وصفته بـ"شهيد القدس".. لماذا بالغت حماس في نعي قاسم سليماني؟

قامت الدنيا ولم تقعد وسنت السكاكين بوجه حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إثر موقف أعلنته صراحة ومن دون تردد عقب اغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني، بغارة أمريكية في العراق.
موقف بدأ عبر بيان نعي للرجل الذي وصفته بـ"الشهيد"، مرورا بفتح بيت عزاء له في قطاع غزة، وليس انتهاء بمشاركة رئيس مكتب حماس السياسي، إسماعيل هنية، في مراسم التشييع بطهران.
كل تلك الخطوات تكاد لا تذكر أمام كلمة هنية في العاصمة الإيرانية، أمام حشد من شخصيات محور المقاومة الذي تتزعمه إيران، حين خرج بملء فيه واصفا سليماني بـ"شهيد القدس"، وكررها ثلاثا.
كلمة تخطت حدود إيران، ووصل صداها إلى دول عربية وإسلامية، فاندلعت موجة نقد واسعة طالت الحركة التي نالت النصيب الأكبر من الهجوم، كونها حركة مقاومة تؤمن بالشعوب، وما يتنافى مع ما فعله سليماني في سوريا والعراق.
مشاركة حماس في تشييع جنازة سليماني، أعادت إلى الواجهة الجدل الذي تكوّن حول علاقة الجمهورية والحركة، اللتين تشتركان في عداوة إسرائيل وأمريكا منذ عقود خلت.
أثارت مواقف الحركة المنددة باغتيال قائد فيلق القدس ردود فعل متباينة، فالبعض رفض التعزية "الحارة" التي قدمتها حماس في مقتل سليماني، مستشهدين بدوره في "استهداف العرب السنة في سوريا والعراق واليمن".
ولأخذ رد من حماس على موجة الجدل هذه، تواصلت "الاستقلال" مع الناطق باسمها في غزة، حازم قاسم، لكن لم تتمكن من الحصول على رد فوري منه.
بعيدا عن ذلك، وتحديدا في داخل بناء حماس السياسي، فإنها لا تخفي علاقتها مع إيران التي تتلقى منها دعما ماليا وعسكريا منذ سنوات في ظل تخلي دول عربية وإسلامية عن دعم الحركة التي تُقارع الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسها عام 1987.
الاضطرار السياسي
وفي خضم كل هذا الجدل، يتساءل سائل عن السبب الذي يدفع حماس السُنية إلى تبني موقف يساند إيران الشيعية، ويسأل آخر حول ما إذا كانت حماس قد أُجبرت على تقديم موقف كهذا؟
في الإجابة على تلك التساؤلات، يرى الباحث المهتم بالشأن الفلسطيني وحركات المقاومة، محمد العيلة، أن "تعزية حماس بمقتل سليماني ينسجم مع سلوكها تجاه العلاقة مع ايران".
ويشير العيلة في حديث لـ "الاستقلال" أن تفسير علاقة حماس بإيران من بوابة الاضطرار السياسي يقود إلى مغالطات في فهم طبيعة العلاقة بينهما والتي بدأت في عام الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987).
"لم تكن بدافع الاضطرار" هكذا يقول العيلة قبل أن يكمل حديثه: "مرت (العلاقة) بسياقات وظروف مختلفة، تلقت خلالها دعما سياسيا تطور إلى دعم مالي وعسكري وأمني".
مصلحة متبادلة
برأي الكاتب الفلسطيني، فحماس ترى أن لديها مصالح مع إيران تلعب دورا حيويا في مراكمة القوة العسكرية والأمنية لكتائب القسام، الذراع العسكرية للحركة، الأمر الذي يؤدي دورا بتغيير ميزان قواها في الصراع مع إسرائيل.
العيلة يشير إلى نقطة مهمة، قائلا: "مبررات العلاقة لا تنحصر في جانب السلاح، والتمويل، والتدريب، والتقنية - رغم أهميتها لأي حركة تحرر وطني- وإنما انسجاما مع أهداف الحركة من وراء علاقاتها الخارجية".
ويضيف: "وجدت حماس في موقف السياسي المناهض للاحتلال، متطابق مع موقفها المتمثل في تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها، ورفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وهو السقف الأعلى ضمن أطراف منظومة علاقات حماس الخارجية".
وعند عكس حالتي الفائد والمستفيد، فإن "إيران ترى في حماس حليفا قويا يمكن المراهنة عليه"، بحسب العيلة الذي استشهد على قوله بـ "قدرتها (أي حماس) على إدارة الصراع مع الاحتلال بكفائة عالية".
ويزيد في قوله: "كما أنها تمثل خط التصدي الأول للمشروع الصهيوني الذي تتصادم معه"، لافتا إلى أن النظام الإيراني بني على محاربة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
شابها التوتر
في فترة من الفترات شهدت العلاقة بين حماس وإيران توترا واضحا، وتحديدا عندما أعلنت الحركة موقفا معارضا مما يجري في سوريا من جرائم يرتكبها نظام بشار الأسد المدعوم من إيران.
آنذاك اضطرت حماس التي تقول في خطاباتها المتكررة إنها ترفض المساعدات العسكرية والمالية المرهونة بالإملاءات، إلى مغادرة سوريا، وأدارت ظهرها لإيران التي لا تزال تقاتل إلى جانب الأسد ضد الشعب السوري.
وبينما شعرت إيران أنها ستخسر حماس التي كانت تعيش ظروفا سياسية ومالية صعبة بفعل الحصار الإسرائيلي، والمؤامرات التي حيكت ضدها من طرف مصر والسعودية والإمارات، بدأت العلاقة مع طهران تتحسن شيئا فآخر.
في إطار تحسن العلاقة الذي ظهر قبل عامين تقريبا، يقول الباحث المهتم بالشأن الفلسطيني: "تجاوز كل طرف مرحلة الشرخ الذي حصل إثر انسحاب الحركة من سوريا، مع وجود تفهم مشترك للمواقف المتباينة في القضايا الإقليمية".
في أفضل حالاتها
وتعيش العلاقة، برأي العيلة، "أفضل أحوالها حاليا"، كما أن أي طرف لا يتدخل بخصوصية الآخر فيما يتعلق بطريقة إدارته لشؤونه الداخلية.
ومع أن حماس فككت في 2019، حركة "الصابرين" التي تتلقى دعما مباشرا من طهران، ويغلب على أعضائها "التشيع"، فإن ذلك لم يؤثر على قوة العلاقة بينهما.
وعلى صعيد ما يسمى "حرب الوكالة" وما إذا أملي على حماس أن تكون طرفا فيها، استبعد العيلة الأمر، مضيفا "الحركة تحصر عملها العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة".
ويقوي رأيه بالإشارة إلى أن "العلاقة مع إيران ممتدة منذ 3 عقود، وقد مرت خلالها طهران بأزمات خانقة ولم تشارك حماس في أية مواجهات لحساب النظام الإيراني".
جذور العلاقة
الصحفي الفلسطيني، محمود هنية، أرجع في مقاله بموقع قناة "الميادين"، جذور العلاقة إلى المهندس عماد العَلَمي عضو المكتب السياسي لحماس، ومهندس علاقاتها الخارجية بعد إبعاده في الانتفاضة الأولى 1987.
ويقول هنية: إن العلمي ساهم "ربما" في زرع بذور العلاقة التي تمتد لنحو عقدين ونصف العقد، مشيرا إلى أنه "نجح في فتح فضاءات مختلفة من العلاقة السياسية والعسكرية مع طهران، التي أصبحت الحليف الإستراتيجي الأعمق والأقوى".
وترسّخت العلاقة أكثر بداية تسعينيات القرن الماضي، مع فترة إبعاد قيادات حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، وهي فرصة أتاحت التواصل مع قيادات مختلفة في إيران وحليفها "حزب الله" اللبناني.
وفي عام 1998، تولى سليماني مسؤولية "قوة القدس"، وبدأ بفتح قنوات عسكرية مباشرة مع الفصائل الفلسطينية وفي مقدمها حماس، وتركَّزت أبعادها المكانية في دمشق وبيروت، بحكم الوجود الفلسطيني هناك.
وزاد عمق التواصل خروج قيادة المكتب السياسي للحركة برئاسة خالد مشعل –آنذاك- من الأردن، واستقراره في دمشق، مما سهل عملية التواصل مع القيادتين الإيرانية والسورية، وفق ما جاء في مقال هنية.
ويضيف: "مع خروج الشيخ الشهيد أحمد ياسين من سجون الاحتلال آنذاك، وزيارته إلى طهران وبيروت، بدأت العلاقة تتّخذ خطوات إستراتيجية أعمق على الأصعدة كافة، وتُترجم عبر برامج عملية مختلفة بين الطرفين".
ومع اندلاع أحداث الانتفاضة الثانية (اندلعت في 28 سبتمبر/أيلول 2000)، ترسَّخت جذور التعاون العسكري عن طريق التعاون مع النظام السوري و"حزب الله"، في نقل العتاد والسلاح، فيما احتفظت إيران بدور الداعم المالي واللوجستي المباشر.
ويشير هنية إلى أن "العلاقة بين الطرفين سببت إشكاليات عميقة لحماس في مكونات عمقها السنّي من جهة، والنظام العربي من جهة أخرى، والذي وجد فيها تهديدا مباشرا له، خاصة مع النظامين المصري والسعودي".
وبعد التوتر الذي سببته الثورة السورية، يقول هنية: "فصائل المقاومة وفي مقدمها حماس، نجحت في إعادة ترميم العلاقة (..)"، تزامُنا مع الحرب التي تشنها السعودية على قيادات الحركة بزعم تمويلها وجلبها للتبرعات.