دعاه للتطبيع مع إسرائيل.. ماذا لو رفض ولد الغزواني طلب ابن سلمان؟

نواكشوط - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

خلال زيارته الأخيرة للرياض في شباط/ فبراير 2020، طلب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من رئيس موريتانيا الجديد محمد ولد الغزواني التواصل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ووفق ما كشف عنه موقع "أفريكا إنتليجنس" الفرنسي، حاول ابن سلمان إقناع ولد الغزواني بضرورة تفعيل العلاقات بين نواكشوط وتل أبيب.

الرئيس الموريتاني فوجئ بعرض ابن سلمان، حسب الموقع، قائلا: "الأمر يحتاج سياسة عربية موحدة تجاه إسرائيل".

في اللقاء ذاته أشاد ابن سلمان خلال حديثه مع ولد الغزواني، بالرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز، وهو ما يعتبر خطأ بروتوكوليا.

رسالة ابن سلمان لولد الغزواني كانت واضحة بضرورة السير على نهج سلفه ولد عبدالعزيز في ملف العلاقة مع إسرائيل. فماذا لو جاء رد الرئيس الموريتاني الجديد بالرفض؟.

تحت الطاولة

توطدت العلاقات الموريتانية - الإسرائيلية عام 2000 وبدأت بالخروج إلى العلن عندما زار وفد من الكنيست الإسرائيلي موريتانيا، واستقبل الرئيس الموريتاني آنذاك معاوية ولد سيدي أحمد الطايع وفد الكنيست في قصره، وتم تأسيس جمعية للصداقة الموريتانية الإسرائيلية في نهاية الزيارة.

عرفت العلاقة أوجها في عهد ولد الطايع، وأعلنت الخارجية حينها أنها: "لن تتخلى عن هذه العلاقات مهما وصلت الأمور لحد الدمار والخراب".

وفي 2008 جاء قرار تجميد هذه العلاقات في سياق الأزمة السياسية الناتجة عن الانقلاب، وأعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة آنذاك محمد ولد عبدالعزيز تجميد هذه العلاقات خلال مشاركته في قمة غزة المنعقدة بالدوحة في يناير/كانون الثاني 2009.

وفي مارس/ آذار 2009، أمرت السلطات الموريتانية، السفير بوعز بوسميث وطاقم سفارته بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة، وفي 6 مارس/آذار 2009، أزالت الجرافات الحواجز الإسمنتية التي كانت محيطة بمقر السفارة وفككت كاميرات المراقبة وأعيدت وحدات الشرطة وقوات الأمن الداخلي الخاصة التي تحرس المكان إلى ثكناتها.

وفي بحث له بعنوان "العلاقات الموريتانية الإسرائيلية التاريخ والمآل" أوضح باحث التاريخ والفكر الإسلامي، محمد حافظ الغابد، أن موريتانيا وهي تجمد هذه العلاقات لم تعلن عن القطيعة النهائية مع إسرائيل إلا بعد عام تقريبا، أي في مارس/ آذار 2010.

وقتها أعلنت وزيرة الخارجية الموريتانية، الناها بنت حمدي ولد مكناس، أن بلادها قطعت "نهائيا" علاقاتها مع إسرائيل، ردا على اتهامات المعارضة للحكومة بأن العلاقات التي تم تجميدها ما زالت قائمة، وأن نظام الرئيس ولد عبدالعزيز "يضلل الشعب الموريتاني ويتكتم على هذه العلاقة".

منعطف جديد

رفض ولد الغزواني لعرض ابن سلمان يطرح تساؤلا حول طبيعة العلاقة التي يريدها الرئيس الذي تولى زمام الحكم في أغسطس/ آب 2019، مع إسرائيل.

وبحثا على إجابة للسؤال المطروح، هل يقطع الرئيس الجديد مع التطبيع الذي كان يمارسه ولد عبدالعزيز في الخفاء؟ يرجح الباحث في العلاقة الثنائية، محمد حافظ الغابد، أن "ولد الغزواني لن يكون متحمسا لاستعادة العلاقات مع إسرائيل".

بل على العكس من ذلك، يقول الغابد لـ"الاستقلال": "بحكم توجهه الوطني فهو يبغض هذه العلاقات وسيكون سلوكه رهينا بميزان القوى وحكم الضرورات، فإذا تمكن من إيجاد آليات للاستقواء بها وحماية نظامه فلن يتجه للعودة لمسار جربته البلاد ووصلت فيه لطريق مسدود، ولم تجلب هذه العلاقات الفائدة يوما على موريتانيا بل شكلت عبئا ثقيلا عليها".

قبل أن يقول: "فعلا ربما يكون نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطائع فكك بها مؤامرات كانت تحاك ضد الاستقرار في البلاد من خلال دعم إسرائيل وتيارات من اللوبي اليهودي الأميركي والأوروبي كانت تدعم حركة "أفلام" التي تسعى ﻹحداث انفصال الجنوب الموريتاني في دولة جديدة بدعم من دول إفريقية من بينها السنغال والمغرب".

لكنه جزم بأن ولد الغزواني "لن ينخرط في التطبيع وسيكون حذرا، خصوصا وهو يرى تضعضع الموقف السعودي وترنح دول التحالف السعودي الإماراتي وفشلهم في الدور الإقليمي باليمن وليبيا وسوريا ولبنان".

ترتيب التحالفات

اعتبر موقع "أفريكا إنتليجنس" الفرنسي زيارة ولد الغزواني للرياض التي جمعته بابن سلمان، "غير جيدة. السعودية تدفع الدول الموالية لها للتقارب مع إسرائيل ضمن جهودها للحفاظ على ود ترامب".

فهل يكون لموقف ولد الغزواني تأثير على العلاقات الموريتانية السعودية؟، الغابد يرى أن ولد الغزواني بطبيعته غير متسرع في اتخاذ خطوات جريئة، مضيفا: "علاقاته باﻹماراتيين قوية بشكل كبير، لكن يبدو أن علاقته بالسعودية مهزوزة، مع أن تأثير الدعم السعودي على موريتانيا كبير ومتشعب بحكم تأثير مؤسسات التمويل السعودية وهي ذات حضور كبير في موريتانيا".

وهو ما يجعل المحلل يستبعد أن يتجه ولد الغزواني بسرعة لتغيير خريطة تحالفاته، قبل أن يزيد: "لكنه قد يتجه بشكل تدريجي وهادئ لتطوير علاقته بتركيا واستعادة علاقاته مع قطر في سياق أكثر هدوءا وبعيدا عن الهزات الفجائية".

حافظ الغابد يرى "إذا كان ابن سلمان ينوي دعم ولد عبدالعزيز ﻹحداث شرخ وضمان ولاء الغزواني فمن المؤكد أن ذلك سيسرع بانتقال الأخير للمعسكر الآخر أو تجميد دور موريتانيا في معسكر الإمارات والسعودية الآيل للسقوط".

وأضاف: أن هذا التحالف الآن "يواجه صعوبات كبيرة ودعمه المالي موجه للنقاط الساخنة وموريتانيا ليست ذات دور محوري مفيد. كانت ستكون ذات فائدة  لو أن لها حدودا مع ليبيا أو تأثيرا كبيرا لصالح الحلف في ليبيا".

الحلقة الأضعف

رأي الغابد عزز ما جاء في تقرير أصدرته مجلة "لوبوان" الفرنسية في فبراير/ شباط 2020، عندما قالت: "التحفظ الدبلوماسي لم يعد مطلوبا في بلد ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، الذي يحاول إعادة استقرار قائم على السلطوية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

وفي تحليل نشرته "الأناضول" بعنوان "مخططات الإمارات لضم المغرب العربي إلى تيار الثورات المضادة"، أكدت الوكالة أن "موريتانيا تمثل الحلقة الأضعف في المغرب العربي، لعدم امتلاكها ثروات نفطية مثل الجزائر وليبيا، ولا قطاع سياحي مدر للثروة على غرار المغرب وتونس، مما يجعل حاجتها لمساعدات خارجية أشد".

والتقطت الإمارات نقطة الضعف هذه من خلال التوقيع على عدة اتفاقيات مع موريتانيا أبرزها ضخ ملياري دولار في البنوك الموريتانية، وهذا رقم ضخم بالنسبة لدولة لا يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي 5.24 مليار دولار (إحصاءات 2018).

كما تم الاتفاق على إلغاء التأشيرات بين البلدين، وتعزيز التعاون الأمني العسكري، مما يطرح أكثر من تساؤل حول سر اهتمام أبوظبي بنواكشوط، ومدى تأثير ذلك على استقلالية قرار موريتانيا "السيادي".

وتجد موريتانيا - البلد المطل على المحيط الأطلسي والغني بالثروة السمكية وخام الحديد، والتي في طريقها لاستغلالها احتياطاتها من الغاز الطبيعي- نفسها محاصرة بسخاء إماراتي غير معهود.

لكن بالمقابل، تحدثت وسائل إعلام موريتانية عن تنازل نواكشوط عن تسيير مطارها الجديد "أم تونسي" بالعاصمة لصالح شركة إماراتية، ومحادثات بشأن تحديث مطار عسكري موريتاني على الحدود مع الجزائر، رغم نفي نواكشوط إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية شمالي البلاد.

وأظهر التقرير كيف تجلى تأثير النفوذ الإماراتي على القرار الموريتاني من خلال مقاطعة نواكشوط الدوحة تضامنا مع الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، دون أن يكون هناك سبب بارز للخلاف بين الدولتين.

لكن موريتانيا انحازت على استحياء لموقف الدول المغاربية الداعم للحكومة الشرعية في ليبيا، رغم الدور الضاغط لمحور الإمارات ومصر والسعودية، الداعم لحفتر.