام]. وكان رد الرئيس الأمريكي المباشر، بشكر الملك على ثقته بواشنطن في مسألة بهذه الخطورة".

رأى رجل الاستخبارات أن "هذا كان بمثابة إعطاء الضوء الأخضر، ولكن خلف الكواليس، إذ كانت السفارة الأمريكية في دمشق تعرب عن قلقٍ واضح من النيات الحسنة السعودية لعملية الانقلاب، وقد صرّح السفير الأمريكي في سوريا لواشنطن بأنه يخشى بأن هذه العملية ليست سوى فخ لإبعاد سعود. وكذلك أخطرت "سي آي أي" الرئيس الأمريكي بأن محاولة سعود غالبًا ما ستشفل، وأن سعود سيقع في الفخ، كما ذكر أيزنهاور في مذكراته".

وتابع المقال، "لكن كل هذه التحذيرات كانت متأخرة، ففي الخامس من مارس/ آذار 1958 أعلن عبدالناصر في كلمة له في دمشق بأن الملك سعود يقف خلف محاولة اغتياله وإلغاء الوحدة بين مصر وسوريا، واعترف رئيس المخابرات السورية عبدالحميد السراج بأن السعودية أعطته مليونين جنيه استرليني لوضع قنبلة في طائرة عبدالناصر".

"ولإثبات دعواهم نشرت الحكومة المصرية ثلاث شيكات سعودية أعطيت للضباط السوريين المخططين لانقلاب، وأخذ الإعلام المصري بمهاجمة الملك سعود واصفين إياه بـ"عدو العرب وعميل الغرب" وتبيّن أن عملية الانقلاب كانت فخًا لسعود"، بحسب المصدر ذاته.

فيصل.. البديل المناسب

قال ريدل إن "موقف سعود بدا ضعيفا للغاية بعد المحاولة الفاشلة، وما زاد الأمر سوءا رسالة عاجلة من أيزنهاور إلى سعود، بثها جمال عبدالناصر على إذاعته "صوت العرب" تؤكد دعم أيزنهاور للملك سعود في وجه الهجوم عليه من الجمهورية العربية المتحدة".

وذكر بروكنجز، أن "الأسرة الملكية  اجتمعت في الرياض وقررت تجريد سعود من صلاحياته الداخلية والخارجية والمالية وإعطاءها لأخيه غير الشقيق، الأمير فيصل الذي أصر على أن لا تجبر الأسرة سعود على التنازل عن العرش وإنما تسليم الصلاحيات وإدارة الحكم، وأعلنت إذاعة مكة عن رحلة للملك سعود إلى سويسرا".

قال الاستخباراتي الأمريكي في مقاله، إن "واشنطن كانت قلقة من مغادرة سعود وعن استعداد فيصل لمواجهة عبدالناصر، وأخذت التقارير الأمريكية من أجهزة المخابرات تقدم تقاريرها عن نية فيصل عقد علاقات مع الجمهورية العربية المتحدة وعن توجهاته الشخصية منها بأنه؛ ليس معاديًا للأمريكيين ولكنه عدو للشيوعية".

وأفاد المصدر ذاته أن نيكسون وصف فيصل بأنه  "حليف أمريكي ذكي للغاية" وذكر أيزنهاور بأن فيصل "كان سعيدا للغاية في تواصله مع واشنطن"، فيما أشارت التقارير المخابراتية بأن فيصل "أمير سعودي تقليدي" ويرغب في المحافظة على السعودية مستقلة عن عبدالناصر، كما أنه داعم لاتفاقية قاعدة الظهران العسكرية في 2 أبريل/ نيسان 1957، التي حافظت على وجود الطيران الأمريكي العسكري في المملكة، بحسب المقال.

ويعود الكاتب ليخبرنا بأن "أحداث عام 1958 لا سيما عملية السرّاج كانت مصيرية في تاريخ السعودية، فلو بقي سعود لكان من المرجح أن تنتهي العائلة الحاكمة. لكنها استطاعت من الاستمرار بعد حكم فيصل الذي أدارها بشكل مستقر وحكيم، واستعادت نشاطها وتنميتها بعد الطفرة النفطية في 1973".

هل تنقذ الأسرة الملكية نفسها من إدارة الشاب المتهور الذي دبّر أفشل عملية اغتيال في التاريخ الحديث؟