مجمع الحديد والصلب.. كيف تهاوى أكبر صروح الصناعة المصرية؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عند زيارته إلى مجمع مصنع الحديد والصلب في منطقة حلوان جنوبي العاصمة المصرية القاهرة، يوم 30 أبريل/ نيسان 2013، في إطار احتفال الدولة بعيد العمال، قال الرئيس المصري الراحل محمد مرسي: "عندما جئت في شبابي إلى هذا المجمع عام 1975 تمنيت أن تكون هذه القلعة الصناعية هي التي تقود الصناعة في مصر".

ذلك الصرح الذي كان يعد باكورة فخر الصناعة الوطنية، ومثل تطلع الدولة على مدار تاريخها إلى تحقيق نهضة صناعية، تليق بمكانة مصر، الرائدة في الشرق الأوسط، يواجه الآن خطر التصفية، والنهاية الكارثية، على غرار عشرات المشروعات، التي خصخصت في عهد رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي.

قرار التصفية

كشفت صحيفة "إندبندنت البريطانية" بنسختها العربية، في 7 يناير/ كانون الثاني الجاري، عن مصادر خاصة، قرار الحكومة المصرية، تجاه شركة الحديد والصلب، أنه "بعد مباحثات ودراسات جدوى عديدة على مدار العام الماضي، من قبل متخصصين تم إعدادها محليا ودوليا جاءت النتيجة النهائية كلها تصب في اتجاه تصفية الشركة الأعرق في الشرق الأوسط".

لفت المصدر الخاص للصحيفة البريطانية إلى "أنه بعد فشل الشركة القابضة للصناعات المعدنية ووزارة قطاع الأعمال العام وتأزم موقف الشركة لعدم وجود عروض جادة للشراكة شكلت الحكومة المصرية في منتصف مايو/ آيار 2019، لجنة لدراسة وتحديد مصير شركة الحديد والصلب بعد عزوف الشركات العالمية في الصناعة عن الدخول بشراكة لتطويرها، برئاسة المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء السابق، وأعضاء من الكلية الفنية العسكرية، أكدت اللجنة بالإجماع استحالة استمرار الشركة".

وحسب الجهاز المركزي للمحاسبات، في تقريره عن العام المالي 2019/ 2020، تدهورت نتائج أعمال شركة الحديد والصلب، إذ انخفضت مبيعات الشركة خلال أول 4 أشهر من العام المالي الحالي لتصل إلى 265 مليون جنيه (حوالي 16.5 مليون دولار) مقابل 368 مليون جنيه (23 مليون دولار) خلال الفترة المماثلة من العام الماضي بنسبة انخفاض 28% على أساس سنوي.

وحققت الشركة خلال الربع الأول من العام المالي الحالي خسائر بلغت 368 مليون جنيه (23 مليون دولار)، وهو الأمر الذي جعل الجهاز الرقابي المصري، يشكك في قدرة الشركة على الاستمرارية، لعدة أسباب، بينها عدم القدرة على سداد الالتزامات والمتطلبات المالية، وهو ما يظهر جليا في تراكم المديونيات للموردين الرئيسيين للشركة، البالغة نحو 5.4 مليار جنيه (334 مليون دولار) العام الحالي.

محطات البيع

يواجه نظام السيسي، وتحديدا وزارة قطاع الأعمال، اتهامات منذ قرابة عامين، برغبتها في تصفية شركات الحديد والصلب، خاصة بعد أن قررت الجمعية العامة غير العادية للشركة القومية للأسمنت تصفية الشركة في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

وكانت الجمعية العامة للشركة، بررت قرار الإغلاق حينها، بأنه جاء بعد دراسات مستفيضة لوضع الشركة وسيناريوهات إصلاحها، والتي أثبتت عدم جدواها، وكان لا بد من وقف الخسائر وبالتالي الشركة. وعلى نفس النسق جاءت شركة الحديد والصلب. 

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، طرحت الشركة مناقصة للتطوير تتضمن رفع طاقة المصنع الإنتاجية إلى 1.2 مليون طن سنويا، وإنشاء مصنع حديد تسليح جديد لاستغلال الخردة.

 لكن هذه المناقصة ألغيت في عهد وزير قطاع الأعمال السابق خالد بدوي، عام 2018، ثم تم اكتشاف اختلاف في تقدير قيمة وحجم الخردة بالمصنع، أحيل آجلا إلى جهات التحقيق.

ثم اتجهت الشركة لدراسة تعظيم استغلال الخام المستخرج من المناجم الأربعة التي تمتلكها من خلال التعاقد مع شركة أوكرانية لتنقية خام الحديد من الشوائب، لكن هذا المقترح أيضا توقف.

وفي يناير/ كانون الثاني 2019، دعت شركة الحديد والصلب، الشركات العالمية لتقديم عروض لتأهيل وتطوير وإدارة خطوط إنتاجها، مع ضخ استثمارات مناسبة، من خلال اتفاقية مشاركة إيراد تمتد لمدة عشرين عاما، ‎لضمان ألا يقل حجم الإنتاج من البليت عن 1.2 مليون طن سنويا، وأن تتم الإدارة بالكامل من خلال الشريك المستهدف، وتعظيم استغلال موارد الشركة ومناجمها وعمالتها بشكل مناسب، وأن يلتزم الشريك بسداد حد أدنى من الإيراد المقبول سنويا.

لكن في مايو/ آيار 2019، أعلنت الشركة رفض العرض الوحيد الذي تلقته من شركة ميت بروم الروسية "بإجماع الآراء" لأنه غير مناسب لتطوير شركة الحديد والصلب وغير مطابق مع دعوة الشراكة. ليصبح مجمع الحديد والصلب، الذي كان فخرا للصناعة المصرية أمام خطر التصفية والإغلاق.

أصول ضخمة

مجمع مصانع الحديد والصلب بحلوان، هو بمثابة أكبر مجمع لصناعة الحديد والصلب فى مصر وأول شركة فى الشرق الأوسط، تأسس عام 1954 بقرار من الرئيس عبد الناصر كمجمع كامل للحديد والصلب في مدينة التبين بحلوان جنوب القاهرة بحوالي 35 كيلو مترا.  

في ذلك العام تم اكتتاب شعبي وكانت قيمة السهم جنيهين مصريين يضاف إليهما خمسون مليما مصاريف إصدار، وبالتزامن مع أعياد الثورة في 23 يوليو/ تموز 1955، وضع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، مع قادة مجلس قيادة الثورة، حجر الأساس للمشروع، الذي اعتبر أكبر المشاريع الوطنية الصناعية. 

وامتلكت شركة الحديد والصلب، أصولا ضخمة غير مستغلة، منها أراض ضخمة تصل إلى 790 فدانا بحوزة الشركة وضع يد بمنطقة التبين، وكذلك 654 فدانا وضع يد بالواحات البحرية، إضافة إلى 54 فدانا مشتراة من الشركة القومية للأسمنت منذ عام 1979، وقطعة أرض بمساحة 45 ألف متر مربع بأسوان من نتيجة تسوية نزاعها مع شركة الصناعات الكيماوية "كيما".

بالإضافة إلى كميات ضخمة من الخردة تصل إلى 600 ألف طن، بالإضافة إلى جبل التراب الذى يحتوي على خردة تقدر بـ700 ألف طن، قدّرها وزير قطاع الأعمال في سبتمبر/ أيلول 2019، بنحو 5 مليارات جنيه (310 ملايين دولار). 

وفي 18 سبتمبر/ آب 2018، قال وزير قطاع الأعمال المصري هشام توفيق: إنه "تقرر بيع الخردة المتراكمة لدى شركة الحديد والصلب البالغة 5 مليارات جنيه لسداد مديونيات الشركة". وتبلغ القيمة السوقية للشركة 6.630 مليار جنيه مصري.

هيكل المشروع

حسب الموقع الرسمي للهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية، فإن مجمع الحديد والصلب، وملحقاته، يتضمن في مكوناته الأساسية (وحدة للأفران العالية بعدد 2 فرن عالي – وحدة تلبيد – وحدة للصلب – توسعات في وحدة درفلة الشرائط – وحدات لتصنيع جلخ الأفران العالية – المسبك – أفران حرق الجير والدولوميت – وحدة حراريات الدولوميت – وحدة تحضير خردة الحديد – المعامل والورش والمخازن المختلفة – وحدة خدمات الغاز – وحدة الأكسوجين – وحدة البخار والهواء المضغوط – أبراج التبريد للمياه الصناعية – محطة القوى الكهربائية). 

أما المشروعات التكميلية التابعة للمجمع العملاق، فتحوي الآتي:

  • معهد التبين للدراسات العليا المعدنية
  • وصلات سكك حديد وأحواش بمنطقة المصانع بالتبين
  • سكك حديد التبين / الواحات البحرية
  • التوسع بميناء التبين البحري
  • شبكة تغذية مصانع حلوان بالكهرباء
  • خط كهرباء الضغط العالي سمالوط / الواحات البحرية
  • السير الناقل بميناء التبين النهري
  • مشروع الترام السريع بالتبين
  • محطة المياه بالتبين

وبدأت فكرة إنشاء شركة للحديد والصلب في مصر عام 1932 بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان، لكن تنفيذها بدأ عقب ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، وفي أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، سعت المؤسسات المشكلة بعد الثورة، وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة المصرية بقيادة الرئيس الراحل محمد مرسي، للحفاظ على ذلك المشروع الوطني، وحمايته من الخصخصة، وتطويره. 

خطاب الرئيس

اختار الرئيس الراحل محمد مرسي، مجمع الحديد والصلب بحلوان، ليكون منصته التي يلقي منها خطابه إلى العمال، والشعب المصري، بمناسبة يوم العمال العالمي.

ففي 30 أبريل/ نيسان 2013، أكد الرئيس مرسي أنه "لا بيع للقطاع العام ولا استغناء عن عماله بعد الآن، قائلا: إن "تشجيع القطاع الخاص والاستثمارات الخاصة لا يعني أن يكون ذلك بديلا عن القطاع العام الذي لا بد من تطويره ليكون القطاعان العام والخاص جناحي التنمية في مصر".

وأردف الرئيس الراحل: أن "هذا المكان كلنا نحبه ونريده أن يكون رمزا للإنتاج والعرق والجهد، ولكل مصانع وعمال مصر في كل مكان"، منوها في هذا الإطار بأنه مهندس فلزات وعمل وسط الماكينات والأفران والعمال والمهندسين. وجدير بالذكر، أن الدكتور محمد مرسي، حصل على درجة الماجستير في هندسة الفلزات عام 1978. 

وشدد مرسي أن "المجمع يمثل رمزا كبيرا للصناعة المصرية، ونحن نبدأ مما انتهى إليه من قبلنا، فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان يريد بناء قلعة صناعية كبيرة والمرحوم عزيز صدقي ومن معه قاموا ببناء خط السكك الحديد من أسوان حتى حلوان للربط بين المنجم ومصنع المنتج النهائي".

كما أعلن أنه لا عودة للاستغناء عن عماله، قائلا: "إننا نعلم المشاكل الموجودة ونريد أن ننهض بكل سواعد عمال مصر". وفي ذلك الإطار قال مرسي، واحدة من أهم كلماته، وعباراته المأثورة عنه: "لا بد أن ننتج غذاءنا، ودواءنا، وسلاحنا بفضل العامل المصري.. وفي المقدمة مجمع الحديد والصلب".

وقبل الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، بلغ عدد العمال في مجمع الحديد والصلب نحو 10 آلاف عامل، فيما تقلص عددهم بداية من حكم السيسي في يونيو/ حزيران 2014، وحتى الآن إلى 7500 عامل. 

تبعية للخارج

الخبير الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي قال لـ"لاستقلال": "فيما يتعلق بإقدام مصر على خصخصة مجمع الحديد والصلب في حلوان، فهذا ليس بجديد، لأن مصر كان لها التزام مع صندوق النقد الدولي، في الاتفاق المبرم في نوفمبر 2016، بأن يتم خصخصة 23 مؤسسة عامة، خلال 3 سنوات، ومع انتهاء نوفمبر 2019، كانت الفترة المتفق عليها، قد تم تجاوزها، وبالتالي كانت مصر ترغب في الدخول مع صندوق النقد الدولي في اتفاق جديد، ولكن على ما يبدو أن الصندوق رفض، واشترط عليهم الوفاء بالالتزامات السابقة، والتي من بينها طرح الحصص الخاصة بالشركات العامة في البورصة أو بيعها لمستثمر إستراتيجي". 

وأردف الخبير الاقتصادي المصري: "القضية أن الحكومة المصرية، تفتقد وجود مشروع تنموي، وبالتالي تركز في أدائها على الاقتصاد الريعي، المتمثل في الاعتماد على عوائد العاملين بالخارج، وعوائد قناة السويس، وعوائد السياحة، والعمل في قطاع الخدمات أو العقارات، فضلا عن التوسع الذي شهده الاقتصاد المصري، بشكل غير مسبوق من قبل القوات المسلحة في الاقتصاد المدني".

مضيفا: "مصر حتى يكون لديها اقتصاد قوي، لا بد أن تعمل على وجود قاعدة إنتاجية قوية في مجال الصناعة والزراعة، وبالتالي كان يجب على الحكومة ألا تقوم ببيع مجمع الحديد والصلب، وغيره من الصناعات القائمة، ولكن تعمل على تطوير قدرتها، والتخلص من مشكلاتها، وهو ما لم يحدث للأسف، لأن من إشكاليات برنامج الخصخصة المصري، أن كل الشركات التي تم طرحها للبيع منذ عام 1991، وحتى الآن هي الشركات الرابحة، ولم يتم بيع أي شركة خاسرة". 

وتابع الصاوي: "الأمر الثاني أنه ليس هناك رؤية للحكومة فيما يتعلق بتطوير الصناعة، فمجمع الحديد والصلب، كان يمكن أن يعتبر قاعدة، لتطوير قطاع الصناعة، لأن المخرج لديه، يمثل مدخلات لباقي الصناعات الأخرى، وخاصة الصناعات التحويلية، مثل خطوط الإنتاج، وقطع الغيار، وغيرها، ولكن للأسف الشديد مصر وظفت هذا المجمع بشكل غير صحيح، فقط بإنتاج ما يسمى بالحديد الباليت (الخام)، وحديد التسليح، وتركت صناعات كثير جدا، كان يمكن أن يساهم فيها مجمع الحديد والصلب، لتطوير الصناعة المصرية". 

وقال الخبير الاقتصادي: "هذا للأسف نهج الحكومة المصرية منذ سنوات طويلة، فيما نسميه الهروب إلى الأمام، بدلا من أن يقف أمام المشكلة، ويعمل على حلها، يتخلص من الشركات، كما تم في الشركة القومية للأسمنت، حيث تم تصفية خطوط الإنتاج، وتصفية الشركة، والاستحواذ على حوالي (800 فدان) لتحويلها إلى مشروع عقاري، ثم يذهب الجيش في نفس التوقيت وينشئ مصنعا للأسمنت، بتكلفة (1.1 مليار دولار)".

مضيفا: "وعلى ما اعتقد سيتم التصرف في مجمع الحديد والصلب، بنفس الطريقة، حيث يستحوذ على مساحة كبيرة من الأراضي، وسيتم بيع معداته كخردة، وللأسف الشديد سيكون الأمر لصالح الاستيراد لمصر في الفترة القادمة، وهذا السلوك سيؤدي إلى ما يسمى في سياسات التنمية، بالتبعية للخارج، فمصر كلما زاد استيرادها من الخارج، كلما زادت تبعيتها، وتعرض اقتصادها لتقلبات السوق الدولي". 

واختتم الصاوي حديثه: "من المؤسف أن كل تجارب الخصخصة التي خاضتها مصر بداية من الأعوام 91/92، وحتى الآن هي تجارب سلبية، ومعظم المشروعات الكبيرة، حتى لو اشتراها مصريون، فقد استحوذ عليها الأجانب في النهاية، كما حدث في شركات كوكاكولا، وفودافون، وموبينيل، وكثير من الشركات الخاصة بصناعة الأسمنت، وكذلك شركات المنظفات الصناعية، وقطاع الغذاء".

كل ما سبق، حسب الصاوي "أفضى إلى تجربة سيئة، وحتى معظم الشركات الأجنبية التي استحوذت على صناعات في مصر، لم يكن هدفها التصدير، أو توفير فرص عمل، ولكن كان هدفها الاستحواذ، واحتكار السوق المصري، والسيطرة عليه، والقضاء على الصناعة الوطنية".