بعد مقتل خاشقجي.. بن سلمان يدفع مبالغ شهرية لإنقاذ سمعة السعودية

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتعرض المملكة العربية السعودية، لانتقادات متصاعدة في أكثر من ملف أبرزها اغتيال الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، والاعتقالات الداخلية، والتعذيب في السجون، وحرب اليمن، حتى طال الانتقاد الملف الرياضي، ما تسبب في تدهور سمعة المملكة عالميا، وأثر على علاقاتها السياسية والاقتصادية وخريطة تحالفاتها.

الأمر الذي دفعها إلى التعاقد مع شركات علاقات عامة، واللجوء إلى تشكيل اللوبيات، بهدف "تلميع" صورة القيادة السياسية للمملكة، وإصلاح الأضرار الناجمة عن جريمة اغتيال خاشقجي، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية.

تحسين سمعة

آخر العقود كانت بين صندوق الثروة السيادية السعودي، مع شركة علاقات عامة بولاية نيويورك الأمريكية، وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن ملفات وزارة العدل أظهرت أن الصندوق السعودي للاستثمار، برئاسة ولي العهد، محمد بن سلمان، أبرم عقدًا بقيمة 120 ألف دولار شهريا، مع شركة "كارف كوميونيكيشن" الشهر الماضي، وجرى تكليفها بمهمة "تحسين سمعة وصورة" الصندوق السعودي وكبار المسؤولين فيه، مع طلب التأكيد على أن "الصندوق يركز على الأغراض التجارية فقط".

كما طلب الجانب السعودي من الشركة التركيز على بناء الثقة وتحسين العلاقات بين الصندوق و"أصحاب المصلحة الدوليين الرئيسيين"، وضمان أن يكون الصندوق "مستعدا جيدا لأي تطورات سلبية محتملة وتدقيق خارجي مستقبلي".

ويعد الصندوق السعودي للاستثمار العام، المملوك من الدولة، أهم أداة بيد ولي العهد محمد بن سلمان، لإعادة تشكيل اقتصاد البلاد الذي يعتمد على موارد النفط، إذ يمتلك الصندوق أكثر من 300 مليار دولار من الأصول، ووقع اتفاقيات مع شركات أمريكية كبرى واشترى أسهما في شركة السيارات الإلكترونية "تيسلا" و"ولوسيد موتورز".

في المقابل، يتعرض الصندوق لضغوط كبيرة، وأصبح محلا للتدقيق بعد مقتل خاشقجي على يد فريق سعودي يضم مسؤولين مقربين من بن سلمان، بحسب ما تكشفه التقارير حتى الآن.

تلميع ابن سلمان

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها النقاب عن تبديد أموال السعودية في محاولة تلميع سمعتها خاصة منذ اعتلاء "بن سلمان" الحكم، فقد كشف تقرير نشرته مجلة شالانج الفرنسية، أنّ عددا من الوكالات في باريس تعمل منذ 3 أعوام على تلميع صورة السعودية وولي عهدها "محمد بن سلمان" في فرنسا والعالم.

وأكّدت المجلة في تقريرها، أن وكالة "بوبليسيس" الباريسية تلقت مبلغ 800 ألف يورو من المملكة مقابل "عقد علاقات صحفية" في عامي 2016 و2017، وخلال هذين العامين، نظّمت الوكالة لقاءات في قاعات باريسية مرموقة بين صحفيّين ووزير الخارجية السعودي "عادل الجبير"، أو نائب رئيس الاستخبارات العامة "أحمد العسيري"، الذي أقيل من منصبه مؤخرا على خلفية اتهامه بالتورط في اغتيال "خاشقجي"،

وتولّت إليزابيث بادينتر مهمة رعاية صورة المملكة "الوهابية" في فرنسا، بحسب تعبير المجلة، التي أشارت إلى أنّ هذه المهمة تضمنت تسويق السياسات السعودية في مجالي السياسة الخارجية والدفاع، لاسيما ملفي حصار دولة قطر والحرب على اليمن.

وقالت "شالانج" إنه "رغم عدم تجديد عقد الوكالة مع السعودية، الذي انتهت صلاحيته عام 2017، إلا أنها ما زالت مستمرةً في تلميع صورة بن سلمان، الذي تشير إليه أصابع الاتهام في جريمة اغتيال خاشقجي الدنيئة".

محاولات فاشلة

بدوره، أكد الباحث السياسي الدكتور نصير العمري، أنّ محاولات النظام السعودي تلميع محمد بن سلمان أو أي من المسؤولين السعوديين لن تجدي نفعا، مشيرا إلى أن بعض المؤسسات الإعلامية واللوبيات المتخصصة بتلميع النظام السعودي انسحبت من التعاقدات معه.

وشدد في حديث لـ"الاستقلال" على أن جريمة اغتيال جمال خاشقجي لن يمسحها محاولات النظام السعودي الالتفاف على الكونجرس والرأي العام والصحافة التي تغطي تطورات اغتيال الخاشقجي باهتمام كبير.

واتفق معه في الرأي المعارض السياسي السعودي علي آل أحمد، قائلا إن "قضية خاشقجي لن تموت وسيظل شبحه يلاحق الحكومة السعودية"، مشيرا إلى أن "المملكة هي أكثر حكومة تستخدم شركات العلاقات العامة واللوبي في أمريكا منذ ٤٠ سنة وأكثر، ومع ذلك لم تتحسن صورة الفئة الحاكمة عند المجتمع الأمريكي لأنه يصعب إخفاء الحقائق خصوصا في عصر الإعلام الحديث".

وأكد في حديث لـ"الاستقلال" أن هذا العقد ما هو إلا هدر للثروة ولن ينتج عنه سوى المزيد من الإدمان السعودي على عقود شركات العلاقات العامة وتحسين الصورة، مضيفا: "بدلا من هذا الهدر يمكن للحكومة السعودية أن تحسن واقعها وتوفر عشرات بل مئات الملايين".

حملات تضامن

يأتي هذا، فيما شنت الصحف الغربية ووكالات الأنباء العالمية حملة تضامن إعلامي واسع مع واقعة اغتيال خاشقجي، وتولي اهتماما كبيرا بمتابعة مستجدات القضية، وتبرزها على صفحاتها الرئيسية وتنشرها بترجمات عربية عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي، وسط ضغط متواصل من الأمم المتحدة والكونجرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي ومجموعات مراقبة حقوق الإنسان الدولية.

وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، في وقت سابق، النقاب عن مهام فريق اغتيال خاشقجي، مؤكدة أن الفريق نفذ 12 عملية ضد معارضيين، بينما تناول موقع بلومبرغ الأميركي مقالا في الشأن السعودي بعنوان "عزلة أعمق تحيط بالسعوديين وسط غضب الولايات المتحدة لمقتل خاشقجي".

وأكد تقرير لموقع "المونيتور"، أن تركيا مصممة على زيادة الضغط على السعودية بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، حتى لو بقيت آمال تحقيق العدالة بعيدة المنال. 

كما شهد مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة حراك جماعي ضد السعودية، منذ اغتيال خاشقجي وحتى الآن، فقد توالت الدعوات المطالبة بالإفراج عن نشطاء محجزين والتعاون مع التحقيقات التي تقودها الأمم المتحدة في الحادث.

ورحبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بتلك التحركات وقالت إن على  أعضاء المجلس مطالبة السعودية بالتعاون مع التحقيقات في مقتل خاشقجي والتوقف عن استهداف النشطاء والصحفيين والمعارضين وإطلاق سراح المحتجزين دون وجه حق.

وذلك في الوقت الذي تعلن فيه هيئة حقوق الإنسان السعودية أنها ترفض تدويل قضية خاشقجي.

هزة اقتصادية

وعلى أثر قضية خاشقجي التي هزت الرأي العام الدولي، ألغت وكالة "إنديفور" الأمريكية للمواهب تعاقدها مع السعودية، وأعادت إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي 400 مليون دولار هي قيمة العقد الذي كان موقعا بينهما، وقطعت علاقتها مع قادة الرياض.

كما دفع اختفاء خاشقجي مسؤولين وزعماء ورجال أعمال إلى الانسحاب من مشروع كبير آخر في السعودية، وهو مدينة "نيوم" الاقتصادية، الذي يرعاه "بن سلمان" لمدينة مخطط بنائها عابرة للحدود أطلقه ابن سلمان في أكتوبر /تشرين الأول 2017، ويقع في أقصى شمال غرب السعودية ويشتمل على أراض داخل الحدود المصرية والأردنية، وأعلنت شركات إعلامية وصحفيون أمريكيون مقاطعتهم  لمؤتمرا استثماريا في السعودية.

ولم يقتصر الأمر على الشركات الإعلامية بل تعدى ذلك إلى رجال الأعمال إذ قرر الملياردير ستيف كيس أحد مؤسسي (إيه.أو.إل) أن ينأى بنفسه عن السعودية، قائلا إنه لن يحضر المؤتمر.

وأنهت مجموعة "هاربور جروب"، وهي شركة في واشنطن تقدم خدمات استشارية للسعودية، الخميس الماضي، عقدا مع المملكة بقيمة 80 ألف دولار في الشهر وقال عضوها المنتدب ريتشارد مينتز "لقد أنهينا العلاقة".

وذكر الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون، الخميس، أن مجموعته "فيرجن جروب" ستعلق محادثاتها مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي حول استثمارات بقيمة مليار دولار في مشاريع المجموعة في الفضاء.

انخفاض شعبية

وأفاد تقرير أجرته يوجوف لـ"الإيكونوميست" بعد اختفاء الصحفي، بأن 4 بالمئة فقط من الأمريكيين يعتبرون السعودية حليفا، أي بانخفاض قدره 6 بالمئة في عام واحد، وفي غضون ذلك، قال 15 بالمئة إنها عدو.

وأكد الكاتب الأمريكي آدم تايلور، أنَّ الدور السعودي في اختفاء خاشقجي، بمثابة كارثة بكل المقاييس على سمعة السعودية عربيا ودوليا في الوقت الحالي، لدرجة أنَّ الأصوات المؤيدة للرياض في الكونجرس مثل السناتور ليندسي غراهام، يقترح فرض عقوبات.

وقال الكاتب في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إنَّ المملكة بفضل ثروتها الضخمة وأهميتها الجيوسياسية، فإنَّها تشق طريقها في واشنطن بسهولة، ولكن أحد الأسباب التي أدّت إلى رد فعل ضخم على اختفاء خاشقجي، والتهديدات بالعقاب هو أنّ البلاد لديها عدد قليل نسبيا من المؤيدين بين الشعب الأمريكي.