فورين بوليسي: انتهاكات هذه الأنظمة العربية تسبب صداعا لواشنطن 

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية تقريرا عن أساليب الحكومات العربية في التضييق على عوائل المعارضين السياسيين في الخارج، وتطرقت فيه إلى المقاول المصري محمد علي والشيخ السعودي سلمان العودة وآخرين.

وقالت الصحفية المصرية البريطانية علا سالم في تقرير نشرته المجلة: "عندما بدأ محمد علي في تسجيل مقاطع فيديو تفضح فساد الجيش المصري عبر هاتفه المحمول من مكتبه في إسبانيا، لم يكن يتوقع أن يخرج المصريون للتظاهر من جديد".

احتوت هذه المقاطع على اعترافات من مقاول المشاريع التي قام بها لأجل ضباط في الجيش، وكشفت عن حجم إنفاق ضخم من قبل رئيس النظام عبد الفتاح السيسي وعائلته.

محمد علي

وأدى خروج محمد علي في نهاية المطاف إلى احتجاجات استثنائية مناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد في سبتمبر/أيلول 2019، ولكن الرجل كان متأكدا من استهداف النظام لعائلته لتشويه صورته.

على التلفزيون المصري، ظهر والد محمد علي ليعلن براءته من ابنه، واتهمه شقيقه ووالدته بسرقة شقيقه الراحل. 

وقال علي للصحفية في مكالمة: "لقد كذبت عائلتي، إنهم مؤيدون للسيسي، ولم أفاجأ بما قالوه، نحن في ديكتاتورية، ولقد لُقِّنوا بالضبط ما يقولونه". 

وقد كان والده اتصل به عدة مرات وطالبه بالاعتذار علنا عن مقاطع الفيديو. وأفاد محمد بأن والده سأله في مكالمة له "لماذا تفعل بنا هذا؟ سيقتلونك" وتابع علي: "بكيت، لكن لا عودة".

في يوليو/تموز 2020، ظهرت أنباء تفيد بأن مصر تسعى لمطالبة إسبانيا بتسليم محمد علي بتهمة التهرب الضريبي المزعوم حيث يواصل السيسي حملة لا هوادة فيها لإسكات المنتقدين في الخارج.

وتقول المجلة: "قصة علي ليست فريدة من نوعها، إنه جزء من مجموعة متزايدة من المنشقين الذين اختاروا المنفى لأنفسهم، في سبيل التحدث بحرية ضد الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية، وقد رأى الكثير منهم عائلاتهم تواجه ضغوطا هائلة من قبل قوات الأمن التي تسعى لابتزاز أقاربهم، لإسكات أصواتهم الناقدة".

وتقول الصحفية: "في المقابلات التي أجريتها مع العديد من المعارضين العلنيين، وجدت أن ثمة أسلوبا متكررا يتم استخدامه من عدة أنظمة عربية في نفس الوقت تقريبا، يُطلب من العائلات الضغط على قريبهم المعارض لإسكاته، أو تشويه سمعته، أو التبرؤ من أفعاله".

وتتعرض العائلات التي لا تمتثل لتعليمات الأنظمة لحظر السفر، والعزلة الاجتماعية، وفقدان الوظائف، وحتى الاعتقال. ويخبرنا المعارضون في الخارج بأن هذه الأساليب لم تكن شائعة أو ممنهجة كما هي الآن في الوقت الراهن، وفق الصحفية.

انتهاكات السعودية

في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تم ربط كثير من حالات استخدام هذا السلوك بالوقت الذي تلا تنصيب محمد بن سلمان كولي للعهد في عام 2017، وتحديدا بعد أن بدأ سلسلة من حملات القمع على النقاد والشخصيات المؤثرة والأمراء والناشطين والعلماء. 

من الأمثلة الواضحة على ذلك اعتقال أحد أكبر العلماء والدعاة في السعودية وهو سلمان العودة في سبتمبر/أيلول 2017.

 وعلى الرغم من اعتقاله سابقا قبل وصول محمد بن سلمان إلى السلطة وسجنه من 1994 إلى 1999، فإن ابنه عبد الله العودة يقول: إن العائلة لم تلق أي تضييق أو إساءة خلال فترة الاعتقال الأولى.

أما الآن فقد مُنع 18 فردا على الأقل من أسرته، بمن فيهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 9 سنوات، من السفر، كما تم اعتقال عمه بسبب تغريدة عن اعتقال أخيه سلمان، كما تم تفتيش منزلهم بشكل متكرر.

وفي تطور غريب للأحداث، وبعد أن مُنعت عائلته من زيارة العودة في السجن، سُمح لصحفي سعودي بمقابلته، ليكتب بعدها نقلا على لسان العودة أن السجن مكان للاسترخاء، وأن الشيخ سلمان حمله رسالة لإيصالها لنجله عبد الله ينصحه فيها بالتوقف عن حملته المسيئة للحكومة السعودية والتركيز على دراسته. 

يقول عبد الله: إن هذا الطلب كان غريبا، لأنه كان قد أنهى دراسته بالفعل وكان والده على معرفة تامة بتخرجه.

ولم يتوقف الأمر على عائلة سلمان العودة فحسب، فقد تعرضت لجين الهذلول، الناشطة الحقوقية السعودية البارزة، لنفس السلوك القمعي. 

على عكس اعتقالها الأول في عام 2014، عندما ألقي القبض عليها مرة أخرى في عام 2018، تم منع والديها من السفر، وأعيد زوجها قسرا إلى السعودية من الأردن، وتم الطلاق بينهما في وقت لاحق، ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ذلك بسبب ضغوط الحكومة أم لا. 

 كما تم الضغط على أشقائها للالتزام بالصمت بشأن قضيتها، لكنهم تحدثوا في نهاية المطاف بعد أن علموا بالتعذيب والتحرش الجنسي الذي تعرضت له لجين في السجن.

اغتيال المعارضين

وقالت هالة الدوسري، وهي ناشطة وباحثة سعودية بارزة: إن العديد من النقاد وعائلاتهم حاولوا التزام الصمت، ولكن الوضع الجديد تحت حكم ابن سلمان، هو أن الصمت لن يغير من مصيرك إذا كانت الحكومة ترغب في اعتقالك. ولذلك فإن عائلات المعارضين دائما في خطر، وليس هناك مجال للتفاوض.

ومع أن المنع من السفر ليس جديدا في السعودية، إلا أنه في عهد ولي العهد السابق محمد بن نايف – الذي تم تهميشه من قبل محمد بن سلمان في عام 2017 – كان يتم تقويم قرارات المنع سنويا ويمكن رفعها بعد مراجعة الجهات المختصة. 

وقالت الدوسري: "لم يعد هذا هو الحال في العهد الجديد، فمن غير المعروف عدد الأشخاص الممنوعين من السفر في المملكة العربية السعودية ، لكن العدد يقدر بالآلاف". 

ولم تتوقف ممارسة هذه الضغوطات على  الساكنين في الداخل فحسب، بل تجاوزتها للخارج  للمعارضين في الخارج.

في عام 2018 على سبيل المثال، حمل شقيق المعارض السعودي المقيم في كندا عمر عبد العزيز، بصحبة رجلين رسالة، قالا إنها من ولي العهد.

أخبروا عمر وقتها بأن أمامه خيارين: الذهاب إلى السفارة السعودية في كندا أو العودة إلى الرياض معهم، لكن لم يستجب عمر لأي من خياراتهم.

وعلى إثر ذلك، جرى سجن شقيقه عند عودته إلى السعودية، مع عدد من أصدقائه، في محاولة لزيادة الضغط عليه.

بعد ذلك بعامين، ومع عدم وجود أي مبادرة لتراجع عمر في نشاطه ونقده لولي العهد، حذرته السلطات الكندية من أنه أصبح هدفا محتملا للحكومة السعودية.

وكما هو الحال في قضية عبد العزيز، حيث تم احتجاز أسرته كرهائن، يجري استخدام نفس الأسلوب على سعد الجبري، ضابط المخابرات السابق في السعودية، والذي ساعد في إحباط هجوم للقاعدة على الغرب. 

واعتقلت الحكومة السعودية اثنين من أبنائه وأحد إخوانه للضغط عليه للعودة إلى الوطن.

وبعد اغتيال الحكومة السعودية جمال خاشقجي في 2018، أقر المسؤولون السعوديون بوجود إلحاح مستمر في محاولة إعادة المعارضين إلى الوطن بغض النظر عن الأساليب المتبعة.

توأم القمع

ويشير بعض الناشطين في أن المضايقات العائلية أصبحت منهجية متبعة، نتيجة  العلاقة الوثيقة بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، خاصة لأن الإمارات استخدمت مثل هذه الأساليب قبل سنوات. 

تقول الناشطة الإماراتية في مجال حقوق الإنسان آلاء الصديق، التي تعيش في لندن، وتسعى حاليا للحصول على اللجوء: إن الاتجاه انتشر في السعودية بشكل أكثر ضراوة في السنوات الأخيرة.

وتوضح آلاء أنها واجهت نفس الأساليب في الإمارات. وهذه الشابة هي ابنة واحدة من 94 مواطنا إماراتيا أدينوا في عام 2013 بتهمة "المساس" بأمن الدولة،

وأضافت آلاء أن 20 من أقارب هؤلاء الـ94 تم سحب جنسيتهم، وكانت هي واحدة منهم. كما تم منع الآخرين من السفر، وواجهوا الإقصاء الاجتماعي، ولم يتمكنوا من الحصول على وظائف معينة.

وسردت آلاء للمجلة كيف أن هذه العزلة المجتمعية المفروضة على عائلتها بلغت إلى درجة "إذا جاء شخص لخطبة أختي، فإن الحكومة ستعتقله". 

وأضافت: "نحن لا نعرف بالضبط عدد الأشخاص الممنوعين من السفر ولا يوجد أوراق أو أوامر تعطى للناس لإبلاغهم، ولكن بمجرد محاولتهم عبور الحدود ، يتم إخبارهم شفهيا".

هذا التحالف المتنامي بين السعودية والإمارات العربية المتحدة يؤدي إلى تطبيق نفس الطرف وأساليب انتهاك حقوق الإنسان، تقول فورين بوليسي.

وقال أحد المعارضين، وطلب عدم الكشف عن اسمه خوفا من تعرض عائلته للخطر: إن الحكومات كانت تشجع أسرهم على التخلي عنهم، مضيفا أنه قبل التحدث علنا، يدرك المعارضون تماما أن الحكومة ستبذل جهودا كبيرة لإسكاتهم، بما في ذلك التعرض لأحبائهم.

ومع تبني الأنظمة أساليب أكثر قسوة على نحو متزايد ضد منتقديها، يلجأ المعارضون في الخارج إلى اتخاذ إجراءات قانونية لإلقاء الضوء على ضحايا الحكومات في الداخل. 

من خلال هذا النهج، يتم الضغط على الحكومات الغربية داخليا للتنديد بمنتهكي حقوق الإنسان، وانتقاد محاولتهم الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية في المنطقة.

في وقت سابق من هذا العام، بدأ عدد من السعوديين والناشطين العرب في التواصل بمحامين وجماعات ضغط، لنقل قضاياهم إلى الولايات المتحدة. 

وفي الآونة الأخيرة، رفع الناشط المصري الأميركي محمد سلطان، الذي تعرض للتعذيب أثناء سجنه في مصر، دعوى قضائية في واشنطن العاصمة ضد رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي لإصدار أمر باعتقاله في 2013. 

وردا على ذلك، اعتقلت الحكومة المصرية خمسة من أبناء عمه واستجوبوا والده المسجون لديهم قبل نقله إلى مكان مجهول. 

وقد أبلغت الحكومة المصرية الأسرة بأنهم محتجزون كرهائن حتى يتخلى سلطان عن الدعوى. وصف صناع السياسة الأميركيون الاعتقالات بأنها تدخل واضح في القضاء الأميركي. 

وتقول المجلة: "من المحتمل أن يسبب السعي المستمر للمعارضين وعائلاتهم صداعا دبلوماسيا مستمرا للغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص -سواء في ظل الرئيس الحالي دونالد ترامب أو في ظل منافسه الانتخابي جو بايدن - ما لم يتم بذل جهد جماعي للضغط على الأنظمة لتحسين سجلهم في مجال حقوق الإنسان".