علاقة شائكة مع إسرائيل.. كيف تسير قطر في حقل ألغام صعب؟

الدوحة - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحاول تل أبيب على الدوام، جذب الأنظمة العربية خاصة الخليجية منها نحو قطار تطبيع العلاقات الرسمية، لكن تظل هذه المسألة حساسة ومحل انتقاد شعبي عربي كبير.

وتأتي قطر كإحدى هذه الدول التي تقع بين الحين والآخر في شباك تطبيع جزئي مع إسرائيل في العديد من المجالات، لاسيما الرياضية.

وعرض هذا التطبيع الدوحة لسيل من الانتقادات، خاصة وأنها تقع في محور مناهض لسياسة إسرائيل التوسعية، وتعمل على الحد من عدوانها على قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 14 عاما، فأين وصلت طبيعة العلاقات بين تل أبيب والدوحة؟ وما هي أنشطة التعاون بينهما؟

الوساطة القطرية

في مطلع أغسطس/آب 2020، ساد قطاع غزة حالة من التوتر الميداني والعسكري، جراء غارات شبه يومية شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، على مواقع قال: إنها "تابعة لحركة المقاومة الإسلامية حماس"، كما أصدرت تل أبيب عددا من القرارات التي تسببت بتشديد حصارها.

وتمثلت تلك القرارات، في إغلاق البحر كاملا أمام الصيادين حتى إشعار آخر، ومنع إدخال كافة أنواع السلع والبضائع لغزة ما عدا الغذائية والطبية، ومنع إدخال مواد البناء والوقود، ما تسبب بأزمة كهرباء حادة حيث زادت عدد ساعات انقطاع التيار عن 20 ساعة يوميا.

وجاء ذلك في ظل فتك فيروس كورونا بالقطاع، مع ارتفاع المخاوف من حدوث عدوان إسرائيلي أوسع، أو حرب شاملة على غرار العمليات العسكرية خلال السنوات الماضية. 

وفي 30 أغسطس/ آب 2020، تدخلت قطر على خط الأزمة، عندما قال السفير محمد العمادي، رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة (تتبع وزارة الخارجية القطرية)، في بيان: "إن هناك تدهورا بقطاعات مختلفة نتيجة استمرار الحصار (الإسرائيلي)".

وبعدها بيوم، أعلنت حركة حماس، أن رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، بحث مع وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الأوضاع في قطاع غزة.

وفي 1 سبتمبر/ أيلول 2020، أعلنت الدوحة "نجاح جهودها في التوصل إلى اتفاق تهدئة بين قطاع غزة وإسرائيل، والتمهيد لتنفيذ مشاريع تخدم أهالي غزة وتخفف من آثار الحصار المفروض عليه منذ سنوات"، وهي الجهود التي ثمنتها الأمم المتحدة عبر المتحدث باسم الأمين العام لها ستيفان دوجاريك.

بعد هذا الإعلان بيوم، أي في 2 سبتمبر/ أيلول 2020، استقبل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في مكتبه بقصر البحر في الدوحة، جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأميركي، حيث أكد خلال اللقاء موقف بلاده الداعي إلى إيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.

كما شدد أن قطر تدعو إلى "تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وعلى أساس حل الدولتين". 

في نفس اليوم نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقال رأي للأكاديمي الأميركي مارك أوين جونز المختص بدراسات الشرق الأوسط، بعنوان "صانعة السلام الحقيقية هذا الأسبوع هي قطر وليس الإمارات، إليك لماذا". 

وذكر المقال الذي كتبه جونز، المحاضر في جامعة حمد بن خليفة في قطر، أنه "من المفارقات أن كل هذه الجعجعة عن سلام زائف بين الإمارات وإسرائيل قد صرفت الانتباه عن صنع السلام في العالم الحقيقي الذي انخرطت فيه الدوحة، في نفس الأسبوع، وسعت لتهدئة الوضع المتصاعد في غزة".

وأردف: "اتفقت حماس وإسرائيل، برعاية قطرية، على وقف القصف العابر للحدود، فمنذ 6 من أغسطس/آب، تقصف الطائرات الحربية الإسرائيلية مواقع لحماس في غزة، بعد أن أطلقت الأخيرة بالونات متفجرة وعدة صواريخ فوق السياج الحدودي". 

وقال: "شكلت المساعدات المالية القطرية مكونا مهما لإقامة هدنة فعالة بين حماس وإسرائيل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018".

وحتى تصل قطر إلى تلك القوة لإحداث فارق في المفاوضات والوساطة، وتحقيق ثقل إقليمي واضح، اتخذت إستراتيجية محددة في التواصل مع مسؤولين في تل أبيب، وهو ما كشفته وقائع محددة.

حقل ألغام

من هذه الوقائع، كما نشرته في 27 فبراير/ شباط 2020، المستشرقة الإسرائيلية ميخال يعاري، عبر مقال بصحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، كشفت خلاله عن "زيارة سرية قام بها رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين وقائد المنطقة الجنوبية في الجيش هآرتس هاليفي إلى قطر".

يعاري استطردت في الحديث عن حجم التقارب بالقول: "الزلازل السياسية التي يشهدها الشرق الأوسط، والتوتر الأمني في قطاع غزة، وتراجع أدوار تركيا ومصر، والخشية من إيران، والرغبة في التعاون التكنولوجي، كلها عوامل تمنح فرصا للتعاون بيننا، والانتقال لمرحلة من الشراكة الوظيفية". 

وذكرت الباحثة الإسرائيلية أن "تطوير علاقات الدوحة وتل أبيب بدأ عقب انتهاء حرب غزة 2014 حين شهد القطاع أجواء الخراب والدمار، وظهر الحديث القطري عن جهود إعادة إعماره، في الوقت الذي أدارت فيه عدد من الدول العربية ظهرها للقطاع، وأدركت إسرائيل أن بقاء معاناة غزة دون ترميم يعني انفجارا جديدا في وجهها".

وأكدت أن "إسرائيل كانت تفضل دورا سعوديا أو مصريا في غزة، لكنها لم تعثر على بديل آخر باستثناء قطر، ما أوجد بنية تحتية لتعاون بناء على أساس مصلحة مشتركة بين الدوحة وإسرائيل، وأدركت الأخيرة أنه في غياب البديل القطري عن غزة، فإن حماس ستضع كل ثقلها في التحالف مع إيران".

ورغم ما أوردته ميخال يعاري، والتي تشغل أيضا منصب عضو المعهد الإسرائيلي للتفكير الإقليمي والسياسة الخارجية (ميتافيم)، فإنه لا يمكن إغفال دعم قطر اللافت لقطاع غزة على الجانب الآخر.

ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2012، وعقب العدوان الإسرائيلي الثاني، زار الأمير السابق حمد بن خليفة، قطاع غزة في زيارة تاريخية مثلت السابقة الوحيدة لزعيم عربي يصل إلى هناك، معلنا كسر حصارها وتقديم مساعدات مالية بملايين الدولارات، وصفها إسماعيل هنية رئيس حكومة حماس السابقة في غزة بـ"أول الغيث قطر ثم ينهمر".

تبرعت قطر آنذاك بنحو 407 ملايين دولار، لإعادة إعمار القطاع عبر تنفيذ مشاريع إستراتيجية وحيوية، وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أعلن السفير القطري محمد العمادي عن البدء في صرف مساعدات نقدية لـ75 ألف أسرة فقيرة في غزة، بواقع 100 دولار لكل أسرة.

ومن هنا، تبدو قطر وكأنها تسير في حقل ألغام، ما بين تقديم المساعدات للقطاع المحاصر، وبين تكثيف الاتصالات الأمنية والاقتصادية مع دولة الاحتلال، وهو الدور الذي لم تلعبه كثير من أنظمة المنطقة، التي ذهبت نحو تطبيع مباشر ومعلن مؤخرا.

مع ذلك، أخذت بعض أشكال التطبيع بين قطر ودولة الاحتلال، مأخذا عرض النظام في الدوحة لانتقادات متعددة، لا سيما التطبيع الرياضي.

التطبيع الرياضي

مجالات التطبيع بين قطر وإسرائيل، تتخطى ما يخص المجال السيبراني والأمني، ففي مارس/ آذار 2019، شهدت الدوحة واقعة صادمة، عندما احتفلت إسرائيل بفوزها ببطولة كأس العالم للجمباز، بعزف النشيد الوطني العبري.

ونشرت الصفحة الرسمية التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية على تويتر "إسرائيل بالعربية"، مقطعا مصورا يظهر فيه اللاعب الإسرائيلي "أليكس شاتيلوف" وهو يتسلم الميدالية الذهبية، وأعقب ذلك عزف النشيد الإسرائيلي ورفع علم الاحتلال على أرض قطر.

وذكرت "إسرائيل بالعربية": "شاهدوا.. النشيد الوطني الإسرائيلي هاتكفا (الأمل) في قطر، رياضي الجمباز الإسرائيلي أليكس شاتيلوف، فاز اليوم بميدالية ذهبية في كأس العالم بالدوحة".

كما نشرت الصفحة صورة اللاعب الإسرائيلي بعد تسلمه الميدالية في قطر، فيما اعتبرت دولة الاحتلال، هذه الواقعة بمثابة "إنجاز كبير للرياضة الإسرائيلية".

وفي 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أدانت حركة مقاطعة إسرائيل، المعروفة اختصارا بـ "BDS"، إمعان الدوحة في التطبيع المباشر مع دولة الاحتلال، من خلال استضافة فرق رياضية إسرائيلية رسمية في البطولات التي تستضيفها، وآخرها البطولة العالمية للرياضة الشاطئية.

وقالت الحركة في بيانها: "من المخجل والمستهجن أن تستضيف قطر الفرق الإسرائيلية الواحدة تلو الأخرى في الوقت الذي يحاصر فيه الاحتلال الإسرائيلي المدن والقرى والمخيمات ويحاصر الرياضة الفلسطينية باعتقال وقتل اللاعبين وانتهاك حرياتهم في التنقل بحرية وتدمير الملاعب مثلما جرى خلال العدوان على غزة".

فيما أعرب الناطق باسم حركة "حماس" حازم قاسم عن أسفه لاستضافة قطر وفدا رياضيا إسرائيليا، مؤكدا أن ذلك شكل من أشكال التطبيع.

وقال قاسم في بيان: إنه يأسف لاستضافة وفد رياضي صهيوني في دولة قطر الشقيقة، ورفع علم الاحتلال "في ظل كل ما يقوم به من جرائم وانتهاكات بحق شعبنا الفلسطيني وأرضه ومقدساته وحصاره الخانق على قطاع غزة".

ومع ذلك لم تمنع دولة قطر أو تقف في وجه الأنشطة الشعبية القطرية المناهضة للتطبيع، والتي تصل إلى انتقاد الحكومة القطرية، مثلما حدث في 18 فبراير/ شباط 2020، عندما أثارت مشاركة طبيبة إسرائيلية في مؤتمر طبي دولي بالعاصمة الدوحة، ردود فعل غاضبة لدى عدد من المغردين والناشطين القطريين. 

وأطلقت مجموعة "شباب قطر ضد التطبيع" على مواقع التواصل، وسم "بسكم تطبيع" (يكفيكم تطبيع)، استنكروا فيه دعوة الطبيبة الإسرائيلية للحديث عن قضايا الأطفال، في وقت يواصل فيه الاحتلال قتل الأطفال الفلسطينيين وانتهاك حقوقهم.

ووسط هذه التخوفات، تقول المستشرقة الإسرائيلية ميخال يعاري، في مقالها المنشور في فبراير/شباط 2020: إن "الطريق ما زالت طويلة للاعتراف الدبلوماسي بين الدوحة وتل أبيب، دون إغفال التغير الذي حصل على علاقتهما".

وتابعت: " رغم أن النظرة المريبة للشكوك التي تحتفظ بها تل أبيب تجاه الدوحة ستبقى قائمة لسنوات أخرى قادمة، دون أن يمنع ذلك تطوير العلاقات الثنائية".