معهد دراسات إسرائيلي يستشرف مستقبل الشرق الأوسط بعد كورونا

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

قال معهد دراسات إسرائيلي، إن مدى انتشار فيروس كورونا، لم يخلق حتى الآن أزمة طبية في النظم الصحية للبلدان المجاورة في الشرق الأوسط، لكنه حذر من أن العواقب الاقتصادية للوباء يمكن أن تصل المستوى السياسي.

مصدر الضرر المتراكم في المنطقة هو الإصابة البالغة بخمسة مصادر هي: النفط والغاز الطبيعي، السياحة، رسوم المعابر، الخدمات، وتحويل الأموال من العمال الذين يعملون في دول أخرى، بالأساس من الدول المنتجة للنفط. 

وقال معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب: "تراجعت أسعار النفط في الشهرين الماضيين إلى حوالي 25 دولارا للبرميل، وهو السعر الأدنى (بعد تعديل التضخم) منذ مطلع القرن، وانخفضت أسعار الغاز المرتبطة بسعر النفط تبعا لذلك".

ضحايا الأزمة

وأضاف الباحث في المعهد عودد عيران أن: "الضحايا الرئيسيين هم منتجو النفط التقليديون. ستضطر الشركات المنتجة للغاز الطبيعي في مصر وإسرائيل إلى تسعير الغاز المُباع في الأسواق المحلية والخارجية".

أما قطاع السياحة والخدمات المصاحبة لها دخلت في سكون تام، ومن المتوقع أن يأخذ انتعاشها الوقت الأطول. وتعد مصر والأردن والمغرب وكذلك إسرائيل هم الضحايا الرئيسيون في هذا الصدد، وفق المعهد.

وتابع: "استفادت كل من مصر وسوريا (حتى اندلاع الحرب الأهلية) والأردن ولبنان على مر السنين من عائدات التجارة الدولية التي مرت عبر أراضيها من وإلى الشرق الأقصى وأوروبا".

فيما تسبب تقلص الطلب في الأسواق الكبيرة والمحلية وبالتالي انخفضت الإيرادات نتيجة لتفشي كورونا، ومن أبرز الضحايا مصر بعد أن تقلصت حركة المرور في قناة السويس نتيجة لانخفاض التجارة الدولية والسياحة. 

ويعمل حوالي 6 ملايين مصري في دول الخليج، وحوالي نصف مليون أردني، ونحو 400 ألف فلسطيني. إلى جانب ذلك يعمل مليون مصري في دول أوروبا الغربية.

وبالنظر إلى هذه الأرقام، ستتأثر تحويلات هؤلاء العمال لأسرهم بشكل كبير، وسيكون لها تأثير على البطالة، وانخفاض الطلب المحلي وعبء على نظام مثل الصحة والإسكان، التي نشأت بسبب العودة الفورية للملايين إلى بلدانهم في الشرق الأوسط.

ويقول المعهد: "تواجه الحكومات الإقليمية واقعا اقتصاديا جديدا. فقد خصصت مصر على سبيل المثال، أكثر من 6 مليارات دولار لمعالجة المشاكل العاجلة".

كما جرى رفع المعاشات والبدلات بأكثر من 10 بالمئة، ودفعت الرواتب في القطاعات الأكثر تضررا، وتم تخفيض بعض الضرائب، وتأجيل تحصيل أخرى.

في المجال النقدي، جرى تخفيض سعر الفائدة البنكية، وتدخلت الحكومة في سوق رأس المال، من بين أمور أخرى، عن طريق شراء الأسهم.

في الأردن، تم الوعد بالأجور، خاصة للعمال الذي يعتاشون على أساس يومي، كما جرى ضمان أجور موظفي القطاع العام والعاملين في الأجهزة الأمنية.

من ناحية أخرى، جرى تجميد التوظيف في القطاع العام، وهو أكبر جهة مشغلة في البلاد. ستكون النتيجة خفض الإنفاق في هذا المجال، وزيادة في معدلات البطالة، على الرغم من تعهد الأردن لصندوق النقد الدولي بإجراء إصلاحات مالية للحصول على ائتمان أكبر من الصندوق.

وبدورها، خصصت السعودية حوالي 19 مليار دولار لبرنامج مساعدة القطاع الخاص، الذي يمثل 2.8 ٪ من إجمالي الناتج المحلي.

تتضمن الخطة تعليق مدفوعات الضرائب، والمساعدة في المدفوعات للأغراض الصحية، وإعانات بسعر الكهرباء للشركات في القطاعات التجارية والصناعية والزراعية، ومساعدة البنوك حتى تتمكن من سداد القروض المتأخرة.

مع هذا، كل هذه إجراءات قصيرة المدى، للعام القريب فقط، حيث يتوقع الاقتصاديون في البنك وصندوق النقد الدوليين نموا اقتصاديا سلبيا بنسبة 3.5 إلى 4 في المائة في عام 2020، أو خسارة في الانتاج تبلغ 400 مليار دولار.

توقعات واستثمارات

توقعاتهم لعام 2021 أكثر تفاؤلا، 3.9 بالمئة للنمو في المنطقة و4.7 بالمئة للنمو في البلدان المنتجة للنفط. وهي توقعات تعتمد على عدد من العوامل ليست تحت سيطرة الحكومات والاقتصادات الإقليمية، وعلى الأخص انتعاش الاقتصادات الرائدة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والشرق الأقصى.

وتابع: "لقد استثمروا تريليونات الدولارات في برامج المساعدة الفورية الخاصة بهم (الولايات المتحدة، على سبيل المثال - 2.2 تريليون دولار) وسيجدون صعوبة في تعبئة الموارد اللازمة لاستخراج الشرق الأوسط من الأثر التراكمي للربيع العربي وأزمة كورونا".

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في اقتصادات الشرق الأوسط بسبب اللا يقين الاقتصادي في المنطقة.

وبحسب المعهد، سيؤدي تقليل الموارد المالية المحلية والإقليمية إلى زيادة معدلات البطالة، التي كانت عالية في العديد من البلدان حتى قبل أزمة كورونا.

ونتيجة لذلك، ستجد الدول صعوبة في مواصلة جهود إنقاذ الاقتصاد المحلي، لفترة طويلة، بل سيكون هناك خطر تقويض الاستقرار السياسي لبعض الأنظمة.

ولفت المعهد إلى أن استخدام تشريع الطوارئ، الذي يمنح النظام سلطات استثنائية، بما في ذلك تعبئة الجيش لتنفيذ التدابير، وخاصة تلك المتعلقة بمنع حركة المرور والتجمع العام، من المرجح أن تثير نقاشا عاما، حتى وإن كانت حذرة، لأهميتها على المدى الطويل للوضع الدستوري والعملية الديمقراطية.

في الوقت الحالي، القوى السياسية (الدينية أو الليبرالية المحافظة)، التي كانت تنتقد الأنظمة، توافق على الإجراءات المتخذة لضمان سلام الجمهور واحتياجاته الأساسية في مواجهة وباء كورونا. لكن إغلاق المساجد ومنع الصلوات العامة، وخاصة في شهر رمضان، قبلت على مضض من قبل المؤسسات الدينية في جميع أنحاء المنطقة.

ويوضح معهد الدراسات: "كلما امتدت عملية الانتعاش الاقتصادي في الشرق الأوسط لفترة أطول، من المرجح أن يتزايد الانتقاد العام للحكومة المركزية ومجالها الاقتصادي وضد القيود المدنية المختلفة".

قد يحدث هذا عند عودة الحياة إلى مجاريها، مصحوبة بالظروف غير المستقرة التي كانت سائدة قبل الأزمة، بما في ذلك انخفاض أسعار النفط، إلى جانب عودة الوباء، حيث أن خيبة الأمل تكمن في بذور قد تؤجج الكارثة.

تراكم آثار العقد الماضي في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى توقع اضطرابات اقتصادية في المنطقة في السنوات القادمة، يعني أيضا وجود خطر بعدم الاستقرار السياسي في البلدان المجاورة.

على سبيل المثال، قد يتم اختبار الاستقرار النسبي على مدى الخمسة عشر عاما الماضية في العلاقات الإسرائيلية اللبنانية مع الانهيار الاقتصادي لهذا البلد بسبب الإفلاس، والنمو السلبي المتوقع بنسبة 12 ٪ في عام 2020 وتأخر تحقيق الوعد بعائدات الغاز الطبيعي لفترة طويلة.

على صعيد آخر، فإن قدرة الاقتصاد الفلسطيني على الانتقال من النمو السلبي إلى الإيجابي بنسبة 6.5 ٪ في عام 2020 تعتمد إلى حد كبير على سلوك إسرائيل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ومع حماس في قطاع غزة.

مصر والأردن

بخصوص الأردن، ستضطر تل أبيب إلى فحص سلسلة من القضايا السياسية والاقتصادية الرئيسية.

يقول المعهد: إن "أي تحرك من قبل إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية سيزيد من الانفصال السياسي بين قيادة البلدين ويضر النسيج الدقيق لعلاقاتهما، لأن النظام الأردني سيكون مرتاحا في تحويل بعض الانتقادات الداخلية ضده إلى إسرائيل".

وسيجبر انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي إسرائيل، وليس فقط شركات الغاز، على دراسة القضية بعمق وتداعياتها السياسية والمالية.

ويوضح المعهد: "ينبغي أن يكون موت (والحكم ليس سابق لأوانه) مشروع قناة البحر الميت بمثابة فرصة لإجراء مناقشة ثلاثية بين الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل حول مشروع البحر الأبيض المتوسط من طبريا، والذي يجسد حلا طويل الأمد لمشاكل المياه في دولتين متجاورتين شرق إسرائيل".

علاوة على ذلك، أعادت أزمة كورونا في إسرائيل الجدل حول مكان الزراعة في البلاد والحاجة إلى دراسة هذه القضية ليس فقط في سياق اقتصادي، ولكن أيضا من حيث الاعتماد على المصادر الذاتية.

في هذا السياق، يجدر أيضا التفكير في فكرة أن إضافة كبيرة للمياه ستجعل الأردن "مخزن حبوب" في هذه المنطقة الفرعية من الشرق الأوسط.

ويوضح المركز: "تتطلب العلاقات المصرية الإسرائيلية أيضا إعادة التفكير. يعد التعاون في مجال الغاز الطبيعي - على المستوى الثنائي وداخل منتدى الشرق الأوسط - أحد ركائز هذه العلاقة".

وتشارك اليونان وقبرص وإيطاليا أيضا في هذا المنتدى، بسبب فكرة مد خط أنابيب غاز من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى جنوب أوروبا.

وتحقيق هذه الفكرة، التي كانت جدواها موضع شك حتى قبل اندلاع أزمة كورونا، سيتم تأجيلها إلى أجل غير مسمى. من ناحية أخرى، فإن الأهمية الإستراتيجية لإسرائيل لمنتدى المبادرة المصرية تتطلب التفكير في طريقة للحفاظ عليه، وفق المعهد.

وبين المعهد: "الحقيقة أنه في إسرائيل ومصر والأردن، وكذلك في دول أخرى في المنطقة، يلعب الجيش دورا رئيسيا في قدرة الحكومات على خلق الاستقرار الأولي كشرط للخروج المنظم من الأزمة".

ولفت إلى أن "إسرائيل مهتمة بتقوية الحوار العسكري المدني حول هذه القضية مع دول الجوار، من أجل استخلاص الدروس المشتركة وربما إنشاء أطر للتعاون المستقبلي".

علاقات تل أبيب مع مصر والأردن مبنية على البعد العسكري، لكن الآن يضاف بعد مدني إلى مهام الجيوش في هذه الدول، وكذلك في إسرائيل، وفق المعهد.

ويوضح: "قد تكون إسرائيل قادرة أيضا على توسيع تعاونها في القضايا المدنية، بالاعتماد على العلاقات القائمة مع الجيوش. يمكن أن يوفر حوار الناتو مع دول شرق أوسطية وشمال إفريقيا إطارا مناسبا للاجتماعات حول هذه القضية".

ويختم المعهد: "النظر لمستقبل المنطقة قاتم في الغالب وتهدد بتعريض إسرائيل لمخاطر قديمة جديدة، ولكنها قد تتضمن أيضا فرصة لدراسة المبادرات التي ستؤدي إلى تحول إيجابي في علاقتها مع جيرانها".