وسط غضب شعبي متصاعد.. كيف يواجه الأسد قانون قيصر؟

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن هناك خيارين وحيدين أمام رئيس النظام السوري بشار الأسد وهما القمع ومحاولة البقاء، وذلك في ظل التحديات المتعددة التي يواجهها بعد أكثر من تسعة أعوام على الثورة.

وفي مقال حمل توقيع الكاتب بنجامين بارت، أشارت الصحيفة إلى المظاهرات التي شهدها جنوب سوريا، بينما شن النظام في دمشق حملة لملاحقة معارضيه ونقاده، بما في ذلك بين الدوائر الموالية له.

وقالت: "قبل بضعة أيام، تظاهر سكان السويداء، معقل الدروز جنوب سوريا، وسط الشارع في ذكرى وفاة حافظ الأسد، والد بشار، قبل عشرين عاما".

وأوضحت أن المحتجين رددوا شعارات ضد بشار الأسد ووالده، من بينها شعار الثورات العربية التي انطلقت عام 2011، "الشعب يريد إسقاط النظام"، وإدانات الفساد والتدهور الاقتصادي المستمر الذي أدى لانهيار العملة الوطنية. 

وأوضحت "لوموند" أن هذا الغضب انتشر أيضا في درعا، وهي منطقة معارضة سابقة، متاخمة للسويداء، وفي منطقة إدلب، والشمال الغربي التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة.

وأكدت أن بشار الأسد كان يأمل في الاحتفال بمرور عشرين عاما وهو على رأس سوريا في سياق أفضل، لافتة في الوقت ذاته إلى أن هذا لا يعني أن الغضب المتجدد يشكل تهديدا لسلطته، فوفقا لمقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت، فإن المشاركة في هذه الأحداث لا تزال متواضعة لا تتعدى بضع مئات من الناس على الأكثر. 

ونقلت عن دبلوماسي أجنبي قوله: "لكي يهتز النظام، يجب أن تشهد دمشق أو المدن الكبيرة الأخرى الخاضعة لسيطرته، مثل حماة وحمص وحلب أحداثا مماثلة".

لكن من جهتها ترى "لوموند" أن هذه الاحتجاجات تظهر مناخا من عدم الاستقرار الكامن، فتحت رماد القمع، ما زالت جسور ثورة 15 مارس/ آذار 2011 متوهجة. 

ولفتت إلى أن الاستياء زاد بعد السقوط الحر لليرة السورية (العملة الوطنية)، التي انخفض سعرها أمام الدولار ليصل إلى 2300، مقابل 1000 في بداية 2020. 

وأكدت أنه إذا كان الأسد انتصر في الحرب، باستثناء إدلب حيث اضطر إلى تعليق جهوده العسكرية تحت الضغط الروسي، فإنه ينزف ويواجه ما بعد الحرب مشلولا ومنبوذا، ويتهرب من الاعتراف بنصيبه من المسؤولية في الأزمة التي تخنق سوريا حاليا.

قانون قيصر

ونوهت الصحيفة الفرنسية إلى أن قانون قيصر، هو ترسانة جديدة من العقوبات الأميركية، تحرم الديكتاتور السوري من الروافع التي كان من الممكن أن تساعده على التعافي. 

وأوضحت أن هذا التشريع سيعلق أولا إعادة إدماجه في المشهد الدبلوماسي بالشرق الأوسط، وهي العملية التي بدأت في ديسمبر/كانون أول 2018، مع إعادة فتح السفارة الإماراتية في سوريا.

وسُمي قانون "قيصر" بهذا الاسم نسبة لمصور عسكري سوري انشق عن نظام الأسد عام 2014، واستخدم اسم "قيصر" لإخفاء هويته الحقيقية، بعد أن سرب ما يزيد على 52 ألف صورة لـ11 ألف سجين قتلوا أو خضعوا لتعذيب داخل السجون.

ويجيز القانون استخدام "وسائل دبلوماسية واقتصادية" لإجبار نظام الأسد "على وقف هجماته الدموية التي تستهدف الشعب السوري ودعم حكومة انتقالية في سوريا تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع جيرانها".

ويهدف القانون إلى فرض عقوبات على أي شخص أجنبي يقدم دعما ماليا أو ماديا أو تقنيا كبيرا للنظام السوري أو يعمل بقوة عسكرية داخل البلاد لحساب سوريا أو روسيا أو إيران.

كما يهدد كذلك من يبيع أو يوفر سلعا أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات تسهّل إنتاج النظام للنفط والغاز وشراء أو صيانة الطائرات العسكرية وإقامة مشاريع البناء والهندسة، وإبرام عقود تتعلق بإعادة الإعمار في مناطق يسيطر عليها النظام السوري وحلفاؤه.

وتشير "لوموند" إلى أنه من خلال منع تسليم "خدمات البناء والهندسة" للنظام، فإن قانون قيصر يعد ضربة قاضية لخطة إعادة الإعمار، حيث يجب أن ينهي هذا البند ثني السوريين الذين لجؤوا إلى الخليج من العودة إلى البلاد وإعادة استثمار أموالهم هناك.

البقاء والقمع

في المقابل، تواصل الصحيفة أن هذا الإجراء "هبة من الله" بالنسبة للنظام والموالين له الذين يصفون عقوبات البيت الأبيض الجديدة بأنها آلة حرب اقتصادية، وأنه من خلالها تأمل الولايات المتحدة في تحقيق ما فاتها بالمجال العسكري أي أن تحارب "محور المقاومة" ضد إسرائيل، لكن هذه الدعاية تقنع الموالين فقط جزئيا.

وبحسب "لوموند" فإن الكثيرين يدركون أن انهيار الليرة لا علاقة له بضغوط واشنطن أكثر من العوامل الإقليمية أو المحلية ومنها السقوط المتزامن للعملة في لبنان، القاعدة الخلفية للاقتصاد السوري، إضافة إلى القيود في جميع أنحاء العالم، والتي منعت عشرات الآلاف من اللاجئين من إرسال دولارات إلى بلدانهم؛ ومطاردة الحوالات، عبر سماسرة تقليديين تابعين لنظام الأسد.

وأكدت أنه من أجل تنصله من مسؤولياته الضخمة في هذه الأزمة - مثل سياسة القصف العشوائي التي دمرت القاعدة الإنتاجية للبلاد - قدم بشار الأسد لشعبه كبشي فداء: ابن خاله رامي مخلوف، الذي أطيح به من إدارة سيريتل، شركة الهاتف المحمول الرائدة في البلاد؛ ورئيس الوزراء عماد خميس، الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2016، ونصب بدلا منه يوم الخميس 11 يونيو/ حزيران وزير المياه حسين عرنوس.

وبعيدا عن ذلك، لا يردد النظام السوري إلا كلمة واحدة فقط وهي "البقاء"، حيث قالت بثينة شعبان، مستشارة الأسد، في مطلع يونيو/ حزيران 2020: "ليس أمامنا خيار سوى الصبر والمثابرة، التي ستؤتي ثمارها قريبا، نحن نتشارك نفس الرؤية الإستراتيجية والتكتيكات".

وتعلق لوموند: "على الأرجح أنه (الأسد) على دراية بأنه بدون المساعدة المالية من موسكو وإيران، ستواجه الحكومة أكبر صعوبة في البقاء".

وأكدت أنه في الوقت نفسه أصبح المعارضون مستهدفين، لكن الأمر لم يقتصر عليهم بل طال أنصار النظام أيضا، ففي أواخر مايو/ أيار، على سبيل المثال، اعتقل مسؤولين عن صفحتين شهيرتين على فيسبوك موالين للنظام، بعد ظهور مقالات تنتقد سوء الإدارة الحكومية. 

وفي أبريل/ نيسان، أقيل زياد زنبوعة، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، بوحشية، والسبب هو ظهوره بمؤتمر كشف فيه أن ثلاثة أرباع الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، واستنكر أيضا الدور الضار لقادة المليشيات والمرتزقة الأجانب.