يهدد اتفاقيات التجارة.. ما ذرائع المغرب لإغلاق محلات "بيم" التركية؟

12

طباعة

مشاركة

أثار وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي في المغرب حفيظ العلمي، الجدل، بتهديده بإغلاق المحلات التجارية التركية الشهيرة "بيم" في المملكة، متخذا في ذلك ذرائع اقتصادية "واهية"، نسفها آخرون وأكدوا أن الأسباب "سياسية بحتة" تستهدف أنقرة بشكل صريح. 

ويوم 10 فبراير/ شباط الجاري تحدث العلمي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بالغرفة الأولى للبرلمان (مجلس النواب)، عن التفكير في فرض شروط على المحلات التجارية التركية الشهيرة "بيم" في المملكة.

الوزير من حزب "التجمع الوطني للأحرار" (ليبرالي) صرح بأنه استدعى رئيس شركة "بيم" قبل 3 سنوات لإبلاغه أنه لا بد من تغيير بعض الأمور فيما يتعلق بهذه المحلات، خاصة وأن فتح محل منها يجعل 60 محل بقالة يغلق بالمقابل.

العلمي قال: إنه أخبر مدير "بيم" بالمغرب بأن شركته لا تقدم أي منتوجات مغربية، واشترط عليه أن تكون 50 في المائة من المنتجات التي يبيعونها في هذه المحلات مغربية، وذلك "أضعف الإيمان"، وفق قوله.

المتحدث أمام نواب الأمة ذهب إلى حد القول: إنه "في حال عدم الاستجابة لهذه الشروط، سنغلق هذه المحلات وسيتم توقيفها بأي وسيلة كانت"، موضحا أن هذا ما أبلغ به المدير التركي. 

تصريحات العلمي طرحت عدة تساؤلات عن سبب تركيزه على تركيا في حين يتكبد المغرب خسائر تقدر بملايير الدولارات في اتفاقيات للتبادل الحر مع دول أخرى.

وتساءل البعض عما إذا كان ما يحرك الوزير هي المصلحة الاقتصادية فعلا أم حسابات سياسية يصفيها العلمي - المنتمي للتيار المختلف مع الإسلاميين - مع حزب العدالة والتنمية المغربي "المتهم" بتطوير العلاقات مع أنقرة منذ رئاسته للحكومة في 2011.

الرد التركي

لم يتأخر المدير المالي لشركة "بيم" التركية، هالوك دورتلو أوغلو، في الخروج إلى الإعلام للرد على حفيظ العلمي، وقال لوكالة "رويترز": إن الشركة تشتري معظم البضائع من المغرب بعد أن طلبت الرباط رفع نسبة السلع المحلية إلى النصف أو مواجهة الإغلاق.

وأضاف: "نحن نرسل فقط حوالي 15 ٪ من منتجاتنا التي تباع في المغرب من تركيا، والباقي - أي 85 ٪ - يتم شراؤها من المنتجين المحليين".

وبين أن الشركة "تشغل حوالي 3 آلاف شخص في المغرب، معظمهم من المغاربة"، وأنها تتوفر على 500 متجر في البلاد، وهو ما يمثل 5 ٪ من إجمالي إيراداتها.

وعاد ليؤكد أن الشركة زادت عمليات الشراء من المنتجين المحليين في المغرب بمرور الوقت، "وسنواصل القيام بذلك".

دفاع أم استهداف؟

تصريح العلمي ليس الأول عن أنقرة، بل إنه شدد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، على "وجوب إعادة النظر في الاتفاقيات التجارية بين المغرب وتركيا". رغم أن تقريرا صادرا عن وزارة المالية، في الشهر الذي سبقه، كشف عن ارتفاع حجم التبادل التجاري مع تركيا 30.6 بالمئة خلال 12 عاما.

وارتفعت الاستثمارات التركية بالمغرب إلى 269 مليون درهم (28 مليون دولار) في 2018، مقابل 139 مليون درهم (14 مليون دولار) في 2017، و603 ملايين درهم (62 مليون دولار) في 2016. 

وتعمل بالمغرب 160 شركة تركية في عديد من المجالات، في مقدمتها البناء والتشييد، والتجارة بالجملة والتقسيط والنسيج، وفق التقرير. في حين بلغت المبادلات التجارية 27 مليار درهم سنة 2018 مقابل 6.6 مليارات درهم فقط سنة 2016.

هذه الأرقام جعلت وزير الاقتصاد والمالية السابق محمد بوسعيد، إلى إصدار قرار مشترك مع حفيظ العلمي، بداية العام الماضي، بإلغاء الإعفاء الضريبي على المنسوجات التركية، بدعوى "حماية شركات النسيج والألبسة بالمغرب بعد تزايد الشكاوى".

وتحدث وسائل إعلام محلية أن هذا الأمر "يحمل بصمات ضغط لوبيات صناعية بالمغرب وخاصة شركات النسيج"، فيما اعتبره البعض صراعا سياسيا واضحا. 

تصعيد الوزير

حديث حفيظ العلمي في البرلمان لم يشمل محلات "بيم" فقط بل اتفاقية التجارة الحرة ككل (موقعة في 2004)، وقال: إن "بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الضرر الذي أحدثه اتفاق التبادل الحر المبرم بين الرباط وأنقرة على الاقتصاد الوطني المغربي".

واعتبر أن "الاتفاقية غير متكافئة وتكبد الاقتصاد الوطني خسائر مالية فادحة تبلغ ملياري دولار في السنة". وأضاف: "ليس للمغرب أي إشكال مع أي بلد آخر، لكن عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد المغربي فيجب أن ندافع عنه".

وتحدث العلمي عن مواجهة عجز في الميزان التجاري، بسبب الاتفاقية، كما أن قطاع النسيج في المغرب أصبح متأزما، بعد إغراق السوق المحلية بالسلع التركية، بحسب قوله.

وأكد الوزير المغربي أمام البرلمانيين أن بلاده ستلغي أي اتفاقية تجارية من شأنها أن تلحق خسائر بالاقتصاد الوطني. وهذه التصريحات جاءت بعد لقاء العلمي مرتين بوزيرة التجارة التركية، روهصار بكجان، الأولى في تركيا والثانية في المغرب.

وأكد الوزير خلالهما على ضرورة مراجعة الاتفاقية ما جعل بكجان تطلب بعض الوقت لإرسال مقترح جديد وهو ما جرى في الأسبوع الأول من فبراير/ شباط الجاري، على حد قول العلمي في البرلمان، الذي أضاف أن المغرب سيكون متأنيا هذه المرة وسيدرس الاتفاقية بشكل متأن. 

خلال مشاركتها في منتدى الاستثمار وبيئة الأعمال المغربي التركي، في العاصمة الرباط، في يناير/ كانون الثاني المنصرم، قالت الوزيرة: إنه "إلى جانب العلاقات التاريخية والثقافية القائمة بين البلدين، نرغب في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية أيضا؛ ونسعى لإقامة علاقات تجارية متوازنة مع المغرب، بحيث يكون كلا الطرفين رابحين".

وأشارت إلى أن تقدم التجارة العالمية ظل دون المستوى المأمول، بسبب التدابير الوقائية المتخذة من قِبل الدول والخلافات السياسية والغموض الجيوسياسي.

حسابات سياسية

الخلافات السياسية التي تحدثت عنها روهصار بكجان قد لا تكون دائما بين الدول، بل بين فرقاء سياسيين من نفس البلد بتوجهات متصادمة. 

يشير معارضو "العدالة والتنمية" المغربي باستمرار إلى أن فترة حكمهم، أي منذ 2011 كانت بداية الانفتاح في العلاقات مع تركيا، وأن ذلك راجع للمرجعية الموحدة بين الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي في المملكة والذي يحكم الجمهورية.

وهو سبب كاف يدفع الأحزاب المعارضة أو المختلفة مع المصباح المغربي (حزب العدالة والتنمية) - والأحرار أحدها - تقطع الطريق على هذا التعاون المغربي - التركي. 

حزب "العدالة والتنمية" المغربي اتهم الوزير على لسان فريقه البرلماني بـ"ممارسة الانتقائية في موضوع اتفاقيات التبادل الحر".

وقال رئيس فريق المصباح بالغرفة الأولى، مصطفى إبراهيمي: "إن هناك تعاملا انتقائيا في موضوع اتفاقيات التبادل الحر، لذلك كان من الضروري أن نتدخل لنطالب بتعامل متوازن مع الجميع لمصلحة المغرب والتجار المغاربة".

وشكك الفريق البرلماني في الرقم الصادر عن وزير الصناعة والتجارة بخصوص إغلاق 60 تاجرا محلاتهم بمجرد دخول "بيم" إلى حي مغربي. واعتبر الإبراهيمي أن "هذا الرقم لا يبدو صحيحا"، وتساءل: "لماذا لم يتحدث الوزير عن متاجر كارفور (فرنسية) وغيرها من المتاجر؟".

وتساءل رئيس الفريق "لماذا لم يتم ذكر الصين باعتبارها إلى جانب تركيا لا تقوم بأي استثمارات في المغرب، رغم أن اتفاقية التبادل الحر معها تكلف المغرب 44 مليار درهم من العجز".

وردا على الاتهامات الموجهة لهم بـ"محاباة إسلاميي تركيا"، قال الإبراهيمي: "لا يربطنا أي شيء بتركيا، وإذا كان البعض يغيظه أن يكون لحزبنا والحزب الحاكم فيها الاسم نفسه فهذا شأنه"، مردفا: "الذي يهمنا نحن هو مصلحة الوطن والاقتصاد الوطني والتجار المغاربة".

الجزائر طرف

لم يُخف العلمي وجود العجز في كبريات الاتفاقيات التي تجمع المغرب مع أمريكا وأوروبا وتركيا، لكنه أشار إلى أن الخسائر أعمق مع أنقرة، بسبب عدم وجود استثمارات أو مقابل أو دعم.

"يبلغ حجم استثمارات الأتراك في المغرب أقل من 1 في المائة، ولا يقدمون للمملكة أي دعم مالي، في وقت تصل الاستثمارات التركية في الجزائر مثلا إلى 5.4 مليارات دولار".

وهذه المقارنة التي أجراها العلمي بين المغرب والجزائر في التجارة مع تركيا، وهو يتحدث عن الاتفاقية، أوحى إلى أن ما يحرك الوزير سياسي لا اقتصادي.

الأمر أكده الكاتب والباحث في العلوم السياسية، بلال التليدي، عندما قال: "ما قاله السيد حفيظ العلمي عن الاستثمار مهم، والمقارنة التي قدمها بشأن واقع الاستثمار التركي في المغرب والجزائر مهم أيضا، ولعلها تبين جزءا من خلفيات الموضوع".

وتابع: أن "التوتر مع تركيا لم يتعمق ويشتد إلا بعد زيارة الرئيس أردوغان للجزائر، وبعدما أُقصي المغرب من الحضور لمؤتمر برلين حول المسألة الليبية". 

وزاد التليدي في مقال له مشددا "إذا كنا نريد الاستثمارات التركية، فعلينا أن نعامل الأتراك كما نعامل غيرهم من المستثمرين الأجانب، خاصة الفرنسيين، وإذا كان لنا تقدير أن نخاصم تركيا أو نقلص من التعامل التجاري معها، فلنفعل ذلك بوضوح كامل، بعيدا عن توظيف دكاكين البقالة".

وأشار المحلل إلى أن العلمي يحابي الفرنسيين على حساب الأتراك، قائلا: "لم نسمع منه أي رقم عن عدد دكاكين البقالة التي أُقفلت قبل دخول شركة بيم، التي لحد الآن لم تغط التراب الوطني، كما هو واقع عدد من متاجر الشركات الفرنسية". 

التبعية لفرنسا

التليدي ذهب إلى التذكير بالطريقة التي جرى بها التعامل مع وفد من المستثمرين الأتراك، عندما قاطع الاتحاد العام لمقاولات المغرب - أكبر تجمع لأصحاب الشركات (الباطرونا) - لقاء مشتركا بين رجال الأعمال المغاربة ونظرائهم الأتراك.

وكان المبرر وقتها (في 2013) هو عدم إشراك الاتحاد العام لمقاولات المغرب في الترتيبات المنظمة لهذا اللقاء، ما أظهر عدم رضا الباطرونا عن العلاقات الاقتصادية مع البلد انتصارا لمصالحها مع فرنسا. 

و1أوردت الصحافة المغربية أنذاك تصريحا لرئيس لجنة تنسيق الأعمال بالاتحاد العام للمقاولات، حكيم المراكشي، رأى فيه أنه "لا فائدة من اللقاءات رأسا لرأس مع رجال الأعمال الأتراك"، مشيرا إلى أن المقاولين المغاربة يشتكون انحياز اتفاقية التبادل الحر مع تركيا لصالح الأتراك بالدرجة الأولى".

فيما أشارت بعض المصادر إلى وجود علاقة قوية بين مساعي الاتحاد لعرقلة التقارب المغربي - التركي وبين تبعية الاتحاد لفرنسا وحرصه الدائم على العلاقات مع باريس.

التليدي قال بهذا الخصوص: "إذا كنا نخاف من الاستثمار التركي في المغرب ونسد الأبواب بطرق لئيمة أحيانا، معللين ذلك بالنفوذ التركي، فلا ينبغي أن نأتي بعد ذلك لنلوم الأتراك على حجم استثماراتهم الضئيلة، فالمغرب هو الذي لا يريد لهذه الاستثمارات أن تكبر".

قبل "المصباح"

وقّع المغرب في عام 2004، اتفاقية التبادل الحر مع تركيا في غمرة موجة التوقيع على اتفاقيات من هذا القبيل مع عدد من شركائه الاقتصاديين والتجاريين، وفي مقدمتهم الاتحاد الأوربي، وكان لزاما أن تنتظر هذه الاتفاقية سنتين كاملتين قبل أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2006.

نصت الاتفاقية على الدخول الفوري للمنتجات الصناعية المغربية إلى السوق التركية، في حين أن الرسوم الجمركية والضرائب على استيراد السلع التركية ستلغى تدريجيا على مدى عشر سنوات. وقد بلغ إجمالي حجم التجارة بين الطرفين أكثر من 2,12 مليار درهم سنة 2011 بزيادة حوالي 5,31 % مقارنة مع سنة 2010.

ويعزى هذا الانتعاش إلى النمو القوي لواردات المغرب من تركيا التي بلغت 4,9 مليار درهم سنة 2011، في حين تراجعت الصادرات المغربية نحو تركيا بنسبة 2,3 %لتبلغ 8,2 مليار درهم.

أما في إطار اتفاقية التبادل الحر، فقد بلغ حجم المبادلات التجارية بين الشريكين 3,7 مليار درهم سنة 2011، أي ما يمثل 9,59 %من إجمالي المبادلات مع تركيا منها 2,5 مليار درهم من الواردات أي 6,55 %من الحجم الإجمالي المستورد منها، و1,2 مليار درهم من الصادرات أي 5,74 % من مبيعات المغرب الإجمالية.

في عام 2013 شدد مشروع قانون المالية المغربي على ضرورة تحسين المغرب القدرة التنافسية للمقاولات الوطنية في بعض القطاعات الحيوية، مثل النسيج والملابس، من خلال الاستفادة بشكل جيد عند الاستيراد من تراكم قواعد المنشأ.

وعلى مستوى الاستثمار، ورغم دخول اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتركيا حيز التنفيذ، يضيف التقرير: ما زالت الاستثمارات التركية المباشرة الموجهة نحو المغرب محدودة، حيث لم تتجاوز 102 مليون درهم سنة 2011.

وأشار التقرير إلى أن الفرص التي تتيحها اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا متعددة، فبالإضافة إلى إمكانية زيادة حجم المبادلات التجارية وتعزيز تدفقات الاستثمارات المباشرة التركية نحو المغرب، يمنح هذا الاتفاق إمكانية تيسير دخول المنتجات المغربية إلى أسواق الاتحاد الأوروبي من خلال النظام الأورو-متوسطي، كما يشكل حلقة هامة في مسلسل الاندماج في منطقة البحر الأبيض المتوسط، التي تمثل درعا ضد التهديدات التي يشكلها ارتفاع المنافسة الآسيوية.