"التطبيع مقابل إلغاء الضم".. كيف فضحت إسرائيل أكاذيب ابن زايد؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اتفاق التطبيع المعلن في 13 أغسطس/آب 2020، بين أبوظبي وتل أبيب يعد تتويجا لسلسلة ممتدة من التعاون والتنسيق والتواصل وتبادل الزيارات بين البلدين على مدى سنوات.

اللافت في الأمر هو تبرير الإمارات، كذبا وزورا وبهتانا، قرارها بالتطبيع مع إسرائيل، بأنه كان من أجل إيقاف قرار ضم أراض من الضفة الغربية والأغوار الفلسطينية إلى إسرائيل.

وغرد محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات في 13 أغسطس/آب 2020، على تويتر معلنا: "في اتصالي الهاتفي اليوم مع الرئيس الأميركي ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، تم الاتفاق على إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية. كما اتفقت الإمارات وإسرائيل على وضع خارطة طريق نحو تدشين التعاون المشترك وصولا إلى علاقات ثنائية".

بمجرد إعلان اتفاق التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب، اتصل عبد الفتاح السيسي رئيس النظام المصري والصديق المقرب من ابن زايد مهنئا ولي عهد أبوظبي على قرار التطبيع قائلا: "خطوة الإمارات التاريخية أتت بموجب اتفاق على إيقاف ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل".

البحرين أيضا وعبر وزارة خارجيتها رحبت باتفاق التطبيع، وعبرت عن بالغ تهانيها بما سمته "الاتفاق الذي سيؤدي إلى وقف ضم الأراضي الفلسطينية، ويعزز فرص التوصل للسلام في الشرق الأوسط".

سلطنة عمان هي الأخرى أيدت قرار التطبيع، وأعلنت عبر وزارة خارجيتها عن "أملها في أن تسهم تلك الخطوة في تحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط".

الاتفاق قوبل بتنديد فلسطيني وعربي وإسلامي واسع، فيما عدته القيادة الفلسطينية وحركات حماس وفتح والجهاد الإسلامي، عبر بيانات عديدة، "خيانة من الإمارات للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية".

كذب الإبل

ورغم الترويج الواسع من قبل مسؤولين إماراتيين والضخ الإعلامي الهائل من قبل وسائل إعلام إماراتية وأخرى موالية بأن اتفاق التطبيع أتى مقابل إيقاف قرار الضم، إلا أن هذه الكذبة التاريخية الإماراتية سرعان ما انكشفت وتم دحضها من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه.

نتنياهو، قال في مؤتمر صحفي بثته قناة "كان" الإسرائيلية الرسمية، عقب الإعلان عن اتفاقية التطبيع: "خطتنا لتطبيق السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية المعروفة إعلاميا باسم الضم، لم تتغير، رغم توقيع اتفاقية السلام مع أبوظبي".

وأكد نتنياهو أن خطته في قرار الضم لم تتغير وأنه ماض بهذه الخطة بالتنسيق مع الولايات المتحدة قائلا: "لا يوجد تغيير في خطتي بفرض سيادتنا على يهودا والسامرة (الضفة الغربية) بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأميركية. أنا ملتزم بهذه الخطة. وهذا أمر لم يتغير. أذكركم بأنني كنت الشخص الذي طرح مسألة السيادة على يهودا والسامرة على الطاولة". 

وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الاتفاق لم يكن على إيقاف عملية الضم، بل كان على تعليق وتأجيل الخطة، بناء على طلب من الرئيس ترامب، قائلا: "البيان الذي وقعت عليه الدول الثلاث (الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات) يقضي بأن تعلق عملية ضم أراض فلسطينية وفقا لخطة ترامب للسلام (صفقة القرن).

ما يعني أن قرار التعليق لم يكن حتى من محمد بن زايد، بل بطلب من ترامب، ويعني أيضا أن إسرائيل ماضية  ليس بخطتها في قرار ضم أراض من الضفة الغربية فحسب، بل في خطتها بما يسمى (صفقة القرن) وهي الخطة التي يريد ترامب فرضها وتقضي بتنازل الفلسطينيين عن القدس الشرقية لإسرائيل مقابل أموال يتم دفعها للفلسطينيين.  

البيان الرسمي للاتفاق نص على "تعليق" إسرائيل إعلان السيادة على المناطق المحددة (من الضفة الغربية والأغوار الفلسطينية)، وليس إلغاؤه، وهو ما أكده السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان بقوله: "مختلف الأطراف اختارت بدقة الصيغة. توقف موقت، وليس استبعاد الأمر نهائيا".

قرقاش وغباش

عقب تصريحات نتنياهو بيوم واحد، أقر وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية أنور قرقاش بأن وقف إسرائيل خطة الضم أمر مؤقت، وأنه لا توجد ضمانات لوقف الخطة، مصدقا بذلك على تصريحات بنيامين نتنياهو.

وفي مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية 14 أغسطس/آب 2020، قال قرقاش: "مسألة وقف خطة الضم لن تدوم بشكل دائم"، ولدى سؤاله عن مدى قدرة أبوظبي على توقيف خطة الضم للأبد، أجاب قرقاش: "لا شيء يدوم للأبد".

وتابع: "لن أقول إن هذا الأمر سيدوم إلى الأبد، لكنه يمنحنا الوقت حقا".. وأشار إلى أنه بإعلان اتفاق التطبيع "اشترينا الوقت لاستئناف مفاوضات حل الدولتين".

بدوره أقر مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الثقافية بالإمارات عمر غباش، في تصريح لصحيفة "إندبندنت"، بأن بلاده ليس لديها ضمانات مؤكدة بعدم ضم إسرائيل أراضي فلسطينية محتلة في المستقبل.

وأضاف: "نفهم هذا على أنه التزام من جانب الإسرائيليين بوقف الضم، وليس فقط تعليقه، ونتوقع أن الحوار والتعاون سيهيئان الظروف لحل دائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي". واستدرك غباش: "ليس لدينا أي ضمانات.. بل تفاهمات، لقد بنينا قدرا معينا من الثقة".

اعتبارات أمنية

مسألة تأجيل قرار الضم، لم يكن أمرا جديدا، فقد أرجأت إسرائيل تنفيذ المخطط عدة مرات، منذ تم الإعلان عنه رسميا في سبتمبر/أيلول 2019 أثناء الحملة الانتخابية التي توعد فيها نتنياهو بضم مناطق في الضفة الغربية والأغوار الفلسطينية إلى إسرائيل في يوليو/تموز 2020، في حال فوزه في الانتخابات.

وأكد حينها رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه ماض في مخطط الضم قائلا: "لن ندع فرصة كهذه تضيع، نحن من جاء بها، ونحن هنا لتحقيقها، لكن من أجل ذلك، ومن أجل تأمين حدودنا، وتأمين مستقبلنا، أحتاج إلى جميع أعضاء الليكود للخروج والتصويت في الانتخابات المقبلة".

إلا أنه عقب ذلك، وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلن تجميده لمناقشات خطط ضم الضم في الضفة الغربية، وذلك عقب قرار المحكمة الجنائية الدولية، إطلاق تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. 

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية: إن نتنياهو ألغى اجتماعا وزاريا كان من المقرر أن يبحث خطط ضم غور الأردن إلى الأراضي المحتلة.

وفي 30 يونيو/حزيران 2020، ألمح نتنياهو، بجلسة مغلقة لأعضاء حزب الليكود، إلى إمكانية تأجيل تنفيذ خطة الضم لأجزاء من الضفة الغربية، واصفا العملية بـ"المعقدة"، وعزا نتنياهو خلال الجلسة المغلقة قرار تأجيل خطة الضم إلى "اعتبارات سياسية وأمنية"، بحسب ما أفادت القناة الإسرائيلية "كان"، لكن دون الإفصاح عن طبيعية هذه الاعتبارات.

وحسب مصادر للقناة الإسرائيلية، فإن الاعتبارات السياسية التي تطرق إليها نتنياهو خلال جلسة حزب الليكود، تتمحور بالأساس حول القرار المتوقع للمحكمة الجنائية الدولية في "لاهاي"، فيما يتعلق بسلطة المحكمة لفتح تحقيق ضد "إسرائيل" بجرائم حرب ارتكبتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وسبق التسريبات المنسوبة إلى نتنياهو، تصريحات وزير الجيش، بيني غانتس، الذي قال خلال اللقاء الذي جمعه بالوفد الأميركي: إن توقيت قرار الضم ليس "تاريخا مقدسا"، وأنه من الممكن تأجيله.

"من أجل فلسطين!"

أراد ابن زايد تصوير الصفقة وقرار التطبيع كمكسب من أجل الفلسطينيين، ومن أجل حماية أرضهم، كما صرح سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة أنه يجب على الفلسطينيين الاستفادة من هذا القرار التاريخي.

غير أن مراقبين أكدوا بأن هذا القرار ليس مكسبا للفلسطينيين، بل اعتراف بالمحتل الغاصب، وخيانة للشعب الفلسطيني من قبل دولة يفترض أنها مسلمة وعربية.

وكانت مجلة فورين بوليسي قد نشرت مقالا للصحفي نيري زيلبر أن قرار التطبيع مع إسرائيل ليس من أجل الفلسطينيين، وقال زيلبز: "اختار محمد بن زايد أن يبرز الثمن الذي دفعته إسرائيل فغرد: "تم التوصل إلى اتفاق لوقف المزيد من ضم الأراضي الفلسطينية، واتفقت الإمارات مع إسرائيل على التعاون ووضع خارطة طريق لأجل إقامة علاقات ثنائية".

لكن الحقيقة أن الاتفاقية لم تطلب شيئا من إسرائيل لصالح الفلسطينيين ما يؤكد تحولا على الأقل في بعض أجزاء العالم العربي.

وأضاف الصحفي المتخصص بسياسات الشرق الأوسط أن نتنياهو قام بتطمين المخاوف التي نشأت نتيجة تراجعه عن الإيفاء بقرار الضم في التاريخ الذي حدده سلفا، قائلا: ليس هناك تغيير في الخطة، ولكن ترامب طلب تعليقا مؤقتا للضم، مؤكدا أن قرار الضم سيتم ولكن بالتنسيق مع الإدارة الأميركية.

وتابع زيلبر الزميل المساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن التأجيل الحاصل في تنفيذ الخطة يعود على الأغلب بسبب تزايد حالات كوفيد 19 والتي تسببت بفقدان الكثير من أعمالهم، وهو الاستطلاع الحديث الذي أظهر أن 4 % فقط من الشعب الإسرائيلي اعتبروا أن قرار الضم أولوية، مقارنة ب 69% رأوا أن الاقتصاد هو الأهم.

وأضاف زيلبر الذي يعمل أيضا كزميل أول في مؤسسة BICOM الفكرية البريطانية، أن اتفاقية سلام مع دولة عربية إنجاز مهم بالنسبة لنتنياهو وسوف تزيد من عودة شعبيته بعد أن كانت قد تراجعت في وقت سابق.