"إدمان التسوق".. كيف غير فيروس كورونا سلوك المستهلكين؟

إسطنبول - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

فرض تفشي فيروس كورونا الكثير من العادات المختلفة في العالم، التي التزم بها الناس حتى بعد تخفيف إجراءات الحجر الصحي الإجباري، ومن بينها "التسوق عبر الإنترنت" الذي أصبح مفضلا أكثر من التنقل إلى الأسواق للتبضع.

الكثير من العلامات التجارية، أدركت بدورها نجاح التجربة وإيجابياتها، وهو ما أكده تقرير أصدره بنك الاستثمار والخدمات المالية السويسري "UBS Group"، الذي أفاد بإمكانية اختفاء أكثر من 100 ألف متجر بحلول نهاية عام 2025.

وأرجع التقرير ذلك إلى ارتفاع النفقات التي يفرضها فتح المتاجر، مقابل انخفاض المبيعات. وأوضح المصدر ذاته، أن الفندقة والسفر هما من أكبر القطاعات التي تأثرت بكوفيد 19، يليها قطاع صناعة السيارات والأزياء.

تأثير الجائحة

تظهر آثار الأزمة الحالية على الاقتصاد العالمي بشكل يومي، بعد أن تسببت إجراءات الحجر الصحي في وقف العمل لمدة أشهر وإغلاق المتاجر. ولم يأت التأثير  على المشاريع الصغيرة فقط، بل اضطرت الماركات العالمية أيضا لإدخال تغيرات جذرية لتقليل الخسائر.

ولم يغير الوباء سلوك العملاء فحسب، بل أيضا إستراتيجيات الشركات، فنظرا لاضطرار المتاجر للإغلاق بسبب التدابير، ركزت العلامات التجارية على المبيعات الرقمية، وأصبح نظام التوصيل مهما للغاية.

أظهر استطلاع أجرته "Euromonitor International" - أكبر مركز لأبحاث السوق الإستراتيجية في العالم - أن 40٪ من الشركات في قطاع الأزياء ستتأثر بشكل سيكون أسوأ بكثير من تأثير الأزمة الاقتصادية لعام 2008.

وأفاد تقرير نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية في بداية يونيو/حزيران 2020، أن علامة "زارا" للملابس ستغلق ألفا و200 متجر لها بشكل نهائي، وذلك بسبب فيروس كورونا، وأيضا تأسيسا لما أسمته بـ"العصر الجديد للتسوق".

وتتوقع شركة الملابس الإسبانية "إنديتكس" لمالكها الملياردير أمانسيو أورتيغا، والتي تملك: "زارا" و"بول اند بير" و"ماسيمو دوتي" و"بيرشكا" و"سترا دي فاريوس" و"اويشو"، أن تتركز عمليات الإغلاق على أوروبا وآسيا.

ولم تنج شركة بحجم إنديتكس من ضربة جائحة كورونا القاسية للاقتصاد العالمي، إذ انخفضت المبيعات بنسبة 44% لتصل إلى 3.7 مليار دولار، لتسجل الشركة خسائر صافية تقدر بحوالي 457 مليون دولار خلال الربع الأول من السنة المالية.

بدورها أعلنت شركة الأزياء البريطانية "مونسون اكسيسورايز" و"كويز" أنها ستغلق فروعها وتسرح مئات الموظفين.

فيما أعلنت علامة "Guess" أنها ستغلق 100 متجر في الولايات المتحدة والصين، وستغلق "فيكتوريا سيكرت" 250 متجرا، وقد كانت تواجه تحديات حتى قبل تفشي الوباء، لكن الوضع الحالي فاقم أزمتها المالية.

لم يقتصر الأمر على صناعة الأزياء فحسب، بل سيغلق عملاق القهوة "ستار بكس" 400 متجر خلال السنة والنصف المقبلة في كل من الولايات المتحدة وكندا.

وقد أدركت الشركة قبل تفشي الوباء أن الناس يميلون إلى طلب القهوة ومغادرة المتجر، وهو ما زاد خلال انتشار فيروس كورونا.

ونشر مركز الأبحاث "كورسايت" أن أكثر من 25 ألف متجر أميركي سيغلق هذا العام، وهو ما سيؤثر بالطبع على المراكز التجارية ويؤدي إلى إغلاقها.

ما بعد كورونا

استطلاع الرأي الذي أنجزه مركز الأبحاث أكد أن العلامات التجارية تواجه الآن إكراها من نوع مختلف، إذ يتطلب الوضع الجديد توفر مخاطب من العلامات التجارية على الإنترنت طيلة أيام الأسبوع، فإذا لم يجد العميل من يذلل الصعوبات في وجهه سيبحث عن علامة جديدة، مع كثرة العروض المتوفرة على الشبكة.

وقالت "إنديتكس": إن نمو المبيعات عبر الإنترنت يعوض، بعض الشيء ضعفها.

ارتفعت المبيعات عبر الإنترنت بنسبة 50% مقارنة مع الربع الأول من السنة، وارتفعت بنسبة 95% مقارنة بأبريل/نيسان 2019.

وصرحت الشركة بأنها تعمل على إعادة تعيين الموظفين في وظائف أخرى مثل إرسال المشتريات عبر الإنترنت، لتجنب تسريح العمال.

وبحسب خطة "إنديتكس" الجديدة، ستمثل المبيعات عبر الإنترنت أكثر من 25 % من إجمالي المبيعات بحلول عام 2022، أي ارتفاعا بـ14% مقارنة بالسنة المالية 2019.

وأعلنت الشركة خطتها لإنفاق أكثر من مليار دولار على عروضها عبر الإنترنت بحلول عام 2022، وإنفاق 1.9 مليار دولار إضافية على المتاجر لتسهيل اندماجها مع المواقع الإلكترونية وتسليم المنتجات بشكل أسرع حيث ستعمل المتاجر الكبيرة كنقاط توزيع المبيعات عبر الإنترنت.

من جهتها، قالت شركة أمازون: إن تفشي فيروس كورونا تسبب في زيادة كبيرة في عمليات التسوق عبر الإنترنت، ما أثر على إمكانية الشركة العملاقة لمواكبة الطلب، ودفعها لإضافة 100 ألف وظيفة جديدة بدوام كامل وجزئي في الولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى توظيف الآلاف من العمال الجدد، قالت أمازون: إنها تستثمر أكثر من 350 مليون دولار لزيادة أجور العاملين بالساعة في وظائف المستودعات والتوزيع.

وستدفع أمازون 2 دولار إضافية في الساعة، على سعر الساعة الأساسي البالغ 15 دولارا أو أكثر، بحسب المنطقة.

التسوق القهري

يعاني نحو 6% من الشباب -معظمهم إناث- من متلازمة "التسوق القهري". وقد ميّز ياسر خزعل، الأستاذ بجامعة يونيل وكبير الأطباء في قسم طب الإدمان في مستشفى المركز الطبي الجامعي في لوزان بسويسرا، في تصريح لصحيفة "لوتان" السويسرية، بين التسوق الجشع جدا والإدماني.

وقال المتخصص: إن المعيار الأول يتعلق بفقدان السيطرة، إذ يكون الشخص بحالة توتر تجعل الانفعال يسبق التعقل.

أما المعيار الثاني فهو الأولوية التي يحتلها هذا النشاط، حيث يستطيع المتسوق قضاء ساعات بالبحث في المواقع الإلكترونية والنشرات وما إلى ذلك لتعقب صفقة جيدة.

وأخيرا، يتعلق المعيار الثالث بالصعوبات الثانوية التي يولدها هذا المرض، مثل الديون والقروض، وما ينجر عنها من الأكاذيب والشعور بالعار والوحدة.

وأفاد خزعل أن مدمن التسوق لا يهتم بما سيشتريه قدر اهتمامه بالشراء بحد ذاته، وبلحظة الإثارة التي تسبق امتلاك الشيء، والراحة التي تلي ذلك.

وأوضح الطبيب أن مناطق الدماغ المرتبطة بالعاطفة والمكافأة هي التي يتم تنشيطها وقت الأزمة، في حين تحاول القشرة المخية الأمامية ممارسة قدرتها على التحكم.

ونظرا لأن الشخص المتعب يميل للخضوع لهذه الحمى بسهولة أكبر، فإن العديد من عمليات الشراء القسرية هذه تتم في نهاية اليوم، ولذلك فإن التسوق في الصباح هو أحد الإجراءات الوقائية أثناء محاربة المريض لهذا الإدمان.

وعن الحالات المهددة للإصابة بالمتلازمة، يقول الدكتور: إن بعضهم يكون ممن لديهم اندفاع زائد، والبعض الآخر ممن لديهم هشاشة عاطفية فيدعمون أنفسهم بهذه المشتريات.

كما أنهم يسعون لعرض مشترياتهم بهدف تعزيز صورتهم في عيون من حولهم. وأخيرا، هناك مدمنون لديهم علاقة غير ناضجة بالحملات الإعلانية، وهم "فريسة سهلة" بالنسبة للمسوقين.

ونصح الدكتور المدمنين بعدم الربط بين المعنويات المنخفضة والمشتريات من خلال تطوير طرق أخرى لتنظيم عواطفه واحتياجاته.

وأيضا التخلي عن حمل بطاقاته المصرفية، وتجنب المرور بالمتاجر المغرية، وتجاهل قراءة النشرات التي تعرض المنتجات والخدمات، إضافة لإلغاء الاشتراك بالقوائم البريدية وإلغاء تنشيط إشعارات الاستهلاك.

قيمة النقود

بينت مجموعة من الدراسات النفسية أن الناس يشعرون بألم أكثر عندما يفقدون النقود من الفرح الذي يشعرون به عند كسبها.

وقد أدى هذا النوع من البصيرة النفسية إلى تغيير هائل في مجال الاقتصاد. بينما في السابق في الاقتصاد الكلاسيكي، بنى الأكاديميون نظرياتهم على افتراض أن الناس يتصرفون بعقلانية، ثبت أن هذا خطأ.

واتضح أن الإنفاق من بطاقة ائتمان له تأثير على كيفية إنفاق الناس، وهو ما أثبتته العديد من الدراسات التي نشرتها شبكة "بي بي سي" البريطانية.

ومع ذلك، فقد ثبت أيضا أن فواتير بطاقات الائتمان عند وصولها، تسبب ألما كبيرا للمستلم. هذه الدراسات تفسر سبب الإنفاق أكثر على التسوق أون لاين من التسوق عبر صرف النقود. 

ويقول الأخصائي النفسي الحاصل على الدكتوراة في الاقتصاد السلوكي في جامعة لوفان، أمير أفنديك: مع بطاقات الائتمان، يتأخر ألم الدفع (حتى وصول الفاتورة الشهرية)، وبعبارة أخرى، فإن القدرة الكبيرة لبطاقات الائتمان هي أنها تمارس القوة النفسية لفصل متعة الشراء عن ألم الدفع.

ومع ذلك، فقد وجد أفنديك أن المسارات العصبية تضيء في ما يصفه بـ "لحظة متقلبة"، مثل الألم الجسدي القصير تقريبا، عندما نفترق عن أموالنا. هذا الألم يمكن أن يمنعنا من الإفراط في الإنفاق، ولكن الجانب السلبي هو أنه يمكن أن يسلبنا بعضا من الفرح في الاستهلاك.

يمكن تخفيض هذه التكلفة النفسية  التي يسميها الأخضائي بـ"الضريبة الأخلاقية"، بطرق مختلفة.

خطر التوصيل

هل يمكن أن ينتقل فيروس كورونا عبر البضائع؟ أرق السؤال محبي التسوق عبر الإنترنت.

لكن لم يظهر إذا كان الفيروس يمكن أن ينتقل عبر الأسطح الملوثة به مثل سطح صندوق بضاعة أو منتج جرى شراؤه وشحنه.

وتحدث المتخصصون عن مدى قدرة الفيروس على البقاء حيا خارج جسم الإنسان، مثلا على سطح صندوق بضاعة، حتى يصل إلى الجهة الأخرى ويسبب العدوى للشخص الذي تسلم البضاعة.

وأوضحت عدد من الاختبارات أن فيروسات نزلة البرد تبقى على قيد الحياة على السطح فترة أقل من 24 ساعة، وهي من عائلة فيروسات كورونا نفسها التي ينتمي لها الوباء الجديد.

وإذا كان الفيروس يستطيع البقاء حيا خارج الجسم 24 ساعة، فهذا يعني أن أي بضاعة يحتاج شحنها أكثر من 24 ساعة ستكون آمنة، وسيكون الفيروس عليها قد زال خطره.

في المقابل يستطيع نوروفيروس (norovirus) -وهو من عائلة أخرى من الفيروسات ويسبب التهاب المعدة- العيش عدة أشهر خارج الجسم.

لكن المعطيات تشير إلى أن انتشار فيروس كورونا الجديد يتطلب اتصالا وثيقا بالشخص المصاب، لذلك فإن خطر انتقال الفيروس عبر البضائع قد يكون قليلا. مع ذلك نصح المتخصصون بتعقيم البضائع فور استلامها.