ألقت بهم في الجحيم الليبي.. كيف غرّرت الإمارات بشباب السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سألنا اللواء الإماراتي: "هل المهمة الخارجية في اليمن"؟ فأجاب: "لا"، فكررنا السؤال، هل المهمة الخارجية في ليبيا؟، لكنه تهرب هذه المرة عن الجواب. شهادة شاب سوداني نجا من محرقة شركة "بلاك شيلد" الإماراتية، التي غررت بشباب البلد الإفريقي، وأرسلتهم للقتال في جحيم معارك ليبيا المستعرة.

جانب مظلم تم الكشف عنه خلال الأيام الماضية، عن استخدام حكومة أبوظبي الإماراتية، شركات أمنية، مثل "بلاك شيلد"، كواجهة لتجنيد شباب من دول مجاورة، وخداعهم تحت مسمى التوظيف، ثم تدريبهم على أسلحة، ومهام قتالية، قبل أن تفاجئهم، وترسلهم إلى بلاد أخرى، للمشاركة في المعارك، والتضحية بأرواحهم، مقابل رواتب زهيدة، وأجندات مجهولة.

محرقة "بلاك شيلد"

في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2019، نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريرا عن "تورط" الإمارات، في تمويل نقل مجموعات من المرتزقة، للقتال في ليبيا إلى جانب مليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم من أبوظبي والقاهرة.

وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2020، تظاهر مئات السودانيين، أمام مقر وزارة الخارجية بالعاصمة الخرطوم، احتجاجا على إرسال أبنائهم للقتال في اليمن وليبيا، بدلا من العمل في خدمات أمنية، حسب عقود مبرمة معهم من قبل شركة إماراتية تدعى "بلاك شيلد".

ردد المتظاهرون هتافات منددة بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، رافعين لافتات مكتوب عليها: "أولادنا ليسوا للبيع"، "من أجل كرامتنا قامت الثورة"، "فلذات أكبادنا ليسوا بمرتزقة".

بلاك شيلد، التي تم تأسيسها عام 2001، تعرف نفسها أنها من الشركات المتخصصة في حلول الأمن والتشغيل والتدريب لمكافحة الإرهاب.

وفي 30 يناير/ كانون الثاني 2020، نشرت شبكة "الجزيرة" الإخبارية، مقاطع مصورة حصلت عليها، تظهر مجموعة من الشباب السودانيين الذين تعرضوا للخدعة من "بلاك شيلد"، التي نقلتهم إلى ليبيا بعد إخضاعهم لتدريب عسكري في معسكرات داخل الإمارات.

كما أظهرت الجزيرة، مقاطع خاصة، تؤكد وجود شباب سودانيين في شرقي ليبيا، كانت "بلاك شيلد"، قد نقلتهم إليها قبل أن تعيدهم لأبوظبي بعد ضغوط شعبية.

تلك المقاطع المصورة أظهرت اجتماعا لإدارة الشركة الإماراتية، مع مجموعة من الشباب السوداني، الذين لا يزالون في الإمارات لتخييرهم بين الرجوع لبلدهم أو البقاء للعمل مع الشركة.

أثناء الاجتماع، خاطب المدير العام للشركة الإماراتي سيف الكعبي الشباب قائلا: "بالنسبة لإخواني الذين يريدون البقاء، العمل سيكون داخل الإمارات أو خارجها إذا طلب منك ذلك، باختيارك أنت، إذا قلت بتعمل داخل الإمارات سنوفر لك السكن والمواصلات والوجبات الثلاث، كل هذه الثلاثة أشياء ستوفر في أي موقع".

واعترف المسؤول في الشركة بوقوع بعض الأحداث الفردية التي قال: إن "بعضها ربما يكون مقصودا أو غير مقصود لكن (عفا الله عما سلف)".

اعترافات صادمة

في 31 يناير/ كانون الثاني 2020، نشرت وكالة "الأناضول" عن شاب سوداني اسمه محمود أحمد عبده، نجا من خديعة الإمارات في ليبيا قائلا: "نحو 400 شاب سوداني، تعاقدوا في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مع وكالة (أماندا) للسفر والسياحة بالعاصمة الخرطوم، لإرسالهم للعمل في شركة أمن في الإمارات".

وذكر أن "المجموعة غادرت إلى الإمارات على دفعات عبر مطار الخرطوم، وهناك تم ترحيل الشباب على الفور إلى معسكر (غياثي) التابع للقوات المسلحة الإماراتية جنوبي العاصمة أبوظبي، وكان في استقبالهم ضابط سوداني برتبة رائد، يُدعى الرشيد التيجاني دفع الله". 

وأشار إلى أن "ضابطا إماراتيا برتبة نقيب يُدعى الظاهر، أخبرهم أن التدريب سيستمر لمدة 10 أسابيع فقط". وعند سؤاله عن أسباب التدريب، برر الأمر بأنه "برنامج تدريبي خاص بالشركة الأمنية". 

أخطر ما كشفه الشاب السوداني، هو إخضاعهم إلى تدريب على الأسلحة، من طراز "كلاشنكوف، وآر بي جي، والهاون، إلى جانب قنابل مختلفة"، موضحا أن "عملية التدريب انتهت بإطلاق النار في ميادين الرماية، لكن مدربين آخرين يحملون الجنسيات التونسية والأردنية والإماراتية، أصروا على ضرورة زيادة الفترة التدريبية إلى أسبوعين آخرين، بحجة أن التدريب لـ10 أسابيع ليس كافيا".

الشاب أفاد "عقب التدريبات، اجتمعنا مع ضابط إماراتي كبير برتبة لواء، أبلغنا أن الشركة تحتاج إليهم في مهمة خارجية، وعند سؤاله عن طبيعة المهمة الخارجية، قال لنا بلغة حاسمة: ليس من حقكم السؤال".

وفي 23 يناير/ كانون الثاني 2020، نشر المواطن السوداني عبد الله الطيب، شقيق أحد ضحايا الخدعة الإماراتية، شهادته عن الواقعة، قائلا: "يقوم مسؤولون إماراتيون بتخيير المجموعات المدربة بين الذهاب إلى اليمن أو ليبيا، مقابل راتب سخي يبلغ 1000 دولار شهريا وقد يزيد على ذلك".

الطيب أضاف أن هناك مجموعة ومنها شقيقه، يبلغ قوامها حوالي 150 شخصا رفضوا العرض الذي قدم إليهم، وهنا تم وضعهم في معسكر منفصل، وإجبارهم على ارتداء زي  قوات الدعم السريع، التابعة لنائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وإبلاغهم أنهم سيتم ترحيلهم دون ذكر الوجهة التي سينتقلون إليها. 

وفي 30 يناير/ كانون الثاني 2020، تم نشر تسجيل صوتي لامرأة سودانية، على مواقع التواصل الاجتماعي، تروي مأساة أقاربها في الإمارات، وتتحدث عن اثنين من أقاربها سافرا على طيران (الاتحاد) الإماراتي يوم 6 أكتوبر/ تشرين الثاني 2020، إلى أبوظبي وتم نقلهم ضمن فوج يتكون من 450 شخصا يتم توزيعهم على حقول النفط التابعة للإمارات في ليبيا.

رأس لانوف

في 28 يناير/ كانون الثاني 2020، أعلنت الخارجية السودانية أنها تتابع مع أبوظبي إرسال شركة إماراتية، بعض المواطنين السودانيين للعمل في وظيفة "حارس أمن" في ليبيا.

وذكرت الوزارة في بيان أنها "تعمل مع الجهات والسلطات المختصة محليا ومع الإمارات، لحل قضية مواطنين مرسلين إلى ليبيا بعقود عمل مع شركة إماراتية". 

وصرح المتحدث باسم الحكومة عقب اجتماع مجلس الوزراء برئاسة عبدالله حمدوك، أنه تم تكوين غرفة عمليات خلال الأيام الماضية ضمت ممثلين للجهات ذات الصلة بهذه القضية، حسب وكالة الأنباء السودانية.

فيما نشر نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، صورا لسودانيين وهم يستعدون لمغادرة مدينة "راس لانوف" في ليبيا، على متن طائرة تحمل 275 سودانيا في طريق عودتهم إلى العاصمة الخرطوم، بعد زيادة حدة الاحتجاجات على إرسالهم.

و"راس لانوف" مدينة سكنية صناعية شمالي ليبيا، تعد مقرا لمصفاة "راس لانوف" النفطية، وتضم ميناء ومطارا نفطيين، وتخضع لسيطرة مليشيات حفتر.

التغرير بالشباب

الدكتور ربيع عبد العاطي، القيادي بحزب المؤتمر الوطني السوداني، قال لـ"الاستقلال": "الكشف عن حادثة الشركة الإماراتية بلاد شيلد، بحق شباب السودان، يؤكد أن الإمارات عازمة على حرق البلاد، وتوريط شبابها في صراعات داخلية وخارجية، على غرار دول أخرى مجاورة في المنطقة". 

وأكد السياسي السوداني أن "أبوظبي لم تكتف بزرع الفتنة داخليا، ومحاولة إشعال حرب أهلية، تأتي على الأخضر واليابس، والبقية الباقية من تماسك السودان، بل تلقي بخيرة الشباب في محرقة خارج الحدود، وتستغل حاجتهم إلى المال، وتغرر بهم، في مهام قتالية خارجية".

وأردف عبد العاطي: "هل ترى الإمارات أن ثمن حياة الشاب السوداني 1500 درهم إماراتي؟ ولماذا لا ترسل تلك الدولة مواطنيها للقتال خارجيا، وتنفيذ أجندتها الخاصة؟ فهي تمتلك شعب، ومواطنين، وشباب، وقوات مسلحة، مثل باقي الدول".

واختتم القيادي بحزب المؤتمر حديثه قائلا: "لا بد للحكومة السودانية، وسائر أطياف المجتمع من وقفة حاسمة، ضد تدخلات الإمارات، وعبثها بمقدرات بلادنا، ودماء شبابنا، ومحاسبة الذي يثبت تورطه في ذلك، فالسودان بلد مستقل صاحب تاريخ وسيادة".

الصورة التي نشرتها المجلة وتوضح انتشار الطائرات الإماراتية في القاعدة الليبية

جرائم سابقة

في أغسطس/آب 2019، كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن "نحو 1000 من أفراد الدعم السريع السودانية حطُّوا رحالهم في الشهر ذاته شرقي ليبيا، للقتال إلى جانب حفتر، كما أن حميدتي جند عبر وحدة خاصة من قوات الدعم السريع، نحو 450 شخصا لحساب الجيش الإماراتي من القبائل العربية بدارفور".

وفي 2017، فجرت صحيفة "التايمز" البريطانية، فضيحة مماثلة، عندما كشفت شهادات عائلات القبائل العربية التشادية والنيجرية، عن "تعرض أبنائها للخداع من خلال إقناعهم بأنهم ذاهبون إلى الإمارات للعمل في الشركات الأمنية الموجودة هناك بمبالغ وامتيازات خرافية، وحين وصلوا هناك جرى إلباسهم الزي العسكري الإماراتي، وتوزيعهم على عدد من المواقع في اليمن". 

في 27 أغسطس/ آب 2014، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرا أعدته الصحفية "ماري فيتزيجرالد"، قالت فيه: إن كادرا من رجال الأعمال، وقادة الميليشيات الليبيين يأملون الاستفادة من الهجوم الذي شنته مصر والإمارات على مواقع الكتائب الإسلامية في العاصمة الليبية طرابلس، لمنعهم من السيطرة على الميناء الدولي.

وفي 9 مايو/آيار 2017، نشرت مجلة "تايمز" الأمريكية، أن دولة الإمارات نشرت 6 طائرات توربينية في قاعدة جوية شرق ليبيا، في انتهاك واضح لحظر تصدير الأسلحة إلى هناك. 

ونشرت مؤسسة البحوث العسكرية "جاينز"، ومقرها لندن، تقريرا يفيد بأن الإمارات قامت بإنشاء قاعدة عسكرية شرقي ليبيا ما بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2016، تنطلق منها طائرات هجومية من طراز AT-802، وأخرى بدون طيار لدعم قوات حفتر.

وفي 10 يونيو/حزيران 2017، كشف تقرير أصدرته لجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا، أدلة قاطعة على تورط دولة الإمارات في خرق حظر التسليح المفروض على البلاد؛ حيث قدمت الدعم العسكري لقوات حفتر على أنها شحنة مواد غير قاتلة.

ووفق التقرير ذاته، أدى الدعم الإماراتي إلى زيادة قدرات حفتر بصورة كبيرة، وهو الأمر الذي ترتب عليه تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر في ليبيا.

وقال خبراء الأمم المتحدة: إنهم تمكنوا من تتبع تسليم شحنات مروحيات قتالية مصنوعة في بيلاروسيا إلى الإمارات، وقدّموا صورا تظهر وجود هذه المروحيات في قاعدة الخادم الجوية (شرق ليبيا) معقل حفتر.