على غرار السودان.. هل تخرج ثورة الغضب في مصر من القرى والنجوع؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عند اندلاع ثورة تونس التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، خرج الإعلام المصري يقول: "مصر ليست تونس، ومبارك ليس بن علي"، وما هي إلا أيام واشتعلت ثورة 25 يناير 2011، لتطيح برئيس النظام محمد حسني مبارك ونظامه، وتلحق القاهرة بتونس في ركب الحرية.

وفي 20 سبتمبر/ أيلول 2020، بدأت الاحتجاجات ضد سياسات رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في العديد من القرى والنجوع بعيدا عن المدن والعواصم الكبرى، لكنها كانت مقلقة للنظام وأجهزته.

هذه الاحتجاجات تشابهت مع الثورة السودانية القريبة مكانا وزمانا من مصر، والتي أطاحت بعمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، وخرجت أيضا من القرى والمدن الصغيرة بعيدا عن العاصمة، فهل تحذو احتجاجات مصر هذه المرة حذو الثورة السودانية كما حذت حذو تونس في 2011؟

التاريخ الإنساني مليء بثورات مشابهة بدأت باحتجاجات بسيطة، بعيدة عن مراكز الحكم، وسرعان ما تطورت إلى ثورات عارمة تفاعلت معها أقطاب ومكونات الدولة، ونجحت في إسقاط أعتى الأنظمة الديكتاتورية، وما نموذج الثورة الروسية والإيرانية ببعيد.

كرة الثلج

اشتعال الاحتجاجات في قرى مصر، تشابهت مساراته مع الجارة السودان، الذي شهد يوم 19 ديسمبر/ كانون الثاني 2018، في مدينة "عطبرة" على بعد 310 كم من العاصمة الخرطوم، بداية تشكيل احتجاجات بسيطة، قام بها بعض المواطنين لا يتجاوزون الرهط من الناس.

الاحتجاجات بدأت أيضا كرد فعل على تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء أسعار المعيشة وتفشي الفساد الحكومي كما يحدث في مصر حاليا، ومثل كرة الثلج امتدت المظاهرات إلى مدينتي الروصيرص (جنوبا) وسنار (وسطا)، وسرعان ما ازدادت حدتها في مدينتي بورتسودان والقضارف (شرقا).

وصل الغضب إلى نقطة اللاعودة عندما اشتعلت العاصمة الخرطوم، وبقية المدن السودانية من الاتجاهات الأربع، حيث اجتمعت حشود المواطنين الغاضبين في الشوارع، مطالبين بإسقاط نظام الرئيس، عمر البشير، الذي حكم البلاد قرابة 3 عقود بقبضة حديدية، وبأذرع أمنية نافذة ومهيمنة على أنماط الحياة الاجتماعية والسياسية، ما مثل جدارا قويا وفاصلا بين السلطة والشعب من الصعب كسره وتجاوزه.

وبعد 4 أشهر من الاحتجاجات المستمرة، والمسيرات التي جابت شوارع السودان طولا وعرضا، سقط البشير في 11 أبريل/ نيسان 2019، بعد أن تحلل نظامه من عوامل قوته، بالإضافة إلى ظهور قوى جديدة خرجت من رحم الثورة مثل تجمع المهنيين السودانيين، وتحالف الحرية والتغيير. 

النقطة الأخطر التي حسمت سقوط نظام البشير، كانت من داخله، إذ تفاعلت أجزاء داخل بنية النظام مع الأحداث، وعلى رأسهم قيادات داخل الجيش مثل عبد الفتاح البرهان الرئيس الحالي للمجلس العسكري، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وغيرهم من رؤوس السلطة، الذين رأوا في استمرار البشير خطرا على الدولة بأكملها، لتتضافر جميع عوامل سقوط النظام في نهاية المطاف.

تفاعلات مستمرة

ومن سيناريو السودان، إلى الواقع المصري، فإن المظاهرات يوم جمعة الغضب في 25 سبتمبر/ أيلول 2020، خرجت في شوارع ضيقة بالمدن والقرى والنجوع وليس بالميادين الرئيسية خوفا من الملاحقات الأمنية.

في محافظة الجيزة ضمن نطاق "القاهرة الكبرى"، خرجت مظاهرات في قرى أم دينار والمنصورية والكداية التي شهدت أشرس الاحتجاجات، ومنشية فاضل وكذلك في منطقتي كفر الجبل ونزلة السمان قرب أهرامات الجيزة.

وتصدت قوات الأمن لمظاهرة بمنطقة ميت رهينة في مركز البدرشين بمحافظة الجيزة بإطلاق قنابل الغاز، وأضرم المتظاهرون النار في إطارات سيارات لمواجهة محاولات الفض.

كما شارك مئات المحتجين في تظاهرات بالقاهرة نفسها، وتحديدا في حلوان وحاولوا قطع طريق الأوتوستراد الرئيسي، ولم تخل الأقصر وقنا والمنيا (الصعيد)، ودمياط (بدلتا النيل شمالا)، من الاحتجاجات. 

كما خرجت مظاهرة عارمة في قرية البواريك بمركز المنشأة في محافظة سوهاج (جنوبا)، ردد المتظاهرون خلالها هتاف "ارحل يا سيسي"، وأحرق متظاهرون لافتة عليها صورة السيسي في قرية منشأة العماري بمحافظة الأقصر (جنوبا)، وهم يهتفون "ارحل يا سيسي".

وفي شمال البلاد، تظاهر محتجون في مناطق بمحافظة دمياط، منها قرية ميت أبو غالب وقرية شطا، ورددوا هتافات عدة من بينها "لا إله إلا الله والسيسي عدو الله" و"ارحل يا سيسي" و"يسقط يسقط حكم السيسي".

كما تصدرت هاشتاجات "جمعة الغضب 25 سبتمبر"، و"ارحل يا سيسي"، قائمة الأعلى تداولا في مصر على مواقع التواصل، وتفاعل معها مصريون بعشرات آلاف من التغريدات.

حاجز الخوف

في السودان، مثلت أجهزة الأمن والاستخبارات بالإضافة إلى الجيش، القلعة الحصينة لنظام البشير خلال 30 عاما، تترس من ورائها، واعتمد عليها في مواجهة شعبه، ومع ذلك لم تغن عنه شيئا مع اشتعال الثورة، وكسر حاجز الخوف لدى الشعب.

الأمر يتكرر مع السيسي في مصر، الذي يعتمد أيضا آلة قمعية قتلت الآلاف من أبناء الشعب منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، ومع ذلك فإن عقيدة الرعب التي رسخها في الأذهان، يتم تجاوزها، وها هو يواجه مظاهرات واحتجاجات مستمرة.

حركة "الاشتراكيون الثوريون" أكدت في بيانها على فيسبوك أن "مظاهرات الأيام الماضية تتحدى السلطة القمعية، وأن الاحتجاجات لا تزال ممكنة، دون إعلام أو أحزاب أو نقابات أو تنظيم سياسي أو شعبي، بينما تكشف القبضة الأمنية حيالها، أن قيمتها أضعاف حجمها، هذا الحراك بمثابة ترمومتر أكثر صدقا من كافة التحليلات، لما يشعر به المصريون فعلا". 

الحرية للمعتقلين.. للجماهير الحق في الاحتجاج لا تُقاس أهمية المظاهرات التي حدثت في بعض محافظات مصر في الأيام الماضية لا...

الاشتراكيون الثوريون‎ paylaştı: 27 Eylül 2020 Pazar

فيما غرد الحقوقي المصري محمد رفعت: "قتلت الشرطة المصرية 3 متظاهرين وأصابت عددا آخر بالرصاص الحي وهو ما يعد جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم كما يمكن أن تنظرها محاكم دول أخرى كدول أوروبا أو أميركا طبقا لمبدأ عالمية الاختصاص القضائي للجرائم ضد الإنسانية".

وقال الصحفي المصري جمال سلطان، عبر تويتر: "يقلق النظام في مصر عندما يتحرك الغضب والثورة بين شباب يرتدي (التي شيرت)، لكن المؤكد أنه يصاب بالرعب عندما يصل الغضب والثورة لأصحاب الجلاليب (زي شعبي في قرى مصر)، ما يحدث في مصر هذه الأيام غير مسبوق".

ودون الدكتور محمد الصغير المستشار الأسبق لوزير الأوقاف في عهد مرسي، قائلا: "في بني مزار المنيا كسر حاجز الخوف ورجم الديكتاتور ونزع صورته ارحل يا سيسي، السيسي عدو الله".

وكتب المحلل السياسي المصري عمرو خليفة، "الساعة 3 صباحا وأنا متأكد من شيء واحد، الليلة عباس كامل، قيادات المخابرات العامة، العسكرية، أمن الدولة والداخلية لن يناموا.. اليوم كان مكتظا بمتغيرات على الأرض تقول قولا واحد: اليوم قطرة الماء تحولت لسرسوب.. والأسبوع القادم.. ارحل يا سيسي".

أما الناشط السياسي إسلام لطفي، فغرد قائلا: "ماذا لو اكتمل حزام القرى الغاضبة وشكل حصارا على العاصمة وعلى حواضر المحافظات".

المصريون تفاعلوا على منصات التواصل الاجتماعي مع هاشتاج "مليون تحية للجلابية"، الذي دشنه ناشطون للإشادة بدور المتظاهرين في القرى والمناطق المهمشة، ردا على محاولات إعلاميين موالين للسلطة للتقليل من شأنهم والاستهزاء بالحراك، باعتباره خارجا من أماكن وقرى فقيرة بعيدة عن القاهرة وحواضرها.