بعد صفقة القرن.. هذه احتمالات نجاح المصالحة الفلسطينية

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يشكل إنهاء الانقسام الفلسطيني ضرورة وطنية وخيارا حتميا، لمواجهة "خطة السلام" التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نهاية يناير/كانون الثاني المنصرم، والمعروفة بـ"صفقة القرن"، والتصدي لداعميها من الدول العربية.

ويمكن أن تمهد الرسائل المتبادلة بين قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، لإنجاز ملف المصالحة، شريطة حسن النوايا واتخاذا إجراءات فعلية على الأرض تؤسس لمرحلة جديدة عنوانها مواجهة الصفقة الأمريكية.

وتتضمن الخطة، إقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح في صورة "أرخبيل" تربطه جسور وأنفاق بلا مطار ولا ميناء بحري، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة مزعومة لإسرائيل.

تجمعهم أم تفرقهم؟

الإعلان عن صفقة القرن أعاد الحديث عن ضرورة إنهاء الانقسام الداخلي، حيث تحدث رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية عن أهمية تحقيق الوحدة لمواجهة الصفقة وإرسال وفد من الضفة الغربية إلى غزة.

ولم تمر بضعة أيام، حتى عاد الطرفان إلى تبادل الاتهامات بشأن مسؤولية تعطيل زيارة وفد الفصائل الفلسطينية في الضفة إلى قطاع غزة، والذي كان من المقرر أن يبدأ مطلع الأسبوع الجاري.

وقالت حركة فتح على لسان القيادي عزام الأحمد في 4 فبراير/شباط: إن إرجاء زيارة وفد الفصائل إلى قطاع غزة، جاء بسبب عدم جاهزية حماس، موضحا أن الوفد كان من المفترض أن يصل غزة أمس (3 فبراير/شباط)، ويضم 12 قياديا فلسطينيا من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومختلف الفصائل الفلسطينية الأخرى.

فيما استهجنت حركة حماس، تأجيل زيارة وفد منظمة التحرير لغزة، وقال الناطق باسم الحركة، فوزي برهوم، في بيان صحفي: إن "ممثل حركة فتح طلب موقفا رسميا من حماس حول نقطتين، الأولى: حضور الوفد، والثانية عقد لقاء ثنائي بين قيادات فتح وحماس، واستلم إجابة واضحة بالترحيب بالوفد، وبموافقة حركة حماس على اللقاء الثنائي".

وقبل الإعلان عن صفقة القرن بأيام، عادت أجواء التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة بين حركتي "فتح" و"حماس"، بعد الجولة الأخيرة وسلسلة الزيارات التي أجراها هنية، لعدد من الدول والبلدان العربية والإسلامية.

في خضم ذلك، لم تختلف وسائل الإعلام العالمية والعربية، في اعتبار صفقة القرن فرصة من ذهب للفرقاء الفلسطينيين من أجل إنهاء انقسامهم، خاصة وأن وحدة الرأي والصف الفلسطيني سيكون كفيلا بإفشال الصفقة، ورغم أنه الخيار الوحيد والقريب، إلا أنه سوف يظل الخيار المكروه لدى كثير من اللاعبين المحليين و الإقليميين في الملف الفلسطيني.

وحسب تحليل لصحيفة "المونيتور"، فإن حضور ممثلين لحماس والجهاد الإسلامي في الاجتماع الطارئ الذي دعت إليه السلطة الفلسطينية برام الله، بالتزامن مع إطلاق ترامب للصفقة، ومحاولات عقد اجتماع آخر في قطاع غزة، يضم كل الفصائل لتوحيد جهود كل الشعب الفلسطيني، يمثل النقطة الإيجابية الوحيدة في الصفقة التي أطلقها ترامب.

وتشير الصحيفة إلى أن ترامب بإعلانه الصفقة المرفوضة فلسطينيا، قد خلق نوعا من السلام في الشرق الأوسط، ولكنه سلام ليس من النوع الذي كان يفكر فيه ترامب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث كان سلاما بين الفلسطينيين وبعضهم البعض، وهو أمر طال انتظاره كثيرا.

ورأت أن الاجتماعات التي جرت في رام الله وغزة نتيجة الصفقة، أوقفت ولو بشكل مؤقت حالة الانفصال التي استمرت لسنوات بين قادة حماس ومحمود عباس، كما أنها مهدت الطريق لاستئناف حوار المصالحة المتوقف منذ آخر اجتماع بين قيادة حماس وعباس، جرى في قطر بأكتوبر/ تشرين الأول عام 2016.

وحسب تصريحات للقيادي في حماس ووزير المالية السابق، عمر عبد الرزاق، والذي شارك في اجتماع رام الله، فإنه كان إيجابيا، وشهد تأكيدا ورغبة من عباس لإنهاء الانقسام والتغلب على العقبات التي تعوق التوصل إلى اتفاق مع حماس.

مطالب مشروعة

يشير رصد أجرته شبكة بي بي سي اللندنية، إلى أن المطلب الأول الذي دعا إليه المهتمون بالشأن الفلسطيني، كان متعلقا بإنهاء الانقسام، وهو ما ذهب إليه السياسي الفلسطيني المخضرم، مروان كنفاني، في مقال كتبه بصحيفة العرب اللندنية تحت عنوان "المواجهة الفلسطينية المطلوبة لصفقة القرن".

وحسب كنفاني، فإنه لن يتحقق أي نجاح على المستويين السياسي والعملي للتصدي للحملة الأمريكية-الإسرائيلية التي كشّرت عن أنيابها سوى بإنهاء الانقسام واللجوء للعمل المشترك، وعدا ذلك، فإن رفض المبادرة أو قبولها سيّان في التوصل للفشل.

ودعا كنفاني القيادات الفلسطينية لـ"تصعيد المظاهرات والمسيرات السِلمية تجاه المستوطنين والعاملين في بناء المستوطنات، والجهات المكلفة بمصادرة الأراضي والمنازل بقرارات المحاكم أو السلطات العسكرية، والتحشيد المدني السلمي في حدود التماس مع الاستيطان، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وكل ما يمكن التوصل إليه من لفت انتباه العالم بما يجري للفلسطينيين وحقوقهم".

وهو ما ذهب إليه أيضا الكاتب الفلسطيني ورئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم" عبد الباري عطوان بتأكيده على أن ترجمة الرفض الفلسطيني للصفقة ينبغي أن يكون من خلال خطوات عملية لمقاومة الاحتلال بكافة الطرق.

وأكد عطوان أن 26 عاما من المفاوضات لم تعد الحق الفلسطيني، ولذلك فقط طالب السلطة الفلسطينية بأن تقوم بإشعال فتيل المقاومة و"تثوير"، الشعب الفلسطيني، وإعادة الأمور إلى المربع الأول، أي شعب يقاوم الاحتلال، وحل السلطة وإنهاء التنسيق الأمني وإلغاء كل ما ترتب على اتفاقات أوسلو.

وربط السياسي الفلسطيني ياسر أبو هلالة بين إبداع الشعب الفلسطيني في مقاومة الشعب الفلسطيني للصفقة المرفوضة وبين ضرورة إنهاء الانقسام، مشيرا إلى ضرورة أن تحمل وسائل المقاومة حالة من الإبداع المشترك في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الداخل والشتات، وهو ما لم يمكن أن يتحقق إلا بتوحيد الصف الفلسطيني.

الخيارات محدودة

بعيدا عن الأصوات العربية التي رأت أن إنهاء الانقسام خيار أساسي للشعب الفلسطيني، فإن وسائل إعلام غربية ذهبت لما هو أبعد من ذلك، حيث اعتبرت شبكة "دويتشه فيله" الألمانية، إنهاء الانقسام الخيار الوحيد المتاح للشعب الفلسطيني لمواجهة صفقة القرن، بعيدا عن بيانات الرفض والإدانة.

واستندت الشبكة الألمانية، على التصريحات التي أدلى بها هنية والتي قال فيها: "جاهزون للقاء عاجل مع الإخوة في فتح وجميع الفصائل في القاهرة لنرسم طريقنا ونملك زمام أمرنا ونتوحد في خندق الدفاع عن قدسنا وحرمنا وحرماتنا".

وحسب محللين تحدثوا لـ "دويتشه فيله"، فإنه إذا لم يستطع الفلسطينيون تجاوز الانقسام الآن في ظل هذا الظرف، فهذا يعني أنه لا أمل في حصول ذلك في أي وقت آخر، خاصة وأن الانقسام يشجع على تنفيذ الصفقة، كما أن الانقسام وسيلة بيد إسرائيل لكي تدفع الأمور نحو دولة غزة ومصادرة الضفة الغربية بالكامل.

ووفق نفس المحللين فإن حل السلطة الفلسطينية، يعد خيارا هاما ومطروحا، لإنهاء الانقسام من جهة، ولإفشال الصفقة من جهة أخرى بإعلان صريح عن وفاة اتفاق أوسلو الذي يعد الأساس الذي تقوم عليه كل المبادرات الدولية المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ويري المحللون أن التهديدات التي أطلقها مسؤولون فلسطينيون مثل نبيل أبو ردينة وصائب عريقات، بحل السلطة وإعلان انتهاء المرحلة الانتقالية، ووقف التنسيق الأمني بين السلطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، رغم أنها اقتراحات جاءت متأخرة، وربما لن يكون لها تأثير على سير الصفقة، إلا أنها ستدفع الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في تعاملها مع القضية الفلسطينية.

كما أنها ستكون سببا في إنهاء نقاط الخلاف الفلسطينية الداخلية والتي من بينها انتخابات المجلس التشريعي واللجنة المركزية والأمور الأخرى المتعلقة بشكل الإدارة والملف الأمني والمعتقلين بين الجانبين الفتحاوي والحمساوي.

روشتة نجاح

وفقا لتحليل موسع أعدته وكالة الأناضول التركية، فإن المناخ الآن يشير إلى أن المصالحة أقرب من أي وقت آخر، خاصة بعد الإشارات الإيجابية من حركتي فتح وحماس، رغم وجود عقبات كبيرة لا زالت تعترض تحقيق ذلك.

إلا أنه في حالة الاتفاق على برنامج وطني جامع للكل الفلسطيني، فإن ذلك معناه تجاوز كل العقبات والبدء في خطوات عملية لرفض الصفقة وبالتالي إفشالها.

ولم يختلف رأي الكاتب والمحلل السياسي سعيد الحاج، في حديثه للوكالة التركية، بأن إعلان "ترامب" لصفقة القرن يُمثل فرصة ذهبية للأطراف الفلسطينية من أجل تحقيق مصالحة داخلية، سيما وأن الخطة تستهدف الكل الفلسطيني، وتسعى لتصفية القضية؛ وإزاء ذلك باتت المصالحة ضرورة مُلحّة كأحد أهم سبل مواجهة الصفقة.

يحذر المحللون من العقبات التي يمكن أن تهدد إنجاز ملف المصالحة، ومن بينها الخلافات الكبيرة والفجوة الواسعة بين البرنامجين اللذين تحملهما كل من حركتي فتح وحماس، وهو ما يتطلب أن يلتقي طرفا الأزمة في وسط الطريق على برنامج سياسي مشترك، بالإضافة لضرورة الابتعاد عن النقاط التفصيلية للمصالحة، لأنها ستكون بمثابة حقول ألغام تهدد أي تقدم.

ويقدم الخبراء الذين تحدثوا للوكالة التركية، روشتة مختصرة لإنجاح ملف المصالحة من جانب، والتصدي للصفقة من جانب آخر، منها ضرورة استثمار البيئة السياسية الجديدة، باعتبار أن وحدة الميدان هي التي ستقود إلى الوحدة السياسية وإنهاء الانقسام.

وهو ما يتطلب التوافق على إستراتيجية موحدة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والمخاطر والتحديات المُحدقة بالقضية الفلسطينية، ومشاركة الكل الوطني في الفعاليات الشعبية والميدانية الساعية لإفشال الصفقة، ومراجعة المسار السياسي السابق طوال العقود الماضية.

ويعد خيار الانتفاضة الشعبية، مجال اتفاق بين كل الآراء التي تحدثت للأناضول، وغيرها من وسائل الإعلام التي تناولت طرق مواجهة صفقة القرن، إلا أن شرط نجاح هذه الانتفاضة، والتي يمكن أن تتطور لعصيان عام ضد إسرائيل، هو مشاركة كل الفصائل الفلسطينية، ما يعني في النهاية أن البداية هي إنهاء الانقسام الداخلي.

تسكين ومناورة

رغم التفاؤل الذي غلف آراء المتابعين بأن تكون الصفقة سببا في إنهاء الانقسام الداخلي، إلا أن هناك أصواتا تعاملت مع هذا التفاؤل بحذر، واعتبرت أن حديث بعض المسؤولين في السلطة عن إنجاز ملف المصالحة، لم يكن إلا مجرد مناورة يقوم بها محمود عباس وفريقه المعاون، والكاره لحركات المقاومة المسلحة وخاصة حماس.

وتشير تصريحات صحفية منسوبة للكاتب الفلسطيني المعروف مصطفى الصواف، أن كل ما يتم سماعه حول توحيد المواقف الفلسطينية والحوار الوطني الشامل مجرد "كلام حتى اللحظة"، موضحا أنه لو تم بالفعل تنفيذ هذا الكلام على أرض الواقع، فإنه سيشكل حلا لنصف المشكلة، فيما النصف الآخر سيُحل من خلال الحوار الداخلي.

وفي نفس الاتجاه نقلت وكالة "سبوتنيك" تصريحات لباحثين ومحللين فلسطينيين أكدوا أن استمرار السلطة في التنسيق الأمني للحفاظ على مرونة أو استمرار العلاقة من تحت الطاولة مع إسرائيل وأمريكا، لن يكون سببا في إنهاء الانقسام، والتصدي الحقيقي لصفقة القرن.

وحسب تصريحات الصحفي الفلسطيني محمد اللحام للوكالة الروسية، فإن الشعب الفلسطيني قادر على توحيد صفوفه، وخاصة على مستوى الفصائل، لكن المشكلة الأساسية التي تعترض تحويل هذه الوحدة إلى فعل على الأرض، هو موقف السلطة الفلسطينية المتأرجح بين رفض صفقة القرن والحفاظ على المرونة أو العلاقة من تحت الطاولة مع إسرائيل وأمريكا.

وهو ما ذهب إليه أيضا المحلل السياسي أليف الصباغ، الذي اشترط إيقاف التنسيق الأمني ونقل صلاحيات ومهمات الأمن الوقائي من السلطة الفلسطينية إلى منظمة التحرير.

ويقترح الصباغ أن تؤدي السلطة وظائف إدارية تتحكم بها الشرطة الفلسطينية في عملها المدني، مع الفصل بينها وبين القوى الأمنية، موضحا أنه طالما استمرت السلطة تحل محل منظمة التحرير فإن الوضع سوف يظل بالنسبة للفلسطينين مأساويا كما هو.