حجر صحي بسبب "كورونا" في الصين.. ما هي بدائل التجار العرب؟

أحمد علي حسن | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أصاب العالم ذعر وهلع شديدان مع نهاية الشهر الأول من العام الجاري، بسبب فيروس "كورونا المستجد" الذي تفشى في مدينة ووهان الصينية، لكن قلقا من نوع آخر أصاب ملايين الشركات والتجار حول العالم.

السوق التجارية العربية كان لها النصيب الأكبر من القلق، لا سيما وأنها تعتمد بصورة كبيرة جدا على المنتجات الصينية في تحقيق رغباتها الشرائية، فهي حجر الأساس التي تقوم عليه منذ عقود.

وكما اتخذت الصين إجراءاتها لمكافحة الفيروس، فإن القطاع التجاري العربي سار على نفس النهج في اتخاذ احتياطات اقتصادية تحميه من تجنب خسارة قد تضرب السوق العربية.

وحتى يوم الاثنين 3 فبراير/شباط الجاري، سجلت الصين وفاة 425 حالة، وإصابة 20 ألفا و438 شخصا نتيجة تفشي الفيروس، بحسب ما أعلنت اللجنة الوطنية الصينية للصحة.

كما أدّى تفشي المرض إلى إصابة 165 شخصا في 25 دولة، منها 5 حالات مؤكدة تم تسجيلها في دولة الإمارات، وفق ما أعلنت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.

تلك الأرقام، إضافة إلى إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الدولية، دفعت عددا من الدول إلى اتخاذ إجراءات احترازية تضمنت حظرا للسفر إلى الصين.

الحظر -دون شك- جاء على التجار الذين وجدوا أبواب الصين ومطاراتها موصدة أمام مصالحهم، وهو ما يفسر القلق الذي دفعهم إلى البحث عن سوق جديدة.

اعتماد أصيل

تفشي الفيروس جاء تزامنا مع نمو كبير حققه الصين منذ سنوات على صعيد اقتصادها، كما أنها أقامت علاقات ضخمة مع العالم، ومن بينها دول عربية شرق أوسطية.

ومنذ عام 2003 أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصادات العالم مقارنة مع المركز السادس الذي حققته قبل العام نفسه، حيث قدّر صندوق النقد الدولي أن بكين وحدها شكلت 39 ٪ من التوسع الاقتصادي العالمي في 2019.

وعند الحديث عن السوق العربية وارتباطها بالصين بشكل أخص، نجد أن حجم التجارة بينها وجامعة الدول العربية بلغ 244.3 مليار دولار خلال العامين الماضيين، ارتفاعا من 36.7 مليار دولار في 2004.

وتعززت العلاقات الاقتصادية بينهما بشكل مطرد، حيث سعت بكين لاستيراد كميات متزايدة من موارد الطاقة من الدول الغنية بالنفط والغاز في المنطقة العربية. 

ودفع الجانبين باتجاه تنويع العلاقات من خلال التعاون المالي والمصرفي، والطاقة المتجددة، والتعاون التكنولوجي العالي، والقطاعات التي يزداد الطلب عليها في البلدان العربية والتي تلعب فيها الصين دورا رئيسيا فيها.

وخلال 2019، شهدت الصين زيارات من رؤساء السعودية وقطر ومصر والإمارات، وجرى خلالها التوقيع على سلسلة من العقود الضخمة ومذكرات التفاهم.

كل تلك الزيارات تشير إلى علاقات ثنائية في طور الإعداد، والتي تصب في مجملها في طريق الصين لكي تصبح لاعبا اقتصاديا وسياسيا رئيسيا في منطقة الشرق الأوسط.

سيطرة صينية

الباحث في الشؤون الاقتصادية، أحمد أبو قمر، يرى أن البضائع الصينية استطاعت السيطرة على معظم دول العالم خلال سنوات قليلة، وبما في ذلك الدول العربية التي تعتبر من الشركاء الرئيسيين.

ويقول أبو قمر، في حديث مع "الاستقلال": إن الأرقام التي يدونها الاقتصاد الصيني من حجم تبادل تجاري كبير واستثمار بمبالغ خيالية في المنطقة يعزز موضوع اعتماد السوق العربية على بكين.

قراءة هذه السيطرة تأتي انطلاقا من وقائع اقتصادية حقيقية، بدءا من ما يعرف بـ "فخ الأموال الصينية" الذي طال العديد من الدول العربية، وهو ما يجعل الصين مستثمرا أساسيا في المنطقة العربية، يزيد أبو قمر.

وفخ الأموال الصينية هو إقراض الدول أموالا طائلة مقابل الاستفادة من موانئ تجارية حيوية أو مناطق استثمارية لفترة تمتد إلى عشرات السنوات.

ويشير الباحث الاقتصادي أيضا إلى علاقة متبادلة تعود بالنفع على الصين، تأثرت بشكل فعلي منذ بدء أزمة فيروس "كورونا المستجد".

خسائر بالملايين

بحسب "أبو قمر"، فيمكننا القول: إن "هناك خسائر بمئات ملايين الدولارات يوميا في الدول العربية، لأن الصين أضحت أهم شريك تجاري لمعظم الدول العربية".

ويضيف أن الأرقام سابقة الذكر على مدار العامين الماضيين، توضح حجم التبادل التجاري المذهل، والتطور الكبير عاما بعد آخر بين الصين والدول العربية.

ويستطرد: "الصين تصدر إلى الدول العربية كل ما يخطر على البال من البضائع، وفي مقدمتها الأدوات المنزلية، والألبسة، والإلكترونيات، وألعاب الأطفال، وغيرها".

وينوه "أبو قمر" إلى أن الاقتصاد الصيني استطاع امتصاص صدمة كورونا حتى الآن، رغم الخسائر الكبيرة التي حدثت في سوق الأسهم والسياحة والحركة التجارية، "وهذا بفعل السياسات الناجحة للبنك المركزي الصيني".

ويوضح أن البنك عمل على ضخ أكبر قدر من السيولة في الأسواق المالية منذ عام 2004، بقيمة 174 مليار دولار، عبر اتفاقات إعادة شراء عكسية للسندات.

فرضية الانتشار

انهيار الاقتصاد الصيني بفعل "كورونا" ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، وفق "أبو قمر"، كما أنه ليس سهلا على الدول العربية إيجاد بديل عن بكين.

لذلك فهو يرى أن الصين ستبقى شريكا أساسيا للدول العربية في حال لم يتفش فيروس كورونا بشكل كبير جدا، والأهم من ذلك ألا تطول مدة الإغلاقات في المدن الصينية.

وعلى افتراض أن انتشار الفيروس تفشى أكثر ولم يعد بمقدور الحكومة الصينية السيطرة عليه وانهار الاقتصاد الصيني الذي لا يظهر على المدى القصير، فإن الدول العربية ستكون مجبرة على البحث عن بدائل تجارية.

لكن "أبو قمر" يشدد على أن ذلك لن يكون سهلا، فلا يوجد حاليا دولة تجارية تستطيع أن تأخذ مكان الصين، وخصوصا في قضية الصادرات التي ترسلها للدول العربية بأسعار مناسبة.

ومن الممكن أن تكون دول شرق آسيا من تايلاند وفيتنام وغيرها دولا مناسبة وبديلة للدولة العربية في شراكتها التجارية مع الصين، بحسب أبو قمر.

بدائل العرب

الخبير الاقتصادي المصري، عبد الحافظ الصاوي، تحدث عن البيانات الاقتصادية المنشورة ضمن التقرير الاقتصادي الموحد لعام 2019، موضحا أن إجمالي الواردات العربية تزيد عن 830 مليار دولار أمريكي، وتأخذ بكين منها ما نسبته 12.5%.

ويقول الصاوي لـ "الاستقلال": "بطبيعة الحال في ظل الحجر الصحي وإغلاق الشركات وقطاع الخدمات، قد تتوقف الخدمات العربية من الصين خلال الفترة القادمة، لكن ذلك سيكون ضمن الأجل القصير، وعلى أقصى حالة تشاؤم في الأجل المتوسط".

ويعلل ذلك بالقول: إن "الاقتصاد الصيني يقدم للعرب الكثير من السلع التي قد تحمل المواصفات القريبة من المنتج الأوروبي، ولكن فارق السعر سيكون لصالح بكين بشكل كبير بلا شك".

وفيما يتعلق بالبدائل أمام التجار العرب، فيرى أن الحل ربما يكون في دول جنوب شرق آسيا، مثل ماليزيا وتايوان وتايلند وكمبوديا، "فهذه المناطق تعتبر امتدادا للاستثمارات الصينية".

ويزيد الصاوي قوله: "بكين سيطرت على اقتصادات هذه الدول بشكل كبير على مدار الفترة القادمة، وذلك من خلال القروض والاستثمارات المباشرة، كما أن الصين تعتبر هذه الدول امتدادا لاقتصادها في إطار البعد الإستراتيجي".

ويرجح أن تكون تلك الدول هي البديل أمام التجار العرب من أجل الحصول على أسعار جيدة -هي في العادة- أقل تكلفة مقارنة بالسوق الأوروبية، على حد قوله.