في الصراع المحتدم بين حفتر والوفاق.. لماذا مصراته وترهونة؟

زياد المزغني | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نحو 9 أشهر مرت منذ إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بدء عمليته لغزو العاصمة الليبية طرابلس واحتدام الصراع مع قوات حكومة الوفاق، ولا تزال جغرافيا المعارك يشوبها التأرجح بين كر وفر، وفترات هدوء وأخرى احتدام.

فبين تقدم وتأخر على المحاور الجنوبية للعاصمة الليبية، ونشر لأخبار بعضها زائف وبعضها حقيقي، للترويج لانتصارات لجيش المشير المتقاعد بالسيطرة على مبنى أو شارع في أحواز العاصمة، تأتي الأخبار لمعارك أخرى في تخوم مدن إستراتيجية في ليبيا.

مساء 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019، شنت قوات حكومة الوفاق الليبية هجوما لمحاولة السيطرة على مدينة ترهونة، أسفر عن وقوع خسائر وإحداث حالة ارتباك بين صفوف قوات حفتر المحاصرة لطرابلس.

قبل أشهر سبق الهجوم من قبل قوات الوفاق على ترهونة (القوس الشرقي)، ما يؤكد إصرارها على دخول المدينة، والسيطرة عليها على غرار ما حدث في مدينة "غريان (القوس الغربي)" جنوب طرابلس، كون "ترهونة" تعد الآن مقر عمليات لقوات "حفتر" وتمركزاته.

هجوم مباغت

شنت قوات حكومة الوفاق، مساء الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول، هجوما مباغتا على مسلحي ميليشيا حفتر في مدينة ترهونة، الواقعة جنوب العاصمة الليبية طرابلس.

وأعلن رئيس هيئة أركان جيش الحكومة الليبية الفريق محمد الشريف، أن قواتهم باتت قريبة من وسط مدينة ترهونة، وتتقدم في بقية محاور جنوبي العاصمة طرابلس، بعد انسحاب مسلحي حفتر منها.

وطمأن الشريف، في تصريحات لقناة "ليبيا الأحرار" أهالي ترهونة، وطالبهم بالابتعاد عن مواقع المسلحين فيها حفاظا على أرواحهم.

ورغم أنه سبق لقوات الوفاق الإعلان عن طرد مسلحي حفتر من منطقة الداوون، (25 كلم شمال شرق مدينة ترهونة)، التي تتوسط مدينتي مسلاتة وترهونة، إلا أن هذا الهجوم يعد الأول من نوعه باتجاه المدينة، التي تعتبر مركز العمليات الرئيسة لمليشيات حفتر، بعد سقوط مدينة غريان، بيد قوات الوفاق، في 26 يونيو/ حزيران الماضي.

في المقابل، أكدت قوات "حفتر" أنها استطاعت صد الهجوم على "ترهونة" وإحباط محاولة قوات الحكومة السيطرة على المدينة، واصفة الهجوم بـ"الفاشل".

أهمية ترهونة 

ترهونة مدينة لا تفصلها عن طرابلس أي مساحات أو حدود طبيعية ولا حتى أحراش أو غابات أو مساحات مفتوحة، ويبعد مركز مدينتها  90 كيلومتر فقط عن مركز مدينة طرابلس، فهي عمليا جزء من جغرافيا العاصمة وامتدادها العمراني.

وعند الحديث عن تأمين العاصمة الليبية طرابلس، فالأمر لن يتأتى لو تمكنت قوة معادية من السيطرة على مدينة "ترهونة"، وهي الآن المدينة الوحيدة التي يسيطر عليها حفتر في الغرب الليبي، ويتخذ منها مركزا لإدارة عملياته.

وتعي حكومة الوفاق أهمية السيطرة على ترهونة من أجل إنقاذ طرابلس، فالمدينة التي أصبحت شبه محاصرة يعني استعادتها من حفتر إتاحة الهجوم على قاعدة الجفرة الجوية الإستراتيجية، وإنهاء وجود قوات حفتر في مدن وبلدات إقليم فزان (جنوب غرب).

وفي حال تمكنت قوات حفتر بمدينة ترهونة من فتح جبهة مواجهة، لقطع الطريق بين طرابلس ومصراتة التي تبعد عنها 200 كلم، والتي تعتبر من أهم المدن الموالية للوفاق وتضم أفضل المقاتلين والعتاد في ليبيا، فإن طرابلس ستخسر دعما بشريا ولوجستيا مهما.

الخبير في الشأن الليبي البشير الجويني يؤكد أن ترهونة تمثل "عمق التمرد الحفتري" باعتبارها آخر معاقل اللواء المتمرد في المنطقة الغربية.

وقال الجويني لـ"الاستقلال": "ترهونة لاتمثل أهميتها فقط من جهة احتوائها غرفة عمليات قوات حفتر الأهم فحسب، بل لكونها أيضا بؤرة تجمع لجل معارضي حكومة الوفاق من فلول نظام القذافي المناوئين لمنظومة ثورة 17 فبراير/شباط 2011".

وأكد الخبير في الشأن الليبي أن "المصادر الميدانية تتحدث عن تقدم وكر وفر بين الجانبين وسط أجواء حرب حقيقية مع محاولات خجولة لوساطة تجنب المدينة الأسوأ، لكن في كل الحالات الأيام القليلة المقبلة ستجلب على الأرجح الجديد سواء باقتحام المدينة من قبل قوات الوفاق أو التوصل إلى حل يحقن الدماء".

مدينة الثورة

تعتبر مصراتة ثالث أكبر المدن الليبية، وتقع على بعد 200 كلم شرق طرابلس، ويقطنها نحو نصف مليون نسمة، كما تعد من أكبر الداعمين للمجلس الرئاسي الليبي في المعركة التي يخوضها في أطراف العاصمة الجنوبية.

تبرز أهمية مصراتة في كونها تمتلك أكبر ترسانة عسكرية وأكثر من 150 كتيبة مسلحة، إضافة إلى مخازن ضخمة من الأسلحة حصل عليها أبناء المدينة من مخازن النظام السابق.

بعد أيام من إعلانه ساعة الصفر لاجتياح طرابلس، أعلن حفتر مهلة 3 أيام لقوات مصراته من أجل الانسحاب من محاور القتال في طرابلس، مهددا بقصف كل المواقع الحيوية في مدينتهم في كل الأوقات، تمهيدا لاجتياحها.

وحددت قوات حفتر في 20 ديسمبر/كانون الأول هذه المهلة بثلاثة أيام، ثم أعلنت تمديدها 3 أيام أخرى، انتهت ليلة 26 ديسمبر/ كانون الأول، دون أن يتغير شيء في الواقع.

وخرج أهالي مدينة مصراتة إلى الشوارع، للتعبير عن تحديهم حفتر وقواته، بالتزامن مع انتهاء المهلة التي أعلن عنها أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم قوات حفتر، مؤكدين تمسكهم بمواصلة الدفاع عن طرابلس ورفضهم سحب أبنائها من المعركة.

سبق وأعلن المجلسان البلدي والعسكري في مدينة مصراتة، منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019، حالة النفير القصوى وإرسال كل القوات للمشاركة في عمليات الدفاع عن العاصمة طرابلس، في وقت أعلنت فيه عدة مدن أخرى حالة النفير للتصدي لهجوم حفتر.

ساعة الصفر!

وقال مصطفى المجعي الناطق باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق: إن "تمديد قوات حفتر مهلتها لقوات مصراتة للانسحاب ما هو إلا مبرر لفشلها بساعة الصفر لاقتحام طرابلس، والتي تم الإعلان عنها سابقا".

وأشار المجعي في تصريحات صحفية نشرت على صفحة عملية "بركان الغضب" على فيسبوك، إلى أن المدينة "أعلنت في وقت سابق حالة النفير، واختارت المواجهة وصد عدوان حفتر على العاصمة".

أما الباحث في الشأن الليبي البشير الجويني فيرى أن "قوات مصراتة كما يعلم المتابعون هي الأكثر تسليحا وتنظيما والأهم والأكثر مصلحة في طرد حفتر وإنهاء تمرده".

وأضاف الجويني: "قوات مدينة مصراته لم تدخل حتى الآن بكامل قوتها بشكل مباشر في الحرب الدائرة في محيط طرابلس، لذلك من المبكر الحكم على تأثيرها في نتائجها، والذي سيكون حاسما في حال ألقت هذه القوات بثقلها كله في المعركة ما قد يغيّر موازين القوة على الأرض لصالح الحكومة الشرعية".

المؤكد أن الأطراف والقوى الإقليمية الداعمة لحفتر توصلت إلى قناعة حقيقية أن انتصارات الجنرال تكاد لا تتخطى حنجرته وتصريحاته الإعلامية، فسبق لحفتر أن أعلن أكثر من مرة أنه سيدخل طرابلس خلال ساعات دون أن يتحقق ما وعد به.

وعندما بدأ حفتر الهجوم على طرابلس في 4 أبريل/نيسان الماضي، زعمت قواته أنها ستسيطر على العاصمة في 48 ساعة، غير أن هجومه ما زال متعثرا رغم مرور نحو 9 أشهر حتى الآن.

من جهته، قال رئيس مجموعة الاتصال الروسية لتسوية النزاع الداخلي الليبي، ليف دينغوف: "تصريحات حفتر حول التقدم على خط المواجهة إلى طرابلس لا تدعمها نتائج ملموسة، وليس لديه أي تقدم جدي".

واستشهد دينغوف في تصريحاته لوكالة سبوتنيك بتحذيرات حفتر التي وجهها لألوية مصراتة بضرورة مغادرة طرابلس على وجه السرعة، وإلا فإنه سيبدأ قصف مصراتة.

وأضاف دينغوف: "يفهم أن مصراتة اليوم قوة جدية تحمي غرب ليبيا. لكن بعد مرور 3 أيام يعلن حفتر أنه يعطي 3 أيام أخرى. وهذا يعني أنه لن يتقدم كما يعد على ما يبدو، بوجه عام، تصريحات حفتر لا تدعمها نتائج ملموسة".