بكين انزعجت بشدة.. كيف أحيا النجم أوزيل قضية مسلمي الإيجور؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الجرح النازف.. تركستان الشرقية".. 4 كلمات فقط اختارها اللاعب الألماني من أصل تركي ونجم نادي أرسنال الإنجليزي مسعود أوزيل، عنوانا لبيانه، عن مأساة مسلمي الإيجور في إقليم شينجيانغ بالصين، أثارت ضجة كبرى على المستويات الشعبية والرسمية.

وبقدر غضب بكين الرسمي من كلمات أوزيل التي تقطر حزنا من آلام إخوانه في تركستان الشرقية، بقدر ما ساهمت التغريدة في إحياء قضية المسلمين المضطهدين والمعذبين حتى الموت في هذه البقعة البعيدة من العالم.

كلمات أوزيل المعبرة عما يتعرض له مسلمو الإيجور، كشفت إهمال وتقصير أنظمة عربية وإسلامية في نصرة إخوانهم في الدين والعقيدة، وفشل هذه الأنظمة في أن تتخذ خطوات جادة تسهم في إيقاف العنف الممارس ضد ما يقرب من 2 مليون مسلم.

فقط، هي حالات تعاطف فردية لدى بعض مواطني الشعوب العربية والمسلمة تجاه المسلمين هناك في الصين، لكنها لم تتطور لتصبح جهودا منظمة وفعالة يمكن أن تشكل ضغطا واسعا يسهم في إيقاف الدماء النازفة هناك والعنف المفرط بحقهم بسبب العقيدة.

ضمير حي

منذ أيام قلائل شن اللاعب الألماني من أصل تركي مسعود أوزيل نجم أرسنال الإنجليزي هجوما حادا على السلطات الصينية بسبب الانتهاكات التي ترتكبها بحق أقلية الإيجور المسلمة.

نشر أوزيل، على حساباته بمواقع التواصل بيانا قال: فيه "القرآن يتم إحراقه، المساجد يتم إغلاقها، المدارس الإسلامية يتم منعها، علماء الدين يُقتلون واحدا تلو الآخر، الإخوة يتم إرسالهم إلى المعسكرات".

أوزيل ندد بصمت الأمة الإسلامية تجاه قضية الإيجور، متهما مسلمي العالم ووسائل الإعلام العربية بـ"التخلي عن واجبها تجاه الأقلية المسلمة في الصين"،  مختتما بيانه بعبارة "شرق تركستان جرح نازف في جسد الأمة الإسلامية".

تغريدة أوزيل لقيت ترحيبا واسعا من قبل نجوم وناشطين ومؤثرين على وسائل التواصل، حيث قال اللاعب المصري المعتزل والمحلل الرياضي محمد أبو تريكة عنه: "أوزيل قدم نموذجا للرياضي صاحب الضمير الحي، واتخذ موقفا قويا وشجاعا، قد يدفع ضريبته، لكنه كان محاربا شجاعا، وقدم درسا لم يقدمه الكثيرون".

ودعا أبو تريكة الرياضيين إلى "الاقتداء بأوزيل في التعبير عن قضاياهم دون خوف"، وأشار إلى أن أوزيل "كان قد رفض بداية الموسم عرضا من أحد الأندية الرياضية في الصين (بلغ 435 مليون جنيه إسترليني) يتجاوز أضعاف ما يحصل عليه من الأرسنال".

أبو تريكة أكد أن "ما فعله أوزيل سيكون له تبعات، فهو يحارب غولا اقتصاديا قويا، هو الصين التي تتحكم في السوق الاقتصادية الرياضية لكل من الدوري الإنجليزي والإسباني".

انزعاج صيني

كان لتغريدة أوزيل أثر كبير في كشف هذه القضية بشكل أوسع للعالم، الأمر الذي تسبب بإزعاج وقلق المؤسسات الرسمية الصينية، ودفعها للقيام بعدة إجراءات منها أن قناة تلفزيون "سي سي تي" الرسمية الصينية ألغت بث مباراة أرسنال ومانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي، وبثت بدلا منها مباراة توتنهام مع وولفر هامبتون.

كما حذف محرك البحث الأشهر في الصين "بايدو" كلمة أرسنال من الموقع، رغم أنه أحد أكثر الأندية شعبية في العالم، ووجه اتحاد الصين لكرة القدم رسالة لنادي أرسنال قال فيها: "إن تعليقات أوزيل غير مقبولة وإنها تؤذي مشاعر المشجعين الصينيين".

إدارة النادي الإنجليزي ردت على الرسالة عبر بيان نشر على موقع "ويبو"، وهو أحد أشهر مواقع التدوين في الصين، ويضم أكثر من 430 مليون مستخدم، قائلا: "ما أدلى به أوزيل رأي شخصي يعبر عن رأي اللاعب فقط، والنادي كفريق وإدارة ملتزمون بمبدأ عدم إقحام أنفسهم في السياسة".

رد النادي جاء مصحوبا بتخوفات من قبل إدارة النادي من انسحاب المعلنين الصينيين من دعم النادي الإنجليزي، الذي يملك مطعما خاصا في الصين، ومن المقرر أن يفتتح عدة فروع له في البلاد، بعد أن أطلق في وقت سابق موقعا إلكترونيا باللغة الصينية، لتوسيع قاعدته الجماهيرية هناك.

أما الموقف الرسمي لبكين فجاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية قنغ شوانغ الذي قال: "أوزيل تعرض لأخبار زائفة، وحكمه استند إلى معلومات غير حقيقية"، ودعاه لزيارة الإقليم.

ورغم إقرار الأمم المتحدة بأن نحو مليون إلى مليوني شخص، أغلبهم من المسلمين الإيجور محتجزون في ظروف قاسية بإقليم شينجيانغ الصيني، في إطار ما تطلق عليه السلطات الصينية حملة مكافحة الإرهاب، إلا أن السلطات الصينية تنكر تعرض أي منهم للتعذيب.

وبعيدا عن طبيعة المعاناة التي تعيشها الأقلية المسلمة في تركستان إلا أن ما قام به أوزيل أسهم بشكل كبير في كشف قضية الإيجور للعالم، وعزز من تدويل قضيتهم عالميا.


طريقة ذكية

ومثلما عبر أوزيل بطريقته عن معاناة مسلمي الإيجور، فإن فتاة أمريكية استطاعت هي الأخرى أن تعبر بطريقتها الخاصة عن المعاناة الأقلية المسلمة  في تركستان الشرقية، التي تسميها الصين إقليم شينجيانغ.

وبثت فتاة أمريكية مسلمة تدعى فيروزا عزيز وتبلغ من العمر 17 عاما تسجيلا مرئيا حظي بأكثر من مليون ونصف مشاهدة، عبر تطبيق "تيك التوك" الصيني، استطاعت من خلاله أن تمرر بطريقة ذكية، معلومات عن معاناة مسلمي الإيجور من خلال فيديو يتحدث عن طريقة استخدام أدوات التجميل وإطالة الرموش.

قالت الفتاة في المقطع: ".... لذا فإن أول ما عليكِ فعله هو أخذ أداة الرموش وتجعيد رموشك، ومن ثم ستضعينه وتستخدمين هاتفك الذي تستخدمينه الآن للبحث عما يحدث في الصين، وكيف يقيمون معسكرات اعتقال، ويفصلون عائلات الإيجور عن بعضهم البعض، ويخطفونهم، ويقتلونهم..".

هذا المقطع الذي لقي تفاعلا كبيرا أزعج إدارة الشركة فقامت بحذفه بعد أن حصل على مليون ونصف مشاهدة، ثم قامت بحظر حساب فيروزا، وبعد انتقادات واسعة من قبل ناشطين على وسائل التواصل اعتذرت إدارة تيك توك، عن حظر حساب الفتاة الأمريكية.

وبررت الشركة حذف المقطع بأنه "كان نتيجة خطأ بشري"، غير أن اضطرار الفتاة لتمرير المعلومات بذلك الشكل يكشف عن حجم القيود التي تمارسها المؤسسات الصينية ضد أي نشاط على وسائل التواصل الاجتماعي يفضح انتهاكاتها وجرائمها.

تفاعل كبير

تفاعل كبير شهدته مواقع التواصل بعد تغريدة أوزيل ودعوة أبو تريكة الجميع إلى الاقتداء بأوزيل في التعبير عن قضاياهم دون خوف، وتسليط الضوء على معاناة الأقلية المسلمة في إقليم تركستان لكشف انتهاكات السلطات الصينية.

مئات الآلاف غيروا صورة البروفايل على فيسبوك وصدروها بعلم إقليم تركستان الشرقية. في الماضي كان علم الإقليم عبارة عن هلال ونجمة زرقاويتين على خلفية بيضاء، ومكتوب عليها الشهاداتان واستمر ذلك حتى 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1933، لكن بعد سقوط الجمهورية الأولى وتأسيس جمهورية تركستان الشرقية الثانية في 12 يناير/كانون الثاني 1934 أصبح العلم الجديد يشبه العلم التركي، حيث يحتوي على هلال ونجمة بيضاويتين على خلفية زرقاء.

موقف أوزيل استنهض بالفعل إرادات شعبية في تركيا، وشجعها على القيام بدورها في استنكار ما تقوم به السلطات الصينية تجاه مسلمي الإيجور، حيث نظم آلاف الأتراك والعرب، مظاهرة حاشدة في إسطنبول  تنديدا بما يلاقيه مسلمو الإيجور من قمع وتعذيب من قبل السلطات الصينية.

هذا الحراك الشعبي، وإن كان غير كاف، إلا أنه مثّل استجابة عملية للنداء الذي وجهه أوزيل، وحالة الصمت الذي استنكرها تجاه معاناة الإيجور، ومن المعتقد أن يتكلل ذلك الحراك بالنجاح إن لقي تفاعلا من قبل الشعوب العربية والإسلامية في أكثر من بلد.

نشطاء طالبوا بضرورة استثمار القلق الصيني وردات فعله المفرطة في تكثيف ومضاعفة ذلك النشاط، الذي أثبت فاعليته في تعريف العالم بحقيقة ما يجري في هذا الإقليم من عنف وانتهاكات، كما أثبت فاعليته في انزعاج السلطات الصينية الرسمية من فضح ممارساتها.

وحسب متابعين، يبدو هذا النهج عمليا، ومقبولا أكثر، من بين كل الخيارات المطروحة، التي قد لا تبدو عملية، من بينها مقاطعة المنتجات الصينية، التي تعد من ناحية غير قابل للتطبيق، ومن ناحية أخرى تصب في مصلحة الدول الغربية الأخرى وعلى رأسها أمريكا، التي تعودت استثمار الأزمات العربية والإسلامية في ضرب اقتصادات الدول المنافسة لها.

أنظمة متخاذلة

خبراء أكدوا بالطبع، أنه كان يجب الحديث عن جهود دبلوماسية تقوم بها دول عربية وإسلامية، من خلال استدعاء سفراء الصين في بلدانهم، وإظهار استنكارهم للممارسات التي تقوم بها سلطاتهم ضد الأقلية المسلمة هناك، لكن التجاهل والخذلان وعدم الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية، فضلا عن المسؤولية الدينية، تجاه معاناة مسلمي الإيجور يجعل احتمالات تحرك الأنظمة العربية دبلوماسيا أمرا بعيد المنال.  

ففي الوقت الذي تبذل الطوائف الأخرى كاليهودية والنصرانية، جهودا لإيقاف معاناة أفرادها المنتشرين حول العالم، تقف الأنظمة العربية المسلمة، متبلدة ومتجاهلة معاناة أبنائها.

فعندما عانى أبناء الطائفة اليهودية في اليمن من اعتداء محدود من قبل بعض أفراد المجتمع اليمني على خلفية قضايا شخصية، طالبت حكومة إسرائيل المحتلة، بإيقاف ذلك الاعتداء، وقامت عقب ذلك بنقل كل أبناء الطائفة اليهودية إلى إسرائيل، ومنحتهم جوازات سفر.

وحين علق نحو 114 مصريا في فبراير/شباط الماضي بمدينة عدن اليمنية بعد هروبهم من السعودية، جراء التعسفات التي واجهوها من قبل كفلائهم والرسوم الطائلة المفروضة عليهم، تدخل البابا في مصر، وأنقذ مواطنا قبطيا كان من بين العالقين، فيما بقي الآخرون عالقين وتجاهلم النظام المصري رغم المناشدات، لتقوم الأمم المتحدة لاحقا بتنظيم رحلات لترحيلهم وإعادتهم إلى مصر.