40 عاما على السلام مع إسرائيل.. عقائد تغيرت وثوابت اهتزت

أحمد مدكور | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"لم يكن مواطن في إسرائيل يمكن أن يصدق قبل عامين، أن رجلا بمنصب رئيس وزراء إسرائيل، سيذهب إلى القاهرة، وتستقبله هناك وحدة من الجيش بسلاحها، وتعزف نشيدنا الوطني (هتكفا)" هكذا علق رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن، عقب الخطاب الشهير للرئيس المصري الراحل أنور السادات.

قبل أربعين عاما، وفي 26 مارس/ آذار 1979 في واشنطن عاصمة الولايات المتحدة، وتحت إشراف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، اكتملت حلقات التطبيع بين القاهرة وتل أبيب بتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بين أنور السادات، ومناحم بيجن.

إرهاصات السلام

في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، وقف السادات، تحت قبة مجلس الشعب في القاهرة، وألقى خطابه الشهير الذي قال فيه "إنه مستعد أن يذهب إلى آخر العالم سعيا وراء السلام" وراح إلى أبعد من ذلك عندما أعلن بقوة "وستدهش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم، إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم إلى الكنيست ذاته".

وكان يوم 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، اليوم الذي لم ينساه العرب طويلا، إذ وصل السادات إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، ليكون أول رئيس عربي يقوم بزيارة إلى إسرائيل، ويبدأ معها عهود التطبيع.

وبذلك الحدث ذهب التضامن العربي الذي تحقق في حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، أدراج الرياح، وقاطعت الدول العربية مصر، وانتقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وعم الغضب الشعبي أرجاء الوطن العربي والإسلامي. أما الرئيس السادات الذي وصف نفسه ببطل الحرب والسلام، قال: "مضت السنين العجاف، لأننا عرفنا طريق السلام، مضت كل المعاناة".

وفي الذكرى الأربعين على توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، يبقى السؤال هل تمسكت الأنظمة العربية بموقفها الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني أم تبدلت العهود والمواثيق واختلت الثوابت وتغيرت عقيدة الجيوش العربية تجاه العدو؟

والواقع يقول أن هناك هرولة من جانب العرب في التقارب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة علاقات اقتصادية وسياسية معها، لا سيما جانب التنسيق الأمني، بعد تبدل العقائد القتالية للجيوش العربية، من العداء المستحكم لإسرائيل، إلى قمع الانتفاضات الداخلية وحماية الأنظمة، فما رفض بالأمس صار مقبولا اليوم.

تاريخ شاهد وأحلام مبددة

تمثلت أهم بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة بتاريخ 26 مارس/آذار 1979، في إنهاء حالة الحرب بين الدولتين، وإقامة سلام دائم بينهما حيث تسحب إسرائيل بموجب المعاهدة "كافة قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب".

وفي 26 فبراير/ شباط 1980 بدأت بشائر العلاقات الطبيعية والودية بين البلدين، حيث تم افتتاح السفارة الإسرائيلية في القاهرة أكبر عواصم العرب، لتبدأ مرحلة تاريخية جديدة، التطبيع جزء أساسي من ملامحها.

علق رئيس أركان الجيش المصري في حرب أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي، والمعارض بشدة لسياسة السادات، على هذه المعاهدة قائلا بالنص (إذا كان كارتر وبيجن، يعتقدوا أنهم بهذه المعاهدة، سيحققون السلام في الشرق الأوسط فهم واهمون، المعاهدة مرتبطة بالسادات شخصيا، فإذا سقط السادات سقطت معه المعاهدة، ومن المؤكد أن تزول المعاهدة، ومن المؤكد أن تعود لمصر عروبتها مرة أخرى).

ومع الوقت كان ذلك التطبيع الحكومي المصري مع إسرائيل، فارقا في تاريخ الصراع والمنطقة، فمصر باعتبارها الدولة المحورية الكبرى في الشرق الأوسط، بأهميتها البالغة من حيث الجغرافيا والديموغرافيا والقوة العسكرية، ولاعتبارات مجاورتها للأراضي المحتلة، وتصدرها لقيادة الصراع ضد الاحتلال منذ البداية، مثل انزوائها عن الصف العربي عاملا مؤثرا.

ومع الوقت تغولت الأنظمة الحاكمة في القاهرة نحو توطيد العلاقات بشكل أكبر مع تل أبيب، وعقدت العديد من الاتفاقيات كالكويز، بل وصل التطبيع إلى التنسيق العسكري بين الجيشين المصري والإسرائيلي في سيناء، خاصة عندما أعلن رئيس النظام الانقلابي الحالي عبد الفتاح السيسي في لقائه مع قناة "فرانس 24"، بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أنه لن يسمح أن تشكل سيناء منطقة خلفية لتهديد أمن إسرائيل.

عهد السيسي

بعد توليه رئاسة الجمهورية في 3 يونيو/حزيران 2014، قرر السيسي، إجراء ما سماها "إصلاحات في المناهج الدراسية"، فغيرت وزارة التربية والتعليم محتويات أكثر من 1300 منهج دراسي من الصف الأول الابتدائي، وحتى الصف الثالث الثانوي.

بعض المناهج جرى تغييره بدعوى الابتكار والتجديد، والبعض الآخر باسم السياسة الجديدة، وجاء منهج التاريخ المصري الجديد، متطرقا بشكل مباشر لانسحاب "إسرائيل" الكامل من سيناء بعد احتلالها عام 1967 وعن انتهاء حالة الحرب بين البلدين، وإقامة سلام بينهما، ما ظهر بوضوح في كتاب التاريخ الخاص بالصف الثالث الإعدادي عندما وردت عبارة "تشكلت بين الطرفين علاقات ودية في المجال الثقافي والسياسي والاقتصادي".

وجاءت تصريحات السيسي، خلال مقابلته مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس" الأميركية، يوم 7 يناير/ كانون الثاني 2019، صادمة للكثيرين، في ظل التقارير المتكررة عن التنسيق بين القاهرة وتل أبيب على أرض سيناء، واستعانة الجيش المصري بسلاح الطيران الإسرائيلي لشن غارات تستهدف القضاء على عناصر تنظيم "ولاية سيناء".

ورغم طلب السفير المصري في واشنطن ياسر رضا، من القناة عدم إذاعة المقابلة، لكن القناة الأمريكية تمسكت ببثها كاملة، وقامت بنشر تقرير على موقعها الإلكتروني، تحت عنوان "المقابلة التي لا تريدها الحكومة المصرية أن تذاع على التلفزيون"، كون السيسي وجد نفسه في موقف محرج بعد تسجيل المقابلة، وإعلانه التنسيق الكامل مع الإسرائيليين في سيناء، والوصول إلى أقرب نقطة في تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية.

وتمثلت إستراتيجية عمل النظام المصري بقيادة السيسي تجاه إسرائيل في عدد من المحاور، بداية من القيام بإخلاء الحدود الدولية مع دولة الاحتلال، وتهجير السكان في منطقة رفح المصرية والعريش، لينفذ الطلب الإسرائيلى القديم بإنشاء منطقة عازلة، رغم ما يمثله ذلك من خطر جسيم مع عدو متخصص فى اغتصاب واستيطان الأراضى العربية.

ثم الانحياز إلى "إسرائيل" فى عدوانها المتكرر على قطاع غزة، وشارك فى إحكام الحصار عليها، وهدم الأنفاق التى رفض مبارك هدمها، مع إغلاق معبر رفح وهو المعبر العربى الوحيد لأهلها. وعلق إعادة إعمار غزة، على شرط نزع سلاح المقاومة، حين اشترط أن تتسلم السلطة الفلسطينية مسئولية غزة، وهى التى تلتزم بموجب اتفاقيات أوسلو، بنزع السلاح الفلسطينى.

كما أعرب السيسي عن تفهمه للمخاوف الإسرائيلية من الاتفاق النووى الإيرانى،  وفي أغسطس/ آب 2017، لأول مرة في التاريخ العربي تصوت مصر لصالح إسرائيل في عضوية مجلس الأمن.

العقيدة القتالية

ظلت إسرائيل هي العدو الأول للجيوش العربية على مدار عقود طويلة منذ نشأتها، سيل من الحروب خاضتها الدول العربية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية، بداية من الحرب العربية في العام 1948 إبان الإعلان بتأسيس دولة الاحتلال، إلى حروب 1956 و1967 و 1973.

وبعد اتفاقية السلام خرج الجيش المصري من المعادلة، وتباعا خرجت باقي الجيوش العربية، وبعد ردح من الزمن لم تعد إسرائيل هي العدو الرئيسي لجيوش العرب، وأصبح تيار الإسلام السياسي هو العدو للنظام الحاكم كما يحدث في مصر، وأحيانا الشعب برمته كما حدث في سوريا، واختفت نبرة الغضب في صيحات الجنود من إسرائيل إلى تشعبات أخرى.

لا سيما وأن المتغيرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على بلدان الربيع العربي، والشرق الأوسط بشكل عام، ساهمت في ظهور سلوك جديد للأنظمة التي رأت في طليعة التغيير عدو رئيسي لها، ومن الصعب عليها الدخول في نزاعات خارجية أو صدامات من أي نوع، بل جعلها تسعى إلى التنسيق مع الدول الكبرى وحلفائها في المنطقة وتحديدا إسرائيل ولو بشكل غير معلن.

كما حدث في اللقاء السري في مدينة العقبة الأردنية، بتاريخ 21 فبراير/ شباط 2016، عندما اجتمع عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبحسب صحيفة هآرتس العبرية، فإن كيري استعرض خلال الاجتماع، خطة إقليمية للسلام مع الدول العربية والفلسطينيين، على أساس قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، واعتراف الفلسطينيين مع الدول العربية بـ"إسرائيل" كـ"دولة يهودية".

تحولات الأنظمة

العودة إلى حالة الاستنكار العارمة المهيمنة على العرب وقت توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد، وأبرز التصريحات التي صدرت من ملوك ورؤساء العرب في ذلك الوقت، المؤيدة للمقاطعة الكاملة لمصر، اختلفت بعد سنوات، حيث سلك العرب مسارات أقرب، وعقدوا اتفاقيات مع إسرائيل، وصار هناك تطبيع اقتصادي وسياسي غير مسبوق، بل وتعاون على المستوى الأمني والعسكري.

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل صادم، بأنه "لولا السعودية لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة".

وفي أبريل/ نيسان 2018، كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية، عن زيارة وفد رسمي إسرائيلي رفيع للرياض، ضمن سلسلة زيارات مماثلة لوفود سعودية في الفترة الأخيرة.

وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2018، عن زيارة سرية قام بها اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس المخابرات السعودية (قبل إقالته عقب الصحفي السعودي جمال خاشقجي)، إلى إسرائيل، نيابة عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعن دور فعال قام به المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني من أجل التقارب بين السعودية وإسرائيل، لكن الأمر تعرض لضربة قوية عقب مقتل خاشقجي.

وأكدت الصحيفة أن قرارات إقالة القحطاني وعسيري على خلفية ضلوعهما في جريمة قتل خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، قد وجه ضربة للمبادرة السرية التي  تدعمها الولايات المتحدة لإقامة علاقات أوثق بين الرياض وتل أبيب.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أعلن بن سلمان، إطلاق مشروع منطقة استثمارية ضخمة باسم "نيوم" تمتد بين كل من السعودية والأردن ومصر، مخصصا له أكثر من 500 مليار دولار، وأكدت العديد من التقارير أن إتمام المشروع بالطريقة التي عرضها بن سلمان، وتحديدا امتداده بين 3 دول، بينها مصر، التي لا ترتبط بحدود برية مباشرة مع السعودية، يحتاج إلى موافقة إسرائيل.

ولكن الأهم في مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، جاء في اتفاقية الجزر تيران وصنافير، بعد أن تنازل السيسي عنها لصالح السعودية، وبذلك دخلت المملكة على خط كامب ديفيد كأحد أطرافها، بعد أن أصبحت جزيرتا تيران وصنافير في حوزتها.

وهو ما أكده يوم ميتال رئيس معهد حاييم هرتشوغ لدراسات الشرق الأوسط بجامعة بن غوريون في النقب، في مقاله بموقع بلومبيرج، بتاريخ 25 أكتوبر/ 2017، عندما قال "يبدو أن إسرائيل لا تستهين بقضية نفاذها على البحر الأحمر"، وهذا يجعل من مشاركة إسرائيل في المشروع (يقصد مشروع نيوم) حاسمة.