عصب الاقتصاد في جيوبهم.. كيف يمهد جنرالات مصر لانهيار الدولة؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحت عنوان "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري"، شبه تقرير مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط الصادر حديثا، الوضع الحالي للقوات المسلحة في مصر، بوضعها عشية نكسة 1967.

جاءت هزيمة 5 يونيو/ حزيران 1967، كأبرز حدث دلل على عواقب ترك العسكر لثكناتهم، وصعودهم إلى سدة الحكم ومحاولاتهم صبغ المجتمع بصبغتهم، ودخولهم إلى القطاعات الاقتصادية، والتجاذبات السياسية.

كانت النتيجة، نكسة مروعة للجيش المصري، على يد العدو الإسرائيلي في سيناء، ودوى صوت الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي رسم ملامح عسكرة المجتمع، في أرجاء القاهرة، مع إعلانه خطاب التنحي يوم 9 يونيو/ حزيران 1967، قائلا: "لقد قررت أن أتنحى تماما ونهائيا عن أى منصب رسمي وأي دور سياسي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر".

الهزيمة أفقدت قادة الجيش آنذاك سطوتهم، وأدت إلى تغييرات واسعة في هيكليته، وعقليته الإدارية، وانزوى الجنرالات إلى ميدان المعركة، وتحرر الاقتصاد رويدا رويدا من نفوذهم.

لكن مع الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، على أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في البلاد محمد مرسي، عادت الكرة مرة أخرى، وتعاظم نفوذ الضباط، وأجهزوا بضراوة على مقدرات الدولة، وحطموا المنافسين، وقيدوا الاقتصاد بشكل كامل، ما ترك أثرا مدمرا على البلاد.

الاقتصاد العسكري

في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نشر يزيد صايغ مقالا على موقع ميدل إيست آي، البريطاني، تحت عنوان "يسيطر الجيش المصري على جزء كبير من الاقتصاد. هل هذا حكيم؟"، ذكر فيه: "أنه سُمح للجيش المصري لعقود بالانخراط في الأنشطة الاقتصادية كطريقة لتقليل موازنة الدفاع.

مضيفا أن "الاقتصاد العسكري يسمح أيضا بتعويض كبار الضباط مقابل الرواتب المنخفضة والمعاشات التقاعدية، وذلك بمنحهم الفرصة للحصول على دخل ومزايا إضافية".

وقال: "السيسي أظهر ازدراء علنيا للأجهزة المدنية في دولته، وأنه يشعر بأنه يستطيع الثقة في الجيش فقط للقيام بأي مهمة في الوقت المحدد في حدود الميزانية".

وتابع: "السيسي لا يمتلك رؤية اقتصادية ولا يفهم كيفية إيجاد الوظائف أو النمو أو زيادة الإيرادات بطريقة مستدامة، وخلاصة القصة أن الجيش يتبع الأوامر حتى إنه إذا طلب منه الذهاب لبناء مدينة جديدة في الرمال في مكان ما فهذا ما سيحدث".

خطة الهيمنة

بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، تصاعدت هيمنة الجيش على مقدرات الدولة، واجتاحت طبقة الجنرالات، جميع قطاعات الاقتصاد المدني، من خلال مجموعة من المؤسسات، والهيئات.

في 23 أغسطس/آب 2016، وقّع وزير الإنتاج الحربي المصري اللواء محمد العصار بروتوكولا بين وزارته الممثلة للقوات المسلحة، والشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات عن وزارة الصحة والإسكان، بحضور الوزير السابق أحمد عماد الدين راضي، وممثل القطاع الخاص الدكتورة ألفت غراب، لإنشاء أول مصنع لإنتاج أدوية الأورام في مصر.

وضم المشروع مصنع للسرنجات ذاتية التدمير، ومشروع تصنيع الأنسولين، ومصنع لقاح أنفلونزا الطيور، في خطوة تمثل هيمنة على سوق العقار المصري.

وتلعب 3 مؤسسات متخصصة تابعة للقوات المسلحة، دورها في المشاريع الاقتصادية، التي يهمن من خلالها الجيش على مجريات الحياة العامة، وتوفير معظم الحاجات الأساسية في البلاد، وتتمثل تلك المؤسسات في:

الهيئة العربية للتصنيع

أنشئت في العام 1975، وكان الهدف الأول منها إنتاج وتطوير الصناعات العسكرية الدفاعية، ومع الوقت وجهت قدراتها في دعم مشاريع التنمية المجتمعية، والنقل وحماية البيئة، بالإضافة إلى مجالات البنية التحتية.

الهيئة القومية للإنتاج الحربي

تتولى وزارة الإنتاج الحربي إدارة الهيئة القومية للإنتاج الحربي. وتدير الهيئة أكثر من 15 مصنعا ينتج الأسلحة والذخيرة العسكرية، إضافة إلى بعض السلع مثل التلفزيونات والأجهزة الإلكترونية والرياضية. بينما هناك أيضا قائمة من المشاريع القومية ينخرط الجيش في تنفيذها، وتشمل هذه المشاريع بناء الطرق والجسور والموانئ، وترميم المستشفيات والمدارس ومراكز الشباب، ومد أنابيب المياه، وبناء محطات تحلية المياه.

ولا تقتصر الصفقات التجارية التي يعقدها الجيش على المستوى القومي فحسب، بل توسعت لتشمل إقامة شراكات مع بعض الشركات العالمية مثل "جنرال إلكتريك" و"لوكهيد مارتن" و"ميتسوبيشي".

جهاز مشروعات الخدمة الوطنية

في البداية تم تأسيسه عام 1979، في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وكانت مهمته الرئيسية تحقيق الاكتفاء الذاتي للجيش، وعدم الاعتماد على سوق القطاع الخاص في توفير السلع الأساسية، ومع الوقت أسس الجهاز شركات متعددة توغلت في الاقتصاد المحلي.

طبقة مسيطرة

الاقتصادي المصري، الدكتور مصطفى شاهين، أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأمريكية، قال "للاستقلال": إن "عملية التحول الاقتصادي، نحو القطاع الخاص، بدأت بقوة عام 1991، خلال عهد مبارك، عندما أطلق يد طبقة رجال الأعمال، ولجأ للخصخصة، بطريقة عشوائية، تسببت في خسائر فادحة للدولة، بعدما قام القطاع الخاص بتجريف الأرض، وبيع المصانع، كما حدث لمصانع الغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى، وتدهور صناعة الأسمنت على سبيل المثال". 

ويضيف شاهين: "في السنوات الأخيرة لمبارك، كان الجيش متحفظا على ما يحدث، في إدارة البلاد اقتصاديا، وامتداد هيمنة رجال الأعمال، وسطوة القطاع الخاص على المقدرات، وبعد ثورة 25 يناير، بدأت عملية إعادة سيطرة الجيش على الاقتصاد بشكل كامل مرة أخرى، وتعمد إخراج القطاع الخاص، ورغم خسائر هذه العملية، لكن القوات المسلحة في هيئتها الحالية، مستعدة لتلك العملية، من أجل فرض الهيمنة على الموارد الاقتصادية، وبالتالي ستفرض هيمنة أكثر على الموارد البشرية".

وأكد أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأمريكية أن "هذه العملية التي يقوم بها الجيش حاليا، سوف تؤدي إلى مزيد من الاحتكارات، للجنرالات وللهيئة العسكرية كما حدث تماما خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما كنا نطبق النظام الاشتراكي، وبالتالي سترتفع الأسعار بشكل مبالغ، مع قلة الإنتاج".

وقال الاقتصادي المصري: "هذه العملية بالفعل سوف تؤثر على قدرة الجيش، خاصة أن دوره الإنتاجي فيما يتعلق بالصناعات العسكرية محدود، وكثير من الجيش في حالة بطالة فيما يتعلق بتلك الجزئية، وإطلاق يده في الاقتصاد المدني للدولة، سيؤدي إلى وجود فئة تستولي على مقدراتها، كما كشف المقاول المصري محمد علي في تسريباته، وحديثه عن جنرالات بعينهم مثل (اللواء طارق البرقوقي) مدير صندوق إسكان القوات المسلحة سابقا".

واختتم شاهين حديثه: "أديت خدمتي العسكرية بالجيش المصري، وأعرف طبيعة القيادات العسكرية، فخلال شهري يوليو، ويناير، يتم إصدار نشرة عسكرية، بحركة الترقيات، والإحالات إلى المعاش، ومن أجل ذلك يسعى كل جنرال إلى الحصول على أكبر كم من المكاسب، خلال فترة خدمته، وتكوين طبقة ولاءات من ضباط الوسط، الذين يساعدونه في ذلك، ومن ثم تسلم الأجيال بعضها البعض، هذه الحالة المستمرة، فكل قيادي بالجيش يسعى قبل إنهاء خدمته أن يناله من الحب جانب (تعبير مصري يقصد به الحصول على شيء، أو غرض ما)". 

سدنة الجنرال

وفي 12 سبتمبر/ أيلول الماضي، تناول الفنان والمقاول محمد علي، قضية فساد الجنرالات، عبر ذلك المقطع الذي قال فيه: "الجيش لا يخضع لأي رقابة ولا يمكن لأي مكتب استشاري أن يُدخل تعديلات على مشروعات المقاولات التي ينفذها".

علي كشف عن أسماء عدد من جنرالات الجيش غير المعروفين لعامة الشعب، الذين جمعوا مليارات الجنيهات مقابل رضاهم وسكوتهم عن فساد النظام الحاكم في البلاد.

من بين هؤلاء البرقوقي الذي شغل منصب مدير جهاز الإسكان في القوات المسلحة سابقا (المسؤول عن مشروعات الإسكان الخاصة بالضباط)، وواحد من أبنائه يمتلك شركة مقاولات "أركو جروب" ويُسند إليه أعمال خاصة بالقوات المسلحة بالأمر المباشر.

ووُجهت للواء طارق البرقوقي مجموعة من الاتهامات، بأنه متورط في عمليات بيع عقارات (عسكرية) للمدنيين (بالمخالفة للقانون).