تجريم الإثراء غير المشروع في المغرب.. من وراء عرقلة القانون؟​​​​​​​

12

طباعة

مشاركة

نحو 4 سنوات مرت، ومازال مشروع قانون "الإثراء غير المشروع" حبيس الأدراج في لجنة العدل والتشريع  بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، منذ أن أحالته الحكومة المغربية في عام 2016 إلى البرلمان لتعديله ومناقشته ثم المصادقة عليه، فلماذا تأخر صدور القانون كل هذه السنوات؟ ومن وراء عرقلته؟.

في السنوات الأخيرة، تبنت السلطات المغربية، قانونا يلزم الموظفين العموميين بالتصريح بممتلكاتهم، وآخر لحماية المبلغين عن الفساد وضمان حق الوصول للمعلومات، كما أسست في 2017 هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، لكنها حتى الساعة لم تفرج عن قانون "الإثراء غير المشروع".

مشروع القانون ينص على فرض غرامات ما بين 100 ألف إلى مليون درهم (نحو 10 آلاف إلى 100 ألف دولار) على أي موظف عمومي ثبتت زيادة ثروته بشكل غير مبرر خلال فترة أداء مهامه، ولرصد ذلك يُلزم الموظف بالكشف عن ممتلكاته وممتلكات زوجته وأولاده قبل تولي المنصب فيما يعرف في العديد من الدول بـ "إقرار الذمة المالية".

رفع السقف

يوم 23 يناير/ كانون الثاني 2020، دخلت منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرانسي) - غير حكومية - على الخط، متهمة البرلمان بـ"التقاعس" في تبني مشروع القانون، داعية إلى ضرورة تضمينه عقوبات بالسجن في حق الأشخاص الذين يثبت اختلاسهم أموالا عمومية.

وقال الأمين العام للمنظمة بالمغرب، أحمد البرنوصي: "بادرنا للاحتجاج من خلال مراسلة البرلمانيين بعدما لاحظنا تهربا وتقاعسا في إخراج قانون الإثراء غير المشروع"، معتبرا أن "الرشوة نسقية في المغرب ولا يمكن أن تحارب فقط بالغرامات".

واعتبر عضو المنظمة، عبدالعزيز النويضي، أن النقاش الدائر حاليا في البرلمان "أظهر وجود ثغرات خطيرة في مسودة القانون تجعله لن ينفع في شيء"، مستغربا كيف يمكن ردع شخص ثبت اختلاسه المال العام بمجرد الحكم عليه بأداء غرامة.

ورفعت المنظمة السقف عندما دعت البرلمانيين إلى "النص على العقوبة السجنية في القانون وربطها بمصادرة الممتلكات الناتجة عن اختلاس المال العام"، مشددة على "ضرورة التعجيل بتبني مشروع القانون".

جهة الإثبات

بعض البرلمانيين عبروا عن مخاوفهم من أن يتحول قانون "الإثراء غير المشروع" إلى ساحة لتصفية الحسابات ضد المسؤولين، معتبرين المصادقة على القانون، بالصيغة التي ورد بها، قد يحمل مخاطر واستعمالات سلبية.

من جهته، طالب فريق الأصالة والمعاصرة (حزب القصر) بمجلس النواب أن تتولى النيابة العامة مسؤولية إثبات الإثراء غير المشروع. موضحا أنه "يجب أن يقع عبء الإثبات على النيابة العامة لا المتهم، لأن ذلك يدخل في إطار القاعدة العامة للإثبات".

وشدد فريق "الأصالة والمعاصرة" على أنه لا يمكن متابعة المتورط في جريمة الإثراء غير المشروع "إلا بناء على تقرير معد من قبل المجلس الأعلى للحسابات (أعلى هيئة رقابية على المالية) في حق الشخص المعني بالأمر"، لأن المجلس هو "الجهة التي تتلقى التصريح بالممتلكات، وبالتالي توفير الضمانات الكافية في مجال محاربة جريمة الإثراء غير المشروع".

ضد التعديلات

وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، كشف عن أن رفض "البعض تجريم الإثراء غير المشروع هو ما يعرقل خروج مشروع القانون من البرلمان".

الرميد الذي أشرف على إعداد مشروع القانون عندما كان وزيرا للعدل والحريات، سبق أن هدد بتقديم استقالته من الحكومة في حال عرقلة تجريم الإثراء غير المشروع، ولمح إلى وجود جهات ترفض إخراج النص بالصيغة التي أعد بها.

وكشف الوزير في إشارة إلى حزب "الأصالة والمعاصرة"، أن "حزبا قويا في المعارضة، يرفض إخراج القانون الجنائي ويضغط على أطراف في الأغلبية".

وقال الوزير المنتمي لحزب "العدالة والتنمية"، الذي يقود الحكومة: امتنعت "إحدى الفرق التي كان لها نفوذ على أحزاب في المعارضة، وحتى أحزاب في الأغلبية عن تقديم التعديلات، ورغم المساعي التي قمنا بها لم نصل إلى وضع التعديلات".

لم يخف الرميد صعوبة إخراج القانون، مذكرا بأنه في رفوف البرلمان لأزيد من 4 سنوات رغم تجدد النقاش حوله، قبل أن يزيد "الأمر الذي تعرفه كل التشريعات المهمة".

الأمين العام لحزب "المصباح" ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أعلن أيضا رفضه التعديلات المطروحة، مؤكدا تشبث حزبه بما جاء في مشروع الحكومة، ورفضه أي تراجع حول المقتضيات التي تضمنها مشروع القانون الجنائي، مع رفض التفاوض حول أي تعديل خارج ما جاءت به الحكومة.

العقوبة السجنية

لم يستغرب دكتور القانون العام، عبدالإله السطي، ما أثارته المواد المتعلقة بالإثراء بدون سبب في مشروع القانون الجنائي، من إشكالات "لأنه يمس المرجعيات المالية والمهنية للنخبة البرلمانية".

السطي قال لـ"الاستقلال": "الكشف عن مصادر أموال هذه الفئة، يعني كشف الحسابات المالية وحجم الثروات التي تحوزها، وهو ما يسهل المراقبة المالية والضرائبية تجاهها، الأمر الذي يثير مخاوفها، لأنه سيسهل عملية تدقيق مصدر أموالها وكشف مدى شرعيتها وخضوعها للقانون".

استبعد السطي بدرجة كبيرة إدراج العقوبة السجنية بنص القانون المقترح، قائلا: "من استطاع تجميد مسار المسطرة التشريعية لقانون بمجمله، لسبب يتعلق بأن القانون يمس مصالح برلمانيين بعينهم، فمن الصعب التكهن أنهم سيتجهون للإفراج عن القانون بعد مدة طويلة من تجميده، وبصورة متطورة لدرجة إدخال نصوص تجرم وتدين بعقوبات حبسية من يثبت في حقه تكوين ثروة بدون سبب". 

وأضاف دكتور القانون: "في المحصلة يمكن القول إن القانون هو تعبير عن موازين القوى المجتمعية، وفي حالة قانون الإثراء، فموازين القوى لصالح المشرعين الذين يريدون إخراج هذا القانون وفق ما يخدم مصالحهم، ولا يهدد مكتسباتهم المادية".

من داخل فريق "العدالة والتنمية" بلجنة العدل والتشريع عبّرت آمنة ماء العينين، عن تخوفها من "الشطط والانزلاق خلال تطبيق هذه العقوبة، خاصة في ظل بنية قضائية ليست سهلة".

وبما أن هذه الجريمة ستطبق فقط على الخاضعين للتصريح الإجباري بالممتلكات، دعت ماء العينين أولا إلى "تقييم هذه الآلية"، للوقوف على الثغرات الموجودة فيها، مذكرة بأن المجلس الأعلى للحسابات نفسه يقر بصعوبة تتبع هذه التصريحات.

وتساءل برلماني الاتحاد الاشتراكي، سعيد بعزيز "كيف يمكن مطالبة المتهم بالإدلاء بمصدر أمواله؟ أي أنه هو المطالب بالإثبات"، وأورد إمكانية تعميم جريمة الإثراء غير المشروع، بدل قصرها فقط على المصرحين بالممتلكات، وتساءل عن سبب التساهل في العقوبة بحذف العقوبة السجنية.

الذمة المالية

في تقريره لعام 2019 كشف المجلس الأعلى للحسابات عن تهرب مئات الموظفين المنتخبين والساميين من التصريح بالممتلكات الذي يكفله الدستور للمحاكم المالية. 

وحتى أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام وصلت نسبة المصرحين بممتلكاتهم إلى 88 في المائة، رغم أن التصريح إجباري.

عدد المسؤولين والموظفين السامين والمنتخبين الواجب عليهم التصريح بممتلكاتهم وفق القوانين الجاري بها العمل في المغرب، تجاوز 200 ألف، وهو ما يعيق عملية المراقبة والتدقيق والتتبع.

رئيس المجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، أكد إجراء مشاورات مع السلطات الحكومية المختصة من أجل مراجعة القوانين المتعلقة بالتصريح الإجباري بالممتلكات، في خطوة تهدف إلى سن قانون موحد يتجاوز نواقص وعوائق التجربة الحالية.

وكشف جطو أن القانون الجديد يتجه إلى تقليص عدد الملزمين بالتصريح عن الممتلكات (مناصب أو درجات وظيفية معينة)، وتبسيط إجراءات التدقيق والمراقبة"، مع ضمان خصوصية الملزمين بالتصريح عن ممتلكاتهم في عدم الكشف عنها للعامة، وإدخال عقوبات ردعية لعدم التصريح أو لتقديم تصريح كاذب أو غير كامل".

واعتبرت منظمة الشفافية هذه القوانين والمؤسسات "تظل عقيمة وغير فعالة"، واشتكت من "غياب إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد"، بحسب تعبير عضوها عز الدين أقصبي.

واعتبر أقصبي أن المغرب "يعاني سيادة اقتصاد ريعي وتضارب المصالح خصوصا في الصفقات العمومية"، مشددا على ضرورة "إقرار قانون يجرم تضارب المصالح".

أما الرميد فرأى أن إجراءات التصريح عن الممتلكات في المغرب "لا تصلح لأي شيء ووجودها كعدمها، إلا إذا نص مشروع القانون الجنائي المعروض على البرلمان على مسألة تجريم الإثراء غير المشروع".

وزير الدولة طالب بضرورة أن يخضع جميع المسؤولين الذين يتولون مسؤوليات عمومية إلى المساءلة القضائية، قائلا في هذا الصدد: "نعم ينبغي أن يساءل القاضي عن مصدر ثروته، ولكن ماذا عن البرلماني والوزير والمديرين وكافة المسؤولين ورؤساء المجالس المحلية؟". مضيفا أن القانون الحالي لا يسمح بمساءلة هؤلاء عن مصادر ثرواتهم غير المشروعة.

مكافحة الفساد

دراسة لمنظمة الشفافية الدولية "ترانسبرانسي" فرع المغرب، كشفت أن 74 بالمئة من المستجوبين في سنة 2019، يعتبرون أن الحكومة لم تقم بعمل جيد لمكافحة الفساد، بينما لم تكن هذه النسبة تزيد عن 64 بالمئة في 2015.

وقال رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في كلمة بالبرلمان: "من غير المعقول أن يبقى القانون الذي يجرم الإثراء غير المشروع 4 سنوات في البرلمان"، مضيفا: "يجب ألا نعمم، الفساد موجود، نحن جادون في محاربته".

واعتبر حزبه - العدالة والتنمية - في تقرير عن "حصيلة حكومة العثماني" نشرها على موقعه الرسمي، أن الوصول إلى المعلومة من أهم آليات تجفيف منابع الفساد - في إشارة إلى قانون التصريح بالممتلكات - الذي يعد عدم تطبيقه منفذا أساسيا للرشوة واستغلال النفوذ، والإثراء غير المشروع، وغيرها من أشكال الفساد.

ويقضي مشروع قانون رقم 10.16، بحسب الحزب، بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي الذي يضم  ضمن مقتضياته، تجريم الإثراء غير المشروع الذي يتحقق من خلال مزاولة مهمة أو مسؤولية عمومية. 

وأوضح التقرير أن الحكومة تنكب على مراجعة قانون التصريح الإجباري بالممتلكات الذي يهدف إلى تدارك النقائص التي أبان عنها تطبيق القانون الحالي.