لتسهيل بيعها.. هكذا يبتلع "صندوق السيسي السيادي" أصول مصر

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 25 يناير/كانون الثاني 2011، دخل المصريون إلى أرض ميدان التحرير معلنين عن ثورتهم التي طالبت بإصلاحات اقتصادية واجتماعية ضرورية لانتشال بلادهم من مستنقع الفقر والفساد، داعين نظام حسني مبارك إلى الرحيل، وهو ما حدث بعد 18 يوما من النضال الثوري للشعب المصري. 

اليوم باتت أبرز معالم ميدان التحرير المملوكة كأصول للدولة، رهن خطر "البيع"، بعدما ضمها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى صندوق مصر السيادي، الذي أسسه خصيصا لتسهيل عمليات بيع أصول الدولة، تحت بند كونها "غير مستغلة". 

فلماذا يقدم السيسي ونظامه على ضم تلك الأصول الوطنية إلى الصندوق السيادي؟ ومن هم الطامعون والطامحون للحصول على هذه الأصول؟ وكيف تسبب فشل النظام في إجراء حزمة إصلاحات اقتصادية للوصول إلى هذه المرحلة، مع ارتفاع العجز، وتنامي الدين الداخلي والخارجي؟

مهب الريح 

في صبيحة يوم 3 سبتمبر/ أيلول 2019، أصدر السيسي، قرارا نقل بموجبه مجموعة من الأصول العقارية بالغة الأهمية، المملوكة للدولة، إلى ملكية صندوق مصر السيادي، الذي أسسه السيسي عام 2018، بحجة الاستفادة من الأصول غير المستغلة. 

وبموجب قرار السيسي الأخير، تزول صفة النفع العام عن عدد من الأراضي والعقارات من أملاك الدولة العامة، لتصبح ملكا للصندوق. ومن أبرز الأصول المستحوذ عليها:

  • أرض ومبنى مجمع التحرير، بميدان التحرير بوسط القاهرة.
  • أرض ومباني المقر الإداري لوزارة الداخلية (المبنى القديم)، بشارع الشيخ ريحان، المتفرع من ميدان التحرير بوسط القاهرة. 
  •  أرض ومبنى الحزب الوطني بجوار المتحف المصري في ميدان التحرير، بوسط القاهرة، والذي احترق إبان ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، واشتعلت فيه النيران مع دخول المتظاهرين إلى الميدان، في المشهد الشهير الذي يعد أحد أيقونات الثورة، وكان من دلالات سقوط نظام مبارك. 

كما تشمل العقارات أيضا أرض ومباني كل من "ملحق معهد ناصر على النيل في القاهرة، القرية التعليمية الاستكشافية بمدينة السادس من أكتوبر، القرية الكونية بمدينة السادس من أكتوبر، وأرض حديقة الأندلس (حديقة الحيوان في مدينة طنطا) بمحافظة الغربية".

تلك القرارات كانت صادمة للشارع المصري، ولعدد من السياسيين والاقتصاديين، خاصة وأن تلك الأصول المعلن عنها، من الأماكن التي لها بعد تاريخي وقومي، وليست بمأمن من البيع كما حدث سابقا، في عدد من الممتلكات على رأسها جزيرتي تيران وصنافير التي فرط فيهما السيسي للسعودية.

وفي مارس/ آذار 2018، صرح وزير قطاع الأعمال المصري خالد بدوي، أن "الحكومة تدرس إنشاء صندوق ثروة سيادي لإدارة الشركات الحكومية المصرية". 

وتزامن هذا التصريح مع ما أعلنته وزيرة التخطيط هالة السعيد، في إطار حديثها عن خطة عمل الصندوق، التي قالت عنها: إن "هدفه هو إدارة واستغلال أصول الدولة، حيث أنه بموجب القانون المنشئ للصندوق الجديد، يكون له حق تأسيس صناديق فرعية بمفرده أو بالمشاركة مع الصناديق العربية". 

خلفيات التحصين

في أبريل/ نيسان 2018، وبأمر من السيسي، أطلقت الحكومة "صندوق مصر السيادي"، وذلك بموجب القانون رقم 177 لسنة 2018 لتنقل إليه ملكية الأصول غير المستغلة بالدولة، وبرأس مال يصل إلى 200 مليار جنيه مصري. 

فوفقا للمادة السادسة من قانون الصندوق، "لرئيس الجمهورية حق نقل ملكية أي من أصول الدولة غير المستغلة إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها، والمملوكة له بالكامل بناء على العرض من رئيس الوزراء والوزير المختص، وكذلك الأصول المستغلة فتكون كالأصول غير المستغلة بإضافة الاتفاق مع وزير المالية والتنسيق مع الوزير المعني".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ حصن السيسي نفسه من دعاوى الطعن والبطلان، عندما تم تعديل القانون في يوليو/ تموز 2020، لتحصين قرارات نقل الملكية إلى الصندوق من الدعاوى من طرف ثالث.

ووافق البرلمان المصري (تابع للسيسي) على "ألا ترفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، أو الإجراءات التي اتخذت استنادا لتلك العقود أو التصرفات إلا من أطراف التعاقد، دون غيرهم". 

وبموجب القانون، لا يخضع الصندوق لرقابة البرلمان المصري، حيث تنص المادة 11 على أن "يتولى مراجعة حسابات الصندوق مراقبا حسابات، أحدهما من الجهاز المركزي للمحاسبات، وآخر من المراقبين المقيدين لدى البنك المركزي أو الهيئة العامة للرقابة المالية". 

وهو ما يعطي للسيسي ونظامه سعة في التصرف بأصول الدولة بأريحية كاملة، وبسرعة فائقة دون العودة لهيئات أخرى، أو حتى الوقوع في قيد البيروقراطية الحكومية، مثلما حدث تماما في قراراته الأخيرة الخاصة بأراضي ومباني وسط البلد (القاهرة) والمناطق المجاورة لها.

مستشفى معهد ناصر في شبرا الخيمة، على كورنيش النيل بالقاهرة

مخاوف كبيرة 

يبدو أن الشعب المصري سيدفع ثمن إخفاق النظام اقتصاديا، وغرقه في مستنقع الديون والعجز، من أصول البلاد، وهو ما ظهر جليا بعد القرار الأخير بنقل مجموعة من الأصول إلى صندوق مصر السيادي.

وكان المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان، أعلن اعتزام الحكومة التخلص من بعض ديونها ببيع أصول مملوكة للدولة لمستثمرين (عرب وأجانب)، بالشراكة مع صندوق مصر السيادي.

وصرح في يونيو/ حزيران 2020، قائلا: إن "شهية الاستثمار في مجمع التحرير (كبيرة جدا). ونوه إلى أن هناك خططا لتطوير منطقة وسط البلد لموقعها المتميز ومبانيها التراثية"، مؤكدا أنه "يتم حصر المنشآت التابعة للدولة فيها لدراسة سبل الاستفادة منها مع نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة".

هذه التصريحات لم تكن جزافية، وعضدها قرار السيسي، على اعتبار معظم الأماكن التي ضمت إلى صندوق مصر السيادي، تقع في منطقة وسط البلد، التي تحدث عنها أيمن سليمان في تصريحاته. 

كما أنه ذكر قيمة أصول الدولة المتوقع نقلها إلى الصندوق السيادي، مؤكدا أنها "تتراوح بين 50 و60 مليار جنيه، كحزمة أولية". 

ويذكر أن الدين الخارجي المصري خلال السنوات الأخيرة، تطور سلبا بشكل كبير، ففي عام 2016 قفزت الديون الخارجية لمصر لتسجل نحو 55.8 مليار دولار.

وفي عام 2017 بلغت 82.8 مليار دولار، وفي نهاية 2018 بلغت 96.57 مليار دولار، أما في نهاية عام 2019 فقد وصلت إلى 112.67 مليار دولار. 

كما تستحوذ خدمة الدين على غالبية الإيرادات العامة للدولة، فأرقام البيان التمهيدي لموازنة 2020-2021، تبين أن إجمالي الإيرادات العامة نحو 1.28 تريليون جنيه، بينما أقساط الدين العام كما توقع البيان بحدود 555 مليار جنيه، وفوائد الدين العام 566 مليار جنيه، أي أن خدمة الدين العام تمثل 1.12 تريليون جنيه، وهو ما يعادل 87% من إجمالي الإيرادات العامة.

إخفاق النظام المصري في معالجة أزماته الاقتصادية، والتوجه نحو أصول الدولة، لا يقف على الداخل فقط، بل هناك قوى إقليمية ضالعة في مشكلات مصر، وعينها على الممتلكات والأصول المصرية، لا سيما حكام أبوظبي تحت قيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. 

مجمع التحرير بوسط القاهرة

عين إماراتية 

الحديث عن الولوغ الإماراتي في مفاصل الدولة المصرية، والاستحواذ عن الأصول، لم يكن من باب التكهنات، بل عضدت الوقائع والخطوات السابقة تلك الأطروحة. 

ففي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية،: إن "مصر والإمارات تؤسسان منصة استثمارية إستراتيجية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار".

جاء ذلك تزامنا مع زيارة عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، والتي استغرقت يومين، والتقى فيها بالحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد.

ثم أعلنت وزيرة التخطيط هالة السعيد، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، عن "بيع ممتلكات وأصول الدولة المصرية ونقل تلك الأصول للصندوق السيادي المصري، ثم مشاركة مصر بأصول ذلك الصندوق في المنصة الاستثمارية مع الإمارات بواقع 50% لكل طرف". 

وهو ما يعني بحسب الوزيرة المصرية، رهن أصول مصرية بقيمة 10 مليارات دولار، في مقابل النصيب الإماراتي المدفوع نقدا.

وكانت مواقع عربية ودولية، من بينها "إندبندنت" البريطانية، و"العربي الجديد"، ذكرت في يوليو/ تموز 2020، أن "المسؤولين الإماراتيين أبلغوا السيسي وعددا من الوزراء المصريين خلال هذه الزيارة، وأخرى في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بأنهم غاضبون من الطريقة التي تدار بها المساعدات الإماراتية لمصر، سواء التي يتم تخصيصها للحكومة أو تلك التي يفوض السيسي الجيش في التعامل معها، وأن مناخ الاستثمار في مصر، لا سيما في الصندوق السيادي، لا يتسم بالأمان الكافي".

وقد طلبت الإمارات بوضوح إعفاء ضريبيا كاملا لعمليات الاستحواذ والشراء والبيع من خلال الصندوق.

وعلى الفور، وفرت شركة أبوظبي التنموية القابضة في مطلع يناير/ كانون الثاني 2020، سيولة مالية عن الجانب الإماراتي، للمساهمة في المنصة المتعلقة بصندوق مصر السيادي، بحيث تتضمن المرحلة الأولى إنشاء ثلاثة صناديق فرعية في مجالات الصناعة الزراعية والقطاعات المالية والسياحة.

الغنيمة الكبرى 

بحسب تقرير لـ"الإندبندنت" البريطانية نشر في 22 يوليو/ تموز 2020، فإن من بين الأصول التي من الممكن التصرف بها في مصر، الأراضي المملوكة لشركات: مجمع الحديد والصلب بحلوان، قيمته (500 مليون جنيه)، والنصر لصناعة الكوك (الفحم)، والنصر لصناعة المطروقات، والأهلية للإسمنت في أبو زعبل، والمصرية للجبسيات، والقابضة للغزل والنسيج وشركاتها في المحافظات، والقابضة للنقل البحري والبري، والقابضة للتأمين، والقابضة للتشييد والتعمير، والقابضة للأدوية، والقومية للإسمنت (منها 800 فدان في حلوان). 

وكذلك شركات قطاع الأعمال العام المتعثرة والتي تتعرض لخسائر فادحة منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، تعد من الغنائم الكبرى للمستثمرين الأجانب، والإمارات تحديدا، خاصة وأنها تمتلك العديد من السمات التي جعلتها مطمعا للمستثمرين العرب منذ حكم الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك.

أهم تلك السمات هي المساحات الشاسعة من الأراضي في جميع المحافظات ومناطق القاهرة الكبرى، ومعظمها مساحات غير مستغلة على الإطلاق، من قبل الحكومات المصرية المتعاقبة. 

ولم يقف الأمر عند الشركات فقط، ففي 3 مارس/ آذار 2020، أعلن طارق فايد رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة، أن "الحكومة تستهدف بيع حصة أقلية في البنك المملوك للدولة في طرح عام أولي يبدأ منتصف أبريل/ نيسان 2020، ومن المنتظر أن يجلب نحو 500 مليون دولار، شريطة أن يستمر اهتمام المستثمرين في مواجهة فيروس كورونا". 

وأضاف فايد: "يسمح لنا برنامج الطرح بزيادة الحصة لتصل إلى 45%، لكن الهدف الرئيسي هو جمع أموال في نطاق 500 مليون دولار، لذلك إذا ترجمنا المبلغ بالنسبة المئوية، فإنه قد يجعلنا هذا عند طرح في نطاق ما بين 20% إلى 30% في ملكية البنك. من بين هذا المبلغ، سيجري بيع ما بين 50 مليون دولار إلى 75 مليون دولار إلى مستثمر إستراتيجي واحد أو أكثر".

وحسب وسائل إعلام مصرية، فإن قيمة أصول بنك القاهرة تبلغ (165.7 مليار جنيه)، وهو ثالث أكبر البنوك الحكومية المصرية بحصة سوقية بنسبة 5%، أما ودائع البنك، فسجلت نموا وصل إلى 7.5% بنهاية العام 2018، لتصل إلى 131 مليار جنيه، ووصلت إجمالي قيمة محفظة القروض إلى 66 مليار جنية في 2018.

وأصبح يخيم عليه شبح الإفلاس، ليتجه السيسي نحو بيعه، ضمن خطته الشاملة للتخلص من أصول الدولة لمواربة فشل إصلاحاته الاقتصادية المزعومة.