صحيفة فرنسية: هكذا تحولت معركة سرت الليبية إلى مقامرة دبلوماسية

12

طباعة

مشاركة

تتواجه قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، وقوات المشير خليفة حفتر في مدينة سرت (شمال وسط) الإستراتيجية، معقل الزعيم الراحل معمر القذافي.

لكن مصير هذه المدينة، وفقا لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، سيعتمد بشكل أساسي على موقف القوى الأجنبية المشاركة في الصراع.

وقالت الصحيفة: سرت تحبس أنفاسها، فعلى مدار عشرة أيام، أصبحت المدينة الساحلية في وسط البلاد "العقدة الغوردية" للصراع الليبي، في إشارة إلى أسطورة تتعلق بالإسكندر الأكبر، ويستخدم المصطلح عادة للدلالة على مشكلة صعبة يتم حلها بعمل جريء.

وأضافت: "تحصنت قوات المشير حفتر، بعد فشلها في حصار العاصمة، ومعاناتها من سلسلة انتكاسات في طرابلس (غرب ليبيا)، كما تم إيقاف الهجوم المضاد السريع لقوات حكومة الوفاق على مشارف المدينة في 7 يونيو/ حزيران 2020، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الاشتباكات نادرة، لكن كل طرف جمع رجاله ومعداته للمعركة الحاسمة.

ولفتت إلى أنه في غضون ذلك، استحوذت الدبلوماسية على الموقف، لأنه في ليبيا، يتم كسب الحرب إلى حد كبير اعتمادا على الخارج. 

وبينت أنه لم يكن أبدا باستطاعة قوات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج صد مقاتلي خليفة حفتر دون المساعدة العسكرية المتزايدة من تركيا، حليفتها الرئيسية، في حين أنه كان من المحتمل أن تنهار قوات المشير بدون الطائرات بدون طيار التي ترسلها دولة الإمارات، والمرتزقة الروس والدعم الدبلوماسي من قبل فرنسا.

تصريحات عسكرية

ووفقا للصحيفة فإن قاعدة الجفرة الجوية الإستراتيجية تقع على بعد 250 كيلومترا جنوب سرت، وتسيطر عليها القوات الموالية لحفتر، في وقت ندد الجيش الأميركي في 29 مايو/أيار بوجود 14 مقاتلة من أصل روسي هناك. 

كما نوهت إلى تصريح رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعلن (في 20 يونيو/حزيران) أن تجاوز مدينتي سرت (شمال وسط ليبيا) والجفرة (جنوب شرق العاصمة طرابلس) خط أحمر.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الخط المستقيم من سرت إلى الجفرة يقسم ليبيا من الشمال إلى الجنوب إلى قسمين، أحدهما تحت النفوذ التركي في الغرب بطرابلس، والثاني بالشرق في منطقة برقة تحت النفوذ الروسي المصري.

وفي كلمة متلفزة أدلى بها عقب تفقده وحدات من القوات الجوية بمحافظة مطروح (غربا) المتاخمة للحدود مع ليبيا، قال السيسي مخاطبا قوات من الجيش: "كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة هنا داخل حدودنا، أو إذا تطلب الأمر خارج حدودنا".

من جهتها وصفت حكومة الوفاق الوطني تصريحات السيسي بأنها "إعلان حرب" وأعربت عن غضبها من سماع دولة أجنبية ترسم "خطوطا حمراء" على أراضيها.

الباحث يزيد صايغ من مركز كارنيجي للشرق الأوسط يرى أن "احتمال تدخل مصر يتزايد بشكل مباشر، لكني أعتقد أن إدارة السيسي لا تفضله، وستلجأ إليه فقط كملاذ أخير، حتى لو تدخلت لن يكون تدخلا كبيرا أي لثني القوى الموالية والأتراك عن عبور خط سرت – الجفرة".

وأضاف: "أعتقد أن الخطوة الأولى لمصر ستكون من خلال عبور الحدود بقوة، ومن ثم تتوقف، بهدف إقناع الجانب الآخر بوقف تقدمه".

تشكيل مؤسسي

وتقول الصحيفة الفرنسية: إن أنقرة، التي حفزتها الانتصارات المتتالية حول طرابلس، جعلت السيطرة على سرت والجفرة أولوية، كما أنه بالنسبة لأعضاء حكومة الوفاق الوطني، هذا الأمر يُنظر إليه كشرط مسبق لأي توقيع لوقف إطلاق النار. 

وتساءلت: هل حصل رئيس حكومة الوفاق فايز السراج على موافقة واشنطن من أجل مواصلة الهجوم؟، مشيرة إلى اللقاء الذي جمعه في زوارة غربا، بالسفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند وقائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا الجنرال ستيفين تاونسند يوم 22 يونيو/ حزيران 2020 .

وأكدت الصحيفة أن هذه الزيارة النادرة نسبيا عرضتها طرابلس على الفور على أنها دعم ضمني لعملياتها، فيما قال بيان السفارة الأميركية بحذر شديد: "من الضروري إنهاء العمل العسكري والعودة إلى المفاوضات"، دون أن يحدد مصير سرت والجفرة.

لكن الصحيفة تساءلت ما هي المفاوضات التي تتحدث عنها واشنطن؟

ونوهت بأن طرابلس رفضت بشدة ما يسمى بمبادرة "القاهرة"، التي صاغها رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، حليف حفتر، والذي يتوخى من خلالها إعادة تشكيل مؤسسي لليبيا- ومن الممكن إعادة تنشيط دور الأمم المتحدة الذي تعثر منذ عدة أشهر في جنيف- وهذا ما طلبه الجنرال تاونسند رسميا من السراج.

ولفتت إلى أن المبادرة تكون من ثلاثة مكونات (اقتصادية وسياسية وعسكرية)، مبينة أنه ليس هناك شك في أنه إذا جلس الطرفان على الطاولة، سيكون هناك جدال حول خطة وقف إطلاق النار.

"لعبة خطرة"

ونوهت "ليبراسيون" بأنه في فرنسا استغل الرئيس إيمانويل ماكرون، زيارة نظيره التونسي قيس سعيد إلى باريس للتعبير عن قلقه إزاء الوضع المتدهور في الدولة المجاورة لبلد مضيفه. وقال بعد المقابلة في الإليزيه: "اليوم أعتبر أن تركيا تلعب لعبة خطرة في ليبيا وتتعارض مع جميع التزاماتها".

وأشار ماكرون إلى "القلق المشروع للرئيس السيسي عندما يرى القوات تصل إلى حدوده"، رغم أن سرت تقع على بعد أكثر من 800 كيلومتر من الأراضي المصرية.

وقالت "ليبراسيون": إن الإنذارات الأخيرة بين البحريتين الفرنسية والتركية قبالة ليبيا لم تؤد إلى تصعيد بين العضوين في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لكن الأتراك يعملون بشكل روتيني على تسليم المعدات العسكرية إلى ليبيا، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وفق قولها.

وأضافت: "في المقابل يبذل الفرنسيون، المشاركون في العملية الأوروبية إيريني (حظر توريد السلاح إلى ليبيا)، قصارى جهدهم لفرض هذا الحظر في البحر الأبيض المتوسط، ولذلك ذكّر الرئيس الفرنسي بتصريحه نهاية العام 2019 حول "وفاة الناتو دماغيا" وأن ما تقوم به تركيا "أفضل دليل على ذلك".

وأكدت الصحيفة على أن رد أنقرة جاء سريعا، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي: "من خلال الدعم الذي قدمته لسنوات لجهات فاعلة غير شرعية (الجنرال حفتر) تتحمل فرنسا جزءا مهما من المسؤولية في انزلاق ليبيا إلى الفوضى، موضحا أنه "من وجهة النظر هذه، فإن فرنسا في الواقع هي التي تلعب لعبة خطرة".

وتساءلت الصحيفة في نهاية التقرير هل سينقذ الجدال اللفظي والتهديدات والمؤتمرات والبيانات الصحفية والإعلانات، أي المقامرة الدبلوماسية الكبيرة التي يتم لعبها في عواصم العالم، سرت في نهاية المطاف من معركة جديدة، أم أنه على العكس، سيسكب الزيت على النار؟ 

وخلصت إلى أنه في المقابل، لم يعد بإمكان الليبيين التخلص من هؤلاء الرعاة الأقوياء، بعد أن أصبحوا متفرجين على حربهم.