نحو 100 مليار دولار.. هل يحرر "كورونا" أموال إيران المجمدة بالخارج؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتوالى تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن قرب الإفراج عن أموال طهران المجمدة بالخارج، حتى تتمكن من مواجهة فيروس كورونا الذي تفشى بالبلاد وأودى بحياة أكثر من 2800 شخص، بينهم مسؤولون كبار بالدولة ونواب بالبرلمان وقادة في الحرس الثوري.

آخر ما تحدثت به إيران عن الأموال المجمدة، كان على لسان عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان حشمت الله فلاحت بيشة في تصريح لوكالة "إيسنا" الإيرانية، الجمعة 27 مارس/آذار 2020، أنه "من المقرر الإفراج عن أموال إيرانية مجمدة في الخارج بسبب العقوبات المفروضة على طهران".

وقبل ذلك بيومين، كشف محافظ البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، عن تحوّل سيطال الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج بسبب العقوبات الأميركية على طهران، بالقول: "لدي أنباء بأنه سيتم الإفراج عن جزء من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج بفعل العقوبات الأميركية".

الموضوع ذاته تحدث به الرئيس الإيراني حسن روحاني في 25 مارس/ آذار 2020، قائلا: "هناك مساع في مجلس الأمن لرفع العقوبات في ظل تفشي فيروس كورونا، كما أننا نبذل الجهود لكي نحرر أموالنا المجمدة".

وبعد كثرة التصريحات الإيرانية حول الموضوع، تدور تساؤلات حول أسباب إصرار الجانب الإيراني على تحرير الأموال المجمدة  في وقت ترفض فيه المساعدة الأميركية لمواجهة كورونا، وهل تستجيب الولايات المتحدة للضغوط وتفرج عن تلك الأموال؟.

تجربة سابقة

في ظل التحركات الإيرانية والتصريحات الرسمية عن قرب الإفراج عن الأموال المجمدة، لم يفصح المسؤولون في طهران عن موقف الولايات المتحدة بشأن تحرير هذه الأموال، والتي جرى تجميدها بضغط من واشنطن.

لكن التصريحات الصادرة من واشنطن، لا تشير إلى وجود توافق بين إيران والولايات المتحدة يدفع باتجاه رفع التجميد في هذه الظروف الصعبة التي تواجهها إيران نتيجة تفشي كورونا، بل إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، رفضا في وقت سابق رفع العقوبات لتمكين طهران من مكافحة الوباء القاتل.

ولجأت الإدارة الأميركية إلى تشديد العقوبات لتؤكد بذلك أن رفعها ليس واردا في حساباتها، وأنها بصدد تضييق الخناق على طهران أكثر فأكثر، متهمة النظام الإيراني باستخدام موارده لتمويل "الإرهاب في الخارج".

ونقل موقع "ميدل إيست آي" في 27 مارس/ آذار 2020، عن مسؤول في الخارجية الأميركية (لم تذكر اسمه) قوله: "النظام الإيراني لديه بالفعل الأموال المتاحة له للإنفاق على التجارة الإنسانية التي ستفيد الشعب الإيراني. وبدلا من ذلك، يختار إنفاق هذه الأموال على الإرهاب والجماعات بالوكالة. إن الشعب الإيراني يستحق أفضل".

أما الكاتبة منى الجبوري، فرأت في مقال نشره موقع "بحزاني" أن النظام الإيراني يسعى إلى تسييس الأزمة عندما طرد فريقا من منظمة أطباء بلا حدود الذي کان بصدد بناء مستشفى ميداني أرسلته فرنسا بسعة 48 سريرا في مستشفى أمين بأصفهان، مع 9 أطباء ومختصين في المنظمة لمكافحة كورونا. کما رفض المساعدات الأميركية من أجل مواجهة الوباء.

وقالت الجبوري: "المرشد الأعلى للنظام لم يأل جهدا عندما أعلن بأن نظامه يواجه حربا بيولوجية من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولا ريب من أن السياسة العامة للنظام الإيراني تعمل كلها بسياق العمل من أجل استخدام وتوظيف وباء كورونا وتسييسه من أجل إجبار الغرب على رفع العقوبات عن كاهله".

وأشارت إلى أن الغرب جرّب إيران بموضوع رفع التجميد عن أمواله، لكن الأحداث أثبتت أنه لم يستخدمها لصالح الإيرانيين، بالقول: "رفع العقوبات لا يمكن أن تكون أبدا في صالح الشعب الإيراني تماما كما كان الحال مع الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة بعد الاتفاق النووي الذي أبرم أواسط عام 2015، حيث أثبتت الأحداث والتطورات بأنه كان في خدمة النظام نفسه".

"خلف الكواليس"

وفي المقابل، ذكر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في تقريره أن الولايات المتحدة الأميركية وافقت بالفعل لبعض الدول على الإفراج عن أموال إيرانية لمساعدة الأخيرة في مواجهة تفشي كورونا.

ونقلت عن مصدر كبير في طهران، قوله: إن الولايات المتحدة وافقت في الأيام الأخيرة على منح إعفاءات تسمح لبعض الدول بالإفراج عن الأصول الإيرانية دون مواجهة إجراءات عقابية.

وقال المصدر (لم يذكر اسمه): "جهود بعض الدول أدت إلى الإفراج عن بعض أموال البنك المركزي الإيراني. ستحصل تلك الدول (لم يسمها) على إعفاء من العقوبات (لإطلاق سراح أصول إيران المجمدة)، وقد تم منح هذا، ونحن نتابع هذه القضية".

وأضاف المصدر: "تجميد أموال البنك المركزي الإيراني سيقلل الضغط بشأن نقص النقد الأجنبي لاستيراد الأدوية وضرورات الحياة. لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بين طهران وواشنطن".

ولم يؤكد الدبلوماسيون الأوروبيون بطهران للموقع البريطاني، منح استثناءات من العقوبات، لكن أحدهم قال: إنه "إذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن يتم وراء الكواليس".

وردا على سؤال حول الدول التي ربما حصلت على إعفاءات، توقع أنه من المحتمل أن تكون دولا في آسيا. وقال دبلوماسي آخر للموقع البريطاني: "هناك الكثير من الضغوط في الوقت الحالي لمساعدة إيران في هذا الوضع الصعب".

لكن موقع قناة "العالم" الإيرانية نقل عن مصدر مطلع في الخارجية الإيرانية (لم تذكر اسمه) حول تضارب الأنباء بخصوص الإفراج عن الأموال من عدمه، قائلا: "لم يتم الإعلان عن أي نتائج رسمية بهذا الشأن لغاية الآن".

ترفض الاستجداء

وفي السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي، صابر عنبري، في تصريحات صحفية: "لا يوجد بند من العقوبات الأميركية يمنع استيراد إيران للمعدات والأجهزة الطبية والأدوية، لكن العقوبات تحقق ذلك بطريقة غير مباشرة، حيث أدت العقوبات إلى تدهور الوضع الاقتصادي العام في البلاد، وذلك منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018".

وأضاف عنبري في تصريحات صحفية: "إيران لم تكن مستعدة ماليا ولا صحيا لمواجهة فيروس كورونا المستجد والخطير"، منوها إلى أن "تأثير العقوبات على القطاع الصحي كانت كبيرة، حيث لم تستطع إيران الاستفادة من أموالها المجمدة بالخارج لجلب الأجهزة والمعدات الطبية اللازمة لمكافحة الفيروس".

 وتابع: "كما ليس بمقدورها تنفيذ فرض حظر على المدن، للحد من انتشار المرض، لأن ذلك يلزمه تأمين حاجات الناس الضرورية والسلع الأساسية، وهو ما يفوق قدرات الدولة المالية".

ولفت المحلل الإيراني إلى أن "الموقف الأميركي يستغل هذه الظروف لإجبار إيران على التراجع في مواقفها السياسية، وعندما عرضت واشنطن إرسال مساعدات طبية وصحية لمواجهة كورونا، اشترطت أن تكتب إيران ذلك، في إشارة إلى استجداء إيران للمساعدة، وهو ما ترفضه طهران رفضا قطعيا".

ورأى أن الولايات المتحدة لو كانت جادة في موقفها لكان بإمكانها أن تهمش الخلافات والصراع السياسي جانبا، وأن تمرر مثل هذه المساعدات عبر الصليب الأحمر الدولي أو منظمة الصحة العالمية أو على الأقل توقف العقوبات على إيران بشكل مؤقت.

وحسب عنبري فإن "هذه المساعدة نوع من المناورة الأميركية، وفي الحقيقة هي لم تقم بأي خطوة لتخفيف العقوبات ومساعدة إيران، أما أوروبا فهي منشغلة بتداعيات كورونا، وليس بإمكانها أن تفعل شيئا في هذه الظروف التي تمر بها".

حجم الأموال

تضاربت الأرقام حول حجم الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج، ولا توجد إحصائية واضحة حتى في الأرقام الرسمية التي صدرت عن المسؤولين الإيرانيين أو الأميركيين، ولا سيما في مرحلة ما قبل وبعد الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.

وقال المحلل السياسي الإيراني عماد آبشناس في تصريحات صحفية: "الولايات المتحدة لم تسمح للمنظمات الدولية بتقديم مساعدات طبية لإيران، كما لم تسمح باستفادة إيران من أموالها المجمدة في المصارف الدولية، لشراء المعدات والأجهزة الطبية اللازمة لمكافحة "كورونا".

وأضاف آبشناس: "أميركا لا تسمح للمصارف بأن تفتح أرصدة لشراء الأجهزة الطبية والأغذية لصالح إيران، ولا تسمح أيضا للمنظمات الدولية بفعل ذلك"، مشيرا إلى أن "أموال إيران المجمدة في المصارف الدولية تبلغ أكثر من 180 مليار دولار".

وفي فبراير/ شباط 2014، قدّر الرئيس التنفيذي لـ"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية"، مارك دوبويتز، في إفادات أمام الكونغرس حجم الأموال الإيرانية المجمّدة في الخارج بنحو 100 مليار دولار، مشيرا إلى أنها مجمّدة في مصارف أجنبية، وبعضها مجمّد جزئيا أو كليا، وتراكمت في حسابات أجنبية على مدى سنوات.

ونوه إلى أن الـ100 مليار، منها 20 مليارا لم يكن عليها قيود ويمكن للحكومة الإيرانية أن تتصرف فيها بحرية، في حين يقع 80 مليارا تحت طائلة الحظر الجزئي أو الكلي.

وسرت أنباء قبل التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، أن إيران ستحصل على أكثر من 100 مليار دولار بمجرد التوقيع، لكن وزير الخزانة السابق، جاك ليو، قال وقتها أمام الكونجرس: إن الحجم الفعلي للأموال الإيرانية يصل إلى 115 مليار دولار، لكنها ستحصل على 56 مليارا فقط.

وبعد الاتفاق النووي الإيراني، وتحديدا في يوليو/ تموز 2015، نقلت تقارير صحفية عن مصادر إيرانية بأن قيمة الأموال المجمّدة تراوحت ما بين 100 مليار دولار و120 مليارا، قبل أن ينفي البنك المركزي الإيراني صحة تلك التقديرات.

وقال البنك حينذاك: إن الأموال التي سيُفرج عنها مباشرة وفي غضون 5 إلى 6 أشهر بعد الاتفاق النووي، تبلغ 29 مليار دولار، منها 23 مليارا محجوزة في الإمارات واليابان وكوريا، و6 مليارات من عائدات النفط مجمّدة في الهند.

لكن وكالة "فارس" الإيرانية، قالت في حينها: إن مجموع أرقام الأموال المجمّدة تصل إلى 86 مليار دولار، كأموال النفط وأرصدة البنك المركزي والذهب الإيراني وغيرها من الأموال، في حين أن رقم 100 مليار دولار يعود إلى الأشهر الأولى من العقوبات الدولية عام 2006.