اللوبي الفرانكفوني.. كيف يسعى إلى توتير العلاقات المغربية التركية؟

12

طباعة

مشاركة

"مثمر جدا" بهاتين الكلمتين وصف وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، اللقاء بنظيره المغربي ناصر بوريطة، الذي جرى في المغرب قبل أيام ضمن زيارة رئيس الدبلوماسية التركية للرباط لحضور احتفالية مرور 50 سنة على إنشاء منظمة التعاون الإسلامي.

وقال بوريطة بعد اللقاء: إن المباحثات انصبت على كيفية تطوير الشراكة بين البلدين، وكيفية تجاوز العقبات بين البلدين خصوصا تلك المتعلقة بالتجارة، التي قال إنها "تخلق بعض المشاكل على مستوى الشراكة بين البلدين". 

من جهته، أعرب تشاووش أوغلو عن أمله في أن "تتوازن" المبادلات التجارية بين البلدين، مشيرا إلى أن وفدا تركيا سيزور المغرب قريبا من أجل التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن. فما هي هذه المشاكل التي تحدث عنها بوريطة؟ وكيف يمكن أن يتجاوزها البلدان؟.

ادعاءات مبطنة

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شدد وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد (عن حزب التجمع الوطني للأحرار)، حفيظ العلمي، في مجلس المستشارين بالبرلمان المغربي، على "وجوب إعادة النظر في الاتفاقيات التجارية بين المغرب وتركيا". وقال: إن "الحكومة عازمة على المضي أبعد ما يكون من إعادة النظر، وذلك بإيقاف العمل باتفاقيات التبادل الحر التي تضر بالمغرب".

تصريحات الوزير في البرلمان سبقها تقرير لوزارة المالية، صدر في أكتوبر/ تشرين الأول، كشف عن ارتفاع حجم التبادل التجاري مع تركيا 30.6 بالمئة خلال 12 عاما.

وأوضح المصدر ذاته أن حجم التبادل التجاري مع تركيا ارتفع إلى 27 مليار درهم (2.8 مليار دولار) خلال 2018، مقابل 6.6 مليار درهم (688 مليون دولار) في 2006.

وأضافت الوزارة أن المبادلات التجارية بين البلدين شهدت زيادة منتظمة منذ دخول اتفاقية التبادل الحر مع تركيا حيز التنفيذ. وفي عام 2004، وقّع المغرب مع تركيا اتفاقية التبادل الحر بين البلدين، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2006.

وارتفعت الاستثمارات التركية بالمغرب إلى 269 مليون درهم (28 مليون دولار) في 2018، مقابل 139 مليون درهم (14مليون دولار) في 2017، و603 ملايين درهم (62 مليون دولار) في 2016. وتعمل بالمغرب 160 شركة تركية في عديد من المجالات، في مقدمتها البناء والتشييد، والتجارة بالجملة والتقسيط والنسيج، وفق التقرير.

في حين بلغت المبادلات التجارية 27 مليار درهم سنة 2018 مقابل 6.6 مليارات درهم فقط سنة 2016.

هذه الأرقام جعلت وزير الاقتصاد والمالية السابق (عن حزب التجمع الوطني للأحرار) محمد بوسعيد، إلى إصدار قرار مشترك مع حفيظ العالمي، بداية العام الماضي، بإلغاء الإعفاء الضريبي على المنسوجات التركية، بدعوى "حماية شركات النسيج والألبسة بالمغرب بعد تزايد الشكاوى".  

محل ألبسة تركية في المغرب

استهداف تركيا

ارتفع العجز التجاري للمغرب مع تركيا من 4.4 مليارات درهم سنة 2006 إلى 16 مليار درهم سنة 2018، لكن الأمر لا يتعلق بتركيا فقط، بل يرتبط المغرب باتفاقيات تبادل حر مع عدد من الدول العربية، إضافة إلى تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يسجل مع معظمها عجزا تجاريا يربطه المحللون بكونه لم يكن مستعدا لتوقيع هذه الاتفاقيات ولم يتفاوض بشأنها بشكل جيد.

عامل آخر يقف وراء العجز التجاري مع هذه الدول، هو ضعف العرض التصديري للمغرب وضعف قدراته في التفاوض، زيادة على المنافسة الأجنبية الشرسة التي استفادت من انفتاح السوق المغربية.

لكن تركيا كانت المتضرر الأكبر بين هذه الدول من تفعيل المغرب لإجراءات ضد إغراق السوق الوطنية بمنتجات من الدول التي تربطه بها اتفاقيات تبادل حر، وذلك بعد طلبات من المقاولات المغربية.

بالمقابل وصل حجم العجز التجاري مع الولايات المتحدة إلى 25.3 مليارات درهم سنة 2018 مقابل 7.2 مليار درهم سنة 2006، والأمر نفسه بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يسجل معه المغرب عجزا تجاريا مستمرا.

وزير التجارة والاقتصاد ناقش ضمن مشروع قانون المالية 2020 اتفاقيات التبادل التجاري التي وقعها المغرب مع 56 دولة وقال إنها ستشهد تعديلات، وهو الشيء الذي يبين ضعفا لدى المغرب في الدراسة القبلية لهذه الاتفاقيات، معتقدا أن الهدف منها هو جلب استثمارات أجنبية.

وبيّنت ذلك أرقام المندوبية السامية للتخطيط، التي أشارت إلى أن 6.8 في المائة من المقاولات المغربية تصدر موسميا، أما المنتظمة فلا تتجاوز نسبتها 3.5 في المائة.

وتحدثت تقارير صحفية عن استهداف حفيظ العلمي لتركيا عبر التلويح أمام البرلمان بـ"إلغاء اتفاقيات التبادل الحر المضرة بالاقتصاد المغربي"، وهو ما أثبته الوزير عند حلوله بإسطنبول في نوفمبر/ تشرين الثاني، عندما طرح على وزيرة التجارة التركية، روهصار بيكجان، المقترح قبل أن يتحول إلى قرار حكومي. 

وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد المغربي حفيظ العلمي

حسابات سياسية

قول العلمي: "إنقاذ المقاولات المغربية من الإفلاس" رأت فيها مصادر إعلامية "بصمات ضغط لوبيات صناعية بالمغرب وخاصة شركات النسيج"، فيما اعتبره البعض صراعا سياسيا داخليا واضحا. 

يتولى حفيظ العلمي منصب وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد منذ 2013، وهو رجل أعمال قبل أن يكون سياسيا. اتفاقيات التبادل الحر التي يرغب العلمي اليوم في إلغائها ويعتبرها "مضرة للمغرب" عقدها وزراء سابقون من حزبه (التجمع الوطني للأحرار)، الذي يعرف بـ"حزب رجال الأعمال". ظلت حقيبة الاقتصاد والمالية حكرا على هذا الحزب لفترات حكومية متعاقبة، ويمزج كل قيادييه بين المال والسلطة.

ترأس حفيظ العلمي، الاتحاد العام لمقاولات المغرب منذ 2006 إلى 2009، وهو اتحاد لرجال الأعمال، الذي دخل في 2015 للمرة الأولى إلى البرلمان عبر بوابة مجلس المستشارين (الغرفة الثانية)، بثمانية أعضاء. الوضع الذي اعتبره متخصصون تحريفا لوظيفة البرلمانيين - الدفاع عن مصالح الشعب - في حين يدافعون من داخل القبة على مصالحهم الخاصة.

دخول الاتحاد إلى البرلمان سبقه صراع مع الإسلاميين بسبب "مشروع موازنة 2013"، القانون الذي رأى الاتحاد -الذي أسسه الفرنسيون خلال الحماية الفرنسية في 1947- أنه "أحدث ضرائب جديدة تؤثر سلبا على عوامل الإنتاج، وأنه لا يبعث على تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني".

اللوبي الفرانكفوني

وفي الوقت الذي تلمح فيه بعض المصادر إلى دفاع العلمي عن مصالح الاتحاد - الذي لا يخفي تبعيته لفرنسا ويحرص على العلاقات معها - وبين إرجاء التقارب المغربي - التركي إلى تقارب حزبي العدالة والتنمية في البلدين، جزم الباحث والأكاديمي المتخصص في العلاقات بين البلدين، الدكتور إدريس بووانو، بأن "أحدا لا يستطيع أن يملي اختياراته على المغرب الذي يملك قراره السيادي تجاه عدد من القضايا والملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس".

وأشار عضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية، في حديث لـ "الاستقلال"، إلى أنه ومنذ توليه العرش بلور الملك مجموعة من الرؤى الجديدة، من بينها تنويع الشركاء الاقتصاديين بما يسمح بتطوير الاقتصاد المحلي والتبادل التجاري الحر المفيد للصناعة المحلية، وهو الخيار الذي ساهم في جلب الاستثمار الأجنبي وتموقعه داخل المملكة.

وأفاد بووانو بأن "خيار تنويع الشركاء الاقتصاديين هو خيار إستراتيجي لا رجعة فيه، ولا أحد يستطيع أن يدفع في تجاه حصار منتج شريك اقتصادي آخر". مضيفا أن تركيا هي أحد الشركاء الاقتصاديين الأساسيين للمملكة بالنظر إلى حجم الشركات التي يتعدى عددها 80، وكذا انخراط عدد من هذه الشركات في المشاريع الكبرى المهمة التي تعرفها المملكة سواء على المستوى الصناعي أو البنيات التحتية أو على المستوى الفلاحي.

واعتبر عضو مركز الرباط للدراسات والبحوث، بأن المشاركة الفعالة والمنتجة لهذه الشركات التركية في هذه المشاريع الكبرى، لا تحتاج إلى توضيح.

حلول مقترحة

ورأى دكتور العلاقات الخارجية أنه "لا بد من الدعوة إلى تقييم دوري للاتفاقية الموقعة بين الطرفين للوقوف عند مكامن الخلل وتجاوزها في الوقت المناسب عبر الحلول المناسبة والناجعة، التي تصب في مصلحة للبلدين".

وأفاد بووانو بأن "زيارة وزير الخارجية التركي للمشاركة في الذكرى الخمسين لتأسيس منظمة التعاون الإسلامي كانت فرصة مناسبة جدا كي يعبر المسؤول التركي للمسؤولين المغاربة على متانة العلاقات بين البلدين، وعلى أهمية تطويرها بما يسمح بتحقيق المصالح والمنافع لكلا الطرفين.

واستطرد الباحث قائلا لـ"الاستقلال": "أما المواقف الرسمية للدولة التركية تجاه وحدتنا الترابية فهي ثابتة وقضايانا الداخلية فتعبر عنها القيادة التركية وهي ثابتة وراسخة رسوخ العلاقات التاريخية بين الدولتين".

ووجد المتخصص في الشأن التركي أنه لا بد من الدعوة لعقد المنتدى الاقتصادي التركي - المغربي، على مستوى قيادة البلدين لصياغة رؤى وتصورات تشمل التعاون فيما هو سياسي وماهو أمني وما هو اقتصادي، فكما أن هناك تطابقا في وجهات النظر والمواقف بين قيادة البلدين تجاه عدد من القضايا والملفات الإقليمية والدولية.

واعتبر المتحدث أنه "من الضروري أن يوازي ذلك سعيا مشتركا لتوازن المصالح والمنافع على المستوى الاقتصادي والتجاري، وهذا لن يتأتى إلا بالجلوس على طاولة الحوار المباشر والصريح بين مسؤولي البلدين بما يسمح من بلورة شراكة إستراتيجية ترسم ملامح التعاون المشترك والبناء بين البلدين"، بحسب بووانو.

علاقات طيبة

تلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أشهر دعوة من العاهل المغربي لزيارة المغرب. ولم يفوت تشاووش أوغلو فرصة وجوده بالرباط دون أن يؤكد على دعم تركيا للمغرب في قضية الصحراء، مشيرا إلى أن "ما نشرته قناة تي آر تي) التركية، عن الانفصالية أميناتو حيدر لا يمثل الموقف الرسمي للدولة التركية، وقد تم تصويبه".

العلاقات المغربية - التركية وصفها الدكتور بووانو بـ"الضاربة في التاريخ من أيام الإمبراطورية العثمانية"، إذ تجمع البلدين أوجه تشابه كثيرة سواء من الناحية التاريخية أو الحضارية أو الثقافية أو الاقتصادية.

وقال المتحدث: إن للبلدين تطابقا في وجهات النظر تجاه كثير من القضايا الإقليمية والدولية، ولم تشهد العلاقة بين البلدين أي مطبات أو اختلالات سواء في المرحلة القديمة أو المرحلة الحديثة ويشهد على ذلك حجم المبادلات التجارية بين البلدين، وحجم الوفود السياحية من الطرفين، وأيضا تشاور قيادة البلدين في عدد من القضايا وملفات خاصة بمنطقة الشرق الأوسط.

أما على مستوى علاقة البلدين التجارية فمنذ توقيع اتفاقية 2004، شهدت العلاقات التجارية قفزة نوعية كبيرة، إذ ارتفع حجم المبادلات التجارية إلى أعلى مستوى، خصوصا في سنة 2016.

محاولات فاشلة

أفاد المتخصص في الشؤون التركية، بأنه يمكن الإشارة إلى أن الاتفاقية كانت لصالح الدولة التركية، إذ عرف الميزان التجاري بين البلدين عجزا كبيرا، قبل أن يردف "لكن هناك جوانب أخرى تظهر مصلحة البلدين معا".

وفسرها بووانو: "بوجود ديناميات عرفها الاقتصادي العالمي للتعافي من تأثير الانكماش الاقتصادي، مما تسبب في أزمة واضحة لعدد من الاقتصاديات الدولية وفرض على عدد من الدول إعادة النظر في رؤيتها الاقتصادية بما يسمح لها بالتأقلم مع الوضع وضمان منافسة بضاعتها داخل الأسواق العالمية، ذلك زيادة على تأثير بعض الأزمات الداخلية والإقليمية والدولية".

وزاد المتحدث لـ"الاستقلال"، قائلا: "تأثرت تركيا كدولة صناعية واعدة هي الأخرى بما ذكرت، كما تأثرت بالوضع الداخلي الذي عرفته جراء المحاولة الانقلابية مما فرض عليها التأقلم مع الوضع من خلال سن عدة إجراءات تحفيزية للصناع والتجار الأتراك الذين ازداد حرصهم على الولوج لأسواق جديدة سواء بإفريقيا أو آسيا أو دول العالم العربي".

اليوم نستطيع أن نجزم، على حد تعبير المتخصص في العلاقات الخارجية، بأن "البضاعة التركية أو المنتج التركي أصبح يتمتع بتنافسية عالية جودة وسعرا لمنتجات دول كبرى أوروبية وغربية، وهذا ما أدى إلى التموقع الجيد له داخل الأسواق العالمية ومنها السوق المغربي".

وعن سعي لوبيات اقتصادية داخل المملكة بالضغط على صانع القرار المغربي لاتخاذ إجراءات للحد من تدفق المنتجات التركية للتخفيف من العجز في الميزان التجاري، "فهذا أمر قد يكون فيه قدر من عدم الوضوح"، يقول بووانو قبل أن يزيد: لأنه إذا تحدثنا عن العجز في الميزان التجاري فهو حاصل مع عدد من الدول لصالح بضاعتها ولا يتعلق الأمر فقط بتركيا.

وختم المتحدث بالقول: "لذلك إذا ما رغبنا في معالجة الأمر فينبغي أن تكون المعالجة والمقاربة شاملة لكل الاتفاقيات التجارية التي أبرمها المغرب مع عدد من الدول".