من بوابة العملات.. الصين وأميركا تبدآن معركة ما بعد كورونا

12

طباعة

مشاركة

تأمل العديد من دول العالم تعاونا بين الولايات المتحدة والصين من أجل مكافحة وباء كورونا العالمي، لكن هاتين القوتين في تنافس خطير مع بعضهما البعض ولا يبدو أنهما مستعدتان للتعاون.

وفي وقت كانت فيه الولايات المتحدة واحدة من الجهات الفاعلة والدولة الرائدة في النظام العالمي وكذلك حاميها، يبدو أن الإدارة الأميركية الراهنة لا تجيد كثيرا الحفاظ على كينونة هذا النظام سيما مع سطوع نجم الصين بقوة.

وعلقت صحيفة تركية على هذه التطورات بالتطرق لخطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا والذي أعلن فيها أن الولايات المتحدة ستعلق مساهمتها المالية في "منظمة الصحة العالمية"، قبل أن يعلن أنه سيدفع تماما المساهمة التي تدفعها الصين.

وقد كانت مساهمة الولايات المتحدة السنوية للمنظمة تبلغ حوالي 400 مليون دولار، في حين أن الصين 43 مليون دولار. 

بعد قرار ترامب، أعلنت الإدارة الصينية أنها ستزيد مبلغ التبرع الذي قدمته لـ "منظمة الصحة العالمية" بمقدار 30 مليون دولار أخرى ومن الواضح أن الصين مستعدة لسد كل فجوة خلفتها أو تخلفها الولايات المتحدة. 

النظام العالمي

وتقول صحيفة يني شفق التركية: "تستخدم بكين كل مزايا النظام العالمي لبناء قيادتها العالمية، كما أن ردودها الأولى على الوباء دليل حول نوعية هذا الدور الذي تطمح إليه".

ويوضح الكاتب عبدالله مراد أوغلو: "ربما لم تكن الحكومة الصينية حذرة في المراحل المبكرة من الوباء، مما تسبب في الانتشار العالمي للفيروس ولكن للسيطرة عليه، تحاول بكين تحويل الأمر إلى نجاح عالمي من خلال علاقاتها العامة".

في المقابل تحمل الإدارة الأميركية التي تظهر ضعفا في مكافحة الوباء، مسؤولية تفشي الفيروس للصين، كما تتزايد جرعة الرسوم (التجارية) المتبادلة بين البلدين يوما بعد يوم.

يفضل ترامب ومحيطه الإزالة الفورية لتدابير المسافة الجسدية التي تعوق عمل الإنتاج حيث يخشون من استخدام الأداء الاقتصادي السيئ والآثار الناجمة عن الفيروس في الانتخابات الرئاسية المقبلة. 

وبحسب بيتر نافارو، رئيس مجلس التجارة الوطنية أحد الخصوم الصينيين البارزين في الولايات المتحدة، فإن تدابير المسافة الاجتماعية ستمنع الكثير من الناس من الموت بسبب "الفيروس الصيني"، لكن المزيد من الناس سيموتون كأثر جانبي لهذه الإجراءات.

كما كان نافارو مترددا في القول: إن "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" خيب آمال البلاد في الأزمة. في المقابل رفض وزير الصحة الأميركي تصريح نافارو مؤكدا أن مركز السيطرة على الأمراض لم يخيب الآمال كما يتردد.

وأضاف: "أعتقد أن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها تلعب دورا هاما في الصحة العامة".

من الواضح أنه واستعدادا لانتخابات (نوفمبر/تشرين الثاني) 2020، سيضع ترامب والجمهوريون "العامل الصيني" على جدول الأعمال. 

يقول كبير إستراتيجيي ترامب السابق بالبيت الأبيض ستيف بانون: إن "العامل الصيني" سيكون في قلب الحملة الانتخابية للجمهوريين.

ويوصف بانون بأنه إيديولوجي اليمين الأميركي الراديكالي، وكان متحالفا مع نافارو في البيت الأبيض ضد "العولميين" حول ترامب وهو أيضا واحد من الصقور الرائدين المناهضين للصين.

وقال نافارو مؤخرا في برنامج على شبكة "فوكس بيزنس نتوورك:" إنه ينبغي إجراء مناقشة وطنية حول دور الصين في إنتاج أزمة الوباء بأكملها تقريبا.

في نفس البرنامج، لفت نافارو الانتباه أيضا إلى تورط الإدارة الصينية في انتشار الفيروس عمدا عبر الحدود الصينية. ووفقا له، مُنع الناس في ووهان من السفر إلى بكين وشنغهاي أثناء الوباء، ولم يُسمح لهؤلاء الركاب بالسفر إلا بالطائرات التي تهبط في مطارات نيويورك وميلانو ومدن أخرى.

تطورات ميدانية

وقد يتفق هذا مع تصريح وزير الخارجية مايك بومبيو والذي أكد فيه أنهم سيدرسون قريبا خيارات لجعل الإدارة الصينية مسؤولة عن تفشي المرض.

بحسب بومبيو، فإن الصين لم تتسبب فقط في انتشار الفيروس، ولكن أيضا أبطأت قدرة العالم على الاستجابة للوباء. لذا، في خضم هذا كله من الواضح أن الصين سيكون لها مساحة كبيرة في السياسية الداخلية الأميركية.

في المقابل، قال الكاتب إيرجين ديلار في مقالة نشرتها صحيفة تقويم: إن عدد البلدان التي تصطف لتحميل الصين المسؤولية عن فيروس كورونا بات يتجاوز أكثر من 100 دولة. وأخيرا، انضمت روسيا إلى هذه الجوقة، حيث من الواضح أن الاصطفاف ضد الصين يتصاعد شيئا فشيئا. 

وزير الخارجية الأميركي طالب من إسرائيل بإنهاء التعاملات مع الصين سيما القضايا "الحساسة"، وبعد أيام (17 مايو/أيار 2020) وجدوا السفير الصيني في إسرائيل ميتا في منزله في حادثة مفاجئة للكثيرين، يقول الكاتب.

ويرى أنه من الضروري مراقبة وزير الخارجية الأميركي الذي يقوم بحراك رسمي في وقت يقبع فيه الجميع ببيوتهم ضمن إجراءات مكافحة فيروس كورونا، مضيفا: "ربما كان هذا أول اغتيال لوكالة المخابرات المركزية دون علم الموساد في الخمسين سنة الماضية. ذهب بومبيو وهدد ثم أعدم السفير"، وفق تقديره. 

لا يخفى على أحد قوة إسرائيل وتأثيرها في بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية، لكن في المقابل ليس لأميركا أو الدولة العميقة هناك ذلك التأثير في إسرائيل.

ويقول الكاتب: "رغم رغبة واشنطن الصريحة بإنهاء علاقات إسرائيل مع الصين، أعلنت تل أبيب تقربها من بكين بقبولها عملتها الرقمية".

كما أعلنت الصين أن رابطة أمم جنوب شرق آسيا (بروناي، إندونيسيا، لاوس، كمبوديا، ماليزيا، ميانمار، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، فيتنام واليابان وكوريا الجنوبية) تقبل أيضا العملات المشفرة واتضح أن اليابان وكوريا الجنوبية ستقبلان عملة التشفير الإلكترونية الصينية RMB".

وقد بدأت الصين بالفعل في تنفيذ خطة الدولار الرقمي للولايات المتحدة ما يعني أن رؤية أميركا بالابتعاد عن الصين لا تلق قبولا لدى الكثيرين رغم أن الولايات المتحدة وجهت رسالة قاسية وخطيرة للغاية إلى كل من إسرائيل والعديد من الدول التي تنظر في عملة CRYPTO الصينية.

وعاد الكاتب مرة أخرى متطرقا للحديث عن اغتيال السفير الصيني في إسرائيل والذي كان يتمتع بحماية جيدة. من الواضح أن الطاقم الأمني المفروض عليه لم يكن كافيا".

وتابع: "الجميع كان يتوقع أن يكون هناك أحداث تعقب زيارة بومبيو إلى إسرائيل لكن أن يصل الأمر إلى قتل السفير الصيني فهذا خارج الحسبان، من الواضح أن واشنطن تعمل بشكل واضح وعلى أعين الجميع كما يقال لأن لا شيء يعود لسابق عهده كما كان قبل الفيروس".

موارد العالم

 تريد واشنطن بحسب الكاتب، أن يكون لها موطئ قدم كبير في هذا العالم بل وتريد أن تنشئه بيدها من الصفر، ومن نافلة القول إن من يستطيع مكافحة الفيروس أو القضاء عليه هو من سيؤسس هذا النظام. 

اجتمعت الصين مع 50 دولة بشأن العملات المشفرة ورحبت 24 دولة منها بطرحها الذي يعد في الحقيقة مغريا، كما تتخذ بكين خطوات لاستنفاد الدولار، العملة الاحتياطية، وهي خطوة ليست جديدة، أو سرا، بحسب الكاتب.

وفي مايو/أيار 2020، حققت البنية المالية العالمية قفزة نوعية مع اختبار الصين لعملتها الرقمية "اليوان الرقمي" لأول مرة، بعد عملية بحث وتطوير دامت خمس سنوات على أقل تقدير.

 ويقول الكاتب: "لهذا السبب، استهدفت العديد من الدول، وخاصة الولايات المتحدة، الصين طامعين في الوصول إلى تريونات الدولارات كنوع من التعويض بسبب الفيروس".

ويوضح: "تريد الدولة العميقة في الولايات المتحدة إدارة كل من المال والأسلحة والطاقة الطبيعية في النظام الجديد، وسيتم التفاوض مع الجميع وفق ذلك سواء بالطاقة أو بالمال وإغرائهم بها وصولا لتهديدهم بالسلاح".

وهذا الأمر سار على الصين وألمانيا وحتى إيران، ولكن، يتساءل الكاتب: هل ستستجيب هذه الأطراف، سيكون ذلك واضحا خلال المنظور القريب واغتيال السفير الصيني واحد من  أمارات ذلك.

ويعتقد أنه في النظام الجديد، ستستخدم الولايات المتحدة أيضا نظام الدولار الرقمي ومع ذلك، لكي يستقر هذا النظام، كانت الصين بحاجة إلى تلقي التحذيرات وفهمها .

ولكن على الرغم من جميع الخطوات، بدأت الصين في استخدام عملتها بشكل إلكتروني وحققت عملة التشفير الجديدة هذه التي تم تجربتها في العديد من المدن، نتائج ناجحة وهذا ما سبب ربما في خطوة اغتيال السفير الصيني في إسرائيل حيث شعرت بكين بالراحة حين تعاملت تل أبيب مع عملتها الرقمية.

وقد يستفحل هذا الأمر بعد رد صيني محتمل، وفي المقابل لن تقف واشنطن تراقب المشهد، بل ربما تلجأ هذه المرة إلى تنفيذ اغتيال في منتصف بكين وهلم جرا.

وربما يصل الأمر بحسب الكاتب إلى تنفيذ هجمات يقوم بها تنظيم الدولة وسط أنباء تتردد عن دخول عناصر من التنظيم بالفعل للصين وهي تقبع كخلايا نائمة بانتظار تفعيلها، ورسالة واحدة من واشنطن ستجعل كل هذه الخلايا في حالة نشاط، وفق تقدير الكاتب.

وأردف: "بكين تعلم ذلك جيدا، وهي تحاول عبر استخباراتها الوصول لهذه الخلايا، والأنباء تتحدث عن 100 خلية نائمة متخفية في الصين لذلك هناك خشية من خطط لهجوم إرهابي يمكن أن يضر بها مثل فيروس كورونا".

إذن، يقول الكاتب: "هذا هو الهدف من هذا كله (المال) الولايات المتحدة تريد التخلص من ديونها وتبحث عن كبش فداء يسدد ذلك، والخطوات لتنفيذ هذا بدأت وظل هذه الحرب سينعكس على كل الدول مهما كانت كل دولة بعيدة عن الشرر".

ويرى أنه "ليس من السهل إنزال الدولار عن عرشه، ستفعل الولايات المتحدة كل ما أمكنها من أجل الحيلولة دون ذلك وستبدأ بالصين التي من الواضح أنها لن تتراجع".