وسط صمت دولي.. هذه أسباب تصعيد روسيا ونظام الأسد بإدلب

يشهد العالم تصعيدا عسكريا روسيا- سوريا غير مسبوق في محافظة إدلب السورية، وسط صمت دولي وكأن إدلب ليست على خريطة العالم، فلماذا يصمت المجتمع الدولي رغم الضرر البالغ الذي يلحق بأطرافه؟، وماذا فعل العالم في حرب الإبادة المستمرة منذ تسع سنوات؟.
وكانت روسيا مهدت لتصعيدها في إدلب بالادعاء أن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا) تخطط لاستفزازات باستخدام الكيماوي في المحافظة، زاعمة وصول حاويات كيميائية مختلفة إلى مدينة سرمدا في ريف إدلب برفقة مسحلين مطلع الشهر الماضي.
وبذلك المبرر صعدت روسيا والنظام السوري على مدار الأيام القليلة الماضية ونفذت سلسة غارات جوية، استهدفت مدن وبلدات عدة بريفي إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي، أسفرت عن مقتل عشرات السوريين بينهم أطفال ونساء، وتسببت في إصابة آخرين، ودفعت آلاف المدنيين للنزوح هربا من الموت إلى المجهول في عملية "تهجير قسري".
ووفق ما أفاد به محمد حلاج، منسق فريق "منسقي الاستجابة المدنية" في الشمال السوري، فإن 80 ألف مدني على الأقل نزحوا مما يسمى "منطقة خفض التصعيد" في إدلب، إلى المناطق القريبة من الحدود التركية هربا من قصف ميليشيا الأسد الطائفية وروسيا، وفقا لوكالة الأناضول.
وفي معرض رده على الصحفيين، الخميس 19 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن 50 ألف شخص يتوجهون من محافظة إدلب نحو الأراضي التركية في الوقت الحالي.
فيما لا تزال المشاهد المأساوية التي تنقل وتبث من سوريا تتكرر، أكثرهم تداولا مقطع فيديو لفتاة يحاول الدفاع المدني انتشالها من تحت الأنقاض في بلدة مرديخ بمحافظة إدلب، وهي تحاول الاستغاثة وتطلب رؤية أمها وأخواتها.
القضم التدريجي
وفي هذا الشأن قال العقيد أحمد حمادة المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي: إن الروس يعتمدون على سياسة القضم التدريجي للأرض واستخدام سياسة الأرض المحروقة وتهجير السكان بعد تحويل المدن والقرى إلى ركام.
وأوضح في حديثه مع "الاستقلال" أن قوات النظام والروس وإيران يحاولون الإستيلاء على المزيد من الأراضي متذرعين بالإرهاب وهم يقتلون الأبرياء، ويسعون للسيطرة على عدد من القرى ووجهتهم معرة النعمان التي يسكن بها حوالي 80 ألف سوري وهم من تظاهروا ضد هيئة تحرير الشام.
وأشار حمادة إلى أن التصعيد في إدلب دفع أكثر من 150 ألف مهاجر خلال الأيام الماضية مع فقدان الحياة في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، لافتا إلى أن الروس يريدون فرض واقع جديد من خلال السيطرة والتهجير وزرع الرعب لتوظيفه في تنفيذ سياستهم التي تقضي بإعادة تأهيل بشار الأسد.
الصمت الدولي
وفي محاولة للفت أنظار العالم إلى المأساة الإنسانية التي يعانوها، تظاهر آلاف السوريين، في حلب وإدلب في جمعة كسر الحدود 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري، للمطالبة بإيقاف الحملة العسكرية التي تشنها روسيا والنظام السوري على أرياف معرة النعماة بإدلب.
وردد المتظاهرون هتافات "بشار ولاك ما بدنا ياك، يا معرة نحنا معاكي للموت، يا إدلب نحنا معاكي للموت"، رافعين لافتات مكتوب عليها: "لن ننسى مجازركم، حتى الأطفال لم تسلم من قصفكم، عبثا تحاول لا فناء لثائر، إدلب جرح نازف فمن سيوقف النزيف؟".
وأجاب عمر قدور الكاتب والروائي السوري، على هذه التساؤل قائلا: إن "تكرار الكلام واجتراره عن لامبالاة العالم هو منذ سنوات بمثابة شكوى سورية مزمنة، تنتعش وتقوى مع كل موسم من المجازر، وتتوارى قليلا في فترات الهدوء على أمل ألا يكون عابرا، هي شكوى لا تتوخى تأثيرا، لأنها في الأصل يائسة ولديها كافة مقومات اليأس".
وأضاف في مقال له بعنوان "إدلب تباد: ماذا بعد؟" نشرته صحيفة "المدن" أن هذه الشكوى لا مفعول لها سوى تعزيز وتعميق الشعور العام بالمظلومية السورية، ولا شيء كبناء المظلومية على هذا النحو يمنح السلوى لمن يعلنون عجزهم عن حق، أو عن سوء تقدير لإمكانياتهم مهما بلغت من التواضع.
وبدوره، أشار الباحث والمحلل السياسي السوري فهد صقر، إلى أن العالم مشغول الآن وأصبح لا يبالي للشأن السوري، قائلا: إن أمريكا مشغولة بدونالد ترامب ومشاكله ومعاركه مع الديمقراطيين، وبريطانيا مشغولة بالبريكست، والأمم المتحدة مشغولة أو هكذا تظهر بلبنان والعراق وليبيا واليمن.
ولفت في حديثه مع "الاستقلال" إلى أن المناطق الساخنة في العالم كثيرة والإعلام إنتقائي بطبعه وله أجندة، إضافة الى أن العالم بمعظمه متواطئ مع الجلاد ضد الضحية في إدلب وكل أنحاء سوريا.
وقال الباحث السوري: إنه لا عجب في أن العالم يصمت ويدير ظهره لما يجري الآن من مجازر ترتكبها روسيا بحجة مكافحة الإرهاب ومحاولات النظام بالعودة الى إدلب ولو على حساب حمام دم متسلحا بصمت دولي مريب وعدم إكتراث.
وأضاف صقر: أن "المجتمع الدولي دعم وشجع بصمته على كل معارك روسيا والنظام الأسدي التي خاضوها ضد الشعب السوري والأطفال والنساء"، لافتا إلى أن المجتمع الدولي كان في بداية الثورة يعطي النظام الضوء الأخضر بالإعراب عن القلق.
واستطرد: "عندما انفضحت الشفرة وكلمة السر لم يعد أحد يعبر عن قلق، وأصبحت الإشارة الجديدة هي الصمت التام"، مؤكدا أن كل هذا الصمت والتعتيم الإعلامي يعطي النظام وروسيا المباركة والتشجيع الدولي لإنجاز المهمة لقتل آخر طفل سوري.
ورأى الباحث والمحلل السياسي السوري، أن "المجتمع الدولي لن يكون أكثر حنانا ورأفة على إدلب من درعا ودوما والغوطة والزبداني وحماة وحلب، ولذلك فعلى الثوار أن يعوا حقيقة واحدة، وهي أنه ليس لهم الا الله وسلاحهم".
وجزم صقر بأن كل التفاهمات وكل الاتفاقيات المبرمة، ليست إلا حبرا على ورق أمام هذا الجبروت والإجرام الروسي في ظل صمت وتواطؤ دولي وتآمر عربي.
نعي التفاهمات
وعلى ذكر نقض التفاهمات، فالقصف المتواصل من روسيا والنظام السوري على إدلب يعني أن كل الاتفاقات والمهادنات الضمنية أو المعلنة بينهم وبين قوى التفاوض سواء تركيا أو الدول الأوروبية المتضررة من الأحداث قد تم نعيها.
فقد وقع في أستانا عاصمة كازخستان، في 4 مايو/آيار 2017، كلا من "تركيا وروسيا وإيران"، كدول ضامنة لمراقبة نظام وقف إطلاق النار في سوريا، اتفاق لإنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد العسكري وتوفير الأمن للمدنيين، وكانت محافظة إدلب من بين المناطق المخصصة لذلك، إضافة ريف حمص الشمالي، والغوطة الشرقية، والمنطقة الجنوبية.
وفي 17 سبتمبر/أيلول 2018، توصلت تركيا وروسيا إلى اتفاق خلال اجتماع عقد في منتجع سوتشي الروسي، يبقي على منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها، على أن يتخذ الجانب الروسي جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، والإبقاء على الوضع القائم.
إلا أن ما يحدث أن قوات النظام السوري مدعومة من روسيا وإيران، تواصل شن الهجمات وقصف المناطق الداخلة ضمن اتفاق تخفيف التصعيد، وتبقى إدلب التي تصعد فيها الآن آخر معركة لتمكين نظام الأسد من استعادة سيطرته على المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة.
وكان الرئيس التركي طيب أردوغان، قد قال في سبتمبر/أيلول الماضي: إن منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب السورية "تختفي تدريجيا"، بسبب الهجمات التي تشنها القوات الحكومية السورية.
وبحسب "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، فإن مناطق خفض التصعيد لم تكن سوى خدعة روسية، هدفها الأساسي حسم الصراع في سورية عسكريا لمصلحة النظام والقضاء بالقوة على فصائل المعارضة، بعيدا عن أي حل يتضمن انتقالا سياسيا للسلطة.
ودعا المركز في تقريره، المعارضة السورية إلى وضع إستراتيجية سياسية تستهدف إفشال المخطط الروسي الساعي لإعادة تأهيل النظام بالتواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية والأوروبية.
أهداف النظام
وقال فهد صقر: إنه بالرغم من كل التفاهمات المذكورة، وغيرها الضمنية، إلا أن روسيا والنظام مازالوا ماضين في مجازرهم وقصفهم للمدنيين بهدف إضعاف الروح المعنوية وإرضاء لهمجيتهم وحبهم لسفك الدماء، ولتحسين موقفهم في مناطق سيطرتهم.
واعتبر ما يجري في إدلب إعادة تكرار لما جرى في حلب، واتباع روسيا والنظام السوري سياسة الضرب بعرض الحائط بكل القيم والمواثيق الإنسانية، واستهداف المدنيين والمرافق في حربهم المسعورة على الشعب السوري.
فيما أكد مراقبون أن توسيع النظام السوري المدعوم روسيا لنطاق العمل العسكري في إدلب ووضعها على رأس أولوياته، بهدف استعادة السيطرة على الطرق الدولية الذي يتحكم بمسار التحركات العسكرية والتجارية ويزيد رصيد المفاوضات السياسية في الملف السوري، وذلك بإخضاع الريفين الجنوبي والجنوبي الشرقي من إدلب له.
وقال العقيد أحمد حمادة: إن الروس مخادعون وكاذبون لم يلتزموا بأي هدنة أو حل، مشيرا إلى أن حملتهم العسكرية على إدلب مستمرة منذ أبريل/نيسان الماضي بهدف السيطرة على الطريق الدولي الواصل بين حلب ودمشق لانتشال النظام من الوضع الاقتصادي.
المصادر
- مقتل 72 سوريا بغارات وهجمات برية في إدلب
- "إدلب تحت النار".. "منسقو الاستجابة" يوثقون نزوح 80 ألف سوري في5 أيام
- أردوغان: 50 آلف شخص يتجهون حاليا من إدلب نحو أراضينا
- إدلب: جمعة كسر الحدود.. لوقف البربرية الروسية
- إدلب تُباد: ماذا بعد؟
- سوريا: ما هي بنود اتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح بإدلب؟
- أردوغان: منطقة خفض التصعيد في إدلب تختفي تدريجيا
- مناطق خفض التصعيد: إستراتيجية روسيا في حسم الصراع السوري عسكريًّا