حليف أعدائها باليمن.. ما مصلحة إيران من دعم خليفة حفتر؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شكلت تصريحات المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، عن دعم إيران للجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، مفاجأة كبيرة، إذ تستند طهران على البعد الطائفي بالدرجة الأولى في تدخلاتها بالبلدان، كما الحال بالعراق وسوريا واليمن ولبنان.

لكن في الحالة الليبية، الوضع مختلف بعدم وجود موطئ قدم طائفي لإيران فيها، الأمر الذي يثير تساؤلات عن حقيقة الدعم الذي تقدمه إلى حفتر وما أشكاله، وما المصلحة التي تراها في ذلك، ولا سيما أن الجنرال المتقاعد يدور في فلك خصمين حاليين باليمن، هما: السعودية، والإمارات.

"وجود متقدم"

تصريحات الدبلوماسي الإسرائيلي، نشرتها وكالة الأناضول التركية في 20 مايو/ أيار 2020، إذ نقلت عنه قوله: إن "إيران انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي بحظر إرسال أسلحة لليبيا".

حديث داني دنون لم يكن جديدا، فقد قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في 9 مايو/ أيار: إنه بعث برسالة إلى مجلس الأمن، بمناسبة إطلاق إيران لقمرها الصناعي "نور1".

وقال دانون في رسالته: إن "النظام الإيراني يواصل نقل الأسلحة المتقدمة بصورة غير مشروعة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك وجود نظام إيراني متقدم على الأراضي الليبية".

ورأى أن "هذه الأعمال تشكل انتهاكا لحظر السلاح، وحظر النشاط الباليستي الإيراني كما حدده مجلس الأمن"، وهي كذلك تعد "دليلا إضافيا على طموحات النظام الإيراني في التأثير الإقليمي".

ونقلت الصحيفة العبرية عن دانون قوله: إن "الخطوة هي جزء من جهد أوسع نطاقا، إذ إن مجلس الأمن سيناقش في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 مسألة تمديد حظر الأسلحة على إيران".

واتساقا مع ذلك، كتب الخبير العسكري الكويتي ناصر الدويلة على حسابه في "تويتر" قائلا: إن "الإيرانيين دعموا حفتر بالسلاح والرجال من كلابهم في سوريا، فسبحان من جمع الروس والإيرانيين والسلفيين المداخلة والجنجويد مع حفتر ضد أحرار ليبيا وأبطال تركيا"، وفق تعبيره.

من جهته، رأى المحلل السياسي علي باكير في مقال نشرته صحيفة "عربي21" في 23 مايو/ أيار 2020 أن المؤشرات المتعلقة بدعم إيران لحفتر تتزايد مؤخرا. على المستوى السياسي، لا يمكن أن يكون تحالف (رئيس النظام السوري بشار) الأسد- حفتر قد تم رغما عن إيران أو بمعزل عنها، وهذا يعد بمثابة موقف سياسي إيجابي من حفتر وإن لم تكن طهران حاضرة في الصورة.

وأضاف: "لا يشترط ذلك أن تنخرط طهران بشكل مباشر في العملية، إذ يمكن لمثل هذا الأمر أن يتم عبر نظام الأسد أو حتى عبر شركات خاصة متمركزة في دبي، وهو تقليد اتّبعه النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة لسنوات طويلة حيث تجري عمليات تبييض الأموال والحصول على أسلحة أو تكنولوجيا عبر دبي".

ورأى باكير أن ليبيا من الممكن أن تكون بالنسبة إلى إيران بمثابة أرض خصبة لعمليات للتجارة الإيرانية غير المشروعة وتبييض الأموال ولصادراتها من السلاح أيضا، وما السفن التي تنطلق من ميناء اللاذقية الذي يسيطر عليه الحرس الثوري وتصل إلى ميناء بنغازي الذي تسيطر عليه قوات حفتر إلا دليل على ذلك.

أسلحة ومرتزقة

ما تحدث به الدبلوماسي الإسرائيلي، إضافة إلى تصريحات سابقة صدرت عن حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، تفيد بأن الدعم الذي تلقاه خليفة حفتر من إيران، تمثل بأسلحة متطورة وعناصر من مرتزقة تقاتل إلى جانبه.

وقال داني دنون في رسالته إلى الأمم المتحدة: إن "إيران أرسلت أسلحة متطورة إلى قوات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا". وأكد أن مقاطع الفيديو والصور تظهر استخدام عناصر مليشيا حفتر صواريخ دهلاويه المضادة للدروع والتي تصنعها إيران، ويعد بمثابة نسخة عن الكورنيت الروسي.

تصريحات المسؤول تعيدنا إلى بيان أصدرته حكومة الوفاق الليبية المتعرف بها دوليا في 18 مارس/ آذار 2020، والذي كشفت فيه عن رحلات جوية وصلت إلى بنغازي على متنها خبراء ومقاتلون على صلة بالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.  

حكومة الوفاق قالت: إن الرحلات الجوية وصلت مدينة بنغازي مؤخرا قادمة من سوريا وعلى متنها عدد من المقاتلين والخبراء، لدعم قوات حفتر. وأفادت بأن هؤلاء الخبراء تربطهم صلات بشركة "فاجنر" الروسية وعناصر حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.

لكن أحمد المسماري المتحدث باسم قوات خليفة حفتر، وصف تلك المعلومات خلال مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية نشرت في 20 مارس/ آذار، بأنها "أكاذيب إخوانية" تعودنا على إطلاقها.

وقال المسماري في المقابلة: إن "آخر أكاذيب الإخوان وتضليلهم أن قوات حزب الله وقوات سوريا من جيش النظام، برئاسة بشار الأسد، هي من تحارب بطرابلس وليس الجيش الليبي وأبناءه (قوات حفتر)". وأضاف: "لقد تعودنا على أكاذيبهم وتضليلهم"، وفق تعبيره.

أما الكاتب علي باكير، فقد أكد أنه يجري توثيق المزيد من الأسلحة الإيرانية الصنع لدى المليشيات الموالية لحفتر سواء مضادات الدروع أو الطائرات من دون طيار (مُهاجر-2) أو الذخائر.

ما المصلحة؟

وفي ظل المعلومات التي تكشفت مؤخرا عن دعم إيراني لخليفة حفتر، يدور تساؤل مهم عن المصلحة الإيرانية التي تدفعها إلى مساندة شخصية تعتبر من حلفاء الإمارات والسعودية، الخصمين اللدودين لها في اليمن.

المحلل السياسي علي باكير، قال في مقاله: إن الساحة الليبية تشهد صراعا بين عدد كبير من القوى الإقليمية والدولية، ولإيران مصلحة حيوية في أن يستمر هذا الصراع لأكبر قدر ممكن من الوقت لسببين.

الأول أنه يعد عاملا إشغاليا للقوى المشاركة فيه ومن بينهم أعداء ومنافسون لإيران في الإقليم؛ أما الثاني، فهو أنه يجذب انتباه المجتمع الدولي والمنطقة بعيدا عن التصعيد الإيراني الحاصل مؤخرا في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وأضاف: "لذلك، فان مصلحة إيران لا تكمن في انتصار طرف على آخر، لكن إذا كانت ستدعم طرفا لتُساهم في المعادلة أعلاه فهذا الطرف سيكون حفتر بالتأكيد لأنه يمثل اليوم حالة أسدية في ليبيا، والقذافيون هم جزء من تحالفه والمليشيات التي تقاتل معه حتى الأمس القريب".

وأردف: "تقوية حفتر من شأنها أن تقوي نظام الأسد أيضا، فكلاهما في تحالف معلن تدعمه في المجمل مجموعة من الدول غير المعادية لإيران عمليا على رأسها روسيا ومصر والإمارات".

ولفت باكير إلى أن "استبعاد إمكانية دعم إيران لحفتر استنادا إلى التفسير القائل بأن الإمارات ومصر تدعمانه، يتناقض مع حقيقة أن إيران تدعم الأسد في سوريا في الوقت الذي تدعم فيه الإمارات ومصر الأسد أيضا!".

فضلا عن ذلك، فإن الادعاء القائل بأن أطرافا معادية لإيران هي من تدعم حفتر أمر يتناقض هو الآخر مع حقيقة دعم روسيا والأسد لحفتر وكلاهما حليف لطهران في سوريا، وفق باكير.

وبخصوص من يقول إن طهران أقرب إلى الحكومة الشرعية، رأى باكير أن "إيران ليس لها مصلحة في أن تدعم حكومة الوفاق ضد الأسد وروسيا، فهي في نهاية المطاف تدخلت في سوريا وطلبت تدخل موسكو من أجل حماية بشار وليس من أجل محاربته عبر دعم طرف آخر. كيف يمكن لمؤيدي نظرية أن طهران عرضت دعما على الوفاق أن يبرروا مثل هذا الادعاء؟".

وبحسب باكير، فإن دعم إيران لحفتر من شأنه أن يفتح آفاقا لعلاقاتها مع مصر والإمارات وهو شيء تحاول طهران فعله منذ مدة. هناك تصريحات إيجابية إيرانية-إماراتية متبادلة خلال الأشهر القليلة الماضية وهي تشي بوجود انفراجة وتقاطع مصالح بينهما في أكثر من ملف إقليمي".

هذه الدول الثلاث يجمع بينها رابط آخر وهو محاولة تحجيم تركيا إقليميا على اعتبار أن دور أنقرة الصاعد في المنطقة يأتي على حسابهم، وهو عنصر آخر يُفسر لماذا تدعم إيران حفتر، يقول باكير.

وتساءل الكاتب قائلا: "هل من مصلحة إيران أن تلعب هناك بشكل مكشوف؟ بالطبع لا، وهي بغنى عن ذلك في ظل حضور نظام الأسد. هل يمنعها دعم حفتر من تغيير موقفها لاحقا لاسيما مع تدهور وضع الأخير؟ بالطبع لا، فإن إيران تدور حيثما تدور مصلحتها، مصلحتها الأمس أو اليوم مع حفتر، وربما غدا مع طرف آخر".

جذور قديمة

وعلى اعتبار أن الكثير من رموز نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي هم من حلفاء الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، فإن الدعم الذي تقدمه إيران حاليا للأخير ربما يكون له جذور تاريخية قديمة، حيث وقف القذافي إلى جانب إيران في حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي.

ونقلت تقارير عن محسن رفيق دوست، الذي كان وزيرا للحرس الثوري الإيراني خلال الحرب العراقية مع إيران، قوله: إن "الدعم الليبي لإيران في تلك المرحلة، كان قد تم بتنسيق بين رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد ومعمر القذافي، إذ كان الطرفان إلى جانب النظام الإيراني ضد العراق".

وفي هذه النقطة تحديدا، علق باكير قائلا: "إن علاقات النظام الإيراني مع القذافي قديمة، وبالرغم من أنها كانت تتهمه باختطاف (الإمام الشيعي) موسى الصدر، إلا أن ذلك لم يمنع من أن تتحول ليبيا إلى واحدة من أكثر الأنظمة دعما لنظام الخميني لاسيما على الصعيد العسكري، وهو تناقض آخر يضاف إلى تناقضات السلوك الإيراني".

وتابع: "صحيح أن إيران ليس لها مصلحة في أن تظهر بشكل مباشر في الساحة الليبية وليس لها القدرة أصلا على فعل ذلك الآن لأسباب كثيرة، إلا أن ذلك لا يمنعها من أن تكون حاضرة بالوكالة وهو الأمر الذي تتبعه طهران عادة خاصة في البلدان التي لا توجد فيها أقلية شيعية".