رجال أعمال في برلمان المغرب.. لحماية ثرواتهم أم خدمة المواطنين؟

الرباط ــ الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يجد الرئيس المؤقت للاتحاد العام لمقاولات المغرب - أكبر تجمع لأصحاب الشركات (الباطرونا) - محمد البشيري، أي حرج في التصريح بأن 80 في المائة من مقترحات الاتحاد في مشروع موازنة 2020 اعتُمدت، خاصة المتعلقة بتخفيض الضريبة على الشركات.

الباطرونا اعتبرت أن المشروع هو مجرد قانون مرحلي في انتظار بلورة نموذج تنموي جديد مؤطر في إطار القانون المتعلق بالجبايات (الضرائب).

الفريق البرلماني الممثل للاتحاد ذهب إلى حد التصريح بأن رجال الأعمال كانت لديهم انتظارات كبرى ووعود قوية خلال العام الفائت 2019، إلا أن النتائج كانت أقل من تطلعات الفاعلين الاقتصاديين.

من جهته، اعتبر رئيس لجنة الضرائب ونظام الصرف داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، محمد احديد، أن حصيلة مشاركة الاتحاد العام لمقاولات المغرب في الإعداد لمشروع الموزانة المالية خلال 2020، كانت إيجابية على العموم.

ولفت أن إعادة الهيكلة الجبائية للمقاولات التي تنتمي للمجموعة نفسها، كانت موضوع طلبين تم إقرارهما أيضا، علاوة على الإعفاء من الضريبة العامة على الدخل بالنسبة للأشخاص الطبيعيين، الذين يساهمون في مجموع الرأسمال الذي بحوزتهم في شركة واحدة أو عدة شركات.

تصريحات احديد أثارت مزيدا من اللغط خصوصا في دورة برلمانية جرى خلالها المصادقة على المادة 9 التي تنص على منع تنفيذ أحكام أصدرتها المحكمة الإدارية ضد أملاك الدولة، زيادة على رفض استثناء معاشات المتقاعدين من زيادة الضريبة على الدخل، ما جعل نقابيين وحقوقيين يشددون على أن "نواب الأمة" الذين انتخبهم الشعب لا ينتصرون له، إنما لمصالح جهات أخرى ضد الشعب.

المعترك السياسي

دخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى البرلمان لأول مرة في تاريخه عام 2015، عبر 8 أعضاء في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، وهو ما اعتبره الاتحاد حينذاك "عددا غير كاف لإسماع صوتهم وإشراكهم في صناعة القوانين التي ترهن مستقبل الاقتصاد الوطني". 

سطر الاتحاد منذ دخوله إلى البرلمان هدفا رئيسيا، يتمثل في إعادة الاعتبار للمقاولات الصغرى في كافة القطاعات، وهو ما لم يتحقق بحسب دكتور العلوم السياسية محمد شقير، الذي اعتبر في مقال له أنه "رغم انغماس مكونات الباطرونا في المعترك السياسي، سواء من خلال القناة البرلمانية أو القناة الحكومية، إلا أنها بقيت متقوقعة في الدفاع عن مصالحها الذاتية، دون امتلاك مشروع مجتمعي أو سياسي بديل".

وأضاف شقير أن "فشل الاتحاد العام لمقاولات المغرب في الدفاع جوهريا عن مصالح الاقتصاد الوطني ليس ثانويا، فالاتحاد غائب وصوته غير مسموع في النقاشات التي تصب في الجوهر، من قبيل مكافحة اقتصاد الريع والضغط من أجل تأسيس نظام ديمقراطي، مما جعل من هذا التنظيم مجرد ناد لكبار أرباب العمل والشركات الكبرى الذين لا يدافعون إلا عن مصالحهم والتركيز على انتزاع أكبر الامتيازات الضريبية من الدولة".

ورأى شقير أن "قطاع المقاولات يتضرر في بلد لا يطبق فيه القانون على الجميع بنفس الشكل"، موضحا أن "هذا واقع لا يقف الاتحاد ضده بالقدر اللازم".

ومع دخول الاتحاد إلى البرلمان تشبثت أصوات من داخله بضرورة الإبقاء على الاتحـاد كمنظمة غير سياسية مبررا ذلك بأن ولوج هذه الهيئة إلى البرلمان سيفقدها الحياد السياسي الذي كانت تتمتع به طيلة العقود السابقة.

هذه الأصوات اقترحت البقاء كجماعة ضغط تمارس "اللوبيينغ" في غرفتي البرلمان، خاصة في مرحلة إعداد مشروع القانون المالي، إلى جانب الحفاظ على شبكة علاقاتها مع الوزارات ذات الصلة بقطاع المقاولات، حتى يظل باب التواصل معها مفتوحا.

بداية الخلاف

في عام 2015 كانت بداية الخلاف بين الاتحاد والإسلاميين حينما قطع حزب "العدالة والتنمية" الذي كان يقود الحكومة برئاسة عبدالإله بن كيران، الطريق على الاتحاد داخل البرلمان، إذ نصب وزراء للاقتصاد والصناعة من داخله، ما يعني انقطاع الوساطة التي كان الاتحاد يعول عليها لطرح مقترحات القوانين.

بعدها امتد تحرك الاتحاد السياسي إلى حد مواجهة سياسة الحكومة، وتحديدا بين رئيسها آنذاك ابن كيران والرئيسة السابقة للباطرونا مريم بنصالح، ورغم التأكيد على علاقات التعاون والتفاهم انتقدت رئيسة الاتحاد الحكومة ودعتها إلى "إعداد رؤية شمولية والتخلي عن الحلول الترقيعية لتضع سياسة اقتصادية واضحة متناسقة وإرادية"، مطالبة رئيس الحكومة بـ "القضاء على التشوهات الموجودة في النظام الضريبي".

وبخصوص تأكيدات ابن كيران المتكررة على محاربة الفساد، بما فيه الموجود في الصفقات العمومية بين المقاولات الكبرى، ردت بنصالح بالقول: "لا أحد يمتلك احتكار محاربة الفساد وحده، ومحاربة هذه الظاهرة تتطلب مشروعا مجتمعيا كبيرا ومندمجا وتنفيذه يبدأ بإصلاح وتخليق الإدارة ومعاقبة كافة الراشين".

تركة فرنسا

وصل الصراع إلى مقاطعة ممثلي الباطرونا للقاء مشترك بين رجال الأعمال المغاربة ونظرائهم الأتراك، بمبرر عدم إشراك الاتحاد العام لمقاولات المغرب في الترتيبات المنظمة لهذا اللقاء، ما أظهر عدم رضا الباطرونا عن العلاقات الاقتصادية مع البلد انتصارا لمصالحها مع فرنسا. 

وقالت الصحافة المغربية خلال اللقاء الذي جرى في 2013: إن مريم بنصالح تحرج ابن كيران أمام ضيفه الكبير(في إشارة لرئيس الحكومة التركية آنذاك رجب طيب أردوغان)، وأوردت  تصريحا لرئيس لجنة تنسيق الأعمال بالاتحاد العام للمقاولات، حكيم المراكشي، الذي رأى أنه "لا فائدة من اللقاءات رأسا لرأس مع رجال الأعمال الأتراك"، مشيرا إلى أن المقاولين المغاربة يشتكون انحياز اتفاقية التبادل الحر مع تركيا لصالح الأتراك بالدرجة الأولى".

بعض المصادر تلمح إلى وجود علاقة قوية بين مساعي الاتحاد لعرقلة التقارب المغربي - التركي وبين تبعية الاتحاد لفرنسا وحرصه الدائم على العلاقات مع باريس.

أسس الفرنسيون الاتحاد خلال الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1947 وأصبح الاتحاد مغربيا منذ سنة 1969، لكنه ضم رجال الأعمال المغاربة الذين كونوا ثروات في ظل الحماية وظلوا يدافعون عن مصالحهم التي أصبحت مهددة من طرف السياسة المنتهجة من طرف السلطات.

وقرر الاتحاد الذي كان يعرف بـ"الكونفدرالية" منذ تأسيسه أن يبقى بعيدا عن المعترك السياسي، وفضل الدفاع عن مصالحه من خلال أساليب تشبه إلى حد ما الأساليب المنتهجة من طرف اللوبيات. 

المال والسياسة

بدأت الباطرونا تتحرك في المجال السياسي بشكل أكثر قوة، خاصة عندما انتخب على رأسها وزير الاقتصاد والمالية الأسبق صلاح الدين مزوار، وبذلك اختار الاتحاد خوض غمار السياسة بجانب الدفاع عن مصالح المقاولات.

الخبير الاقتصادي فؤاد عبدالمومني، يرى أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب لا يعبر عن رأس مال قائم بذاته، خاصة منذ الضربات التي وُجهت لقادته بعد الاستقلال عندما كان رئيسه حسن الشامي، حيث أخذ الأخير بعض المواقف التي اعتبرت محرجة للمحيط الملكي، ومنذ ذلك الوقت أصبح الاتحاد ملحقا بالقصر.

عبدالمومني اعتبر في حديث لـ "الاستقلال" أن "الدمج بين المال والسياسة لم يأت مع دخول أعضائه إلى البرلمان وإنما هو موجود بعلاقته مع أعلى هرم السلطة وأكبر مالك للثروة والمتحكم الأول فيها في نفس الوقت وهو القصر".

لا يجد الخبير الاقتصادي "أي جدوى من تحديد دور وتأثير الاتحاد، فنجاحه يقاس بالتعبير عن بورجوازية صاعدة قادرة على الدفاع الحقيقي عن مصالحها في نظام منفتح تنافسي غير مكلف مؤهل لخلق الثروة.

والاتحاد غير معني بكل هذا، في تقدير المتحدث، "لأنه معني بشكل مطلق لمن يكدسون الثروات عبر الريع والوساطات والتبعية للقصر، فوجودهم في البرلمان من عدمه لا يحدث فرقا".

الاتحاد لا يختلف عن باقي الأصوات الموجودة في البرلمان سواء داخل الحكومة أو المعارضة، كلها تغمض أعينها عن السياسة، يردف عبدالمومني، "وتدافع عن المصالح الشخصية أكثر من دفاعهم عن سياسات في صالح الطبقات الكادحة".

أما عن خطر تضارب المصالح، فطرح إشكالية جدية في علاقة الاتحاد بالبرلمان، في حالة الوزير الحالي للصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي حفيظ العلمي، الذي كان رئيسا للاتحاد في وقت سابق، وعندما أصبح وزيرا اضطر بموجب القانون أن يتخلى عن تدبير مؤسساته الخاصة والتصريح بالممتلكات، وذلك بشكل صوري بحسب الخبير الاقتصادي.

ولفت عبدالمومني إلى أن "تضارب المصالح يضرب بأطنابه بقوة بين الوزراء في الحكومات المتعاقبة بالمغرب"، ورأى المتحدث أن "العلاج لا يتم إلا بدءا من أعلى هرم السلطة".