خطوات بطيئة.. كيف تسير تركيا في طريق تزعّم المنطقة؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "قرار" التركية مقالا للكاتب أحمد تشاجيرين، سلط فيه الضوء على الموقف التركي من الأزمتين السورية والليبية، لافتا إلى أن التدخل الروسي المتصاعد في المنطقة يزيد من خطورة الوضع المعقد أصلا، حيث أنها على النقيض من موقف أنقرة الرسمي.

وقال الكاتب في مقاله: إن موقف تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تجاه كل ما يحدث في ليبيا وسوريا مختلف تماما عن بعض حلفائها ومنها موسكو، فهي - أي أنقرة -  تدعم المعارضة في سوريا والنظام بليبيا، وتقف بوجه الانقلابيين في ليبيا والنظام في سوريا.

وذكّر تشاجيرين بمقولة للرئيس أردوغان ووزير خارجيته تشاووش أوغلو والتي أكدا فيها خلال تصريحات في أوقات مختلفة إنه "ومن الآن فصاعدا بدون تركيا لا يمكن تنفيذ أي مخططات تذكر في الشرق الأوسط".

تأثيرها بالمنطقة

ورأى الكاتب أن هذه التصريحات تؤكد أن هناك أملا، وأن أثر وتأثير تركيا في المنطقة يتزايد وبشكل مستمر، حيث وقفت بشكل ثابت أمام حروب الجغرافية ومحاولات تهميش بلاد الأناضول عبر ألاعيب مختلفة، وهي أيضا حالة زاد فيها هذا الأمل خلال انطلاق ثورات "الربيع العربي".

وأكد أن تركيا لا تزال تبذل جهدا مضاعفا وسط هذه الأمواج المتلاطمة من أحداث في المنطقة، حملات إستراتيجية وعسكرية في كل مكان، وتقييمات مستمرة ثانية بثانية، فمن جهة برود العلاقات مع مصر وسخونتها مع قطر، وقلق العلاقات التركية مع السعودية والإمارات.

ولفت الكاتب إلى أن العلاقات مع إيران والعراق تشبه المد والجزر، منوها إلى أن العلاقات مع روسيا المتشعبة سواء المباشرة مع تركيا أو تلك التي في سوريا وحاليا في ليبيا، هي "تحركات إستراتيجية من أوروبا إلى أمريكا، لأن الجغرافيا تحمل قيمة جغرافية إستراتيجية خارج حدودها".

ورأى أنه وفي الواقع، يعكس الادعاء بالثقة في النفس، في حين أن التحذيرات تعطي انطباعا بالقلق، وهذا يعمل على دفع الأمة للنجاح والصبر على الوصول اليه".

سوريا وليبيا

واستطرد الكاتب: "في الوقت الراهن الموضوعين الأكثر حيوية هما كل من سوريا وليبيا، وهما بعيد الربيع العربي دخلا في وضعٍ مضطرب ومع ذلك في كلا البلدين هناك سلطات شرعية تعترف بها الأمم المتحدة، وكلاهما كذلك، توجد بها مجموعات تقاتل تلك السلطات والعكس".

وأدف: أنه "من المثير للاهتمام أن روسيا لديها تدخلات في كلا البلدين ولكن بشكل مختلف، ففي حين تدعم النظام في سوريا تدعم المتمردين (قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر) في ليبيا".

ونوه الكاتب إلى أن تركيا كذلك لديها أيضا موقفين مختلفين، ففي حين هي تدعم المعارضة في سوريا تدعم الحكومة في ليبيا وذلك على الرغم من الأمم المتحدة ما زالت تعتبر بشار الأسد رئيسا شرعيا في سوريا، لكن أنقرة بالمقابل تعارض هذا وتقف قبالته، وليس بجانبه، حيث تدعم الجيش الوطني السوري التابع للمعارضة وهو ما يعده الأسد في سورية "جيشا إرهابيا".

ومن ناحية أخرى، يضيف الكاتب: أن روسيا زعم أن وجودها في سوريا كان بدعوة من النظام في دمشق، في حين يرى هو- أي النظام – في القوات التركية قوات أجنبية ويرغب منها أن تخرج من الأراضي السورية.

وفي ليبيا، رأى الكاتب أن الوضع يختلف إذ أن الأمم المتحدة تعترف بالفعل بحكومة فايز السراج، رئيسا شرعيا للبلاد، وأنقرة في هذه النقطة تقف بجانبه، وتعترف به كذلك، بل وتدعمه وتدعم صموده، حيث توصلت أنقرة على اتفاق معه، يخص الجرف القاري بين البلدين.

وتابع: تلك المذكرة التي أثارت غضب الكثيرين ومن بينها اليونان، ومع ذلك أنقرة مستمرة في تطبيق بنود هذه الاتفاقية بل وحمايته حتى آخر نفس ولو وصل الأمر لإرسال جنود أتراك إلى ليبيا، وقد أعلن بذلك غير مرة الرئيس أردوغان، بغض النظر عن كيفية إرسال الجنود واحتمالية ذلك من عدمه.

وكان الرئيس التركي، أشار إلى تكليف وفد يضم نائبي وزيري الخارجية والدفاع ومسؤولين من الاستخبارات والأمن القومي، بزيارة موسكو خلال فترة قصيرة و وأوضح أن هذا الوفد سيناقش القضايا الإقليمية بشكل مفصل مع الجانب الروسي.

وبيّن أردوغان أنه طلب من بوتين أن تكون المباحثات بناءة وتتوصل إلى نتيجة في فترة قصيرة، وأن الأخير قال إنه سيصدر التعليمات اللازمة بنفس الشكل، وأردف: "اتفقنا كذلك على مسألة المباحثات حول ملفي ليبيا وسوريا". وأكد أن بلاده ستعمل على تسريع التعاون بين تركيا وليبيا، و "عبّرنا للجانب الليبي عن استعدادنا للمساعدة في أي لحظة إذا تطلب الأمر، بما في ذلك التعاون العسكري والأمني".

وبحسب الكاتب، فإنه ليس من الواضح ما الذي سيتطور في سوريا، لكن موسكو مستمرة في حماية النظام في دمشق، وبخصوص الحالة الليبية، فالوضع مختلف بالفعل، إذ أن السراج وهو الذي يمثل النظام، يسيطر على مناطق صغيرة نسبيا جغرافيا بعكس الجنرال المتقاعد والمتمرد على الحكومة في طرابلس خليفة حفتر حيث يسيطر على المنطقة الأكبر في ليبيا.

"وهنا يمكن وصف الوضع بأنه مثير في ليبيا، ففي حين أنقرة تدعم الحكومة المعترف بها دوليا ومنها الأمم المتحدة، روسيا تقف إلى جانب المجموعات المتمردة بقيادة حفتر، وهناك داعمين كثر له، ومن الواضح أن معدل الدعم الدولي لحفتر على حساب السراج في صعود مستمر"، بحسب الكاتب.

المبدأ التركي

وأشار إلى أن تركيا لا تلجأ إلى القوة العسكرية دائما، ولا تعتبر أن ذلك هو الحل النهائي، ومبدؤها في المعظم عند حل النقاط العالقة هو اللجوء إلى عقد الاتفاقيات، وهو الأمر الذي تكرر غير مرة مع روسيا سواء في سورية أو في غيرها وهو ما يبدو أنه سيتكرر في ليبيا، حيث الدعم الواضح والمعلن من موسكو إلى حفتر.

وتابع الكاتب: غير أن تركيا لديها حساباتها في هذه المسألة وهي حسابات بدأت مع بداية القرن العشرين، متعلقة تماما بالجغرافيا، وهذه الحسابات تتعلق بالكثير من الأمور الأخرى سيما القوة الدبلوماسية والاقتصادية وبالطبع العسكرية وهنا النقطة الحساسة من القضية.

وبين أن الوضع فيه شيء من الضبابية حول ماهية القرار الذي يمكن اتخاذه خلال الأيام المقبلة، لكن، بعض التصريحات المنشورة في وسائل الإعلام تفيد  بما يمكن اتخاذه من خطوات في المستقبل القريب.

وضرب الكاتب بعض الأمثلة على ذلك منها، تلك التصريحات المهمة التي أدلى بها إيلكر باشبوغ أحد رؤساء الأركان العامة السابقين، والذي يقدم تقييمات إستراتيجية بين الفينة والأخرى، حيث قال: "من أجل حماية مصالح الأمة، يجب أن تكون ذلك في إطار صلاحيات السلطات؛ فالسعي لتحقيق الأهداف الوطنية خارج حدود السلطة الوطنية، يمكن للبلاد مواجهة الكوارث".

ونقل عن المسؤول العسكري السابق: "من الخطأ والخطير التعامل مع السياسة الخارجية من منظور الأفكار الأيديولوجية والدين والطائفة، من المهم التفكير بناء على المصالح الوطنية للبلاد".

كما نقل أيضا عن المسؤول العسكري المتقاعد العميد نعيم بابور أوغلو، والذي قال: "لو انتصر حفتر في ليبيا فذلك يمثل تهديدا كبيرا بالنسبة لتركيا، ومع ذلك يجب أن يكون إرسال الجنود الأتراك إلى ليبيا هو الخيار الأخير".

وشدد بابور أوغلو على أنه لو تواجه الأتراك مع الروس في ليبيا، فذلك ينعكس بشكل قاطع في المسألة السورية، داعيا إلى ضرورة التريث ومراقبة الموقف الأمريكي وكيفية التصرف إزاء هذه التطورات، حسبما نقل الكاتب.


المصادر

الكلمات المفتاحية