آنسة بجماعة القبيسيات لـ"الاستقلال": هذه حقيقة علاقة الحركة بالأسد

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعرَّف "القبيسيات" بأنها جماعة دينية إسلامية، صوفية الجذور، تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن تعدادها يصل 150 ألف امرأة، لأن تنظيمها يعتمد على النساء حصرا قيادة وأفرادا في حالة ربما تكون الأغرب بين الحركات الدينية الأخرى. 

جاءت التسمية نسبة إلى "الآنسة الأم" منيرة القبيسي (86 عاما)، التي تتلمذت على يد مفتي سوريا الراحل الشيخ أحمد كفتارو، المشهور باتباعه الطريقة "الصوفية النقشبندية".

بدأت الحركة بالنشاط سرا منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، في الشام وتحديدا العاصمة السورية دمشق، إلى أن سمح لها النظام بالخروج للعلن في 2006 وعقد اللقاءات في المساجد بدلا من البيوت المغلقة.

منذ ذلك الحين، وإلى اليوم هذا خرجت تقارير عدة تتحدث عن الجماعة، لكن المعلومات عنها تبقى شحيحة بسبب عدم خروج أي من أفرادها للحديث والتصريح بما يجري داخل الجماعة، أو حتى نفي ما يروج عنها بعد أن ارتبط اسمها بنظام بشار الأسد بعد الثورة في سوريا.

وأشارت تقارير، استنادا إلى صور لـ"آنسات" مع بشار الأسد، أنها موالية له وهو ما توضحه "س.ش" وهي إحدى "الآنسات" من داخل الجماعة التي تواصلت معها صحيفة "الاستقلال"، بعد أن أتت كل المعلومات التي تخرج عن الجماعة على لسان منشقات عنها.

رفضت المتحدثة للصحيفة الكشف عن اسمها وهويتها خوفا على سلامتها وأسرتها، لكنها حرصت على توضيح عدد مما سمته "مغالطات" تروج عن الجماعة التي يتساءل البعض إن كانت جماعة دينية أو تنظيما سياسيا دينيا، وبهذا الخصوص قالت المحاورة: "القبيسيات جماعة نسائية دينية ليست تنظيما سياسيا إنما دعويا، هدفها الأساسي نشر الدعوة بين صفوف النساء في كل المجتمعات".

ليست سرية

انطلقت الجماعة، بحسب المنتمية لها، من الشام ثم توسعت في باقي الدول المجاورة عبر دروس في الفقه السيرة وتحفيظ القرآن الكريم وتفسيره وحسب قولها "مهما كانت الأسرة متدينة هي غير قادرة على تربية الأطفال على حفظ القرآن والتجويد والعلوم الشرعية، فكانت الجماعة سبيلا إلى ذلك، أي التنشئة على الشريعة الإسلامية".

بدأت الجماعة بالنشاط سرا وكانت تعقد حلقاتها الدعوية في البيوت، وبدأ نشاطها يتوسع بعد توريث كرسي الحكم لبشار الأسد، خلفا لأبيه حافظ في العام 2000، ورغم السماح لها بعقد اللقاءات في المساجد إلا أن السرية ظلت تحيط بها، فلا يتمكن سوى من يدورون في فلكها من معرفة ما يجري في الداخل.

وهو ما تنفيه "س.ش" بالقول: إن كل الجماعات كانت ممنوعة ليس فقط القبيسيات، فالدولة لم تكن تسمح بنشر الدعوة في المساجد، ولذلك اضطرت الجماعة إلى جعل نشاطها داخل البيوت. موضحة أنه "عندما سمح النظام بأن تدعو من المساجد خرجت إليهم ولم تبق حبيسة البيوت".

بدأ الاهتمام بالجماعة من فترة بسيطة قبل 2006 عندما رخص لها النظام بإجراء لقاءاتها في المساجد، لكنها إلى اليوم لم تعين متحدثة رسمية باسمها، وهو ما تستبعد المتحدثة حصوله في الأيام المقبلة، معتبرة أن "الجماعة ليست سياسية إنما دعوية، وأن أي جماعة ناجحة للدعوة يكون وراءها من يسعى إلى تشويه صورتها وسمعتها".

وفي المقابل، أفادت العضوة أنه "لا يمكن لأي منتمية للجماعة موجودة داخل سوريا أن تتحدث بشكل صريح، خصوصا وأن القبيسيات تجري محاربتهن من الناحية السياسية لا الدعوية"، رغم أن المعلومات التي تخرج ليست كلها لها علاقة بالسياسة بقدر ما تتعلق بالشق الدعوي.

لماذا الأغنياء؟

تنشط الجماعة بشكل خاص بين طبقة الأثرياء، بحسب تصريحات منشقات عنها للإعلام، ما جعل المفكر محمد شحرور يذهب إلى حد القول: إن القبيسيات تمثل "شبكة تخترق صانعي القرار في سوريا وتسعى إلى إقامة دولة إسلامية". 

نشاطها بين طبقة الأثرياء "أمر لا يمكن إنكاره" بحسب "س.ش"، لكنها تفسر الأمر بشكل مختلف وتقول: "الطبقة المستهدفة كانت طبقة المتعلمين بالدرجة الأولى، كانت الجماعة أقرب إلى الأغنياء لكنها لم تهمش أبدا الفقراء وغير المتعلمين. المال والعلم قوتان لا يمكن الاستهانة بهما، والاقتراب من دوائرهما يعطي للجماعة قوة وتأثيرا، لكن الجماعة لم ترد طالبا أبدا".

وردت المتحدثة عن كون الخطوة مدروسة لجعل الجماعة أكثر تأثيرا، بالتوضيح: "أي مشروع كيفما كان نوعه هو بحاجة إلى الدعم، وهذا الداعم يكون دائما صاحب المال وصاحب العلم".

خروج الأخبار عن الجماعة باستمرار على لسان المنشقات عنها، يجعل الحديث عن التعامل بتشدد مع الطالبات يكثر، من قبيل أن فرض الطاعة المبالغ فيه لـ"الآنسة" وأمرها للطالبات بالامتثال حتى بشأن حياتهن الخاصة، هي أسباب تدفع إلى انشقاقهن.

"كنت طالبة في الجماعة منذ صغر سني ولم أر أبدا ذلك"، تقول "س.ش" قبل أن تزيد: "وجود بعض الحالات المنفردة لا تمثل سوى أصحابها، ولا يمكن تعميمها. ففي هذه الحالات يتعلق الأمر بالتأكيد بآنسات مبتدئات داخل الجماعة لا بالمؤسِسات".

وتابعت ضيفة "الاستقلال" موضحة: "مثلا حديث الطالبات عن شؤونهن الخاصة يكون اختياريا ولا أحد يجبرهن على ذلك. عمر الجماعة طويل والمؤسسات بدأن بشكل جيد، لكن من عقبوهن قد يكن ارتكبن أخطاء. لا أنفي وجود حالات، لكن تعميمها والتضخيم فيها هو الترويج لمغالطات". 

سر الرهبنة

يبدو أن المغالطات كثيرة، على حد اعتبار "س.ش"، فقد رصدت تقارير إبعاد المريدات أو الطالبات عن الزواج بدعوى الإخلاص التام للجماعة وأن تكوين أسرة سيشوش عليهن، وهو ما أوضحته المتحدثة بوجود قسم مهم من المؤسسات أغلبهن غير متزوجات، دون أن يعني ذلك أنهن كن يمنعن الزواج في صفوف الجماعة، وبالتالي فإن إعراض بعض الطالبات والآنسات هو اختيار شخصي وليس بتوجيه من الجماعة.

ولا تعتبر العضوة في الجماعة أن هؤلاء المؤسسات يتحملن جزءا من المسؤولية باعتبارهن القدوة، قائلة: إن "أخذ البشر كقدوة هو التعرض للخطأ مثلهم. الطالبة التي تقلد آنسة لم تتزوج لسبب ما لا يعني أنها دعيت لذلك، وإلا سيكون الأمر دعوة للرهبنة وهو ما يتعارض مع الإسلام أساسا الذي تدعو الجماعة إلى نشره بشكل صحيح".

من جهة أخرى، نعتت مجموعة من التقارير المنشورة الجماعة بأنها تفتقر إلى رؤية فكرية عميقة، وهو ما ردت عليه "س.ش" بالقول: "مجال اهتمام الجماعة هو العلوم الشرعية والتاريخ الصحيح والجغرافيا، وهدفها هو تنشئة البنات على هذه الأمور بالإضافة إلى تعليمهن أمور دينهن، ليس أكثر". 

لقاء بشار

لفتت "القبيسيات" الأنظار إليها عقب خروج صور لقاء جمعهن برئيس النظام السوري بشار الأسد، في خطوة غير مألوفة من نظام اعتاد شيطنة الحركات والتنظيمات الإسلامية بهدف قمعها، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن طبيعة التنظيم وعلاقته بالسلطات. 

تعتبر ضيف "الاستقلال" أنه لا وجود لدليل يثبت أن من اجتمعن بالأسد هن القبيسيات، وذهبت إلى حد القول: "ليست كل من لبست لباس الجماعة فهي منها. يمكن أن تكون الصور لسيدات سوريات أتى بهن النظام على أساس أنهن القبيسيات لتمثيل الجماعة".

العضوة أوضحت أنه "طالما أن أفرادا من الجماعة يوجدن داخل سوريا، فهن لا يستطعن رفض دعوة النظام، حتى وإن كن رافضات للظلم، فهذا لا يعني سوى أنهن سيُغتلن أو يهجرن أو يعتقلن. وبالتالي إن كانت الصورة تظهر القبيسيات فعلا، فإنهن كن مضطرات لذلك".

مضيفة: "للجماعة رأس أو قيادة ترجع لها فيما يخص أمر كمقابلة رئيس النظام، لكن لا يوجد داخلها رئيس ومرؤوس ونائب وأمين سر، وإلا سنكون بصدد الحديث عن جماعات سياسية ومؤسسات تنظيمية، في حين أن الأمر يتعلق بجماعة عادية"، على حد تعبير "س.ش"، التي توضح أن "البداية كانت مع منيرة القبيسي، وهي سيدة متعلمة اجتمعت حولها مجموعة من صديقاتها بدأن بدعوة السيدات والطالبات لحفظ القرآن".

في الوقت ذاته قالت المتحدثة: إنها "لا تعتقد أن تجتمع عدد من القبيسيات وتقررن زيارة النظام دون الرجوع إلى القيادة في أمر كهذا"، نافية علمها بأن يكون "هذا توجه جديد للجماعة".

ما قبل الثورة

ورجوعا إلى علاقة الجماعة بالنظام قبل الثورة، شددت المتحدثة أن "النظام لم يكن يقبل أن تقوم أي جماعة بالدعوة بشكل علني، وبالتالي لم تكن للجماعة أي علاقة بالسياسة، كان همها نشر الدعوة، وكانت أغلب عضواتها سيدات مجتمع لدعم معنوي ومادي للجماعة لكن بعيدا عن السياسة". 

وأردفت المحاورة: أن "8 سنوات مرت على الثورة، ويمكن أن تتغير أمور عديدة دون أن تكون الجماعة راضية عنها"، إجابة على احتمالية أن تكون الجماعة، مع الوضع الجديد، مضطرة لتقديم الولاء للنظام أو حتى مسايرته، للتمكن من مواصلة نشاطها وخصوصا داخل دمشق مركز وجودها.

وعن دور القبيسيات في الثورة السورية، تقول "س.ش": "الجماعة لم تشارك، هن من الشعب الذي خرج جزء منه ضد النظام، وجزء آخر بقي مؤيدا له، بينما اختارت مجموعة ألا تصطف لا مع هؤلاء ولا مع أولئك، القبيسيات من الفئة الأخيرة. بينهن أمهات الشهداء ومنهن من قضت نحبها ومن سجنت ومنهن من اختارت الصمت، لكن كمشاركة في الحراك السياسي لم تعلن القبيسيات عن أي موقف". 

وفي حين تحدثت تقارير عن جماعة "حرائر القبيسيات" المنشقة عن الجماعة الرئيسية، والتي تصرح أنها تدعم الثورة، نفت "س.ش" معرفتها بهؤلاء وقالت: "من خرجن من سوريا يمكنهن التعبير عن رأيهن في الثورة والانضمام لها بكل حرية، أما من هن في الداخل فيصعب عليهن ذلك، هؤلاء لا يملكن سوى خيارين إما الصمت أو مسايرة النظام، لكن الولاء له يعني الاتفاق والرضا وذلك غير موجود".

خارج الحدود

بعد الحرب والتهجير تنشط القبيسيات في مجموعة من الدول منها تركيا وأوروبا، وعن وجود تنسيق بين هؤلاء والجماعة، قالت المتحدثة: "من في الداخل يخافون التواصل مع اللاتي في الخارج، خصوصا تركيا، لكن من نشأت وسط الجماعة وخرجت إلى بلد آخر فهي تستمر في ممارسة نشاط الجماعة، المتمثل في نشر الدعوة الإسلامية المعتدلة، وهذا هدف أي مسلم".

الجماعة ليس لها أي ميل للتشدد، تقول "س.ش": "نشأت فيها سيدات المجتمع الراقي وجامعيات، فحتى وإن خرجن من سوريا فلن يتغير شيء، فبالنسبة لهن هذا فكر وعقيدة. وهناك تواصل مستمر بين الآنسات من داخل سوريا وخارجها لكن في بلدان غير تركيا".

ولا تقصد المتحدثة بالتواصل "توجيها بقدر ما هي استشارات في أمور الدين والدروس التي تعطى للطالبات، بهدف الاستفادة من علم المنتميات للجماعة الموجودات إلى الآن داخل الشام". 

تحدثت عضوة الجماعة أكثر من مرة عن الطبقات الراقية، ما جعل "الاستقلال" تسأل عن الطبقة الفقيرة أو النساء اللاتي لم يحالفهن الحظ ليكن متعلمات، وإن كانت الجماعة تسعى إلى الوصول لهؤلاء.

فأجابت "س.ش": "الجماعة تسعى دائما إلى الوصول لكل الشرائح، وأي سيدة أو فتاة تحس الآنسات أنها على استعداد للتعلم يتم ضمها للجماعة، وليس بالضرورة المحجبات منهن، وليس فقط الناس العاديين، فقبل الثورة لم تكن الجماعة تفرق بين ابنة أو زوجة مسؤول وبين ربة بيت من الطبقة الفقيرة".

وختمت بالقول: "الهدف هو نشر الدعوة بين كل فئات المجتمع وليس أشخاص معينين، لكن الجماعة ركزت أكثر على من سيعطيها قوة وإشعاعا سواء من الجانب المادي وكذا المعنوي، وهنا أقصد المتعلمات، فهؤلاء يسهل استيعابهن للمعلومة وتلقينها بدورهن للطالبات الجدد".