أميركا ودعت الصمت والناتو تجرأ.. هذا ما ستفعله روسيا مع حفتر وتركيا
.jpg)
من المؤكد أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، يعيش حاليا أسوأ أيامه، إثر فشله في السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، بعد أكثر من عام من الهجوم عليها، بل بات خروجه من المشهد مسألة وقت فقط لاغير.
بدت على حفتر علامات الهزيمة خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة المصرية القاهرة في 6 يونيو/حزيران 2020، رفقة رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي للإعلان عن مبادرة لوقف إطلاق النار.
في المقابل تضاعفت الخشية في معسكر حفتر وداعميه (السعودية والإمارات ومصر وروسيا وفرنسا) من لعب تركيا دورا أكبر بالإضافة إلى دورها العسكري، من أجل إيجاد قنوات تواصل بين الروس وحكومة الوفاق.
صحيفة "الإندبندنت" البريطانية نشرت تقريرا في 9 حزيران/يونيو 2020، أكدت فيه أن "مؤيدي حفتر يريدون محادثات سلام ثم يضعون شروطا يصعب على الطرف الآخر قبولها"، لافتة: "يبدو أن هناك صفقة بين روسيا وتركيا، رغم تواصل الصراع على الأرض".
وألمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حديث مطول لشبكة "تي.آر.تي" التركية، إلى استبعاد حفتر من المعادلة السياسية في ليبيا، على ضوء الجهود الدبلوماسية التي تجريها أنقرة مع الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
كما نشر موقع "بلومبيرغ نيوز" تقريرا قال فيه: إن تركيا حثت الولايات المتحدة على تعزيز موقعها في ليبيا وسط خسائر قوات حفتر.
وأشار الموقع إلى تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو حول أهمية الدور الأميركي، ضمن محاولات أنقرة بناء زخم دولي لعملياتها في ليبيا.
تغيير مواقف
على ضوء تغيّر المعطيات العسكرية على الأرض، عدلت القوى الدولية موقفها من الأحداث في ليبيا، إثر فشل حفتر في السيطرة على العاصمة طرابلس.
أبرز هذه المواقف الجديدة إعلان حلف دول شمال الأطلسي "الناتو"، ممثلا في أمينه العام ينس ستولتنبرغ، أن الحلف مستعد لدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا برئاسة فائز السراج.
موقف الناتو تلاه موقف السفير الأميركي في طرابلس، ريتشارد نورلاند، الذي أشاد بمساهمة حكومة الوفاق في "دحر الإرهاب وتحقيق السلام".
وفق متابعين، فإن موقف الناتو وواشنطن الجديد تزامن مع الإنجاز العسكري الذي حققه الجيش الليبي مؤخرا بسيطرته على كامل المنطقة الغربية، ونقله المعركة إلى الشرق.
الموقف الجديد تزامن أيضا مع زيادة التدخل الروسي في الشأن الليبي، فلم تكتف موسكو فقط بدعم مليشيا حفتر بالأسلحة وطباعة الأموال وإرسال مرتزقة "الفاغنر"، بل تجاوزه بمحاولة لعب دور سياسي في ليبيا.
بات واضحا للعيان أن موسكو تسعى لوضع موطئ قدم لها في ليبيا، على البحر المتوسط، بما يمكنها من فتح آفاق جديدة وتوسيع مجال المناورة في السياسة العالمية، إثر تنامي نفوذها في الشرق الأوسط بعد مشاركتها في قمع الثورة السورية.
إعادة تقييم
في 17 أيار /مايو 2020، قال السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشار نورلاند: "الولايات المتحدة تريد أن ترى نهاية للهجوم الذي تشنه القوات المسلحة العربية الليبية على طرابلس، ووقف دائم لإطلاق النار، وحل سلمي تفاوضي للنزاع".
الموقف الأميركي الجديد يثير تساؤلات عديدة، خاصة وأنه طالما اتسم بالتذبذب منذ عصر الرئيس السابق باراك أوباما، وتواصل هذا التذبذب مع الرئيس الحالي دونالد ترامب، الذي لم يعلن عن موقف قطعي الدلالة من الصراع القائم في ليبيا.
فبعد أقل من أسبوعين على إطلاق حفتر هجومه على طرابلس ودعوته "للنفير العام" في 4 أبريل/ نيسان 2019، أعلن البيت الأبيض أن ترامب أجرى اتصالا بحفتر وأكد على دوره في محاربة الإرهاب.
حينها ذكرت "وول ستريت جورنال" الأميركية أن الرئيس ترامب يدعم حفتر على حساب حكومة الوفاق، بعد ضغط سعودي ومصري.
ونقلت الصحيفة عما قالت إنه مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية وعن مسؤوليْن سعوديين، أن زعماء الرياض والقاهرة نجحوا في الضغط على ترامب ليغير سياسة بلاده في ليبيا، ويدعم حفتر.
وأضافت أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حثا ترامب يوم 9 أبريل/نيسان 2019، على الحديث مع حفتر، ودعم قضيته.
في المقابل أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بعد أيام من الهجوم، معارضته للهجوم العسكري الذي تشنه قوات حفتر، حاثا إياها على الوقف الفوري لهذا الهجوم وعودتها إلى مواقعها السابقة، وهو ما أكّد التذبذب في الموقف الأميركي.
إلا أن تطورا لافتا عرفه الموقف الأميركي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بعدما دعت إدارة ترامب، حفتر لوقف هجماته على طرابلس، متهمة روسيا باستغلال الصراع في ليبيا.
القلق من روسيا
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، ذكرت في تقرير نشرته 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أن "نحو 200 مقاتل روسي وصلوا إلى ليبيا خلال الأسابيع الماضية لمساندة (حفتر)، في إطار حملة من جانب الكرملين لتأكيد النفوذ بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا" .
وكشف تقرير سري للبنتاغون، تم تسريب أجزاء منه يوم 13 فبراير/شباط 2020، على قناة الحرة الأميركية، عن معلومات خطيرة في علاقة الوجود الروسي في ليبيا.
التقرير الذي قدمه المفتش العام للبنتاغون، يوم 11 فبراير/شباط 2020، بشأن أنشطة مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة في شرق وشمال وغرب إفريقيا، كشف عن زيادة أعداد المرتزقة الروس التابعين لشركة فاغنر للأمن أكثر من 7 أضعاف في تلك الفترة، حسب موقع ميدل إيست مونيتور الأميركي.
وحسب التقرير، كان عدد مرتزقة فاغنر لا يتخطى 200 فقط بنهاية سبتمبر/أيلول2019، ليصل العدد إلى ما بين 800 و1400 بنهاية العام.
كما أشار التقرير إلى أن الوجود الروسي في ليبيا يمثل عقبة للقوات الأميركية التي تحارب الإرهاب في شمال وشرق وغرب إفريقيا، حيث تم إسقاط طائرة أميركية بدون طيار بواسطة أنظمة دفاع روسية يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
ومنذ بدء تداول الأخبار عن تزايد أعداد المقاتلين الروس الداعمين لحفتر، بدأ الموقف الأميركي ومن خلفه حلف الناتو بالانتباه مما يجري داخل الأراضي الليبية.
وهو ما تأكد في تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الذي أعرب في اتصال هاتفي مع السراج عن قلقه من وجود مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية، في صفوف مليشيا حفتر.
كما شدد على "ضرورة تطبيق حظر وصول السلاح برا وجوا، وعدم الاكتفاء بتطبيقه بحرا"، في إشارة إلى عملية "إيرني"، المزمع إطلاقها من الاتحاد الأوروبي لمنع تصدير السلاح إلى ليبيا، وأضاف: أن "الحلف يعتبر حكومة الوفاق هي الحكومة الشرعية، ولا يتعامل مع غيرها".
المتابع للشأن الليبي لا يغيب عنه الدور الهام الذي تلعبه تركيا، وهي الدولة العضو في حلف الناتو، حيث أدى مشاركة قواتها في المعارك للدفاع عن طرابلس، بعد اتفاق عسكري مع حكومة الوفاق قلب موازين القوى في ليبيا.
أخطاء أميركية
وجدت موسكو في حفتر الشريك الذي يمكن التعويل عليه، والذي كانت تفتقده في ليبيا بعد القذافي، حيث ظهر حفتر لسنوات بشكل الرجل القوي شرقي البلاد.
حفتر زار موسكو في حزيران/ يونيو، وتشرين الثاني/نوفمبر 2016، ثم ظهر على متن حاملة الطائرات أميرال كوزنيتسوف، التي كانت تعبر قبالة المياه الليبية في كانون الثاني/يناير 2017.
في المقابل تحولت سياسة واشنطن في ليبيا إلى مواقف سلبية دأبت من خلالها على متابعة التطورات من بعيد، وهو ما ظهر جليا منذ هجوم 11 سبتمبر/أيلول 2012، على مجمع دبلوماسي أميركي في بنغازي شرقي ليبيا، والذي أسفر عن مقتل 3 موظفين أميركيين، بينهم السفير كريستوفر ستيفنز، و10 من ضباط الأمن المحليين.
كان مقتل السفير الأميركي بمثابة صفعة كبيرة لإدارة باراك أوباما آنذاك، كما أن الهجوم الذي تزامن مع ذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، كان له تأثير نفسي كبير.
أدى هجوم بنغازي وتداعياته إلى تغييرات هائلة في سياسة الولايات المتحدة تجاه ليبيا، وأثار انتقادات الجمهوريين لإدارة أوباما، واتهامهم للأخير ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بتعمد تضليل الرأي العام وعرقلة تحقيقات الكونغرس.
هذه المساحة التي تركتها الولايات المتحدة الأميركية في ليبيا، ساهمت في فسح المجال أمام ظهور تنافس إيطالي فرنسي، تحركه أطماع الدولتين على النفط الليبي وتدعمه خلفيات استعمارية تاريخية.
كما سمح لتحول ليبيا إلى ملعب لتدخل المحور السعودي الإماراتي وحليفهم المصري بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، في مسلسل إجهاض الثورات العربية، ومحاولة بناء نظام عسكري جديد في ليبيا على شاكلة نظام السيسي في مصر.
المصادر
- الناتو يعلن استعداده لدعم حكومة السراج في ليبيا
- ليبيا: أمريكا ترحب بدحر حكومة الوفاق للإرهاب.. وأردوغان يهاتف ترمب
- بعد كشفها عن مقاتلات روسية بليبيا.. الولايات المتحدة تحذر من تكرار تجربة سوريا
- السفير الأميركي: الولايات المتحدة تريد أن ترى نهاية للهجوم على طرابلس
- موقف أمريكي غير حاسم من طرفي النزاع في ليبيا
- ترامب بحث مع حفتر "رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي"
- ليبيا: صراع روسي تركي "على الميدان"
- بلومبيرغ: هل هناك توافق أمريكي- تركي في ليبيا؟